التقاريرالتقارير السنويةتقارير النفطحصاد 2022نفطوحدة أبحاث الطاقة

الطلب على النفط في 2022.. نمو ملحوظ قيدته الضغوط الاقتصادية

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي

ارتفع الطلب على النفط حول العالم في 2022، مع استمرار التعافي الاقتصادي من تداعيات وباء كورونا، لكن وتيرة النمو جاءت أقل من التقديرات الأولية، بعدما تضررت معنويات المستهلكين من تسارع التضخم، جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وكان نمو الاقتصاد العالمي والتحول من الغاز الطبيعي إلى النفط في قطاع الكهرباء والاستخدامات الصناعية، مع أزمة أوكرانيا؛ المُحرّكان الأساسيان لزيادة استهلاك الخام عالميًا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام الثاني على التوالي بنسبة 3.2% خلال 2022، مقارنة بـ6% في العام الماضي (2021)، بعد انكماش ملحوظ عام الوباء؛ ما دفع الطلب على النفط للارتفاع.

ورغم ذلك؛ فإن الطلب على النفط عالميًا فشل في العودة بصورة كاملة إلى مستويات ما قبل الوباء، بفعل الضغوطات التي تعرض لها، خاصة في النصف الثاني من العام، حينما بدأ تسارع التضخم لمستويات تاريخية ينخر في عظام الاقتصاد العالمي؛ ما أجبر البنوك المركزية على رفع معدلات الفائدة بوتيرة متسارعة لكبح جماح زيادة الأسعار.

كما تَقيّد نمو الطلب العالمي على النفط مع عودة إصابات كورونا للارتفاع في الصين، وفرض المزيد من التدابير الصارمة على الحركة؛ ما خفّض استهلاك أكبر مستورد للنفط عالميًا.

تغيّرات الطلب على النفط

وسط تحديات الاقتصاد الكلي، التي ظهرت تداعياتها في النصف الثاني من 2022، يُنهي الطلب على النفط هذا العام بصورة مغايرة تمامًا للبداية؛ إذ تُقدّر وكالة الطاقة الدولية انكماش الاستهلاك العالمي لأول مرة منذ عام الوباء، بمقدار 110 آلاف برميل يوميًا، خلال الربع الرابع من العام على أساس سنوي، ليصل إلى 100.8 مليون برميل يوميًا.

وفي إجمالي عام (2022)، يتجه الاستهلاك العالمي من النفط للنمو بنحو 2.25 مليون برميل يوميًا، مسجلًا 99.93 مليون برميل يوميًا، لكن هذه الزيادة لم تكُن كافية ليتجاوز مستويات ما قبل كورونا، البالغة 100.5 مليونًا، وهو الأمر المتوقع حدوثه العام المقبل (2023)، كما يوضح الرسم أدناه:

الطلب على النفط حول العالم

وللمقارنة، من المتوقع ارتفاع المعروض العالمي من النفط بنحو 4.7 مليون برميل يوميًا، خلال 2022، بفضل زيادة إنتاج تحالف أوبك+، ليصل إلى 100 مليون برميل يوميًا، لكنه يظل أقل من مستويات ما قبل الجائحة، وفق المعلومات التي نقلتها وحدة أبحاث الطاقة عن أحدث التقارير الشهرية لوكالة الطاقة الدولية.

بينما تشير تقديرات منظمة أوبك إلى نمو الطلب على النفط عالميًا بنحو 2.55 مليون برميل يوميًا في 2022، ليصل الإجمالي إلى 99.56 مليون برميل يوميًا، لكن مجددًا يظل الاستهلاك أقل من مستويات ما قبل الوباء البالغة 99.66 مليون برميل يوميًا، وفق التقرير الشهري الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وفي أول تقاريرها الشهرية خلال 2022 -يناير/كانون الثاني- كانت منظمة الدول المصدرة للنفط تتوقع نمو الاستهلاك العالمي بنحو 4.15 مليون برميل يوميًا هذا العام، لتفوق مستويات ما قبل كورونا، لكن المستجدات الجيوسياسية والاقتصادية حالت دون ذلك.

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحًا؛ فإن الطلب على النفط قد ارتفع 5.83 مليون برميل يوميًا في العام الماضي (2021)، مسجلًا 97.01 مليون برميل يوميًا، بعدما انخفض بوتيرة حادة إلى 91.19 مليونًا خلال عام الوباء (2020).

وعلى أساس فصلي، تُقدّر أوبك ارتفاع الطلب العالمي على النفط إلى 101.11 مليون برميل يوميًا، خلال الربع الرابع من 2022، ليسجل ذروة جديدة متجاوزًا مستويات ما قبل كورونا عند 100.79 مليون برميل يوميًا في الربع نفسه من 2019.

ويرصد الرسم التالي تقديرات الطلب على النفط وفقًا لمنظمة أوبك منذ عام 2019 حتى 2023:

الطلب على النفط وفقًا لأوبك

وفيما يتعلق بالأداء الشهري، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية نمو استهلاك العالم من النفط إلى 102.22 مليون برميل يوميًا في ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو مستوى قياسي منذ الرقم نفسه المسجّل في يوليو/تموز 2019؛ ما يدفع المتوسط السنوي لهذا العام عند 99.82 مليونًا.

ووفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، بدأ الطلب على النفط العام الحالي عند مستوى 97.70 مليون برميل يوميًا في يناير/كانون الثاني، بانخفاض ملحوظ عن آخر 6 أشهر من عام 2021، لكنه سرعان ما تعافى في الشهر التالي بالقرب من 101 مليون برميل يوميًا قبل أن يتأرجح بين الصعود والهبوط على أساس شهري في بقية العام، وهو ما يوضحه الرسم التالي:

الطلب على النفط على أساس شهري

الطلب على النفط حسب نوع الوقود

كان الطلب على وقود الديزل في الصين والشرق الأوسط داعمًا بصورة كبيرة لنمو استهلاك النفط عالميًا خلال 2022، في حين تراجع الطلب الأوروبي والآسيوي على البتروكيماويات، بوتيرة تفوق التحول من الغاز إلى النفط.

وارتفع الطلب العالمي على الديزل بمقدار 664 ألف برميل يوميًا؛ ليصل الإجمالي إلى 28.33 مليون برميل يوميًا في 2022، ويظل في صدارة أكثر أنواع المنتجات النفطية استهلاكًا في العالم، حسب وكالة الطاقة، لكن يُرجح أن يشهد تباطؤًا ملحوظًا في النمو إلى 114 ألف برميل يوميًا العام المقبل.

ويتجه الطلب على البنزين عالميًا إلى 25.97 مليون برميل يوميًا خلال 2022، بزيادة 355 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي، مع توقعات بارتفاع قدره 148 ألف برميل يوميًا في العام المقبل، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ومن شأن استهلاك وقود الطائرات والكيروسين أن يكون الأسرع نموًا بين المشتقات النفطية هذا العام بنحو 871 ألف برميل يوميًا، ليسجّل إجمالي 6.1 مليون برميل يوميًا، مع تعافٍ واضح للسفر الجوي، رغم أنه لم يصل بعد إلى مستويات ما قبل وباء كورونا.

وتشير التقديرات إلى نمو قوي -أيضًا- للطلب على غاز النفط المسال والإيثان بمقدار 565 ألف برميل يوميًا في 2022، ليرتفع إجمالي الاستهلاك إلى 14.41 مليون برميل يوميًا، كما أنه من المتوقع زيادة الطلب على زيت الوقود الثقيل بنحو 297 ألف برميل يوميًا، ليصل إلى 6.45 مليونًا.

ويُظهر الرسم البياني التالي، الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة، الطلب على النفط عالميًا حسب نوع الوقود بين عامي 2020 و2023:

الطلب على النفط عالميًا حسب نوع الوقود

وتكافح مصافي التكرير العالمية لتلبية الطلب على الديزل والبنزين، الذي تعافى بسرعة من آثار كورونا، في الوقت الذي تتعرض فيه القدرة الإنتاجية للمصافي لتراجع حاد، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

وتجدر الإشارة إلى أن سعة تكرير النفط في العالم قد تراجعت 3.8 مليون برميل يوميًا منذ بداية تفشي جائحة كورونا، في مارس/آذار 2020 حتى 2021، ليكون الهبوط الأول في أكثر من عقدين، حتى قبل أن تُفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية الضغوطات على المصافي، بحسب ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة عن تقرير لمنتدى الطاقة الدولي بالتعاون مع منصة ستاندرد آند بورز غلوبال.

استهلاك النفط حسب المنطقة

لا تزال آسيا والمحيط الهادئ أكثر المناطق استهلاكًا للنفط حول العالم بنسبة تفوق 36% من الإجمالي العالمي، وهو ما يمثل 36.4 مليون برميل يوميًا في 2022، ارتفاعًا من 35.75 مليون برميل يوميًا في العام الماضي، رغم تباطؤ نمو الطلب في الصين، وفق حسابات وحدة أبحاث الطاقة، اعتمادًا على بيانات أوبك الشهرية.

وفي دول آسيا والمحيط الهادئ لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ من المتوقع نمو الطلب على النفط إلى 7.47 مليون برميل يوميًا في مجمل عام 2022، بزيادة طفيفة عن النمو البالغ 7.41 مليون برميل يوميًا في العام السابق له، لكنه لم يعُد بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة البالغة 7.93 مليونًا، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك -أيضًا- العام المقبل.

بينما تُقدَّر أوبك ارتفاع الطلب على النفط في دول الأميركتين بمنظمة التعاون الاقتصادي إلى 25.08 مليون برميل يوميًا هذا العام، ليسجّل أعلى مستوى منذ عام 2019 حينما بلغ 25.53 مليون برميل يوميًا، مع توقعات بزيادة 332 ألف برميل يوميًا العام المقبل.

ويتجه استهلاك النفط في أميركا اللاتينية للارتفاع بمقدار 190 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي، ليصل إلى 6.41 مليون برميل يوميًا خلال 2022، ليظل أقل من مستويات ما قبل الوباء، رغم نمو اقتصاد المنطقة بنحو 3.6% للعام الثاني على التوالي، بعد انكماش لعامين متتاليين في 2019 و2020، وفق بيانات صندوق النقد الدولي التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.

ويرصد الرسم أدناه، إجمالي الطلب العالمي على النفط حسب المنطقة منذ عام 2016 حتى 2023:

الطلب على النفط حسب المنطقة

وبالعودة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حيث دول أوروبا؛ فمن المرجح نمو الطلب على النفط لدى البلدان الأوروبية الأعضاء في المنظمة بنحو 13.65 مليون برميل يوميًا خلال 2022، ارتفاعًا من 13.08 مليونًا في 2021، لكنه لم يصل بعد إلى مستويات ما قبل الوباء، بل من المستبعد حدوث ذلك حتى فيما بعد، وفق وحدة أبحاث الطاقة، مع الدفع القوي نحو الطاقة المتجددة في القارة العجوز، على خلفية أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وعلى ذكر الأزمة الأوكرانية؛ فإن تداعياتها قد أضرت باقتصاد روسيا، الذي يتجه للانكماش بنحو 3.4% خلال 2022، بعد نمو بلغ 4.7% العام الماضي -وفق تقديرات صندوق النقد- ما دفع بالطبع استهلاك النفط في البلاد إلى 3.53 مليون برميل يوميًا هذا العام، بانخفاض عن مستويات الاستهلاك البالغة 3.61 مليونًا في 2021.

ومن جهة أخرى، تتوقع منظمة أوبك نمو الطلب على النفط في منطقة الشرق الأوسط بمقدار 430 ألف برميل يوميًا خلال 2022، ليصل الإجمالي إلى 8.22 مليون برميل يوميًا، مسجلًا أعلى مستوى منذ عام 2017، مع زيادة استهلاك الكهرباء لأغراض التبريد، وسط ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من المعتاد خلال أشهر الصيف، وفق البيانات التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

ويأتي نمو الطلب على الخام في منطقة الشرق الأوسط، بدعم من ارتفاع استهلاك السعودية -أكبر اقتصاد في المنطقة- مع نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بوتيرة قوية هذا العام قد تبلغ 7.6%، ارتفاعًا من 3.2% العام الماضي، ليكون أعلى معدل نمو سنوي في 11 عامًا -بحسب صندوق النقد الدولي- مستفيدًا من ارتفاع أسعار النفط.

ومع النمو القوي للاقتصاد المحلي، يرى مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) نمو استهلاك النفط في السعودية إلى 3.8 مليون برميل يوميًا في 2022، بزيادة 180 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي، مع ارتفاع توليد الكهرباء وانتعاش نشاط النقل، خاصة قطاع الطيران؛ حيث يُمثل وقود الطائرات 31% من النمو هذا العام.

وتشير التقديرات إلى انخفاض الطلب على النفط في السعودية لنحو 3.6 مليون برميل يوميًا، خلال الربع الأخير من 2022، مقابل 4.3 مليون برميل يوميًا، في الربع السابق له، بعد ارتفاع ملحوظ شهده الربعان الثاني والثالث من 2022، مثلما يُظهر الرسم أدناه:

الطلب على النفط في السعودية

الطلب على النفط في أوروبا

لمزيد من التفاصيل، تتعمق وحدة أبحاث الطاقة في عدّة مناطق؛ أبرزها أوروبا والولايات المتحدة والصين والهند؛ إذ تؤثر -غالبًا- في تحركات الطلب على النفط حول العالم، وهو ما تجلّى بصورة واضحة هذا العام (2022).

وفي أوروبا، أحدثت الحرب الروسية الأوكرانية تغيّرات كبيرة في مزيج الطاقة داخل القارة العجوز، التي تعتمد أساسًا على الواردات في تلبية احتياجاتها؛ خاصة من روسيا؛ ما جعلها أكثر المتضررين من أزمة الطاقة الحالية، بعدما اضطر الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية وفرض عقوبات اقتصادية كبيرة؛ ردًا على غزو أوكرانيا.

وواجهت موسكو ذلك بخفض تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، التي كانت تعتمد عليه بنسبة 30% من مجمل وارداتها؛ ما أجبر الحكومات الأوروبية على تعزيز مصادر الطاقة المتجددة والتحول من الغاز إلى النفط في توليد الكهرباء والأنشطة الصناعية، خاصة مع ارتفاع أسعار الغاز لمستويات قياسية، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ونتيجة ذلك، يُتوقع نمو الطلب على النفط في جميع دول أوروبا إلى 14.6 مليون برميل يوميًا خلال عام 2022، مقارنة بـ13.9 مليون برميل يوميًا في العام السابق له، وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية، وهى تقريبًا توقعات منظمة أوبك وإدارة معلومات الطاقة الأميركية نفسها.

وللمزيد من التوضيح لتحركات استهلاك النفط في أوروبا هذا العام؛ فإنه قد انخفض إلى 13.20 مليون برميل يوميًا في يناير/كانون الثاني (2022)، وهو أقل مستوى منذ مايو/أيار 2021، قبل أن يتخذ اتجاهًا صعوديًا تسارعت وتيرته في النصف الثاني من العام، بعدما بدأت روسيا في تقييد صادراتها إلى القارة.

وبلغ الطلب على النفط في أوروبا ذروته -على أساس شهري- لهذا العام في أغسطس/آب عند 14.94 مليون برميل يوميًا، وهو المستوى الذي لم يشهده منذ سبتمبر/أيلول 2021، قبل أن يُنهي العام عند 14.34 مليونًا في ديسمبر/كانون الأول، استنادًا لأرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهو ما يرصده الرسم التالي:

الطلب على النفط في أوروبا

وكانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على روسيا في تلبية 45% من وارداتها النفطية بنهاية 2021، قبل الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث استوردت الكتلة 2.2 مليون برميل يوميًا من الخام و1.5 مليون برميل يوميًا من المنتجات النفطية مع استحواذ الديزل على الثلث (500 ألف برميل يوميًا).

وفي 2022، تراجعت واردات أوروبا القادمة من روسيا بداية من مارس/آذار 2022؛ إذ بلغت 3.4 مليون برميل يوميًا من الخام والمشتقات النفطية، مقارنة بـ4.1 مليونًا في فبراير/شباط، وذلك قبل بدء غزو موسكو للأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/شباط، واستقرت الواردات الأوروبية عند المستويات نفسها حتى قرر الاتحاد الأوروبي في 31 مايو/أيار حظر النفط الروسي.

ووافق الاتحاد الأوروبي على حظر معظم واردات النفط الخام الروسية المنقولة بحرًا بحلول 5 ديسمبر/كانون الأول (2022)، وكذلك المنتجات المكررة بداية من فبراير/شباط 2023، لتبدأ الكتلة الخفض التدريجي لوارداتها من موسكو حتى بلغت 1.1 مليون برميل يوميًا من النفط الخام في نوفمبر/تشرين الثاني، في حين زادت واردات المشتقات النفطية إلى 1.2 مليونًا بصورة مؤقتة استعدادًا للحظر، بعدما انخفضت إلى أقل من مليون برميل يوميًا في الشهرين السابقين.

وتتجه واردات أوروبا من روسيا لهبوط حاد في ديسمبر/كانون الأول؛ فمع دخول قرار الحظر حيز التنفيذ، من المقرر أن يُسمح فقط لنحو 350 ألف برميل يوميًا عبر خط أنابيب النفط (دروجبا) بالإضافة إلى 100 ألف برميل يوميًا من الأحجام المنقولة بحرًا، بالاستمرار في التدفق إلى دول الاتحاد الأوروبي.

ومن أجل تعويض إمدادات النفط الروسي، تعمل دول الاتحاد الأوروبي على زيادة الواردات من الشرق الأوسط والنرويج والبرازيل وغايانا كما تفعل منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو لتعزيز صادراتها إلى آسيا، خاصة أن خام الأورال الروسي يُباغ بخصم كبير، بعد قرار السقف السعري البالغ 60 دولارًا للبرميل، الذي فرضته مجموعة الـ7 الكبرى، بداية من 5 ديسمبر/كانون الأول.

ورغم قرار حظر النفط الروسي؛ فقد رفعت وكالة الطاقة الدولية -في أحدث تقاريرها الشهرية- توقعاتها للتحول من الغاز إلى النفط في أوروبا بمقدار 80 ألف برميل يوميًا ليصل إلى 500 ألف برميل يوميًا خلال الأشهر الـ6 المنتهية في مارس/آذار 2023. بزيادة 300 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي.

استهلاك النفط في الولايات المتحدة

ارتفع الطلب على النفط في الولايات المتحدة -أكبر مستهلك للنفط عالميًا- إلى 20.54 مليون برميل يوميًا خلال 2022، مقارنة بما يزيد قليلًا على 20 مليون برميل يوميًا، لكنه لا يزال أقل من مستويات ما قبل الوباء البالغة 20.9 مليونًا، وفق تقديرات منظمة أوبك.

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى نمو الطلب على النفط في الولايات المتحدة بمقدار 420 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي، ليصل إلى 20.31 مليون برميل يوميًا، هذا العام، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بحسب الأرقام التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تُلبي جزءًا من احتياجاتها عن طريق الاستيراد؛ حيث بلغ صافي واردات النفط الخام الأميركية -الفارق بين الصادرات والواردات- قرابة 2.77 مليون برميل يوميًا في 2022، كما تُقدر إدارة معلومات الطاقة، مقارنة بـ3.15 مليونًا في العام الماضي.

وعلى أساس شهري؛ فقد تجاوز الطلب على النفط في الولايات المتحدة مستويات ما قبل الوباء، بعدما بلغ 20.82 مليون برميل يوميًا في ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو أعلى مستوى مسجّل منذ أغسطس/آب 2019، حينما بلغ 21.16 مليونًا، كما يُظهر الرسم البياني أدناه:

الطلب على النفط في الولايات المتحدة

وتأتي زيادة استهلاك النفط بالتزامن مع النمو المتوقع لأكبر اقتصاد في العالم بنسبة 1.6% خلال 2022، بعد تعافٍ قوي من صدمة الوباء في العام الماضي، حينما نما الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنحو 5.7%، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

وتأثرت وتيرة نمو الطلب على النفط في الولايات المتحدة بارتفاع معدل التضخم لأعلى مستوياته في 41 عامًا، خلال يونيو/حزيران؛ إذ تضررت القوة الشرائية للمستهلكين ويُخفض إنفاق الأسر، فضلًا عن أنه دفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لزيادة معدل الفائدة 7 مرات هذا العام ليكون في نطاق يتراوح بين 4.25% و4.50%، بعدما كان بالقرب من الصفر في مارس/آذار 2022، وهو ما أثار المخاوف بشأن الركود الاقتصادي.

وبحسب البيانات الرسمية؛ نما الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 3.2%، خلال الربع الثالث من 2022، بعد انكماشه بنسبة 1.6% في الربع الأول و0.6% في الربع الثاني، مع ارتفاع معدلات الفائدة وتسارع التضخم.

وأدّى التضخم، الذي طال في الأساس أسعار الطاقة، مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى انخفاض الطلب على البنزين بداية من الربع الثاني، ليصل إلى 8.78 مليون برميل يوميًا في المتوسط هذا العام، مقارنة بـ8.82 مليون برميل يوميًا عام 2021؛ إذ أدّت أسعار الوقود المرتفعة إلى إجبار الأسر على تقليص أو إلغاء الرحلات الصيفية؛ بسبب عدم قدرتها على تحمل التكاليف.

وعلى عكس البنزين، الوحيد الذي شهد هبوطًا في الطلب بين المشتقات النفطية الرئيسة؛ فقد ارتفع الطلب على وقود الطائرات في الولايات المتحدة إلى 1.56 مليون برميل يوميًا هذا العام، مقابل 1.37 مليون برميل يوميًا في العام الماضي؛ ما يعني زيادة الاستهلاك 14% تقريبًا، كما زاد استهلاك المقطرات بوتيرة طفيفة ليسجّل 3.98 مليونًا، حسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

الطلب على النفط في الصين

في مخالفة لنمو الطلب العالمي، انكمش الطلب على النفط في الصين خلال 2022، بنحو 180 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي، ليسجّل 14.79 مليون برميل يوميًا، وفق تقييمات منظمة أوبك؛ حيث لم يسعفه النمو الملحوظ في الربع الرابع عند 15.32 مليونًا، لعكس الاتجاه السلبي في مجمل العام.

بينما تشير تقديرات وكالة الطاقة، التي اطّلعت على تفاصيلها وحدة أبحاث الطاقة، إلى تراجع استهلاك النفط في الصين لقرابة 15 مليون برميل يوميًا، خلال العام الجاري؛ ما يعني انخفاضًا بنحو 418 ألفًا.

وفي مفارقة أخرى؛ فإن الصين -ثاني أكبر مستهلك للخام عالميًا- قد خالفت اتجاه تراجع الطلب على النفط عالميًا في عام 2020، حيث نما استهلاك البلاد إلى 13.52 مليون برميل يوميًا في 2020، مقارنة بـ13.48 مليونًا في العام السابق له، بعدما كانت أولى الدول التي عادت فيها الحياة لطبيعتها بعد الصدمة الأولى للوباء، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وبعد نمو ملحوظ في 2021، تضرر الطلب على النفط في الصين هذا العام مع تسارع الإصابة بالفيروس مجددًا وما يتبعها من قيود إغلاق صارمة على الحركة والتنقل في العديد من المدن بعضها بشكل كامل والآخر جزئي؛ إذ توقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 3.2% خلال 2022، مقارنة بنمو قوي بلغ 8.1% في العام السابق له.

وأمام ذلك؛ فإن بكين تراجعت مؤخرًا عن بعض القيود مع تصاعد الاضطرابات الاجتماعية داخل البلاد؛ ما يعني عودة نسبية للحركة في البلاد، لكن هذا الاتجاه لم يظهر أثره بعد في الأسواق.

وتأرجح الطلب على النفط في الصين بين الارتفاع والهبوط على أساس شهري، مع تخفيف قيود الإغلاق وزيادتها عدة مرات هذا العام؛ حيث سجّل 15.23 مليون برميل يوميًا في الشهر الأول من 2022، قبل أن يهبط إلى 14.76 مليونًا في مارس/آذار مع تزايد إصابات كورونا، ثم استقر فوق 15 مليونًا لعدّة أشهر من العام.

وعاد استهلاك الصين من النفط للهبوط القوي مرة أخرى في أغسطس/آب عند 14.69 مليون برميل يوميًا، ثم ارتفع في سبتمبر/أيلول، قبل أن يهبط مجددًا إلى أقل مستوى لهذا العام عند 14.61 مليونًا خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022، لكن تخفيف تدابير مواجهة كورونا دفعه للارتفاع في الشهرين التاليين، مثلما يُوضح الرسم التالي:

الطلب على النفط في الصين

وكانت المنتجات النفطية المرتبطة بالتنقل الأكثر تضررًا هذا العام؛ إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض استهلاك البنزين في الصين بمقدار 106 آلاف برميل يوميًا على أساس سنوي، ليصل إلى 3.40 مليون برميل يوميًا؛ بينما يتجه الطلب على وقود الطائرات والكيروسين للانخفاض بمقدار 243 ألفًا، ليسجل 0.491 مليون برميل يوميًا.

وتراجعت واردات الصين النفطية إلى 10.1 مليون برميل يوميًا، خلال أول 11 شهرًا من 2022، بانخفاض 1.4% عن المدّة المقارنة من 2021، مع تراجع الطلب على النفط، وجاء هذا الهبوط رغم أن الواردات كانت تحوم حول أعلى مستوى منذ 10 أشهر خلال نوفمبر/تشرين الثاني عند 11.37 مليونًا، وفق أحدث بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية.

وفي السياق نفسه، عززت الصين وارداتها من النفط الروسي إلى 1.9 مليون برميل يوميًا في نوفمبر/تشرين الثاني، مقابل 1.6 مليونًا في فبراير/شباط، قبل غزو موسكو لأوكرانيا، مستفيدةً من التخفيضات الكبيرة على خام موسكو، رغم أن هذا الرقم يمثل انخفاضًا من واردات يونيو/حزيران البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا، حسب وكالة الطاقة.

الطلب على النفط في الهند

كانت الهند المحرك الرئيس لنمو الطلب على النفط عالميًا خلال 2022؛ خاصة في الأرباع الـ3 الأخيرة؛ حيث نما الاستهلاك بوتيرة أسرع من أيّ دولة أخرى، بلغت 420 ألف برميل يوميًا في الربع الثالث على أساس سنوي، بعد أن تسارع الطلب بمقدار 670 ألف برميل يوميًا في الربع الثاني، وفق تقييمات وكالة الطاقة الدولية.

ليس هذا فحسب، بل من المرجح أن تستمر الهند -ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم- في قيادة الطلب العالمي، خلال الربع الأخير من 2022، بنحو 170 ألف برميل يوميًا، قبل أن تعود الصين إلى الصدارة في أوائل العام المقبل، بعد تخفيف قيود الإغلاق المتعلقة بكورونا.

وتتوقع وكالة الطاقة نمو إجمالي استهلاك النفط في الهند إلى 5.15 مليون برميل يوميًا هذا العام، مقارنة بـ4.76 مليون برميل يوميًا في العام الماضي، وهى تقريبًا نفس تقديرات منظمة أوبك، التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

وفيما يتعلق بالأداء الشهري؛ فإن الطلب على النفط في الدولة الآسيوية قد بلغ ذروته لهذا العام عند 5.25 مليون برميل يوميًا، خلال فبراير/شباط 2022، وهو الرقم الذي لم يشهده منذ نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2020، لكنه ظل بالقرب من هذه المستويات في معظم الأشهر التالية، ليُنهي العام عند مستوى متوقع لشهر ديسمبر/كانون الأول يبلغ 5.16 مليونًا، حسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وبحسب ما أعدته وحدة أبحاث الطاقة، يُظهر الرسم التالي الطلبَ على النفط في الهند شهريًا بين عامي 2019 و2022:

الطلب على النفط في الهند

وارتفع استهلاك وقود الديزل في الهند بنحو 157 ألف برميل يوميًا، ليصل إلى 1.171 مليون برميل يوميًا خلال 2022، مع عودة نشاط التنقل إلى مستويات عام 2019، كما زاد الطلب على البنزين 80 ألف برميل يوميًا، ليسجّل 862 ألفًا.

وعززت الهند وارداتها من روسيا لتلبية الطلب المتزايد من جهة وللاستفادة من الخصم الكبير على سعر الخام الروسي على خلفية العقوبات الغربية ضد موسكو؛ حيث استوردت الدولة كمية قياسية بلغت 1.4 مليون برميل يوميًا في نوفمبر/تشرين الثاني، ارتفاعًا من 0.1 مليونًا فقط في أول شهرين من العام، قبل غزو أوكرانيا.

وتقدر وحدة أبحاث الطاقة أن واردات الهند من النفط الروسي ستواصل تحقيق مستويات قياسية في ديسمبر/كانون الأول؛ للاستفادة من خصومات أكثر على سعر خام الأورال مع بلوغه 49 دولارًا للبرميل، انخفاضًا من السقف السعري المحدد عند 60 دولارًا للبرميل.

وأسهمت الهند إلى جانب الصين وتركيا في تعويض نسبي لانخفاض الصادرات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي؛ إذ زادت الدول الـ3 وارداتها من الخام الروسي بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا بحلول الصيف، قبل أن تستقر إلى حد ما في الأشهر التالية، وفق وكالة الطاقة الدولية.

وبنهاية نوفمبر/تشرين الثاني، ارتفعت حصة الهند والصين وتركيا من الصادرات الروسية إلى 18% و24% و6%، على الترتيب، مقارنة بـ1% و21% و3% قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب المعلومات التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

اقرأ أيضًا من تقارير حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2022..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق