التقاريرالتقارير السنويةتقارير الغازحصاد 2022غازوحدة أبحاث الطاقة

أسعار الغاز الطبيعي في 2022.. تقلبات حادة وسط أزمة الإمدادات

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي

استمر لهيب أسعار الغاز الطبيعي في إشعال أزمة الطاقة العالمية للعام الثاني على التوالي، بعدما أضافت الحرب الروسية الأوكرانية مزيدًا من الضغوط على نقص الإمدادات.

وقفزت أسعار الغاز عالميًا لمستويات غير مسبوقة خلال العام الجاري (2022)، لدرجة أنها لم تترك خيارًا أمام الحكومات والمستهلكين سوى ضرورة خفض الطلب، لاسيما في ظل ضغوط المعروض.

وقطعت روسيا تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا مرارًا، قبل أن تقلِّصها في نهاية المطاف، بعد العقوبات الغربية المفروضة ضدّها، وأرجعت ذلك -في الغالب- إلى عمليات الصيانة، في حين يرى الاتحاد الأوروبي -الذي أدخل قرار حظر الواردات الروسية حيز التنفيذ هذا الشهر- أن موسكو تستعمل الطاقة سلاحًا.

وأثّر ذلك بصعود أسعار الغاز الطبيعي في غالبية العام، قبل أن تهدأ خلال الأشهر الأخيرة، بعدما تمكنت أوروبا من تنويع مصادر الإمدادات وملء مواقع التخزين، إلى جانب انخفاض الطلب، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا

كانت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية الأكثر ارتفاعًا حول العالم، كون القارة العجوز في مقدمة المتضررين جراء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تلاها من تقييد لصادرات خطوط الأنابيب الروسية، ردًا على العقوبات الغربية ضد موسكو.

وارتفع سعر العقود الآجلة في مؤشر تي تي إف الهولندي -المعيار الرئيس للغاز في أوروبا- بأكثر من 27% هذا العام، حتى جلسة (27 ديسمبر/كانون الأول 2022)، وفق حسابات وحدة أبحاث الطاقة.

ورغم أن نسبة الارتفاع هذه ليست ضئيلة، فإنها لا تعبّر عن التقلبات الحادّة والمستويات القياسية، التي شهدتها أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا طوال عام 2022.

وأنهى سعر الغاز في أوروبا العام الماضي (2021) عند مستوى 65.16 يورو (69.13 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، وبدأ في الارتفاع أوائل هذا العام، حتى قفز إلى 127.9 يورو (135.7 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة في جلسة 24 فبراير/شباط، التي شهدت بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

وواصلت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعها قبل أن تستقر فوق 90 يورو (95.5 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، بداية من منتصف مارس/آذار حتى يونيو/حزيران 2022، قبل أن تبدأ روسيا في خفض صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا.

وبدءًا من مايو/أيّار 2022، أوقفت شركة غازبروم الروسية إمدادات الغاز عبر خط أنابيب يامال -بسعة تصل إلى 33 مليار متر مكعب سنويًا- إلى بولندا، بعدما رفضت الدولة الأوروبية قرار موسكو الدفع بالروبل مقابل الغاز.

كما أغلقت روسيا خط أنابيب نورد ستريم1 -الناقل الرئيس بسعة 55 مليار متر مكعب سنويًا- بداية من 11 يوليو/تموز 2022، لأعمال الصيانة تارة، ولحدوث تسرّب تارة أخرى، قبل إيقافه لأجل غير مسمى منذ نهاية أغسطس/آب 2022.

وكانت انقطاعات الإمدادات هذه كفيلة أن تدفع أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية إلى الصعود لمستوى قياسي بلغ 345.7 يورو (366.8 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، أو ما يعادل 99 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في 26 أغسطس/آب، وهو ما يمثّل ارتفاعًا بأكثر من 430% منذ بداية العام.

ومنذ ذلك الحين، اتخذت أسعار الغاز مسارًا هبوطيًا حتى بلغ 82.9 يورو (88.5 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، أو 26.8 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بنهاية تعاملات (27 ديسمبر/كانون الأول 2022)، بعدما استطاعت أوروبا دخول الشتاء بمخزونات كافية، فضلًا عن درجات الحرارة المعتدلة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على وضع سقف لأسعار الغاز الطبيعي عند 180 يورو (191 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، يدخل حيز التنفيذ في 15 فبراير/شباط 2022، بعد أن أقرّت سقفًا آخر لأسعار النفط الروسي عند 60 دولارًا للبرميل، بدأ العمل به 5 ديسمبر/كانون الأول.

وعادةً ما تستعمل روسيا، وخاصة شركة الغاز الحكومية غازبروم، وحدات القياس غيغاواط وتيراواط في تعاملاتها الأوروبية (غيغاواط/ساعة = 3.2 مليون قدم مكعبة غاز)، كما أن (تيراواط/ساعة = 3.2 مليار قدم مكعبة غاز).

أسعار الغاز الطبيعي في أميركا وآسيا

ارتفعت أسعار الغاز الأميركية في هنري هوب بأكثر من 46% خلال العام الحالي، حتى جلسة (27 ديسمبر/كانون الأول 2022)، وفق حسابات وحدة أبحاث الطاقة، بعدما شهدت تقلبات حادّة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويرصد الرسم البياني التالي المتوسط اليومي لأسعار الغاز الفورية في هنري هوب تاريخيًا، حسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية:

أسعار الغاز الطبيعي اليومية

وفضلًا عن أزمة أوكرانيا، تأثّرت أسعار الغاز الطبيعي في أميركا بارتفاع الطلب لأغراض التدفئة خلال الشتاء، وزيادة صادرات الغاز المسال وتراجع المخزونات.

وكانت أسعار الغاز الأميركية متأرجحة بين الصعود والهبوط في أوائل العام، قبل أن تسلك اتجاهًا صعوديًا حتى بلغت 9.3 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بنهاية جلسة 6 يونيو/حزيران، مسجلة أعلى مستوى منذ عام 2008، ثم هبطت إلى 5.4 دولارًا بنهاية الشهر نفسه.

وعاودت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الصعود إلى أعلى مستوى منذ عام 2008، في جلسة 22 أغسطس/آب، عند 9.68 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهي الذروة اليومية المسجلة هذا العام.

وتأرجحت أسعار الغاز الأميركية بين الصعود والهبوط في الأشهر التالية، حتى بلغت 5.2 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بنهاية جلسة (27 ديسمبر/كانون الأول 2022).

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية ارتفاع متوسط سعر الغاز في هنري هوب إلى 6.48 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 2022، مقابل 3.91 دولارًا العام الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن أسعار الغاز الطبيعي في واحة هوب بغرب تكساس قد تحولت إلى السالب في (25 أكتوبر/تشرين الأول 2022) للمرة الأولى منذ عام 2020، مع إجراء صيانة في خطوط الأنابيب.

وتماشيًا على الاتجاه العالمي، قفزت أسعار الغاز المسال في آسيا -تعتمد في الغالب على استيراد الغاز المسال مع نقص خطوط الأنابيب التي تربطها بالمصدّرين- إلى مستويات قياسية أيضًا، خلال 2022.

وحسب المؤشر الآسيوي "اليابان-كوريا ماركر" (جيه كيه إم)، التابع لمؤسسة ستاندرد آند بورز غلوبال، فإن أسعار الغاز المسال الفورية في آسيا قد بلغت مستوى قياسيًا عند 85 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية أواخر فبراير/شباط، مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وهبطت أسعار الغاز الطبيعي المسال الآسيوية في الأشهر التالية، مع تراجع الطلب على خلفية تباطؤ النمو الاقتصادي وإصابات كورونا في الصين، لتكون حول مستويات 20 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في مايو/أيّار.

وعاودت الأسعار الآسيوية الارتفاع فوق 70 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية أواخر أغسطس/آب، مع تفاقم أزمة نقص الإمدادات، قبل أن تهدأ الأسعار مجددًا، وتُتداول فوق 30 دولارًا أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022.

تأثير الطلب والمعروض من الغاز

كان الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من نقص حادّ في الإمدادات، خاصة في أوروبا، وراء قفزة أسعار الغاز الطبيعي عالميًا، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع إنتاج الغاز الطبيعي حول العالم إلى 4.089 تريليون متر مكعب هذا العام، مقارنة مع 4.11 تريليون متر مكعب العام الماضي، كما يرصد الرسم التالي:

إنتاج الغاز الطبيعي عالميًا

وجاء هذا الهبوط -في الغالب- مع انخفاض إنتاج الغاز الروسي إلى 651 مليار متر مكعب خلال 2022، مقابل 762 مليار متر مكعب العام الماضي، بفعل العقوبات الغربية وخفض الصادرات إلى أوروبا.

ويُضاف إلى انخفاض الإنتاج العالمي، التراجع الحاد لصادرات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، وهو السبب الرئيس في القفزة القياسية لأسعار الغاز الطبيعي خلال العام، إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض صادرات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا عند 60 مليار متر مكعب في 2022، مقارنة مع 140 مليار متر مكعب عام 2021.

وعلى جانب الطلب، كانت العلاقة بين أسعار الغاز الطبيعي والاستهلاك ذات طابع خاص هذا العام، فقد أدّى ارتفاع الطلب -بالإضافة إلى نقص الإمدادات- إلى صعود الأسعار لمستويات قياسية، والتي بدورها دفعت الاستهلاك العالمي إلى الانكماش، ومن ثم تراجعت الأسعار أواخر العام (2022).

ومن المتوقع انكماش الطلب على الغاز الطبيعي بنحو 0.8% إلى 4.071 تريليون متر مكعب خلال 2022، مقارنة مع 4.103 تريليون متر مكعب العام الماضي، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

ودفعت أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة، والرغبة في تقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية، استهلاك الغاز في أوروبا إلى تراجع قياسي، ليبلغ 548 مليار متر مكعب خلال 2022، مقابل 604 مليارات متر مكعب في 2022.

مخزونات الغاز الطبيعي

بالطبع تأثّرت أسعار الغاز الطبيعي بمستوى المخزونات العالمية، خاصة في أوروبا، التي كافحت لملء مواقع التخزين هذا العام، وسط نقص حادّ في التدفقات الروسية إلى القارة العجوز.

وتمكنت أوروبا من ملء مواقع تخزين الغاز بنسبة 95% في الشتاء الحالي (2022 - 2023)، ما يجعلها أعلى بنحو 5% عن متوسط آخر 5 سنوات، حسب وكالة الطاقة الدولية.

واستهدفت الدول الأوروبية في البداية وصول المخزونات إلى 80% بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لكنها تمكنت من تحقيق هدف الملء في نهاية أغسطس/آب.

وتمكنت الدول الأوروبية من ملء مواقع تخزين الغاز هذا العام، عبر استيراد 30 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في النصف الأول من 2022، رغم تراجع التدفقات، بالإضافة إلى زيادة واردات الغاز المسال وتعزيز الإمدادات من النرويج وأذربيجان والجزائر.

واستطاع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تعويض نقص الإمدادات الروسية من خلال تعزيز واردات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 65% أو أكثر من 50 مليار متر مكعب في أول 10 أشهر من عام 2022، وساعد على ذلك انخفاض الواردات الصينية 20% أو 19 مليار متر مكعب خلال المدّة نفسها؛ بسبب تداعيات كورونا.

كما زادت إمدادات خطوط الأنابيب غير الروسية إلى أوروبا من النرويج بنسبة 5% (أو 5 مليارات متر مكعب)، وأذربيجان بنسبة 50% (أو 3 مليارات متر مكعب)، والجزائر بنحو 10% (أو 3 مليارات متر مكعب)، خلال المدّة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2022، حسب وكالة الطاقة الدولية.

وفي الولايات المتحدة، بلغت مخزونات الغاز الطبيعي 3325 مليار قدم مكعبة (94.2 مليار متر مكعب) في الأسبوع المنتهي يوم 16 ديسمبر/كانون الأول، بانخفاض 87 مليار قدم مكعبة عن المدّة نفسها من العام الماضي، وفق أحدث بيانات صادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

ويعني ذلك أن مخزونات الغاز الأميركية أقلّ بنحو 45 مليار قدم مكعبة (1.3 مليار متر مكعب) عن متوسط الـ5 سنوات، وفق البيانات التي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة، كما يُظهر الرسم التالي:

مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة

وفي بداية موسم إعادة تعبئة منشآت التخزين، 1 أبريل/نيسان، كانت مخزونات الغاز الطبيعي الأميركية أقلّ من متوسط الـ5 سنوات بنحو 285 مليار قدم مكعبة (8.1 مليار متر مكعب)، ثم ارتفع هذا العجز إلى 367 مليار قدم مكعبة (10.4 مليار متر مكعب) خلال الأسبوع المنتهي يوم 12 أغسطس/آب، وسط ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب لأغراض التبريد.

ورغم ذلك، تراجع عجز المخزونات مع متوسط الـ5 سنوات إلى أقلّ من 7 مليارات قدم مكعبة (0.2 مليار متر مكعب) مع نهاية موسم التعبئة في أكتوبر/تشرين الأول، إذ تجاوز النمو بإنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي الجاف، الاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى الصادرات.

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية انخفاض مخزونات الغاز الطبيعي إلى 2915 مليار قدم مكعبة (82.57 مليار متر مكعب) خلال 2022، مقابل 3210 مليار قدم مكعبة (90.93 مليار متر مكعب) في 2021.

اقرأ أيضًا من تقارير حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2022..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق