التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيتقارير النفطتقارير دوريةسلايدر الرئيسيةعاجلنفطوحدة أبحاث الطاقة

هل تتغلّب غايانا على تداعيات تغيّر المناخ بفضل طفرة النفط؟

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي

اقرأ في هذا المقال

  • آمال التنمية الاقتصادية في غايانا تصطدم بآثار تغيّر المناخ
  • غايانا أصبحت ضمن الأكثر امتلاكًا لاحتياطيات النفط عالميًا
  • غايانا تعول على عائدات النفط لدعم الاقتصاد ودرء مخاطر المناخ
  • عائدات النفط والغاز في غايانا قد تتجاوز مليار دولار في 2022
  • غايانا تكثف جهودها لخفض انبعاثات الكربون رغم دعم إنتاج النفط

"الشيء نفسه الذي يهدد البلاد هو خلاصها".. هذا هو اعتقاد حكومة غايانا بضرورة استغلال اكتشافات النفط الضخمة، لتعزيز قدرة البلاد على مواجهة مخاطر تغيّر المناخ، الناجمة في الأصل عن حرق الوقود الأحفوري.

وهبطت الثروة النفطية على دولة أميركا الجنوبية، في الوقت الذي أصبحت فيه تداعيات تغيّر المناخ وجودية بالنسبة إليها، لتجد نفسها فجأة في موقف حرج.

وتقع غايانا -البالغة مساحتها 214.97 كيلومترًا مربعًا- على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية، ويحدها المحيط الأطلسي من الشمال، وسورينام من الشرق، وفنزويلا من الغرب، والبرازيل من الغرب والجنوب.

وفي العادة، تكون غايانا عُرضة -بصفة خاصة- للفيضانات والتعرية والتملح، إذ يمتد ساحل البلاد لمسافة 430 كيلومترًا على المحيط الأطلسي، ويكون أقل من متوسط مستوى المد بنحو 1.4 مترًا.

وتوضح وحدة أبحاث الطاقة في السطور التالية، كيف تحاول البلاد استغلال فرصة لا تُعوّض في انتشالها من الفقر دون أن تتسبب في تفاقم آثار تغيّر المناخ التي أضرت سكانها؟

آثار تغيّر المناخ

يعيش ما يقرب من 90% من السكان -البالغ عددهم 800 ألف نسمة- في السهول الفيضية القريبة من منطقة البحر الكاريبي؛ نصفهم يمكثون في جورج تاون، عاصمة البلاد، التي يمتد معظمها عبر حوض ساحلي يبلغ ارتفاعه 7 أقدام تحت مستوى سطح البحر.

وتتسلح جورج تاون بجدار طوله 280 ميلًا، للحماية من ارتفاع مستوى سطح البحر، وشبكة من قنوات الصرف لتبقى صالحة للسكن، لكن مخاطر الفيضانات تجعلها من بين 9 مدن ساحلية في العالم يُتوقع أن تغمرها المياه في أقرب وقت بحلول عام 2030، بحسب صحيفة سيرش لايت (searchlight).

جدار لحماية غايانا من الفيضانات
جدار جورج تاون لحماية السكان من الشاطئ - الصورة من وكالة بلومبرغ

والأمر لم يعد مجرد توقعات، فقد تجلّت تداعيات تغيّر المناخ كثيرًا في غايانا مؤخرًا، إذ أدّى التحوّل في أنماط هطول الأمطار إلى إغراق أنظمة الصرف في البلاد، وحدث ذلك في مايو/أيّار 2021، عندما ضربت البلاد أيام من الأمطار الشديدة، وفق ما نشرته الإذاعة العامة الوطنية الأميركية (NPR).

وفي صيف 2021، ترك الفيضان الأراضي الزراعية على منطقتي ماهايكا وماهايكوني تحت المياه لعدة أشهر، ليُعيد ذكريات فيضان 2005، الذي تضرر منه 230 ألف شخص، وأضر 59% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في ذاك العام، بحسب تقرير لموقع غلوبال فويس.

وليس بعيدًا أن تشهد البلاد فيضانات مدمرة مرة أخرى، فإذا استمر العالم في حرق الوقود الأحفوري بالمعدل الحالي، فإن مستوى سطح البحر سيرتفع 6 أقدام بحلول نهاية القرن، ما قد يجعل جدار جورج تاون البحري تحت الماء، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية.

طفرة النفط

في الوقت الذي أصبحت فيه تداعيات تغيّر المناخ ملموسة في غايانا والعالم أجمع، كانت دولة أميركا الجنوبية على موعد مع اكتشافات نفطية ضخمة تعد باقتصاد مزدهر كما تغيّرت أحوالها رأسًا على عقب.

وفي عام 2015، اكتشفت فرق التنقيب من شركة إكسون موبيل مليارات البراميل من النفط الخام على بعد 120 ميلًا تقريبًا من الشاطئ، بل ذهب بعض محللي صناعة النفط إلى أن الاحتياطيات في مياه غايانا بالبحر الكاريبي يمكن أن تساوي احتياطيات الصين (26 مليار برميل)، وفق وكالة بلومبرغ.

وشكّلت البلاد 18% من إجمالي الموارد المكتشفة، و32% من النفط المكتشف عالميًا منذ عام 2015، ورغم أن مربع ستابروك يحوي جميع هذه الموارد، فإن الاكتشافات الحديثة في مناطق أخرى تُظهر إمكان وجود احتياطيات جديدة، وفق شركة أبحاث الطاقة، ريستاد إنرجي.

وبحسب شركة إكسون موبيل، تُقدّر احتياطيات النفط القابلة للاستخراج في غايانا عند 11 مليارات برميل مكافئ من النفط، بعد التوصل إلى أكثر 30 اكتشافًا منذ عام 2015.

وبدأت إكسون موبيل إنتاج النفط الخام في غايانا لأول مرة من حقول ليزا في ديسمبر/كانون الأول 2019، وفق المعلومات التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

وفي عام 2020، بلغ إنتاج النفط في غايانا 73 ألف برميل يوميًا، قبل أن يرتفع إلى 109 آلاف برميل يوميًا العام الماضي (2021)، بحسب التقرير السنوي لمنظمة أوبك.

ويبلغ إنتاج البلاد من النفط 360 ألف برميل يوميًا في 2022، مع توقعات أن يقفز إلى 580 ألف برميل يوميًا العام المقبل (2023)، ثم يكسر حاجز المليون برميل يوميًا بحلول عام 2027، قبل 3 أعوام من المستهدف من قِبل إكسون موبيل.

ويوضح الرسم البياني التالي، الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة، إنتاج النفط في غايانا بين عامي 2019 و2023:

إنتاج النفط في غايانا

وهذا من شأنه أن يجعل إنتاج النفط في غايانا يتفوّق على منتجين كبار مثل فنزويلا والعديد من الدول الأفريقية، بل إنها قد تكون الأعلى من حيث نصيب الفرد من الإنتاج، متجاوزة الكويت وقطر والسعودية.

ووفقًا لريستاد إنرجي، من المتوقع أن تنتج غايانا 1.7 مليون برميل يوميًا من النفط بحلول عام 2035، وفقًا للاكتشافات الحالية فقط، ما يدفع البلاد إلى المركز الرابع في قائمة أكبر المنتجين من الحقول البحرية عالميًا، متفوقة على الولايات المتحدة والمكسيك والنرويج.

نمو الاقتصاد يتسارع

منذ إنتاج أول برميل نفط قبل 3 سنوات، أصبح اقتصاد غايانا الأسرع نموًا في العالم، مع توقعات أن يقفز نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 57.8% في 2022، مقارنة مع 5.4% في 2019، حسب صندوق النقد الدولي.

وتشير تقديرات لوكالة بلومبرغ إلى أن اقتصاد الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية قد يتوسع بنحو 5 أمثال على مدى السنوات الـ10 المقبلة، بفضل إنتاج النفط، حسبما نقلت وحدة أبحاث الطاقة.

وبات النفط يمثّل أكثر من 60% من صادرات البلاد، ليحل محل السكر والأرز، إذ كان الاقتصاد يعتمد كثيرًا على الزراعة في السابق، مع العلم أنه من شأن الاستفادة من إيرادات النفط، أن تتحوّل غايانا من دولة فقيرة إلى واحدة من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد.

وقسّمت اتفاقية مشاركة إنتاج النفط في غايانا عام 2016، العائدات بالمناصفة بين الحكومة وإكسون موبيل، مع 2% من حقوق الامتياز المدفوعة للحكومة، ورغم الانتقادات التي توجه إلى الشركة في تقسيم عائدات النفط، فإنها ترى أنها تحملت مخاطر كبيرة من خلال المراهنة على دولة ليس لها تاريخ في إنتاج النفط ولا تمتلك أيّ بنية تحتية للطاقة.

ومن المرجح أن تتجاوز إيرادات غايانا من النفط والغاز مليار دولار في 2022، قبل أن تبلغ ذروتها عند 16 مليار دولار في 2036، حسب ريستاد إنرجي.

ورغم ذلك، فإن ربط ثروات أي دولة بالنفط كان -في الغالب- محفوفًا بالمخاطر، فعادةً ما يؤدي الضخ المفاجئ لأموال النفط إلى جعل اقتصاد الدولة النامية أسوأ، فيما يُسمّى "لعنة النفط" أو لعنة الموارد بصفة عامة.

وإلى جانب لعنة النفط، فإن تغيّر المناخ -أيضًا- يمثّل تحديًا كبيرة لطفرة النفط في الدولة الوحيدة، التي تتحدث الإنجليزية في أميركا الجنوبية، فكيف تواجه الحكومة ذلك؟

المعادلة الصعبة

في أبريل/نيسان 2022، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن الاستثمار في أنواع الوقود الأحفوري الجديدة هو جنون أخلاقي واقتصادي.

في المقابل، ترى إدارة غايانا بقيادة الرئيس عرفان علي، أن تجاهل اكتشافات نفطية تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات سيكون بمثابة جنون سياسي، وفق ما نقلته عنه وكالة بلومبرغ.

لذلك، تعمل الحكومة حاليًا على استغلال أكبر قدر ممكن من النفط والغاز، قبل أن يتراجع الطلب العالمي في ظل خطط الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

وترى الحكومة أن وضع تدابير مضادة لآثار تغيّر المناخ، مثل توسيع الجدار البحري وتعزيزه الذي يحمي جورج تاون، وتحديث قنوات الصرف، وبناء البنية التحتية للسكان على أرض مرتفعة، من شأنها أن تتكلّف مليارات الدولارات، وهنا يمكن الاعتماد على عائدات النفط.

وفي إستراتيجية التنمية منخفضة الكربون لعام 2030، تهدف الحكومة إلى حماية الموارد الطبيعية والتخفيف من تغيّر المناخ من خلال تعزيز الأسوار البحرية وتحسينات البنية التحتية الأخرى وتنويع الصناعات، على أن تموّل إيرادات النفط شبكة كهرباء جديدة ستعمل في النهاية على مصادر متجددة فقط.

وحتى مع اكتشافات النفط الضخمة، يجادل قادة الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية بأنه ما يزال بإمكان البلاد أن تكون محايدة للكربون، إذ يمكن موازنة غازات الدفيئة المنبعثة في الغلاف الجوي عن طريق النفط والقطاعات الأخرى من خلال امتصاص الغابات، التي تغطي 85% من مساحة البلاد.

وفي الواقع، تُعَد غايانا واحدة من عدد قليل جدًا من البلدان، التي تلتقط انبعاثات أكثر مما تطلق، وذلك بفضل نجاحها الملحوظ في الحفاظ على غاباتها، ما يدعم جهودها في مواجهة تغيّر المناخ.

ويُعَد معدل إزالة الغابات في البلاد من بين أقل المعدلات في العالم مع أكثر من 99% من إجمالي 18 مليون هكتار من الغابات في البلاد ما زالت كما هي، ما يوفر خدمات حيوية للكربون والتنوع البيولوجي للعالم، كما يعطي مساحة للبلاد للاستفادة من مواردها النفطية.

وفي هذا الإطار، انضمت غايانا إلى اتفاقية عالمية لحماية الغابات، على هامش قمة المناخ (كوب 27) في مصر خلال 2022، تضمّنت 26 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثّل أكثر من 33% من غابات العالم.

خطط لخفض الانبعاثات

في قمة المناخ (كوب 26) التي عُقدت في المملكة المتحدة عام 2021، أعلن الرئيس عرفان علي اعتزام بلاده خفض انبعاثات الكربون بنسبة 70% بحلول عام 2030، مؤكدًا دور الغابات في معالجة تغيّر المناخ، من خلال تخزين 20 غيغا طن من الكربون.

ورغم ذلك، يُنظر إلى إعلان غايانا بشأن خفض انبعاثات الكربون على أنه مخيّب للآمال، مقارنة بالتعهد السابق بتقليل الانبعاثات بنسبة 100% بحلول عام 2025.

والتزم الرئيس السابق للبلاد ديفيد غرانغر بالتحول إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100% بحلول عام 2025، عندما وقّع على اتفاقية باريس عام 2016، ومع ذلك، تجادل الإدارة الحالية بأن الخطة كانت غير واقعية، لأنه لم تكن هناك مشروعات للطاقة المتجددة قيد الإعداد خلال ولاية غرانغر، التي انتهت عام 2020.

وتعمل الحكومة الحالية على التخلص من حرق الغاز في إنتاج النفط من خلال فرض ضريبة على جميع عمليات الحرق بمبلغ 45 دولارًا لكل طن من الكربون، لمن يتجاوز الحد المسموح به بموجب القانون.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق