التقاريرالتقارير السنويةتقارير الغازحصاد 2022غازوحدة أبحاث الطاقة

الطلب على الغاز الطبيعي في 2022.. تحولات تاريخية بفعل الأزمة الأوكرانية

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي

كانت الأزمة الروسية الأوكرانية كفيلة بأن تدفع الطلب على الغاز الطبيعي حول العالم للهبوط الثاني في 3 سنوات، وهو أمر قليلًا ما يحدث تاريخيًا، مع انكماش حاد في استهلاك أوروبا والصين بصفة خاصة.

ليس هذا فحسب، بل من الممكن أن تجعل الأزمة عام 2022 نقطة تحول في اتجاهات استهلاك الغاز الطبيعي وإنتاجه عالميًا، بعدما قررت روسيا تضييق الخناق على أوروبا؛ ردًا على العقوبات المفروضة ضدها، في الوقت الذي تعمل فيه القارة العجوز على الابتعاد عن الإمدادات الروسية.

وتسبب ذلك الصراع في قفزة قياسية لأسعار الغاز الطبيعي ونقص حاد في الإمدادات، خاصة لدى أوروبا، وهو ما دفع الطلب العالمي ليهبط مجددًا بعد تعافيه العام الماضي (2021) من الانكماش خلال عام الوباء (2020)، وفق وحدة أبحاث الطاقة.

وفضلًا عن ارتفاع أسعار الغاز، تأثر الطلب العالمي سلبًا بدرجات الحرارة الأكثر دفئًا في الشتاء وتباطؤ النمو الاقتصادي والتحول إلى المصادر الأخرى، خاصة الطاقة المتجددة التي اكتسبت ميزة تنافسية كبيرة من حيث التكلفة.

وأدّت العوامل -سالفة الذكر- إلى انخفاض الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا والصين بأقل وتيرة على الإطلاق، وفق ما تشير إليه الأرقام.

الطلب العالمي على الغاز

يتجه الطلب على الغاز الطبيعي إلى الانخفاض بنحو 0.8% مسجلًا 4.071 تريليون متر مكعب خلال 2022، مقارنة بـ4.103 تريليون متر مكعب العام الماضي (2021)، لكنه يظل أعلى من مستويات ما قبل وباء كورونا البالغة 3.999 تريليون متر مكعب عام 2019، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

ويُظهر الرسم البياني أدناه استهلاك الغاز الطبيعي في العالم منذ عام 2019 حتى 2023:

الطلب على الغاز الطبيعي عالميًا

ومن المرجّح انكماش الطلب على الغاز الطبيعي في جميع المناطق تقريبًا هذا العام، عدا أميركا الشمالية والشرق الأوسط، اللتين شهدتا زيادة في استهلاك قطاع الكهرباء، وفق تحليل وحدة أبحاث الطاقة.

وبحسب بيانات شركة النفط البريطانية بي بي؛ فإن استهلاك الغاز الطبيعي في العالم قد بلغ أعلى مستوى على الإطلاق، خلال العام الماضي (2021)، عند 4.037 تريليون متر مكعب، ارتفاعًا من 3.234 تريليون متر مكعب في عام 2011، والذي شهد بداية العصر الذهبي للغاز.

ونما الطلب على الغاز الطبيعي عالميًا بنسبة 20% بين عامي 2011 و2020، لكن من المتوقع أن تتباطأ وتيرة النمو إلى 5% هذا العقد؛ إذ يُسرع الغزو الروسي لأوكرانيا من وصول الاستهلاك لذروته، وفق رؤية وكالة الطاقة الدولية.

وأدّت أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة عالميًا خلال 2022، مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى تراجع الطلب، خاصة في ظل الميزة التنافسية التي باتت تتمتع بها الطاقة المتجددة إلى جانب تحسين كفاءة الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي مع ارتفاع معدلات التضخم.

وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى مستوى قياسي خلال الربع الثالث من هذا العام -بلغت في أغسطس/آب 99 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية- ما يمثل زيادة 8 مرات عن متوسط السنوات الـ5 لهذه المدّة من العام، قبل أن تهبط إلى مستويات تفوق 33 دولارًا أواخر ديسمبر/كانون الأول، حسبما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

كما قفزت أسعار الغاز المسال في آسيا إلى مستوى قياسي عند 45 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، خلال الربع الثالث من 2022، وصعدت أسعار الغاز الأميركية في هنري هوب إلى 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أعلى مستوى منذ 2008، قبل أن تتخذ مسارًا هبوطيًا منذ ذلك الحين.

الطلب على الغاز الطبيعي حسب المنطقة

تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى زيادة استهلاك الغاز في أميركا الشمالية -المنطقة الأكثر استهلاكًا للغاز عالميًا- إلى 1114 مليار متر مكعب خلال 2022، مقارنة بـ1084 مليار متر مكعب العام الماضي، ليتجاوز مستويات ما قبل كورونا.

بينما تتوقع وكالة الطاقة ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط إلى 582 مليار متر مكعب خلال 2022، مقارنة بـ564 مليار متر مكعب العام الماضي، وفق ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة.

وبالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ -ثاني أكثر المناطق استهلاكًا للغاز عالميًا- من المرجح أن يستقر الطلب على الغاز الطبيعي دون تغيير عند 895 مليار متر مكعب هذا العام، قبل ارتفاعه إلى 923 مليار متر مكعب العام المقبل.

وترى وكالة الطاقة أن استهلاك الغاز في الصين قد ينمو بأقل من 2% هذا العام، للمرة الأولى منذ أوائل التسعينيات، مقارنة بوتيرة زيادة بلغت 12% العام الماضي، كما يُتوقع انكماش الطلب على الغاز في الهند بنسبة 1.5% على أساس سنوي.

وتتوقع إدارة الطاقة الوطنية الصينية أن يشهد نمو الطلب على الغاز الطبيعي في الصين تباطؤًا حادًا ليتراوح بين 1% و3% على أساس سنوي ويصل إلى ما بين 375 مليارًا و380 مليار متر مكعب في عام 2022، لكن تذهب توقعات شركة بتروتشاينا إلى أبعد من ذلك؛ إذ ترى احتمال نمو الاستهلاك بأقل وتيرة على الإطلاق بل ربما ينكمش.

وإلى جانب ارتفاع أسعار الغاز المسال عالميًا وتباطؤ الاقتصاد العالمي، شكّلت قيود الإغلاق المتعلقة بتفشي وباء كورونا ضغوطًا أكبر على الصين هذا العام، حسب وحدة أبحاث الطاقة.

ويوضح الرسم البياني التالي الطلبَ على الغاز الطبيعي حسب المنطقة منذ عام 2019 حتى عام 2023:

الطلب على الغاز الطبيعي حسب المنطقة

ومع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا؛ فإن استهلاك الغاز في أوروبا قد يكون الأكثر تراجعًا خلال 2022، بانخفاض 56 مليار متر مكعب على أساس سنوي، ليسجّل 548 مليار متر مكعب، كما يُتوقع انخفاض الطلب في منطقة أوراسيا -بقيادة روسيا- إلى 619 مليار متر مكعب هذا العام، مقابل 634 مليارًا العام الماضي.

وتُقدّر وكالة الطاقة الدولية انكماش الطلب على الغاز الطبيعي في منطقة أميركا الوسطى والجنوبية بمقدار 6 مليارات متر مكعب، ليصل إلى 147 مليار متر مكعب خلال 2022، ومن المتوقع -أيضًا- انخفاض استهلاك أفريقيا إلى 166 مليار متر مكعب مقابل 169 مليارًا عام 2021.

استهلاك الغاز في الولايات المتحدة

تقود الولايات المتحدة ارتفاع استهلاك الغاز في أميركا الشمالية، مع زيادة الطلب من قطاع الكهرباء، لتسريع التحول بعيدًا عن الفحم؛ حيث من المرجح انخفاض توليد الكهرباء من الوقود الأسود 6% هذا العام، بحسب ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة عن بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وعلى عكس الاتجاه العالمي، من المرجح نمو الطلب على الغاز الطبيعي في أكثر مستهلك للغاز عالميًا إلى 890 مليار متر مكعب هذا العام، ارتفاعًا من 867 مليار متر مكعب العام الماضي، ليتجاوز مستويات ما قبل الوباء (2019) البالغة 888 مليار متر مكعب، كما تُظهر تقديرات وكالة الطاقة الدولية في الرسم التالي:

الطلب على الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة

ومن جانبها، ترجّح إدارة معلومات الطاقة نمو الطلب على الغاز الطبيعي في أميركا بنسبة 5.4% هذا العام، ليسجّل الإجمالي مستوى قياسيًا عند 88.42 مليار قدم مكعبة يوميًا (2.50 مليار متر مكعب يوميًا)، مع زيادة في جميع قطاعات الاستهلاك النهائي.

ويتجه استهلاك الغاز في توليد الكهرباء -أكثر القطاعات استهلاكًا للغاز في أميركا- للارتفاع بنسبة 7% على أساس سنوي، ليصل إلى 32.89 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.93 مليار متر مكعب يوميًا)، كما يُتوقع زيادة الطلب على الغاز من القطاع الصناعي إلى مستوى قياسي عند 23.42 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.66 مليار متر مكعب يوميًا).

وزاد استهلاك الطلب على الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بأكثر من 4% على أساس سنوي في أول 8 أشهر من العام الحالي، مع زيادة الطلب من توليد الكهرباء والقطاعات السكنية والتجارية، خاصة مع درجات الحرارة الأكثر برودة من المتوسط خلال النصف الأول من العام، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار المحلية، حسب وكالة الطاقة الدولية.

وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى ارتفاع متوسط أسعار الغاز في هنري هوب عند 6.48 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال 2022، مقابل 3.91 دولارًا في العام الماضي.

وتستورد الولايات المتحدة جزءًا من احتياجاتها لتلبية الطلب المتزايد في غالبية الأحيان؛ حيث ترتبط بشبكة من خطوط الأنابيب مع كندا بصفة خاصة، ومن المتوقع زيادة واردات الغاز الأميركية عبر خطوط الأنابيب إلى 8.1 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.229 مليار متر مكعب يوميًا) في 2022، مقارنة بـ7.6 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.215 مليار متر مكعب يوميًا) العام الماضي (2021).

وفي المقابل، يُتوقع أن تبلغ صادرات الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب 8.42 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.238 مليار متر مكعب يوميًا)، مقابل 8.47 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.239 مليار متر مكعب يوميًا) العام الماضي، وفق البيانات التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا

شهد استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا تغيّرات كبيرة هذا العام، على صعيد الإجراءات الحكومية المتبعة وسلوك المستهلكين، من أجل مواجهة أزمة نقص الإمدادات، التي خلّفتها الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبةً من القارة العجوز في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

وتقدّر وكالة الطاقة الدولية انكماش الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي إلى 548 مليار متر مكعب خلال 2022، مقابل 604 مليارات متر مكعب العام الماضي؛ ما يُمثل هبوطًا تاريخيًا حتى عند المقارنة مع مستويات عام الوباء (2020) البالغة 573 مليار متر مكعب.

ويرصد الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا منذ عام 1965 حتى 2022:

الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا

ويأتي ذلك مع انخفاض استهلاك الغاز عبر القطاعات الصناعية والتجارية والسكنية، بسبب تحول الوقود والاستجابات السلوكية لارتفاع الأسعار والطقس الأكثر دفئًا من المتوسط، حسب وحدة أبحاث الطاقة.

وتاريخيًا؛ فإن الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا قد بلغ ذروته عند 627.9 مليار متر مكعب عام 2005، وظل بالقرب من هذه المستويات حتى بدء الهبوط الملحوظ منذ عام 2011، مع رغبة القارة العجوز في تقليل وارداتها وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وهو الاتجاه الذي يتسارع مع الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتعهّد الاتحاد الأوروبي تقليل الاعتماد على الغاز الروسي بأكثر من الثلث خلال 2022، قبل الاستغناء عنه تمامًا بحلول 2030، واتخذ العديد من الإجراءات لتحقيق هذا الهدف، بداية من خطة ريباور إي يو (REPowerEU) لتعزيز أهداف الطاقة المتجددة حتى مخطط خفض الطلب على الغاز الطبيعي، الذي اقترحته المفوضية الأوروبية سبتمبر/أيلول 2022.

وترغب دول الاتحاد الأوروبي في خفض الطلب على الغاز بنسبة 10%، إلى جانب 5% إضافية خلال ساعات الذروة، مقارنة بمتوسط السنوات الـ5 الماضية، خلال المدّة من 1 أغسطس/آب 2022 حتى 31 مارس/آذار 2023.

وتُظهر بيانات يوروستات أنه في سبتمبر/أيلول 2022، كان الطلب على الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي أقل بنسبة 15% من متوسط السنوات الـ5، وفق ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض إجمالي الصادرات الروسية عبر خطوط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي بأكثر من النصف، لتصل إلى 60 مليار متر مكعب في 2022، وهو ما شجّع أوروبا على خفض الطلب تجنبًا لتفاقم أزمة الطاقة بصورة أكبر.

وبالفعل، انخفض الطلب على الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2022، بنحو 10%، أو أكثر من 40 مليار متر مكعب، على أساس سنوي.

وفضلًا عن انخفاض الاستهلاك، استطاع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تعويض نقص الإمدادات الروسية من خلال تعزيز واردات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 65% أو أكثر من 50 مليار متر مكعب على أساس سنوي في أول 10 أشهر من عام 2022، إلى جانب زيادة واردات خطوط الأنابيب من النرويج وأذربيجان والجزائر بنسبة 5% و50% و10% على التوالي.

كما أدّت الطاقة المتجددة دورًا كبيرًا في تقليل الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا؛ فعلى سبيل المثال، أسهم توليد الكهرباء القياسي من الطاقة الشمسية في الاتحاد الأوروبي، والذي بلغ 99.4 تيراواط/ساعة، في تجنّب استيراد 20 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي خلال أشهر الصيف من هذا العام (مايو/أيار إلى أغسطس/آب)، بحسب شركة أبحاث الطاقة، إمبير (Ember).

اقرأ أيضًا من تقارير حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2022..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق