التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسيةسلايدر الرئيسيةقمة المناخ كوب 27

النفاق المناخي.. كيف أسقطت أزمة الطاقة الأقنعة المزيفة عن قادة أوروبا؟

كشفت أزمة الطاقة، التي ضربت العالم في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، عن النفاق المناخي الذي يمارسه قادة أوروبا والغرب في تحول الطاقة.

ففي ظل الأزمة الروسية الأوكرانية بدأت بعض الأقنعة المزيفة بالسقوط، ومنها تشبث الأوروبيون بقيادة العالم في قضية التغير المناخي بفرض منهجهم في الحل، خاصة في تحول الطاقة الأخضر.

حرض القادة الأوروبيون -من خلال اتباعهم سياسة النفاق المناخي خلال السنوات الماضية،- على الترويج لضرورة الاستثمار في الألواح الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات الكهربائية والتوقف عن الاستثمار في الوقود الهيدروكربوني بدعوى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.

لا أحد ينكر نجاح الأوروبيين في خفض انبعاثاتهم من غازات الاحتباس الحراري على إثر تطبيق بروتوكول كيوتو، لكنهم بدوا عاجزين في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية عن إقناع العالم بأنهم على إيمان راسخ بمبادئ التغير المناخي وخصوصًا تطبيق "مبدأ عدم الرجعة".

ينص المبدأ على وجوب أن يكون تمسك الدول بخفض الانبعاثات "تقدميًا"؛ أي أن الانبعاثات يجب ألا تزداد، بل تتناقص حتى تصل لصافي صفر انبعاثات قبل عام 2050.

انبعاثات أوروبا

يرجع بعض نجاح الأوروبيين في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 22% عن مستويات 1990 للاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولكن هذه السياسات لم تبلغ مبتغاها ولا تفسر ما وصلت إليه حتى الآن في حين فشل كثير من الدول الأخرى.

للأوروبيين ظروفهم الخاصة التي سنحت لهم بخفض انبعاثاتهم؛ فاقتصادياتهم ناضجة مقارنة بالدول الأخرى ولها القدرة على تحمل الصدمات، فأصبح هذا محفزًا لتحول الاقتصاد الأوروبي نحو قطاع الخدمات بشكل أكبر ذي الانبعاثات الأقل، وهو ذو قيمة مضافة أكبر والذي يعتمد على مستوى تعليمي مرتفع، وهذه الشروط غير متوافرة في الاقتصاديات الصاعدة والنامية.

خبراء: أزمة الطاقة في أوروبا تشكل "تهديدًا وجوديًا" لأهداف المناخ
انبعاثات محطات توليد الكهرباء - الصورة من وكالة بلومبرغ

كما ساعد على ذلك نمو سكاني منخفض ومعدل أعمار كبير؛ فحسب تقرير الأمم المتحدة يبلغ المعدل الأوروبي 44 عامًا، في حين يبلغ المعدل العالمي 29.6 عامًا في 2021؛ ما ساعد في نمو اقتصادي مصدره أساسًا الابتكار في مجال الخدمات؛ ما حد من مستويات الانبعاثات وساعد على كبح التضخم.

كما ساعدت إعادة تمحور الاستثمارات ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة في الصين والدول الصاعدة الأخرى على بقاء مستوى المعيشة الأوروبي الذي يستورد سلعه منها على مستواه وتعزيزه بتضخم اقتصادي أقل.

في المقابل لم تنم اقتصاديات الدول الصاعدة والنامية لتصل لمستوى النضج الكافي لتحمل صدمات اقتصادية، كالتي يمكن أن تتحملها الدول الأوروبية، كما أن تبنيها لتقنيات الطاقة ذات القيمة المضافة الأقل يحد من عجلة التنمية لديها، ويجعل صعودها لمصاف الدول المتقدمة غير مؤكد في المستوى المنظور.

كذلك؛ فإن شبابية سكانها المحفزة للتنمية في هذا الوقت ستتحول في العقود المقبلة مع تزايد معدل الأعمار إلى عبء كبير.

بالنتيجة، لم تنخفض الانبعاثات على المستوى العالمي، إذا اعتبرنا أن تحول الصناعات كثيفة الطاقة للصين والهند والدول الصاعدة الأخرى لم ينتج عنه انخفاض الإنتاج الصناعي، بل تعززت بفتح أسواق جديدة، فزادت الانبعاثات باعتبارها نتيجة لذلك ولاستخدام هذه الدول مصادر أكثر تسببًا في الانبعاثات الكربونية كأنواع الفحم غير الحراري.

الغاز الروسي

انقطاع الغاز الطبيعي من روسيا بيّن مدى تجذر الوقود الهيدروكربوني في مناحي الحياة المختلفة في أوروبا من الحياة العامة إلى النشاط الصناعي، وكشف عن الوجه الحقيقي لأزمة النفاق المناخي.

لم تكن الأزمة الروسية الأوكرانية جيوسياسية فحسب، بل إن عجز تكنولوجيات الطاقة الخضراء عن أن تحل بديلًا للغاز الروسي على المدى المتوسط بيّن أن سياسة الاتحاد الأوروبي الطاقية بنيت على فرضيات غير حكيمة وغير مسؤولة.

الغاز الروسي

ترجع السياسات الأوروبية إلى عقود مضت في تبني سياسة مفادها أن "حل قضية التغير المناخي لن يأتي إلا عبر مسار التحول الأخضر".

أظهرت أزمة الطاقة أن قدرة سياسة الطاقة في أوروبا للانفصام عن الوقود الهيدروكربوني والفحم والطاقة النووية عدم جدارة الطاقة الخضراء للتصدي لموثوقية الشبكة الكهربائية.

كما أن أسعار المعادن الحرجة التي تضاعفت أسعارها بيّنت مدى هشاشة سلاسل توريدها، وكشفت عن أن إنتاجها لحاجة العالم بأسره ليس أمرًا مفروغًا منه، بل يحتاج إلى إعادة نظر.

التحول الأخضر

كشفت الأزمة الروسية الأوكرانية عن عدم قدرة تكنولوجيات الطاقة الخضراء على التصدي لشروط تحول الطاقة، وكذلك شروط الاستدامة.

وتكشف العديد من البيانات عن أن الاستثمارات الأوروبية في الطاقة المتجددة بقيت دون نمو يذكر بعد عام 2011 الذي سجّل 131.7 مليار دولار، وتراجع بعدها ووصل إلى 58.4 مليار دولار في 2019.

الإنفوغرافيك التالي من إعداد منصة الطاقة المتخصصة يكشف عن حجم الاستثمارات الأوروبية على الطاقة النظيفة خلال المدة من (2004 إلى 2019):

استثمارات أوروبا على الطاقة الخضراء (2004-2019)

ينظر الأوروبيون كغيرهم إلى تحول الطاقة بالشروط الأساسية وهي أمن الطاقة وموثوقيتها وتوافرها للجميع؛ ما يجعلهم يدخلون تحت مظلة النفاق المناخي؛ فعندما اختل شرط أمن الطاقة، بدى الأوروبيون أكثر استعدادًا لنقض اتفاقية باريس.

يرغب الأوروبيون في الاستحمام بماء دافئ يوميًا، وألا ينقطع التيار الكهربائي عن أماكن عيشهم وعملهم.

وكان بإمكان الأوروبيون ضرب مثل أعلى بالاستغناء عن الغاز الطبيعي وحفظ ماء وجههم بترشيد الطاقة للمستهلكين وزيادة الكفاءة، وتحمل البرد بلبس ثياب أكثر دفئًا، والاستحمام بماء فاتر على مدد أكثر تباعدًا، والعمل من المنزل، وتشكيل نواة التسوق التعاوني، وحتى إقفال مصانعهم حتى يتم تحول الطاقة الأخضر التام.

ويظهر النفاق المناخي في مطالب الأوروبيين من الصين والهنود إلى ترشيد الاستهلاك وزيادة كفاءة الطاقة، إلا أنهم لا يستطيعون العيش بمستوى معيشة أقل ورؤية نمو الناتج المحلي بالسالب لأجل حل قضية تغير المناخ.

التجربة الألمانية

باعتبارها دولة منخفضة الموارد تتعلق بالطاقة وذات وزن اقتصادي كبير، قررت الحكومة الألمانية التوجه الحثيث نحو مصادر الطاقة المتجددة حتى بلغت حصة الطاقة المشتقة من الرياح والشمس نحو 42% في توليد الكهرباء. وأسهم الدعم السخي من الحكومة وتقبل الشعب الألماني له والمتمثل في تضخم الفاتورة الكهربائية في الوصول لهذه النسبة.

لكن عند بداية الوصول لنسبة كبيرة في توليد الكهرباء من المصادر المتجددة، بدأت تتضح حقائق مفادها أن مصادر الطاقة المتجددة ليست بديلًا كاملًا للطاقة التقليدية، بل أصبحت عبئًا على الشبكة الكهربائية؛ لكونها طاقة متغيرة.

كما تحتاج هذه الطاقة إلى ملازمة مولدات الغاز الطبيعي خلال تشغيلها لضمان استقرار الشبكة، في غياب تكنولوجيات تخزين الكهرباء؛ ما جعل شبكة الكهرباء الألمانية أكثر اعتمادًا على الغاز الطبيعي.

الطاقة النووية في أوروبا
إحدى محطات توليد الكهرباء من الطاقة النووية في أوروبا

الطاقة النووية وأحزاب الخضر

عملت جماعة السلام الأخضر منذ نشأتها على محاربة صيد الحيتان، والتصدي لرمي النفايات النووية الناتجة من استخدام المفاعلات النووية في توليد الكهرباء، حتى أصبح أكبر همهم هو محاربة توليد الكهرباء من الطاقة النووية.

لم تعكس الأزمة النفاق المناخي للطبقة النخبوية الأوروبية فحسب، بل أيضًا عكست نفاق جماعة السلام الأخضر، التي كانت تناهض استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء.

دخلت جماعات البيئة المتطرفة الأوروبية غمار السياسة في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، وأصبحت أكثر براغماتية وأكثر نفاقًا.

هل يستطيع العالم تصديق حكومات أوروبا؟

سياسات تحول الطاقة غير الناجحة؛ جعلت شروط تحول الطاقة غير مستوفاة؛ فعرضت أمن الطاقة فيها للابتزاز من الآخرين، وجعلت موثوقية الطاقة لتلبية حاجات المستهلكين على المحك.

كما تسببت سياسات الطاقة الأوروبية جعلت أسعار الطاقة تقفز أضعافًا مضاعفة، ولا حل يلوح في الأفق على الأمدين القريب أو المتوسط.

كما تظهر أوجه النفاق المناخي في مناداة الأوروبيين بوقف الاستثمار في الوقود الهيدروكربوني، وهم من يبني حاليًا استثمارات طويلة الآجل لإعادة تغويز الغاز المسال، ذات استثمار ضخمة.

انبعاثات الكربون في أوروبا

تنصُّل الأوروبيين من "مبدأ عدم الرجعة" يُعَد نفاقًا حتى بالقيم السياسية المألوفة، وهم من نادى بإدراجه في اتفاقية باريس الإطارية.

ويعكس ذلك مدى تشدق الحكومات الغربية بقيادة العالم في قضية التغير المناخي دون تقديم حلول لها، ونقضهم إياها عندما يكون ذلك في تضارب مع رفاهية شعوبهم، حتى في وقت "الأزمات المؤقتة" وغير الدائمة التي تحتاج إلى صبر.

كانت الحكومات الغربية الأكثر مناداة وتحدثًا عن نجاعة التحول الأخضر في المفاوضات وفي وسائل الإعلام، وعند الاختبار الصعب فشلت أوروبا وفضح أفعالها النفاق المناخي الذي دأبت على ممارسته لسنوات.

ويتساءل العديد من المحللين عن كيف ينظر العالم الآخر وهو يرى نفسه في مرحلة تنموية أقل، وفي مستوى معيشي أقل بكثير من الأوروبيين، وهم ينادوهم ليل نهار بالصبر من أجل المناخ.

ماذا بعد؟

قد يقول البعض إن التجربة الأوروبية لم تكتمل بعد، وتمر بامتحان عصيب، وما يظهر في الأفق هو أن الأوروبيين فشلوا في الالتزام بمستهدفات التغير المناخي بعدم التزامهم بمبدأ عدم الرجعة.

ويؤكد الخبراء ضرورة إعادة النظر في تحول الطاقة؛ بحيث يستوفي شروط كل من "الحياد الكربوني" والاستدامة وتحول الطاقة، دون أن نظهر عداءً لأحد أنواع الطاقة وفي المقدمة منها صناعة النفط والغاز.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق