المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

الغاز الروسي سلاح بوتين لتعزيز علاقات الطاقة مع دول آسيا الوسطى (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الغاز الطبيعي الروسي توجّه إلى جمهورية أوزبكستان عبر نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى
  • نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى يمثّل تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الطاقة لدى المنطقة
  • خط أنابيب مركز آسيا الوسطى يوجّه الغاز الروسي لتغذية اقتصاد أوزبكستان المزدهر
  • اهتمام روسيا بالمنطقة ينبع من رغبتها في تنويع إمداداتها من الغاز
  • آسيا الوسطى وشرق آسيا تمثّلان الأسواق المحتملة التي تحرص موسكو على الاستفادة منها
  • شركة غازبروم تستعد لزيادة إمداداتها من الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب آسيا الوسطى

بدأت صادرات الغاز الروسي تتجه إلى أوزبكستان عبر نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ويُعدّ ذلك مناسبة تاريخية مهمة حضرها زعماء وأقطاب الطاقة من روسيا وقازاخستان وأوزبكستان.

ومن المقرر أن يخضع خط أنابيب الغاز، وهو من بقايا ستينيات القرن الـ20، إلى تحول تاريخي، بعد أن كان سابقًا قناة لأوزبكستان لتزويد 8 جمهوريات سوفييتية بالوقود.

ويوشك هذا الخط على العمل في الاتجاه المعاكس، إذ ينقل الغاز الروسي لتغذية اقتصاد البلاد المزدهر، ما يمثّل تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الطاقة الإقليمية.

ويشهد نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى -وهو شريان حيوي للطاقة يربط تركمانستان وأوزبكستان وقازاخستان وروسيا- عصرًا جديدًا من التعاون والتنمية، إذ أدت الاتفاقيات والمبادرات الأخيرة إلى تنشيط هذه البنية التحتية، وأكدت أهمية الشراكات الثنائية في قطاع الطاقة.

تجدر الإشارة إلى السرعة التي تمّ بها توقيع العقود وتنفيذ الأعمال اللاحقة، وفي غضون 3.5 أشهر فقط، خضع قسم يبلغ طوله 1760 كيلومترًا، ويمتد في 3 دول لإصلاحات واسعة النطاق وتحديثات فنية وإنشاءات جديدة، إذ يكشف هذا التنفيذ السريع الكثير من أوجه الالتزام والروح التعاونية لدى الدول المعنية.

التركيز على التعاون

كانت تصريحات المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في 8 ديسمبر/كانون الأول مهمة للغاية، ومن خلال تأكيد أن تحالف موسكو المقترح للغاز تحرّكه المصالح التجارية البحتة، إذ تحاول موسكو تبديد أيّ فكرة عن الهيمنة السياسية.

ويعزز ذلك تأكيد نائب رئيس الوزراء الأوزبكي، جورابك ميرزامحمودوف، أن أوزبكستان لن تقبل شروطًا سياسية مقابل الغاز الروسي، إذ يُعدّ تفضيل المصالح التجارية على الظروف السياسية مؤشرًا واضحًا على الطبيعة المتطورة لدبلوماسية الطاقة في المنطقة.

اتفاقية حول مشروع لنقل الغاز الروسي
من اليمين، رؤساء قازاخستان وروسيا وأوزبكستان في حفل تدشين خط أنابيب غاز مركز آسيا الوسطى – المصدر: أستانا تايمز

في يناير/كانون الثاني 2023، اتُّخِذَت خطوة مهمة عندما وقّعت شركة غازبروم الروسية ووزارة الطاقة الأوزبكية خطة تفصيلية للتعاون في قطاع الغاز.

ومهّدت هذه الاتفاقية الطريق لتعاون أعمق، وسلّطت الضوء على الرؤية المشتركة لكلا الطرفين لمستقبل الطاقة في المنطقة.

واستمر الزخم حتى يونيو/حزيران 2023، خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، إذ وُقِّعَت سلسلة من الاتفاقيات المحورية:

  1. أبرمت شركة غازبروم وأوزبكستان عقد توريد الغاز الروسي إلى أوزبكستان رسميًا، وهذا يضمن إمدادات ثابتة من الغاز إلى أوزبكستان، ويعزز أمن الطاقة في المنطقة.
  2. وُضِعت خطة تفصيلية لإعداد نظام نقل الغاز في أوزبكستان لاستقبال ونقل الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية، مع التركيز على التحسينات الفنية والبنية التحتية المطلوبة.
  3. وقّعت شركة غازبروم وشركة "قازاق غاز"، التي تمثّل مصالح قازاخستان، عقدًا لتسهيل نقل الغاز الروسي عبر قازاخستان للمستهلكين في أوزبكستان، وتكتسب هذه الاتفاقية أهمية خاصة بالنظر إلى القدرة الفائضة الحالية لدى قازاخستان في نظام نقل الغاز لديها.

أوزبكستان تغيّر قواعد اللعبة

تؤكد تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أهمية مشروع الطاقة الثلاثي هذا، الذي وصفه بأنه الأكبر من نوعه، ويُعدّ عكس اتجاه تدفّق خط الأنابيب رمزًا لاحتياجات الطاقة المتغيرة وديناميكيات المنطقة، وتجد أوزبكستان، التي كانت مصدِّرًا للغاز، نفسها الآن في وضع يسمح لها باستيراد الغاز، وهو دليل على نمو اقتصادها السريع وظروفها المناخية المتغيرة.

وقد أدى فصل الشتاء القاسي الذي شهدته أوزبكستان العام الماضي، وسط انخفاض درجات الحرارة إلى 20 درجة مئوية تحت الصفر، إلى تأكيد الحاجة الملحّة لتأمين إمدادات موثوقة من الغاز.

ويمثّل تأكيد بوتين إبرام العقد قبل بداية برد الشتاء، هذا العام، إشارة واضحة إلى الأهمية الإستراتيجية التي توليها روسيا لهذه الشراكة.

وفي ظل التزامات ديون كبيرة تجاه المنظمات الدولية والجهات المانحة الخاصة والصناديق الأوروبية، تدرك أوزبكستان تمام الإدراك التداعيات المحتملة للتحالف الوثيق مع أيّ دولة كبرى، خصوصًا وسط التهديد الذي يلوح في الأفق بفرض عقوبات ثانوية من الولايات المتحدة.

ويدفع هذا الاعتماد المالي على التمويل الغربي أوزبكستان إلى أن تتعامل بحذر مع ارتباطاتها الدولية.

وتمتد أهمية هذا المشروع إلى ما هو أبعد من أمن الطاقة، لأنه يتمتع بأهمية اجتماعية قصوى بالنسبة لأوزبكستان، فمع بداية الأشهر الباردة، أصبح لدى أوزبكستان الآن مصدر يمكن الاعتماد عليه للطاقة لضمان تدفئة مواطنيها وحصولهم على الكهرباء، ويعدّ المشروع بمثابة شهادة على قوة التعاون الإقليمي في تحسين معيشة الناس.

دور قازاخستان المحوري

يُعدّ الدور الذي تؤديه قازاخستان في هذه الشراكة المتجددة بمجال الطاقة محوريًا، إذ ستصبح البلاد حلقة وصل مهمة في سلسلة الطاقة هذه، بفضل نظام نقل الغاز لديها القدرة الاحتياطية على نقل الغاز الروسي نحو أوزبكستان.

إدراكًا لذلك، وقّعت الحكومة القازاخستانية وشركة غازبروم استباقيًا خطة عمل لإعداد خط أنابيب مركز آسيا الوسطى لهذا الغرض.

وتجري الاستعدادات الفنية على قدم وساق في القسم القازاخستاني من خط أنابيب مركز آسيا الوسطى، بحسب ما أكد الممثل الرسمي لوزارة الطاقة.

ومع تحديد تاريخ الانتهاء المستهدف في أكتوبر/تشرين الأول، كانت قازاخستان على وشك البدء في نقل الغاز الروسي إلى أوزبكستان، ما يمثّل علامة بارزة بهذه الشراكة الثنائية في مجال الطاقة.

ورغم أن الموقف العام لأوزبكستان قد يتأثر بالتزاماتها المالية، فإن اهتمام روسيا بالمنطقة ينبع من رغبتها في تنويع إمداداتها من الغاز.

من ناحية ثانية، تمثّل آسيا الوسطى وشرق آسيا الأسواق المحتملة التي تحرّص موسكو على الاستفادة منها، وبما أن روسيا وأوزبكستان لا تشتركان في الحدود، فإن أيّ اتفاق بشأن إمدادات الغاز يستلزم مشاركة قازاخستان.

وتزداد هذه الديناميكية الثلاثية تعقيدًا بسبب مصالح قازاخستان الخاصة في الاتفاق، وكما ذكرنا سابقًا، ستستفيد قازاخستان بشكل كبير من زيادة مدفوعات العبور، ما يجعل مشاركتها في نظام نقل الغاز أمرًا بالغ الأهمية.

إحياء نظام خط آسيا الوسطى

توجِّه كلٌّ من أوزبكستان وقازاخستان -وهما من الدول المنتجة الرئيسة للغاز في المنطقة- بتوجيه صادراتهما بصورة متزايدة نحو الصين، وهي مستهلك سريع النمو للطاقة، وتشير البيانات الأخيرة إلى انخفاض حجم هذه الصادرات.

وكانت قازاخستان، وهي دولة غنية بمصادر الوقود، من أبرز مصدّري الغاز في المنطقة، فوفقًا لوزارة الطاقة في البلاد، صدّرت قازاخستان 7.2 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2021.

وكان من المتوقع حدوث انخفاض في عام 2022، إذ تشير التوقعات إلى انخفاض إلى 5 مليارات متر مكعب، ويعزى هذا الانخفاض إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك تفشّي وباء كوفيد-19، أو احتياجات الاستهلاك المحلّي، أو ديناميكيات السوق العالمية، أو القرارات الإستراتيجية لإدارة الاحتياطيات.

خطوط أنابيب الغاز في محطة أتامانسكايا التابعة لشركة غازبروم الروسية
خطوط أنابيب الغاز في محطة أتامانسكايا التابعة لشركة غازبروم الروسية – الصورة من رويترز

وبدأت أوزبكستان، التي كانت ذات يوم مصدرًا مهمًا للغاز إلى جيرانها السوفييت، في تعديل إستراتيجية التصدير لديها.

وشهدت صادرات أوزبكستان من الغاز انخفاضًا كبيرًا في عام 2021، إذ انخفضت بنسبة 33.5% إلى 2.38 مليار متر مكعب، وفقًا لبيانات أوبك، وكان هذا الانخفاض كبيرًا، وكان نتيجة لزيادة الاستهلاك المحلي، أو انخفاض الإنتاج، أو التحولات الإستراتيجية في سياسة التصدير.

وكان نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى، الذي يمتد عبر تركمانستان وأوزبكستان وقازاخستان وروسيا، بمثابة بنية تحتية بالغة الأهمية للمنطقة، وقد بعثت التطورات الأخيرة حياة جديدة في هذا النظام.

وأدى وجود خطَّي أنابيب "آسيا الوسطى - المركز الرابع" و"آسيا الوسطى - المركز الخامس" داخل أراضي قازاخستان وجهود الإصلاح وإعادة التأهيل والبناء المكثفة، إلى تحديث النظام، ما جعله أكثر كفاءة وموثوقية. تاريخيًا، صُمِّم نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى لنقل الغاز من آسيا الوسطى إلى روسيا.

وقد قلبت التطورات الأخيرة هذه الديناميكية، إذ يتدفق الغاز الروسي الآن إلى أوزبكستان في وضع عكسي، ويُظهر هذا التدفق العكسي مرونة البنية التحتية وقدرتها على التكيف، ويؤكد على معادلات الطاقة المتغيرة في المنطقة.

صادرات الغاز الروسي

على الرغم من أن الكميات قد لا تبدو كبيرة بالنسبة لموسكو، ففي سياق العقوبات المناهضة لروسيا، أيّ زيادة في صادرات الغاز الروسي مفيدة بلا شك، بعد تراجع صادرات شركة غازبروم من الغاز مؤخرًا.

على سبيل المثال، في حين صدّرت الشركة أكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2022، تشير التوقعات لهذا العام إلى تصدير نحو 80 مليار متر مكعب إلى الصين، وتستهدف السوق الآسيوية في المقام الأول.

ومن حيث التسعير، من المقرر أن تشتري أوزبكستان الغاز الروسي بمعدل 110-130 دولارًا لكل ألف متر مكعب، وهذا أقلّ كثيرًا من الأسعار التي تفرضها شركة غازبروم على دول منطقة اليورو، إذ يتجاوز سعر الغاز حاليًا 380 دولارًا لكل ألف متر مكعب.

ويؤكد هذا التسعير الإستراتيجي لأوزبكستان نية روسيا في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، ومن خلال تقديم الغاز بأسعار تقلّ بشكل كبير عن تلك المقدمة للدول الأوروبية، تعمل موسكو على تعزيز حسن النية، وربما ضمان الولاء السياسي لطشقند.

الآفاق المستقبلية

كانت التطورات الأخيرة المحيطة بتحالف الغاز المقترح بين روسيا وقازاخستان وأوزبكستان سببًا في تسليط الضوء على التوازن المعقّد بين البراغماتية الاقتصادية والاعتبارات الجيوسياسية في مشهد الطاقة في آسيا الوسطى.

وتُبرِز هذه التطورات قوة التعاون الثنائي في قطاع الطاقة بين روسيا ودول آسيا الوسطى، ومع استمرار بلدان المنطقة في إقامة شراكات متبادلة المنفعة، فإن ذلك يضمن أمن الطاقة، ويمهد الطريق للنمو الاجتماعي والاقتصادي والاستقرار.

ويبدو مستقبل مشهد الطاقة في آسيا الوسطى واعدًا، إذ تعمل الدول جنبًا إلى جنب لتسخير إمكاناتها الجماعية.

وتُعدّ أحداث اليوم البداية، وليست نقطة النهاية، وتضع الخطة التفصيلية للتعاون الموقّعة في وقت سابق من هذا العام بين شركة غازبروم ووزارة الطاقة الأوزبكية، إلى جانب العقود الموقّعة خلال منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الأساس لعلاقة طويلة الأمد ومتبادلة المنفعة في قطاع الغاز.

ومن الواضح أن روسيا تسعى إلى توسيع نفوذها في آسيا الوسطى والتواصل مع مناطق المحيط الهادئ الهندية، إذ من المتوقع أن ينمو الطلب على الوقود الأحفوري.

وتستعد شركة غازبروم لزيادة إمداداتها من الغاز الروسي إلى الصين عبر خط أنابيب مركز آسيا الوسطى، ومن المحتمل أن تصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا.

وقد تقوم شركة غازبروم بتوريد نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى أوزبكستان وقازاخستان، ومن هذه الكمية، خُصِّص 4-6 مليار متر مكعب غازًا عابرًا للصين، إذ إن تعزيز البنية التحتية لخطّ أنابيب الغاز في وسط آسيا، لتسهيل إمدادات سنوية تتراوح بين 20 و25 مليار متر مكعب سوف يستغرق نحو عام آخر.

ختامًا، يمثّل إحياء نظام خط أنابيب مركز آسيا الوسطى وبدء إمدادات الغاز الروسي إلى أوزبكستان رمزًا لشراكات الطاقة المتطورة في آسيا الوسطى.

ومع استمرار دول المنطقة في التعاون والابتكار، يبدو المستقبل واعدًا بالنسبة لأمن الطاقة والتنمية الجغرافية الاقتصادية، وعلى الرغم من أنّ المصالح التجارية تظل في صادرة الاهتمامات، فإن ظلال الاعتبارات الجيوسياسية تبقى حاضرة على الدوام.

* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق