رئيسيةالتقاريرتقارير الغازغاز

أسواق الطاقة في أوروبا قد تتجه نحو أزمة جديدة.. وهذه 3 مؤشرات

أسماء السعداوي

أصبحت أسواق الطاقة في أوروبا أكثر عرضة للتقلبات، وأكثر تأثرًا بالأحداث الجيوسياسية البعيدة جدًا عن القارة العجوز، بالتزامن مع التحول إلى الطاقة المتجددة التي تُثار بشأنها الشكوك.

وقبل نحو عامين، كان المواطن الأوروبي على موعد مع ارتفاع فواتير الطاقة وصعود جنوني لأسعار الفائدة، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية (فبراير/شباط 2022) وما تلاها من اضطراب سلاسل التوريد، والأهم خروج الغاز الروسي جزئيًا من المشهد، وفق ما طالعه منصة الطاقة المتخصصة.

والآن، يُغلّف الهدوء قطاع الطاقة في أوروبا، وخاصة أسعار الغاز الطبيعي التي تحوم قرب أدنى مستوياتها، لكن ذلك لا يعني أن الأزمة قد انتهت للأبد.

وثمة أسباب منطقية تجعل أوروبا تتجه نحو واقع جديد يحمل قائمة خاصة بالتحديات، وأبرزها وضع سوق الغاز وتوترات حركة الملاحة بالبحر الأحمر، وموثوقية الطاقة المتجددة.

أسعار الغاز الطبيعي

تجتاح موجة باردة أنحاء واسعة من أوروبا، ما يرفع الطلب على الغاز، كما غيرت الناقلات مسارها بعيدًا عن مضيق باب المندب في البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

وتعهدت جماعة الحوثي اليمنية باستهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، بهدف الضغط لوقف الحرب على غزة، وهو ما دفع تحالفًا دوليًا بقيادة الولايات المتحدة إلى شنّ هجمات مضادة لتأمين حركة الملاحة في باب المندب الذي تمر منه 12% من حركة الشحن العالمية.

في الوضع الطبيعي، كانت تلك التوترات وارتفاع الطلب أسبابًا كافية لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، إلّا أنها واصلت تراجعها لمستويات قياسية على نحو مفاجئ.

وكان السبب الرئيس لذلك هو ارتفاع مستويات تخزين الغاز التي جاهدت أوروبا لحشدها على مدار العام الماضي (2023)، بجانب حلول شتاء معتدل نسبيًا (بغضّ النظر عن بعض الموجات الباردة)، فضلًا عن بعض الدعم الذي قدّمته مصادر الطاقة المتجددة.

موقع لتخزين الغاز في ألمانيا
موقع لتخزين الغاز في ألمانيا- الصورة من رويترز

كما كان تباطؤ النمو الاقتصادي عاملًا إيجابيًا بالنسبة لأسواق الطاقة في أوروبا؛ إذ حجّم الطلب على الموارد في البلدان الصناعية الكبيرة مثل ألمانيا.

عززت تلك العوامل الثقة في أن القارة بوضع مستقر بما يكفي لتجاوز الشتاء بدعم من مخزونات الغاز، وفق ما جاء في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

وتُتَداوَل أسعار الغاز الأوروبية دون مستوى 30 يورو (32.7 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط/ساعة، وهو ما يمثّل عُشر الأسعار وقت الأزمة في 2022.

لكن تراجع أسعار الغاز الطبيعي نزولًا من ذروتها في عام 2022 لم يكن بمنأى عن التوترات التي رفعت الأسعار في بعض الأحيان.

وقبل التوترات الأخيرة، تسبَّب إضراب العمال في محطات إنتاج وتصدير الغاز المسال بأستراليا بارتفاع الأسعار، وكذلك الحرب في غزة وانقطاع الإمدادات الأميركية.

كل ذلك يرسل رسالة صريحة، هي أن ذلك الهدوء بالأسعار غير مضمون، وقد لا يدوم طويلًا.

يؤكد ذلك مدير سياسات الطاقة بوزارة الطاقة الألمانية، ستيفان رول، بقوله: "مازلنا حذرين للغاية بشأن ما سيحدث فيما بعد".

الغاز الروسي

كان الغاز الروسي المورد الرئيس لأوروبا قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وفيما بعد اضطرت أوروبا للبحث عن مورّدين بدلاء مثل الجزائر.

وتبعث حقيقة مرور ثاني شتاء دون اعتماد على الغاز الروسي، الاطمئنان في نفوس التجّار.

لكن الحقيقة هي أن الطريق ما زال طويلًا أمام تحقيق الاستقرار والاكتفاء الكامل، لأن اتفاقية مرور خط الأنابيب بين روسيا وأوكرانيا إلى أوروبا ستنتهي بنهاية العام الجاري، ومن غير المحتمل تجديدها.

يعني ذلك أن القارة ستحصل على كميات غاز أقلّ من روسيا عملاقة إنتاج النفط والغاز العالمية.

وعلى نحو خاص، لم تفرض أوروبا عقوبات على واردات الغاز الروسي بعكس النفط ومشتقاته، ضمن سلسلة عقوبات اقتصادية استهدفت قطاع الطاقة الروسي المموّل الرئيس لخزينة الدولة.

توترات البحر الأحمر

يقول مدير تجارة الغاز في شركة "إم إي تي انترناشيونال" السويسرية (MET International)، باليانت كونتش: "يبدو من النظر فقط للأسعار أن الأزمة قد انتهت، لكننا نعتمد حاليًا على العوامل العالمية التي قد تتغير بطرفة عين".

وأضاف: "قد ترتفع الأسعار من جديد، وحتى خلال موسم التدفئة الجاري، إذا حدث إرباك مفاجئ للإمدادات، أو طال الطقس البارد".

أحد المخاطر الرئيسة التي تفرض نفسها بقوة هي الهجمات على السفن في البحر الأحمر، وهو طريق تسلكه قطر لتوصيل إمدادات الغاز المسال إلى أوروبا.

ناقلة غاز مسال قطرية
ناقلة غاز مسال قطرية- الصورة من موقع شركة ناقلات

وقطر هي أكبر مُصدّر للغاز المسال إلى القارة بعد الولايات المتحدة، وخلال عام 2023 نجحت الدولة الخليجية في تلبية 13% تقريبًا من استهلاك الغاز في غرب أوروبا.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2024، توقفت 5 ناقلات غاز مسال قطرية عن عبور قناة السويس من خلال البحر الأحمر، كما تتجنب ناقلات النفط والغاز تلك المنطقة الملتهبة، واختارت طريق رأس الرجاء الصالح بديلًا.

يُضاف إلى ذلك أزمة جفاف قناة بنما، ما يضع طريقين رئيسين لتوصيل شحنات الغاز المسال في خطر، ويضيف طولًا لمدة الرحلات وارتفاعًا في تكلفة الشحن والتأمين.

الطاقة المتجددة

يطمح الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ولذلك قرر رفع حصة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 42.5% بحلول 2030، مع العمل لرفع تلك النسبة إلى 45%.

ودعمت مصادر الطاقة النظيفة أوروبا إلى جانب الانتعاشة في إنتاج الطاقة النووية بفرنسا، لكن ظروف الطقس المتطرفة الناتجة عن تغير المناخ، أصبحت أكثر تواترًا، وهو ما تجلّى بأزمة ارتفاع درجات الحرارة في جنوب أوروبا خلال أشهر الصيف.

وسواء في مواسم البرد أو الحر، تُصاب أنظمة الكهرباء بالوهن، وربما يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على الغاز.

أضف إلى ذلك أن الاعتماد على الطاقة المتجددة يقابله مشكلة تقطع الإمدادات، فالشمس لن تشرق دائمًا في الشتاء، ولن تهبّ الرياح في الصيف.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق