تقارير التغير المناخيالتغير المناخيرئيسية

خطط تحول الطاقة في أوروبا تتراجع أمام الضغوط الاقتصادية.. هل تفشل تمامًا؟

أسماء السعداوي

باتت خطط تحول الطاقة في أوروبا على المحكّ؛ إذ يبدو أن هناك اتفاقًا جماعيًا بين دول أوروبا على اتخاذ خطوة للوراء بشأن سياسات خفض الانبعاثات وتحقيق أهداف الحياد الكربوني.

وفي تحول صادم، أشارت حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى تأجيل تنفيذ بعض السياسات الخضراء، دعمًا للمواطنين الذين يعانون بسبب الركود والتضخم.

وفي السويد، قررت الحكومة اليمينية خفض حصة السياسات المناخية في ميزانية الدولة للعام المقبل 2024، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي دليل آخر على تراجع خطط تحول الطاقة في أوروبا عمومًا، تسعى دول الاتحاد الأوروبي جاهدة إلى تخفيف القيود المرتبطة بمعايير انبعاثات السيارات "يورو 7" (Euro 7) من غير ثاني أكسيد الكربون.

وفي ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي، تظاهر الآلاف احتجاجًا على حزمة إجراءات جديدة ستعرقل وصول ألمانيا لأهدافها المناخية، إذ تسعى البلاد إلى خفض قيود الانبعاثات من الصناعات الأكثر تلويثًا.

يسلّط ذلك الضوء على الصعوبة الشديدة التي تواجهها بلدان القارة العجوز في تحقيق المعادل الصعبة بين الوفاء بالتعهدات المناخية وعدم الإضرار بمصالح المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة والركود والتضخم.

الحياد الكربوني في المملكة المتحدة

قالت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان في تصريح إذاعي صادم: ""لن ننقذ كوكب الأرض بإفلاس الشعب".

تتّسق تلك التصريحات مع اتجاه الحكومة بقيادة رئيس الوزراء ريشي سوناك لتأجيل تنفيذ بعض سياسات التحول الأخضر، من أجل دعم للمواطنين اللذين يعانون من الركود والتضخم.

ويستعد ريشي سوناك لطرح ما أسماه بنهج "أكثر ملاءمة" لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.

يتضمن النهج الجديد تأجيل هدف حظر سيارات البنزين والديزل حتى عام 2035، وليس عام 2030 كما كان مقررًا سابقًا، بالإضافة لتأجيل أهداف استبدال الغاز في غلايات الماء بالمضخات الحرارية.

وفي أول ردّ رسمي له، أكد رئيس الوزراء ريشي سوناك في تدوينة له بمنصة "إكس" -تويتر سابقًا- أنه مهتم بالوصول إلى هدف الحياد الكربوني في المملكة المتحدة بحلول عام 2050، ولكن ليس بالطريقة الحالية.

وقال: "إنني مهتم بالوصول للحياد الكربوني، ولكن بناءً على المسار الحالي، سنخاطر بخسارة موافقة البريطانيين".

وأضاف: "هذا خطأ، ويتغير اليوم بنهج جديد لتحقيق الحياد الكربوني".

ولاقى الإعلان انتقادات لاذعة من قِبل المدافعين عن البيئة والعاملين بصناعة السيارات الكهربائية التي تشهد نموًا مطّردًا مؤخرًا.

فشركات السيارات تسعى للتكيف مع خطط التخلص من سيارات محرك الاحتراق الداخلي، وتضخ أموالًا ضخمة لتتماشى مع سياسات الحكومة.

تؤكد ذلك شركة فورد (Ford)، التي أنفقت 430 مليون جنيه إسترليني (532 مليون دولار) لإقامة منشآت التطوير وتصنيع السيارات الكهربائية، كما من المتوقع أن تخصص تمويلًا آخر ضمن أهداف 2030.

ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني
ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني - الصورة من "سي إن إن"

أهداف السويد المناخية

في حلقة أخرى ضمن مسلسل تراجع خطط تحول الطاقة في أوروبا، تبدو أهداف السويد المناخية بعيدة عن التحقيق في موعدها بعد خفض حصتها بميزانية العام المقبل 2024.

وفي تحوّل صادم للدولة التي أعلنت خطة طموحة لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2045، فإن الإجراءات الجديدة التي تتضمنها الميزانية تؤكد استحالة تحقيق الهدف بحلول الموعد المقرر، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

من جانبها، تبرر حكومة حزب يمين الوسط الخطوة بالأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع قيمة العملة المحلية (الكرونة السويدية)، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

(الكرونة السويدية = 0.090 دولارًا أميركيًا).

وتواجه الحكومة بقيادة رئيس الوزراء أولف كريستيرسون صعوبة شديدة في المواءمة بين الحفاظ على أهداف السويد المناخية والوقوف إلى جانب المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.

ويستحوذ حزب الديمقراطيين السويديين اليميني على الحكومة، كما أنه لا يدعم هدف الحياد الكربوني، ورفض أهداف السويد المناخية وجعل البلاد نموذجًا يُحتذى به في مواجهة تغير المناخ.

وفور تولّي الحكومة مقاليد السلطة في العام المنصرم 2022، قررت إلغاء وزارة البيئة.

ومن أصل 19 هدفًا مناخيًا كانت مُدرجة على ميزانية عام 2024 المقبل، قالت الحكومة، إنها ستفشل في تحقيق 7 منهم، ومنها المتعلقة بخفض التلوث وانبعاثات قطاع النقل، مع تحقيق هدفين فقط.

من جانبها، تقول وزيرة المالية إليزابيث سفانتيسون: "ما نفعله حاليًا، بما في ذلك خفض الضرائب على الوقود، يزيد الانبعاثات، لكننا نقوم بالكثير من الأشياء الأخرى التي ستؤدي إلى تقليل الانبعاثات على المدى الطويل".

وأضافت: "سنعود خلال الخريف بخطة عمل مناخية تحدد مسارًا واضحًا للعمل بشأن خفض الانبعاثات".

ونتيجة للقرارات التي اتخذتها الحكومة خلال المدة بين الأول من يوليو/تموز 2022 وحتى نهاية الشهر ذاته من هذا العام 2023، تقول التقديرات، إن الانبعاثات ستزيد بمقدار يتراوح بين 5.9 مليون إلى 9.8 ملايين طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وذلك بحلول عام 2030.

رئيس وزراء السويد أولف كريستيرسون
رئيس وزراء السويد أولف كريستيرسون - الصورة من "رويترز"

الاتحاد الأوروبي

تتجه دول الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف القيود الخاصة بمعايير انبعاثات السيارات يورو 7 (Euro 7) من غير ثاني أكسيد الكربون، مثل أول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين.

وفي حالة التوصُّل إلى موقف موحَّد، ستنطلق مفاوضات مع البرلمان الأوروبي للوصول إلى صيغة نهائية للقواعد.

وبحلول الأسبوع المقبل، ستدرس دول الاتحاد اتخاذَ موقف جديد معارض للقواعد التي من المقرر أن تدخل حيز النفاذ في عام 2025، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

وكانت 8 دول بالاتحاد الأوروبي (منها فرنسا وإيطاليا)، رفضت قواعد "يورو 7"، قائلة، إن شركات صناعة السيارات تعاني بسبب أهداف التحول إلى السيارات الكهربائية.

كما حذّرت شركات السيارات الأوروبية من أن القواعد ستحوّل الاستثمارات بعيدًا عن السيارات الكهربائية، لتترك الباب مفتوحًا أمام السيارات الكهربائية الصينية الأرخص.

من جانبه، دعا وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير، الاتحاد الأوروبي إلى التخلّي عن قواعد يورو 7، قائلًا، إنها تكلّف صُنّاع السيارات بالقارة "أموالًا دون طائل" في وقت التحول الحاسم.

انبعاثات السيارات
انبعاثات السيارات - الصورة من "thehill"

ألمانيا

تظاهر عشرات الآلاف، يوم الجمعة الماضية 14 سبتمبر/أيلول 2023، احتجاجًا على حزمة مناخية جديدة يقول منتقدون، إنها لن تضع ألمانيا على طريق تحقيق الأهداف الخضراء وخفض الانبعاثات بحلول عام 2030.

وبدءًا من العام المقبل 2024، ستعمل ألمانيا على خفض قيود تقليل الانبعاثات من الصناعات الأكثر تلويثًا بالبلاد، وسترصد الحكومة التقدم المحرَز في خفض الانبعاثات بالتركيز على الأرقام على مستوى الاقتصاد عمومًا، وليس على مستوى القطاع، كما يجري حاليًا.

وقالت وزارة الاقتصاد، إنها ستفشل في تحقيق هدف خفض الانبعاثات بنسبة 65% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990، وفق تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

يأتي ذلك بعدما وافقت الحكومة على تخفيف قيود الحظر على استعمال غلايات الوقود الأحفوري الجديدة، والتي كانت تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع البناء.

وتشهد جهود ألمانيا الخضراء تراجعًا كبيرًا، وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ انخفضت انبعاثات الكربون بمقدار 1.9% فقط في العام الماضي 2022.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق