السيارات الكهربائية الصينية تقلق أسواق الاتحاد الأوروبي (مقال)

مقارنة بعام 2022 بأكمله، صدّرت بكين أعدادًا إضافية من السيارات الكهربائية الصينية إلى 9 دول أوروبية في النصف الأول من عام 2023.

ويُعدّ الارتفاع في واردات سيارات بكين الكهربائية ثمرة جهود الشركات المحلية المصنعة لزيادة حصّتها في سوق أوروبا، التي تعتمد جزئيًا سياسات التسعير العدائية.

لاحظ المجلس الدولي للنقل النظيف أن الإحصائيات تتوافق مع الاتجاه العالمي، إذ تولّت بكين قيادة رائدة في سوق السيارات الكهربائية الصينية، وتمثّل نحو 60% من جميع اكتتابات هذه السيارات الجديدة على مستوى العالم في عام 2022.

وتَمثّلّ الردّ على الارتفاع الكبير في واردات السيارات الكهربائية الصينية بإطلاق الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تحقيقًا بشأن الإعانات الرسمية التي تقدّمها الصين لمنتجي السيارات الكهربائية.

ويأتي هذا الإجراء في وقت حيوي بالنسبة لصناعة السيارات العالمية، إذ إن ديناميكيات السوق الأوروبية تتغير جذريًا.

الجدير بالذكر أن منتجي السيارات الكهربائية الصينيين دخلوا السوق الأوروبية عمدًا، بما في ذلك شركتا بي واي دي ونيو، لتجنّب معارك التسعير المحلية.

ولقد منحتهما تكتيكات الأوروبيين السعرية العدائية الفرصة للاستحواذ على جزء أكبر من سوق السيارات الكهربائية الأوروبية، ما يمثّل تحديًا كبيرًا لشركات صناعة السيارات الأوروبية الكبرى.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زاد اعتماد السيارات الكهربائية بشكل كبير في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

وزادت نسبة اكتتابات السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبي بنسبة كبيرة تبلغ 3 أضعاف، إذ ارتفعت إلى 12% من إجمالي حصة السوق، ويؤكد متوسط حصة السوق الشهرية بنحو 13% هذه الزيادة السريعة، وفقًا لتحليل أجرته رويترز، بين عامي 2019 و2022.

توسع السيارات الكهربائية الصينية في أوروبا

حققت شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية مكاسب سريعة في السوق الأوروبية، وحققت حصة سوقية ملموسة بلغت 8%.

وتشير التوقعات إلى أن مسار النمو هذا سيستمر، إذ من المحتمل أن تسيطر السيارات الكهربائية الصينية على نسبة كبيرة تبلغ 15% من سوق السيارات الكهربائية الأوروبية بحلول عام 2025.

ويُبرِز هذا الصعود قدرة تلك الشركات على التكيف واستجابتها لديناميكيات السوق المتطورة، فضلًا عن قدرتها على تقديم عروض سيارات كهربائية متقدمة فعالة من حيث التكلفة والتكنولوجيا.

وقد لاقت ميزة التسعير لديها، التي تقلّ بنسبة 20% تقريبًا عن نظيراتها الأوروبية، صدى لدى المستهلكين المهتمين بالموازنة، التي تبحث عن بدائل صديقة للبيئة.

ويعدّ الوصول إلى حصة سوقية بنسبة 15% أمرًا مهمًا على أصعدة متعددة، فهو يجعل مصنّعي السيارات الكهربائية الصينيين منافسين أقوياء في أوروبا، ما يتحدى الهيمنة التقليدية لشركات صناعة السيارات الأوروبية.

ويُظهر ذلك تفضيلات المستهلكين المتطورة لاقتناء السيارات الكهربائية الصينية، ويزيد من الضغط على شركات صناعة السيارات الأوروبية، للتكيف بسرعة للحفاظ على قدرتها التنافسية.

وتشير هذه الزيادة في حصة السوق إلى تحول عميق في مشهد السيارات الكهربائية الأوروبية، إذ يؤدي المصنّعون الصينيون دورًا مؤثرًا ومتناميًا.

التسعير التنافسي

نظرًا لمميزاتها الاقتصادية، فإن مصنّعي السيارات الكهربائية الصينيين يحققون نجاحًا في أوروبا، وتُعدّ سياراتهم أقلّ تكلفة بنسبة 20% تقريبًا من تلك المصنوعة في القارة العجوز، وتقود هذا النمو المنهجي شركات مثل بي وادي دي، ونيو، و إكس بانغ، مع التركيز على تصميم المركبات الكهربائية خصوصًا للمستهلكين الأوروبيين.

وتطلق هذه الشركات سيارات جديدة تعمل بالكهرباء بالكامل، ومزودة بأحدث التقنيات وميزات السلامة المصممة خصوصًا لتلبية الرغبات الأوروبية، وتضع هذه المبادرات شركات صناعة السيارات الأوروبية الراسخة في مواجهة الاختبار محليًا.

إلى جانب إنتاج سيارات متميزة، يقوم مصنّعو السيارات الكهربائية الصينية ببناء شبكات مبيعات قوية، والتعاون مع المورّدين الإقليميين، وتأسيس وجود لهم في مدن أوروبية مهمة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يشاركون بنشاط في فعاليات السيارات المحلية، ما يدل على انخراطهم في النظام البيئي الأوروبي للسيارات الكهربائية، ويوضح هذا النمو إصرار منتجي السيارات الكهربائية الصينيين، ويجعلهم منافسين أقوياء في السوق الأوروبية الراسخة.

وبجزء من نموهم الإستراتيجي، يبذل مصنّعو السيارات الكهربائية الصينيون جهودًا حثيثة للإنتاج المحلي في أوروبا، وتدعم هذه الإستراتيجية أهداف الاستدامة، وتوفر فوائد في السوق.

ويعمل التصنيع المحلي على تقليل البصمة الكربونية إلى حدّ كبير، من خلال إنتاج سيارات أقرب إلى السوق، وجذب المستهلكين الأوروبيين المهتمين بالبيئة، والالتزام بمتطلبات خفض الانبعاثات.

ومن خلال تحسين الخدمات اللوجستية، وخفض التكاليف، وخفض التكاليف المرتبطة بالاستيراد، فإنه يعمل أيضًا على تحسين كفاءة التكلفة، وتمكين الأسعار التنافسية المستمرة وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير.

إلى جانب آثاره الإيجابية في الاقتصاد والبيئة، يُظهر هذا الإجراء التزامًا طويل الأمد تجاه السوق الأوروبية، ويجعل منتجي السيارات الكهربائية الصينيين أعضاء نشطين بالنظام البيئي للسيارات الكهربائية في المنطقة، ما يشجع على خلق فرص العمل والابتكار التقني والتنمية الاقتصادية.

تحقيقات دعم الصين للسيارات الكهربائية

يُعدّ تحقيق الاتحاد الأوروبي الأخير بشأن دعم الدولة الصينية للسيارات الكهربائية استجابة للمخاوف المتزايدة بشأن آثار الدعم في قطاع السيارات العالمي، وقد أدت هذه الإعانات إلى تعطيل ديناميكيات السوق والإضرار بالمنافسة من خلال كبح أسعار السيارات الكهربائية الصينية بشكل مصطنع.

وتهدف الدراسة إلى حماية مصالح شركات صناعة السيارات الأوروبية، من خلال ضمان المنافسة العادلة في قطاع السيارات الكهربائية النامية.

وتتركز المخاوف على المساعدة الحكومية الضخمة التي تلقّاها مصنّعو السيارات الكهربائية الصينيون، ما أدى إلى تكاليف أرخص بكثير لسياراتهم مقارنة بسيارات المنافسين. وبسبب الميزة السعرية، غمرَ المزيد من السيارات الكهربائية الرخيصة السوق، ما أدى إلى تعطيلها وإجبار الشركات القائمة على تغيير نماذج أعمالها.

وتُعدّ صناعة السيارات قطاعًا حيويًا في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وهي معرّضة بشكل خاص لهذه الاضطرابات.

نتيجة لذلك، يهدف تحقيق الاتحاد الأوروبي إلى حل الاختلالات الناجمة عن الدعم الحكومي الكبير لصناعة السيارات الكهربائية مع الحفاظ على المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص.

وقد تخضع واردات السيارات الكهربائية الصينية للضرائب، بسبب التحقيق الذي أجراه الاتحاد الأوروبي، ويهدف إلى تكافؤ الفرص أمام الشركات المصنّعة الأوروبية.

ويمكن أن يكون لهذه التعرفات تأثيرات واسعة النطاق في ديناميكيات السوق وعمليات منتجي السيارات الكهربائية الصينيين.

في المقابل، تواجه شركات صناعة السيارات الأوروبية الراسخة، مثل الشركات الرائدة في السوق مثل فولكس فاغن وستيلانتس، حاليًا، ضغوط المنافسين الصينيين.

الجدير بالذكر أنه حتى دون أخذ الإعانات في الحسبان، فإن السيارات الكهربائية الصينية أقلّ تكلفة في ألمانيا بنسبة 29% تقريبًا من الإصدارات غير الصينية.

وسيكون لنتائج هذا التحقيق تأثير كبير بطريقة رؤية السيارات الكهربائية الصينية في أوروبا، وبالعلاقات التجارية العامة بين الاتحاد الأوروبي والصين.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يشقّ طريقه نحو المرونة الاقتصادية والاستدامة في قطاع السيارات العالمي سريع التغير، فإن إيجاد التوازن بين المصالح الاقتصادية، والأهداف البيئية، والمشهد التنافسي، أمر ضروري.

وسوف يحدد الاختيار بشأن التعرفات المستقبلية، في نهاية المطاف، طريقة تنافس شركات صناعة السيارات الصينية والأوروبية في السوق الأوروبية، مع ما يترتب على ذلك من آثار بنمو القطاع ومبادرات الاستدامة.

خاتمة

يمكن رؤية نقطة تحول مهمة في التطوير المستمر لقطاع السيارات في القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بإجراء تحقيق في المساعدة الرسمية التي تقدّمها الصين لمنتجي السيارات الكهربائية.

ويمثّل ارتفاع واردات السيارات الكهربائية الصينية إلى أوروبا، بدعم من شركات مثل بي وادي دي ونيو، تحديًا صعبًا، بالإضافة إلى فرصة لا تتكرر إلّا مرة واحدة في العمر.

وبحلول عام 2025، من المتوقع أن تستحوذ النماذج الصينية، المدعومة بميزة سعرية بنسبة 20%، على 15% من سوق السيارات الكهربائية الأوروبية، ما يثير المخاوف بشأن اختلالات السوق وانخفاض التكاليف بشكل مصطنع.

وسيكون لنتائج هذا التحقيق تداعيات كبيرة على السيارات الكهربائية الصينية في السوق الأوروبية، وعلى العلاقات الاقتصادية الأوسع بين الاتحاد الأوروبي والصين.

ومع تقدُّم الاتحاد الأوروبي نحو الاستدامة والمرونة الاقتصادية في مشهد السيارات العالمي سريع التغير، من الضروري إيجاد توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية، والأهداف البيئية، والديناميكيات التنافسية.

ويمثّل تقدُّم التحقيق تذكيرًا بالبيئة الديناميكية التي يتصادم فيها الابتكار والمنافسة والسياسة في صناعة السيارات.

ويشكّل الضغط التنافسي الذي توفره السيارات الكهربائية الصينية تحديًا أمام المصنّعين الأوروبيين للابتكار والتكيف، وربما تسريع التحول إلى سيارات كهربائية أنظف وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

بالإضافة إلى ذلك، يسلّط هذا التحليل الضوء على الدور الحاسم الذي تؤديه التدابير السياسية والتنظيمية بتعزيز الاستدامة في الأعمال التجارية والحفاظ على المنافسة العادلة.

ستحدد نتائج هذا التحقيق في النهاية مستقبل سوق السيارات الكهربائية الأوروبية، وسوف تظهر آثارها في صناعة السيارات وفي سياق أوسع للتجارة العالمية والعمل المناخي.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

• السيارات الكهربائية الصينية تثير قلق البريطانيين.. تجسس أم هيمنة؟ (تقرير)
• فورد الأميركية تتعاون مع "شانغان أوتو" الصينية لنشر السيارات الكهربائية
• السيارات الكهربائية الصينية منخفضة السرعة تستعد لانتشار واسع في أفريقيا

اقرأ أيضًا..

• زياد السعايدة: الأردن يتوسع في عدادات الكهرباء الذكية.. ومشروعات لتخزين الطاقة والربط الكهربائي (حوار)
• ناقلات النفط الإيراني تواصل التخفي.. وهذه قصة 2 مليون برميل جديدة
• 4 دول عربية قد تنقذ سوق الغاز المسال العالمية من إضراب أستراليا