التقاريرتقارير الغازروسيا وأوكرانياسلايدر الرئيسيةغاز

غزو أوكرانيا يُبرز أهمية الجزائر في تزويد أوروبا بالطاقة (تقرير)

نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • أوروبا تشاطر الجزائر مخاوفها بشأن عدم الاستقرار في المنطقة حيث يتزايد النفوذ الروسي
  • الجزائر تتمتع بسمعة طويلة في جنوب أوروبا بصفتها موردًا موثوقًا للطاقة أوقات الاضطرابات
  • يسعى الأوروبيون إلى تنويع مصادر طاقتهم من خلال عقد صفقات متعددة
  • يمكن أن يكون الهيدروجين الأخضر ثمينًا بالنسبة لمتطلبات الطاقة المتزايدة في الجزائر وأوروبا

أبرَز غزو أوكرانيا من قِبل القوات الروسية مكانة الجزائر الحيوية بصفتها مزودًا رئيسًا للطاقة لأوروبا، التي تشاطر البلد الواقع في شمال أفريقيا مخاوفه بشأن الاضطرابات في المنطقة، إذ يتزايد النفوذ الروسي، وتلوح في الأفق مشكلات أمنية واقتصادية كبيرة.

ويسعى الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون إلى تنشيط دور بلاده بصفتها قوة إقليمية، والتعامل مع الاضطرابات في الدول المجاورة، وتعزيز اقتصادها قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2024، وفقًا لما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وتشكّل المصالح المتداخلة بين أوروبا والجزائر الأساس لشراكة واسعة تتعدى التعاون في مجال الطاقة إلى الشراكات الاقتصادية وتنسيق السياسة الخارجية، حسبما ذكره الزميل الزائر في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، زين العابدين غبولي.

وأوضح غبولي، في مقال بعنوان: "ثنائي القوة.. كيف يمكن لأوروبا والجزائر تجاوز التعاون في مجال الطاقة؟"، نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ecfr.eu)، أن هذه الشراكة ستساعد على تلبية احتياجات القارة العجوز من الطاقة و تعزيز الرخاء الإقليمي وتحقيق الاستقرار في الجوار الجنوبي.

تنشيط دور الجزائر الإقليمي

بعد سنوات من الانسحاب الاختياري من السياسة الدولية بقيادة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تريد الجزائر الآن تنشيط دورها بصفتها قوة إقليمية، يأتي ذلك وسط توترات متصاعدة مع جارتها المغرب، وسرعة زعزعة استقرار جيرانها الجنوبيين والشرقيين.

وتؤدي تداعيات الحرب الروسية ضد أوكرانيا إلى تفاقم مشكلات السياسة الداخلية والدولية للجزائر وإجبارها على إعادة التفكير في توازن شراكاتها الأمنية.

وعززت آثار غزو أوكرانيا المتتالية مكانة الجزائر بصفتها مزودًا للطاقة يمكنه المساعدة في سد فجوة إمدادات الغاز، مع توقّف تعامل الدول مع روسيا.

وأدت فرصة الطاقة هذه، وضرورة المساعدة في استقرار المنطقة، والرغبة في وجود شركاء أمنيين جدد بعد تدهور روسيا، إلى عودة ظهور البلاد على الساحة العالمية.

وبالنظر إلى مصالحهما المتوافقة، توجد إمكانات كبيرة لشراكة واسعة بين أوروبا والجزائر، إذ تقتصر شراكتهما إلى حدّ كبير -حاليًا- على التعاون في مجال الطاقة، بالرغم من أن كلا اللاعبين الجزائريين والأوروبيين يستكشفون طريقة البناء على هذه الأسس.

وطَوال العام الماضي، استضافت الجزائر العاصمة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، والمفوضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل.

إلى جانب ذلك، قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني وفودًا إلى العاصمة لتعزيز العلاقات التجارية والأمنية والسياسية الثنائية.

هذا العام، يردّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الجميل؛ فقد سافر إلى لشبونة في مايو/أيار الماضي، وسيسافر إلى باريس وروما للقيام بزيارات رسمية في الخريف، حسبما كتب الزميل الزائر في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، زين العابدين غبولي.

استقبال رسمي لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في قصر المرادية بالجزائر العاصمة
استقبال رسمي لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في قصر المرادية بالجزائر العاصمة – الصورة من موقع الرئاسة الجزائرية

ملامح التعاون الأوروبي الجزائري بعد غزو أوكرانيا

بعد عامه الثاني، ألقى غزو أوكرانيا بظلاله على منطقة البحر الأبيض المتوسط والجغرافيا السياسية، وخلقت فرصًا للجزائر وأوروبا للعمل معًا.

وتمثّلت إحدى النتائج البارزة للصراع في استعمال موسكو سلاح الغاز الطبيعي، سعيًا منها لإجبار الدول الأوروبية على التخلي عن أوكرانيا.

وتتمتع الجزائر بسمعة طويلة في جنوب أوروبا بصفتها موردًا موثوقًا للطاقة في أوقات الاضطرابات.

على صعيد آخر، عندما أثّرت الانتفاضات العربية في التعاون الأورومتوسطي، عملت الجزائر صمام أمان للتعاون في مجال الأمن والطاقة، وضمنت الإمداد لإسبانيا وإيطاليا، إذ شهدت منطقة شمال أفريقيا بأكملها حالة من الفوضى.

في عام 2022، استفادت الجزائر من هذه السمعة، وعرضت المساعدة في سدّ فجوة الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا، واغتنام المكاسب المالية والدبلوماسية.

خلال ذلك العام، أبرمت شركة الطاقة الوطنية الجزائرية عقودًا جديدة طويلة الأجل بقيمة 60 مليار دولار.

وسرعان ما حلّت الجزائر محلّ روسيا مورّدًا رئيسًا للغاز لإيطاليا بموجب اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف وشراكات طاقة متجددة مع إسبانيا، على الرغم من الخلافات، وفقًا للبيانات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

واستعملت كل من الجزائر والدول الأوروبية عقود التوريد الجديدة هذه نقطة انطلاق لتعاون أكثر تنوعًا، وعلى سبيل المثال، وقّعت شركة الطاقة الإيطالية إيني صفقات لنقل التكنولوجيا إلى شركة الطاقة الوطنية الجزائرية سوناطراك للمساعدة في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لعملياتها.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وقّعت سوناطراك اتفاقية مع أكبر شركة تجارية للطاقة في سلوفينيا لتوفير 300 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي للبلاد سنويًا، عبر خط أنابيب الغاز عبر البحر المتوسط بين تونس وإيطاليا.

وعلى الرغم من الكميات الصغيرة، فإن هذه الكمية ستلبي ثلث احتياجات الطاقة في سلوفينيا.

واستفادت الجزائر من الغاز المسال، بالإضافة إلى خطوط الأنابيب الحالية، وتعمل حاليًا على زيادة صادرات الغاز المسال، التي ارتفعت إلى 2.8 مليون طن بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2023، ارتفاعًا من 2.4 مليون طن خلال الربع نفسه من عام 2022.

وذهبت معظم شحنات الغاز المسال الجزائرية بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2023 إلى الأسواق الأوروبية، مثل فرنسا.

ووقّعت فرنسا عقدًا جديدًا مدّته 25 عامًا مع سوناطراك للإنتاج المشترك للهيدروكربونات وخفض الانبعاثات.

واستعملت الجزائر اتفاق الغاز مع إيطاليا لبدء استثمارات أوسع في مصادر الطاقة المتجددة والمشروعات الصناعية، بما في ذلك منشأة للطاقة الشمسية بقدرة 10 ميغاواط في جنوب شرق الجزائر وتصنيع السيارات.

وكانت هذه الصفقات بمثابة إستراتيجية مضادة ضد المزاعم الإسبانية بأن الجزائر كانت تلعب لعبة موسكو بعد غزو أوكرانيا برفضها إعادة فتح خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا الذي يمرّ عبر المغرب،(وأوقفت الجزائر العاصمة تجديد عقود خط الأنابيب في نوفمبر/تشرين الثاني 2021).

من ناحية ثانية، لم تكن الجزائر وحدها هي التي حاولت الاستفادة من صفقات الغاز الجديدة، فقد حاولت بعض الوفود الكبيرة من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين استعمال المحادثات لفصل الجزائر عن تعاونها العسكري طويل الأمد مع روسيا.

توسعة الشراكة بين أوروبا والجزائر

لدى أوروبا والجزائر تداخل واسع في المصالح بمجالات من الطاقة إلى الأمن والجغرافيا السياسية، وتهتم الدول الأوروبية بتطوير شراكة في مجال الطاقة مع الجزائر ومعالجة التحديات الأمنية الإقليمية للحدّ من نفوذ المنافسين مثل روسيا، وتلبية للاحتياجات الجزائرية.

ويحتاج الطرفان إلى العمل على إقامة تعاون وثيق في كل مجال من مجالات الاهتمام المشترك، من النفط والغاز إلى الطاقة الخضراء والسياسة الخارجية، قبل أن يتمكّنا من تحويل شراكات المعاملات المحدودة إلى شيء يشبه علاقة متطورة.

دبلوماسية الطاقة

يسعى الأوروبيون إلى تنويع مصادر طاقتهم من خلال عقد صفقات متعددة، ومساعدة المزوّدين على تصدير كميات أكبر، وتقليل الاعتماد على الغاز من خلال الطاقة الخضراء.

على العكس من ذلك، فإن الجزائر في حاجة ماسّة إلى زيادة وتنويع مبيعات طاقة لتعزيز الإيرادات وخدمة صورتها الدولية وتحسين كفاءة بنيتها التحتية للطاقة لتلبية الطلب المحلي المتزايد.

لذلك يجب على أوروبا أن تبنّي الصفقات الحالية لإنشاء نموذج جديد للتعاون في مجال الطاقة يمكن أن يفيد كلا الطرفين.

من جهته، يهدف الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك، توفيق حكار، إلى جذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار بحلول عام 2026، لتحسين قدرات الاستكشاف والإنتاج والتصدير، وتبحث الشركة عن اتفاقيات إضافية مع أصحاب المصلحة الأوروبيين.

وتوجد لدى الحكومات الأوروبية وأصحاب المصلحة من القطاع الخاص فرصة للعمل مع سوناطراك ووزارة الطاقة الجزائرية -اللذين يظلان المتحاورين الأولين والرئيسين لأيّ صفقات محتملة جديدة - لتنظيم وفود رفيعة المستوى لهذا الغرض.

إضافة إلى ذلك، أظهرت الصفقات القائمة بين الجزائر وفرنسا وإيطاليا أن صفقات الطاقة هذه يمكن أن تصبح بسرعة أساسًا لمزيد من التعاون.

وتوفر حاجة الجزائر للاستثمار سبيلًا لأوروبا، ليس للاستفادة من هذا الإنتاج -فقط-، ولكن لضمان توافقه مع أهداف أوروبا الخضراء -أيضًا-.

وتأمل وزارة الطاقة الجزائرية في تمييز نفسها عن المزوّدين الآخرين وجذب الاستثمار من خلال التزامها بمصادر الطاقة المتجددة. ومن ثم فإن أوروبا لديها فرصة لتطوير حليف محلّي لجعل تطور الطاقة في الجزائر صديقًا للبيئة.

ويمكن أن يكون الهيدروجين الأخضر عنصرًا ثمينًا بالنسبة لمتطلبات الطاقة المتزايدة في الجزائر وأوروبا.

وكشف وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، مؤخرًا خطة لتطوير هذا المجال، تتوخّى تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا بدءًا من عام 2030، الذي من المفترض أن يصل في النهاية إلى 10% من احتياجات الطاقة في أوروبا.

وقد يكون عرقاب متميزًا بهذه الرؤية، لا سيما بالنظر إلى تركيز سوناطراك المكثف المستمر على النفط والغاز، لكنها مع ذلك تمثّل أساسًا جاهزًا لتعميق التعاون الأوروبي الجزائري في مجال الطاقة الخضراء، حسبما نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ecfr.eu).

في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وعلى هامش مؤتمر يوم الطاقة الجزائري الألماني في الجزائر العاصمة، وقّعت سوناطراك مذكرة تفاهم مع شركة الغاز الألمانية في إن جي لإنشاء مصنع هيدروجين أخضر بقدرة 50 ميغاواط.

وبدعم من الحكومة، يمكن أن تنتشر اتفاقيات مماثلة، وفي حين إن دعم الحكومات أمر حيوي في هذا الأمر، فإن تحسين العلاقات بين الشركات من شأنه تمكين الجهات الفاعلة الجديدة، في سوناطراك أو وزارة الطاقة الجزائرية؛ ما يساعد على توسعة قاعدة العلاقات بين أوروبا والجزائر.

ومن خلال فهم احتياجات الطاقة المحلية، يجب على الجهات الفاعلة الأوروبية أن تتدخل بصفة مصممين نشطين، وليس مجرد مستفيدين من سياسة الطاقة الجزائرية، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وسيتطلب هذا النهج استثمارات كبيرة في القطاع من أصحاب المصلحة الأوروبيين في مجال النفط والغاز لمساعدة سوناطراك في عمليات الاستكشاف.

من خلال هذا الاستثمار، يمكن للأوروبيين الاستفادة من فرصة العمل مع سوناطراك لتطوير خطة شاملة لتطوير البنية التحتية، ومن ثم زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال الجزائرية؛ ما يسمح بالمبيعات المباشرة إلى المزيد من الدول الأوروبية.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق