تقارير النفطسلايدر الرئيسيةنفط

رفع الدعم عن الوقود في مصر.. خبراء يوضحون السيناريوهات المتوقعة

أسماء السعداوي

تمثّل أسعار الوقود في مصر تحديًا كبيرًا للحكومة الحائرة بين قرار رفع الدعم استجابةً لشروط صندوق النقد الدولي، ومعاناة المواطنين جراء ارتفاع أسعار الفائدة والسلع بصورة غير مسبوقة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي يناير/كانون الثاني من هذا العام (2023)، تعهّدت الحكومة بالسماح برفع معظم أسعار منتجات الوقود؛ لتتماشى مع الأسعار العالمية، من أجل تعويض التباطؤ في تنفيذ الزيادات خلال العام المالي السابق، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

جاء ذلك ضمن تعهدات بتطبيق حزمة إصلاحات مالية ونقدية تتضمن تحرير سعر الجنيه، ومنح دور أكبر للقطاع الخاص، وذلك مقابل قرض قيمته 3 مليارات دولار.

ومن المنتظر انعقاد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية قريبًا، في إطار اجتماعات ربع سنوية، تستهدف تعديل أسعار بيع البنزين والسولار -ارتفاعًا أو انخفاضًا- وفقًا لمؤشرات خام برنت وسعر الدولار.

وفي آخر اجتماعاتها، خلال شهر مايو/أيار (2023)، رفعت اللجنة أسعار السولار بمقدار جنيه واحد للتر ليصبح 8.25 جنيهًا.

وفي المقابل، ثبّتت أسعار البنزين على النحو التالي: 8.75 جنيهًا (0.2827 دولارًا) للتر بنزين 80، و10.25 جنيهًا (0.3312 دولارًا) للتر بنزين 92، و11.50 جنيهًا (0.3716 دولارًا) للتر بنزين 95، مع تثبيت سعر بيع طن المازوت -لغير استعمالات الكهرباء والصناعات الغذائية- عند 6 آلاف جنيه للطن، بحسب الموقع الرسمي لوزارة البترول المصرية.

(الدولار = 30.90 جنيهًا مصريًا)

رفع الدعم "ليس الآن"

يقول الخبير الاقتصادي رئيس قطاع الاستثمار بإحدى شركات تداول الأوراق المالية في مصر حسام عيد، إن دعم الوقود في مصر من البنود ذات التكلفة المرتفعة بالموازنة العامة، مشيرًا إلى أن مصر اتخذت بعض الإجراءات اللازمة والمهمة للحد من استمرار تحميل الموازنة العامة للدولة المزيد من الأعباء المالية.

رئيس قطاع الاستثمار بإحدى شركات تداول الأوراق المالية في مصر حسام عيد
رئيس قطاع الاستثمار بإحدى شركات تداول الأوراق المالية في مصر حسام عيد

وأشار، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، إلى أن صندوق النقد الدولي أكد، في مراجعاته الدورية للاقتصاد باستمرار، أنه يجب على الحكومة المصرية رفع الدعم نهائيًا عن باقي المشتقات، وتوجيه الدعم إلى السولار محرك عمليات الإنتاج، ونقل السلع والخدمات الأساسية.

وتوقّع أن تأخذ الحكومة المصرية بتوصيات صندوق النقد الدولي، برفع الدعم الكامل على المواد النفطية، وتوجيه الدعم فقط للسولار من أجل عدم دفع معدلات التضخم إلى المزيد من الصعود، وهو ما سيترتب عليه تحقيق الاستقرار المالي بالموازنة العامة، وانخفاض نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي.

واستبعد حسام عيد حدوث أي تحريك في أسعار الوقود في مصر خلال المدة المقبلة، خاصة في ظل استقرار أسعار النفط عالميًا مؤخرًا، كما أن لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية تتعامل بشكل مرن مع الأسعار العالمية، وتسمح بتحريك الأسعار في حدود 10% فقط صعودًا وهبوطًا.

وتوقّع الخبير تحريك أسعار الوقود في مصر، بدايةً من الربع الأول من العام المقبل (2024)، مع الأخذ في الحسبان التغيرات العالمية في أسعار خام برنت.

الوقود ليس وحده

يقول الخبير الباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور السيد الخضر، إن هناك اتجاهًا داخل الدولة إلى رفع الدعم الكامل عن الوقود في مصر والسلع الإستراتيجية كافة مستقبلًا.

وأوضح أن ذلك يرجع إلى تصاعد وتيرة الأزمات الاقتصادية، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي أحدثت حالة من عدم الانضباط في الأسواق العالمية، وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم والفائدة وأسعار السلع وخاصة النفط، واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع تكلفة التمويل.

وأشار إلى أن رفع أسعار الوقود يحمل انعكاسات سلبية على المواطن؛ إذ ستؤثر زيادة أسعار البنزين والسولار في نواحي الحياة كافة بدءًا من قطاع النقل حتى المصانع.

كما أكد أن الدعم الذي تقدّمه الدولة للوقود ضئيل، مقارنة بالقيمة المرتفعة للخدمات والضرائب والرسوم، قائلًا: "ما تعطيه الدولة بيد، تأخذه بالأخرى".

الخبير والباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور السيد الخضر
الخبير والباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور السيد الخضر

قرار سياسي

يقول رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات الدكتور محمد سعد الدين، إن رفع الدعم عن الوقود في مصر "هدف وُضع سابقًا وسنصل إليه".

وأضاف أن لجنة التسعير التلقائي تعتمد في تقديراتها بشأن أسعار الوقود في مصر، على 3 عوامل متغيرة هي سعر خام برنت، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وتكلفة النقل والتكرير والأعباء الأخرى.

وأكد أن القرار النهائي بشأن تطبيق الزيادة كاملة أو جزئيًا أو تأجيلها، في يد "السلطة السياسية"، لكن توقيت تنفيذه "قرار سياسي"، مع الأخذ في الحسبان الظروف الاقتصادية للبلد.

رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات الدكتور محمد سعد الدين
رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات الدكتور محمد سعد الدين

بدائل لرفع الدعم عن الوقود في مصر

ألقى الخبير الاقتصادي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع الدكتور رمزي الجرم، باللوم على الأزمة الروسية الأوكرانية التي كانت أشد وطأة على الاقتصادات الناشئة بشكل خاص، ولاسيما مصر.

ولفت الخبير، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، إلى أن مصر كانت قد شرعت في تنفيذ إصلاحات حقيقية في المالية العامة، وحقّقت معدلات نمو مرتفعة، ولكن كان للأزمة تأثير مباشر في ارتفاع أسعار الغذاء والنفط بشكل غير مسبوق؛ ما أدى إلى رفع فاتورة الدعم، التي أثقلت كاهل الدولة في وقت كان يعاني فيه الاقتصاد المصري نقصًا حادًا في موارد النقد الأجنبي.

وأشار الدكتور رمزي الجرم إلى ارتفاع قيمة الدعم الذي قدمته الحكومة للمواد النفطية، ليصل إلى نحو 66 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام المالي الحالي 2022/2023، بمعدل زيادة 290% بالمقارنة بالمدة نفسها من العام السابق له، حيث كان الدعم عند مستوى 17 مليار جنيه فقط.

كما حددت الحكومة سعر برميل النفط عند نحو 80 دولارًا، بالمقارنة بنحو 75 دولارًا في موازنة العام السابق 2021/2022، في ظل معدل استهلاك يصل إلى نحو 12 مليون طن سولار سنويًا، ونحو 6.7 مليون طن بنزين سنويًا.

وعلى الرغم من تحريك أسعار السولار قليلًا، في آخر اجتماع للجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية؛ فإنه ما زال يتلقّى دعمًا كبيرًا من الدولة، كما تجنّبت الحكومة إقرار زيادات كبيرة في أسعاره؛ إذ إنه يدخل في الكثير من الصناعات الحيوية، ولا سيما وسائل النقل.

وتوقّع الخبير الاقتصادي لجوء الحكومة إلى بدائل عملية لتخفيف تكلفة دعم الوقود في مصر، في ظل عدم وجود بوادر أمل لانتهاء الحرب الروسية الأوكرانية على المدى القريب، وعدم ظهور دلالات على تراجع معدلات التضخم غير المسبوقة التي كسرت حاجز 40%.

الخبير الاقتصادي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع الدكتور رمزي الجرم
الخبير الاقتصادي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع الدكتور رمزي الجرم

وأوضح أن أحد الخيارات المتاحة أمام الحكومة هي البدء في إحلال الغاز الطبيعي، بدلًا من الوقود التقليدي في بعض المصانع ووسائل النقل بشكل إجباري، من أجل تخفيف الضغط على السولار والبنزين المستورد من الخارج، الذي يكلّف الدولة موارد نقد أجنبي باهظة.

كما قد تسعى الحكومة إلى هيكلة الدعم المقدم للأفراد والشركات، وفق الأولوية القصوى، من خلال إعادة النظر في تطبيق آلية الكارت الذهبي، الذي يُميز بين فئات الشعب المختلفة، حسب القدرة المالية، من أجل حصد أي وفورات في فاتورة الدعم الباهظة.

أسعار البنزين في مصر

في سياق متصل، كشفت مصادر عن أن الحكومة لن ترفع أسعار السولار (الديزل) في الربع الثالث من هذا العام (2023)، وذلك خلال الاجتماع المقرر في مطلع شهر يوليو/تموز الجاري.

وقالت المصادر، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، إن لجنة تسعير المنتجات البترولية تدرس إقرار زيادة جديدة في أسعار البنزين بأنواعه المختلفة، وربما تصل إلى جنيه واحد (0.032 دولارًا)، وهي القيمة نفسها التي ارتفعت بها الأسعار خلال الاجتماع السابق في أول مارس/آذار المنقضي.

وأضافت المصادر، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، أن رفع أسعار الوقود من القرارات السيادية التي تُعرَض أولًا على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وينبغي أن تحصل لجنة التسعير على الضوء الأخضر منه قبل إعلانها.

ولفتت المصادر إلى أن اتجاه الحكومة المصرية بعدم رفع أسعار السولار جاء لمراعاة الأبعاد الاجتماعية للمواطنين، بعد أن أسهمت الزيادة الأخيرة في ارتفاع أسعار المعيشة، وزيادة معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق