طاقة متجددةالمقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات الطاقة المتجددةمقالات منوعةمنوعات

أوروبا تبحث عن المعادن الأرضية النادرة لتعزيز الانتقال الأخضر (مقال)

فيلينا تشاكاروفا – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • المواد الخام الحيوية والمعادن الأرضية النادرة شريان الحياة للانتقال الأخضر والثورة الرقمية
  • معالجة 90% من العناصر الأرضية النادرة و 60% من الليثيوم في الصين
  • %98 من إمدادات المعادن الأرضية النادرة في أوروبا تأتي من الصين
  • اكتشاف أكثر من مليون طن متري من أكاسيد المعادن الأرضية النادرة في السويد
  • الفوسفور مكون حيوي لصناعة الأسمدة الذي لا يوجد بديل له في هذه المرحلة
  • يجب تحقيق توازن بين التعجيل باستخراج المعادن وضمان حماية المصالح البيئية والتنوع البيولوجي

في خضمّ السباق العالمي للحصول على المواد الخام الحيوية والمعادن الأرضية النادرة، تقف أوروبا على مفترق طرق بحثًا عن هذه المكونات الإستراتيجية التي تُعدّ شريان الحياة للانتقال الأخضر والثورة الرقمية.

كان ذلك في عام 2022 عندما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أهمية هذه المواد الخام بصفتها محورًا لمستقبل أوروبا، وحذّرت من تكرار التبعيات القديمة، التي أدت إلى استعمال الغذاء والطاقة والأسمدة كونها أسلحة، ويرجع ذلك، إلى حدّ كبير، لاعتماد أوروبا الكبير على السلع الروسية.

واستجابة لهذه الإشارات، كشف الاتحاد الأوروبي قانونَ المواد الخام الحيوية، وهو مبادرة طموحة لتسهيل مشروعات التكتل الإستراتيجية بشأن استخراج المواد الخام الحيوية وتكريرها ومعالجتها وإعادة تدويرها، ومن ثم تعزيز السيادة الإستراتيجية لأوروبا.

التحديات

يُعدّ المشهد الحالي محفوفًا بالتحديات، إذ يُعالج 90% من العناصر الأرضية النادرة و 60% من الليثيوم في الصين، ما يرسم صورة محفوفة بالمخاطر لأهداف إزالة الكربون في أوروبا؛ نظرًا لخطر الانزلاق إلى اعتماد أساسي جديد على مورد وحيد للسلع.

وتُعدّ احتياطيات أفغانستان المحتملة البالغة 60 مليون طن من النحاس، و 2.2 مليار طن من خام الحديد، و 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة ومكامن كبيرة من الألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق والليثيوم -بقيمة تريليون دولار- آفاقًا محيرة إضافية.

وتتصدر الصين، بسبب التركيز الشديد على الميزة الجيوإستراتيجية، هذا السباق، وتتحدى التحول الأخضر في أوروبا من خلال تقييد تصدير مادتين مهمتين - الغاليوم والجرمانيوم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التدافع نحو أفريقيا، الذي يُطلق عليه بالعامية "سكرامبل 2.0" قد بدأ، إذ إن تحول الطاقة والثورة الرقمية يستلزمان تدفقًا هائلًا من المعادن المستخرجة حديثًا والعناصر الأرضية النادرة.

ومن المثير للقلق أن 98% من إمدادات المعادن الأرضية النادرة في أوروبا تأتي من الصين، ما يكشف عن تبعية صارخة تسعى أوروبا -حاليًا- لمواجهتها.

ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- استهلاك المواد الخام حسب الفئات الأساسية في الاتحاد الأوروبي (2000-2020):

استهلاك المواد الخام حسب الفئات الأساسية في الاتحاد الأوروبي (2000-2020)

المعادن الأرضية النادرة في الدول الإسكندنافية

يظهر بصيص أمل لدى الدول الإسكندنافية، فقد أعلنت شركة التعدين السويدية "إل كيه إيه بي"، المملوكة للدولة، اكتشاف أكثر من مليون طن متري من أكاسيد المعادن الأرضية النادرة في مدينة كيرونا بداية يناير/كانون الثاني، ما يمثّل أكبر مكمن معروف في أوروبا.

وتُعدّ المعادن الموجودة جزءًا جوهريًا لعمليات التصنيع المختلفة عالية التقنية، وتُستعمل في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والأجهزة الإلكترونية المحمولة ومكبرات الصوت.

تهدف شركة "إل كيه إيه بي" إلى إنشاء منطقة صناعية دائرية بتكنولوجيا جديدة لاستخراج ومعالجة هذه العناصر، لكنها تحذّر من أن تعدين المكامن وطرحها في السوق قد يستغرق 10-15 عامًا.

صخور الفوسفات

إلى الشمال من السويد، من المتوقع أن تلبي مكامن كبيرة تحت الأرض من صخور الفوسفات عالية الجودة في النرويج، التي يُطلق عليها اسم "المكامن الأكبر" في العالم، الطلب العالمي على الأسمدة والألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية للقرن المقبل.

ويُستعمل الفوسفور، وهو مكون أساسي من هذه الصخور، في صناعة الأسمدة وفي تصنيع الألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم والحديد والفوسفات لتصنيع السيارات الكهربائية والرقائق وشرائح الحاسوب.

وتمثّل هذه المنتجات المجموعة التي أعدّتها المفوضية الأوروبية حيوية من الناحية الإستراتيجية لمكانة أوروبا في التحول الرقمي والتصنيع الأخضر.

ويقدّر حجم صخور الفوسفات بما لا يقلّ عن 70 مليار طن.

في السياق العالمي، يتوازى هذا بشكل وثيق مع 71 مليار طن من الاحتياطيات العالمية المؤكدة المعتمدة لدى هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام السابق 2021.

من حيث الحجم الهائل، توجد أكبر مخزونات لصخور الفوسفات في جميع أنحاء العالم داخل حدود الصحراء الغربية في المغرب، بثروة تُقدَّر بنحو 50 مليار طن.

وفي أعقاب ذلك، عُثر على مكامن كبيرة أخرى متناثرة في جميع أنحاء الصين، تمثّل 3.2 مليار طن، ومصر 2.8 مليار طن، وتمتلك الجزائر 2.2 مليار طن، وفقًا لتقديرات السلطات الأميركية.

لإعطاء بعض السياق لأهمية هذه الأرقام، يوجَّه ما يقرب من 90% من العائد العالمي من صخور الفوسفات المستخرجة نحو القطاع الزراعي.

ويخدم هذا في المقام الأول إنتاج الفوسفور، وهو مكون حيوي لصناعة الأسمدة الذي لا يوجد بديل له في هذه المرحلة.

وتؤكد هذه المعطيات الأهمية الإستراتيجية لهذه المعادن في الاقتصاد العالمي والصناعات التي تدعمها.

ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر مصدري المواد الخام الحرجة إلى الاتحاد الأوروبي:

أكبر مصدري المواد الخام الحرجة إلى الاتحاد الأوروبي

الافتقار إلى قدرة معالجة المعادن الأرضية النادرة

على الرغم من أن هذه التطورات تعكس أفقًا واعدة، فإن أوروبا تفتقر -حاليًا- إلى القدرة الكاملة على معالجة المعادن الأرضية النادرة وتصنيع المنتجات الوسيطة.

وقد يتطلب ذلك شراكة أوثق مع دول مثل أستراليا، أكبر منتج لليثيوم في العالم ومصدر مهم للكوبالت والمعادن الأرضية النادرة.

في المقابل، يمكن أن تؤدي الموافقات السريعة والأطر التنظيمية الداعمة، كما يتضح من نهج الحكومة النرويجية تجاه مشروعات المواد الخام الهامة، دورًا حاسمًا في تسريع سعي أوروبا إلى السيادة على الموارد.

لذلك، يجب تحقيق توازن بين تسريع استخراج المعادن وضمان حماية المصالح البيئية والتنوع البيولوجي، التي غالبًا ما تهددها مثل هذه الأنشطة.

قانون المواد الخام الحيوية الأوروبي

صنّف الاتحاد الأوروبي، في قانون المواد الخام الحيوية الذي اقترحه مؤخرًا، صخور الفوسفور والفوسفات على أنها معادن "حيوية" ولكن ليس كونها معادن "إستراتيجية"، التي تخضع لمعيار إنتاج محلي بنسبة 40% وقواعد ترخيص سريعة المسار.

في مجال المواد الخام، يصنّف الاتحاد الأوروبي المواد الخام إلى 3 فئات متميزة: إستراتيجية تضم 25 مادة، وحيوية تتكون من 25 مادة أخرى، وغير حيوية تشمل 37 مادة أخرى.

ويعتمد هذا التصنيف المتدرج على مؤشر مخاطر العرض، كما أوضحته المفوضية الأوروبية في عام 2023، مع تعداد كل فئة للمواد بترتيب تنازلي للمخاطر المرتبطة بها.

عند التحليل، يتبين أن المادة الخام الأكثر استعمالًا هي الألمنيوم، التي تظهر في جميع التقنيات الـ15 التي قُيِّمَت.

في أعقاب ذلك، وجد الاتحاد الأوروبي أن النحاس والنيكل، إلى جانب معدن السيليكون، مستعملَين في 14 تقنية، يليها المنغنيز، الذي أدى دورًا مهمًا في 13 تقنية جرى مسحها.

توفر هذه الرؤى المستندة إلى البيانات بشان أنماط استعمال هذه المواد الخام الفرصة لفهم إستراتيجيات الاتحاد الأوروبي الاستثمارية والتخطيط لها بشكل إستراتيجي، ومن ثم ضمان نظام بيئي صناعي أكثر مرونة ومقاوم للمستقبل.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التصنيف قد يتطلب إعادة تقييم للتكيف مع المشهد المتغير باستمرار في سوق المعادن والعناصر الأرضية العالمية.

يمكن أن يكون الترخيص هو نقطة الارتكاز التي تقلب التوازن في قطاع التعدين، إذ يستغرق في المتوسط ما بين 10 و15 عامًا من الاستكشاف إلى أول استخراج تجاري للفلزات.

ويسعى قانون المواد الخام الحيوية المقترح، الذي يخضع -حاليًا- للدراسة في البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز أمن التوريد لهذه المعادن من خلال المراقبة الصارمة لمخاطر التوريد، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وتبسيط عملية الترخيص عبر نهج "متجر الشباك الواحد" للمشروعات الواقعة داخل الاتحاد الأوروبي.

ويمكن أن يؤثّر الاعتماد النهائي لهذا التشريع، المتوقع في وقت لاحق من العام، بشكل كبير في مكانة أوروبا بسوق المعادن العالمية.

ويمكن أن تصبح هذه التطورات عوامل تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لأوروبا، نظرًا لاعتمادها الكبير على الصين في المعادن الأرضية النادرة وإمداداتها المعدنية.

إضافة إلى ذلك، فإن إزالة الكربون لا تعني فقط ظهور الطاقة النظيفة، بل زيادة كبيرة في استخراج ومعالجة مجموعة متنوعة من المعادن والعناصر الأرضية النادرة.

وقد عُثر على العديد من هذه الموارد في مناطق الصراع، ما يشير إلى زيادة المنافسة على هذه الأصول الثمينة.

اعتماد أوروبا على الذات

جوهريًا، يعدّ مسعى أوروبا للاعتماد على الذات في توريد المواد الخام الحيوية والعناصر الأرضية النادرة أمرًا محوريًا في تحولها الأخضر والتحول الرقمي.

وتُعدّ الشراكات الإستراتيجية وممارسات التعدين المستدامة وسياسات التفكير المستقبلي ضرورية للتنقل في هذا المسار.

ويجب أن يكون المستثمرون ومديرو صناديق التحوط والرؤساء التنفيذيون على دراية بهذه الديناميكيات وتكييف إستراتيجياتهم وفقًا لهذا المشهد سريع التطور.

إن السباق قائم بالفعل، وقدرة أوروبا على تأمين إمدادات ثابتة من هذه المواد الحيوية يمكن أن تحدد مستقبلها في عالم متقدم رقميًا ومحايد كربونيًا.

* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق