التقاريرتقارير منوعةرئيسيةمنوعات

البحث عن المعادن الأرضية النادرة يشهد نشاطًا في أعماق "الأطلسي"

نوار صبح

تستطلع سفينة الأبحاث الملكية البريطانية جيمس كوك مرتفعات قاع المحيط الأطلسي، لاستكشاف مكامن المعادن الأرضية النادرة في منطقة تضم أكبر سلسلة جبال في العالم، مغمورة تحت آلاف الأمتار من الشمال إلى الجنوب في أعماق البحر.

وتحمل السفينة على متنها فريقًا متخصصا من الجيولوجيين يجمعون ويدرسون نوى طويلة من الصخور، والأحجار والتكوينات الجيولوجية وسط المحيط الأطلسي، حيث تتشكّل اليابسة الجديدة، حسبما نشرته صحيفة التلغراف البريطانية (telegraph).

وتحتوي المنطقة التي يستهدفها فريق الباحثين الجيولوجيين مجموعة من التكوينات المخروطية يبلغ ارتفاعها نحو 150 مترًا، التي اكتشِفَت من خلال مسح أعماق هذه البقعة في بحر سارغاسو منذ سنوات، حسب بيانات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ويرى محللون أن هناك الكثير من الأشياء غير المعروفة عمّا يكمن في قاع المحيط. وهذا، إلى حدّ ما، هو الهدف من هذه المهمة الأخيرة لسفينة الأبحاث الملكية جيمس كوك إلى سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي.

رحلة وسط المحيط الأطلسي

قبل أن تبحر سفينة الأبحاث الملكية البريطانية جيمس كوك مباشرة في أواخر فبراير/شباط 2022، لاستكشاف المعادن الأرضية النادرة، غزت روسيا أوكرانيا.

وأنجز فريق من الباحثين الروس في مدينة سان بطرسبرغ الروسية الكثير من الأعمال التحضيرية، وفي أعقاب الغزو، أصرّت وزارة الخارجية البريطانية على أنه لا ينبغي السماح للعلماء الروس بالصعود إلى متن السفينة حسب خطة الرحلة، خوفًا من وقوع حادث دبلوماسي.

وتحولت مهمات مثل هذه، بسرعة، إلى مسألة تتعلق بالأمن القومي، لأن الفريق يبحث عن مصادر للثروات الهائلة، ومنها المعادن الأرضية النادرة، ما يشبه نوعًا كنوز القرن الـ21 تحت المياه، ومن بين تلك الكنوز احتياطيات هائلة من النحاس.

أحد مواقع اكتشاف المعادن الأرضية النادرة في أوروبا
أحد مواقع اكتشاف المعادن الأرضية النادرة في أوروبا - الصورة من إنرجي فويس

وتعود البداية إلى إتش إم إس تشالنجر، وهي سفينة حربية سابقة قامت بمسح قاع المحيط في عام 1872، وجمعت بعض الكتل غريبة الشكل بحجم البطاطس من قاع المحيط الهادئ.

وأصبحت هذه الحجارة الداكنة الهشة قليلًا، الملساء من الأعلى، الخشنة من الأسفل، تُعرف فيما بعد بالعقيدات المتعددة الفلزات.

في أجزاء معينة من قاع من المحيط الهادئ، وخصوصًا منطقة كلاريون كليبرتون، يوجد عدد لا يحصى من العُقيدات المنتشرة على طول الطريق عبر قاع البحر، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتتكون البطاطس الحجرية الصغيرة على مدى ملايين السنين، إذ تتراكم المعادن حول أجزاء من المواد العضوية، على سبيل المثال: أسنان سمك القرش أو قطعة من الصَّدّف، الموجودة في قاع البحر.

ما يلفت النظر في هذه الكتل الحجرية، من وجهة نظر الجيولوجيين على الأقلّ، هو مدى تركيز تلك الترسبات المعدنية: النيكل والمنغنيز والكوبالت والنحاس، في درجات لا توجد على السطح، وكلها من المعادن الأرضية النادرة.

وكان اكتشاف هذه العقيدات أول إشارة إلى كنز المعادن الأرضية النادرة الموجود تحت الماء، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات البشرية من المواد الخام لأجيال عديدة، حسبما نشرته صحيفة التلغراف البريطانية (telegraph) في 25 يونيو/حزيران الجاري.

وأشارت إحدى الدراسات إلى أن هناك من الذهب في قاع البحار ما يكفي لكل شخص على هذا الكوكب للحصول على 9 أرطال (4.08 كيلوغرام) من المعدن، أي ما يعادل 170 ألف دولار للقطعة الواحدة.

وذكرت دراسة أخرى أن الحصول على هذا الذهب سيكلّف أكثر من ضعف ذلك، وسيستغرق وقتًا طويلًا.

وفرة المعادن

توجد الغالبية العظمى من احتياطيات الكوبالت -وهو أحد أبرز المعادن الأرضية النادرة- في العالم بواحدة من أكثر دول العالم اضطرابًا وعدم استقرار: جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ يمكن أن تكون الظروف في المناجم سيئة للغاية.

ولا يُعدّ الكوبالت المعدن الوحيد المهم لتصنيع البطاريات، التي تتطلب الكثير من النيكل للعديد من التركيبة الكيميائية للبطاريات عالية الأداء.

ويُنتَج الكثير من النيكل في العالم في إندونيسيا، إذ ينطوي غالبًا على تدمير الغابات المطيرة وإلقاء المخلّفات كالمعتاد في الأنهار والبحر.

ويوجد نحو 25 مليون طن من موارد الكوبالت الأرضية، معظمها في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا.

ويبلغ إجمالي كمية الكوبالت التي حُدِّدَت تحت سطح البحر، في العقيدات متعددة الفلزات وطبقة أخرى تحت الماء تسمى القشور الغنية بالكوبالت، 120 مليون طن. ويوجد نحو 300 مليون طن من موارد النيكل الأرضية.

وتشير التقديرات إلى أنه يوجد في منطقة كلاريون كليبرتون وحدها نحو 270 مليون طن من النيكل، ونظرًا لأن هذا مجرد جزء واحد من المحيط الهادئ، فمن المحتمل أن يكون الإجمالي أعلى بكثير.

ويستوجب الوفاء بوعود القضاء على انبعاثات الكربون في العالم كميات هائلة، ليس فقط من مواد البطاريات الغريبة هذه، ولكن -الأكثر من ذلك- من النحاس.

ويُستعمل النحاس في السيارات الكهربائية، ولشبكات الكهرباء، والنحاس للألواح الشمسية وأجزاء مولدات الكهرباء الداخلية، وللأسلاك السميكة الطويلة التي تنقل الكهرباء من توربينات الرياح، ويعود الفضل في كل ذلك تقريبًا إلى المعدن الأحمر.

في المقابل، كان النحاس دائمًا فكرة متأخرة عندما يتعلق الأمر بما يقع تحت سطح البحر، وذلك لعدّة أسباب:

الأول، هو البراعة في استخراج النحاس من الأرض، لذلك حتى وقت قريب كان عدد قليل من الجيولوجيين قد فكّروا بجدّية في فكرة "ذروة النحاس"، والوصول إلى حدود ما يمكن استخراجه من سطح الكوكب.

مراكب تنقل العقيدات متعددة الفلزات إلى سفن الإنتاج
مراكب تنقل العقيدات متعددة الفلزات إلى سفن الإنتاج – المصدر صحيفة التلغراف البريطانية

والسبب الثاني، هو أنه رغم وجود الكثير من النحاس في العقيدات متعددة الفلزات، عند نحو 230 مليون طن، هناك ما يكفي من النحاس في منطقة كلاريون كليبرتون لإبقاء العالم بأكمله مزودًا لمدة عقد من الزمان، فإن الأرقام ليست متغيرة تمامًا فيما يتعلق بالكوبالت أو النيكل.

على الرغم من ذلك، يرجع ذلك جزئيًا إلى أن أغنى احتياطيات النحاس موجودفي مكان آخر: في بقايا المداخن السوداء، وهي فتحات حيث تتدفق المياه الغنية بالكيماويات المسخنة بحرارة البراكين من قاع البحر على امتداد سلاسل الجبال المغمورة، مثل سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي.

وتحتوي أيّ قطعة من إحدى تلك المداخن السوداء على جميع أنواع المواد: الحديد والزنك والسيلينيوم وخام بلوري يسمى كالكوبايرايت، الذي يمكن أن يحتوي على 20% من النحاس.

عندما تَخمد المدخنة السوداء وتنهار، وهو ما يحدث بعد بضعة آلاف من السنين، فإنها تترك وراءها بعض أغنى خامات النحاس في العالم.

وعلى الرغم من أن التقديرات التقريبية لعدد العقيدات المتعددة الفلزات الموجودة على الأرجح في قاع البحر، فلا أحد لديه أدنى فكرة عن عدد هذه الكبريتيدات الضخمة المزعومة في قاع البحر، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وقد بُذِلت جهود لمحاولة استقراء أعدادها، بناءً على عدد المداخن السوداء الذين توجد أعلى وأسفل التلال وسط المحيط، وهي ليست مشجعة.

وأشار أحد التقديرات على طول هذه الخطوط إلى أن الكبريتيدات الضخمة في قاع البحار قد تنتج 30 مليون طن من النحاس والزنك.

البحث عن الكنز

جلب فريق الباحثين الجيولوجيين على متن سفينة الأبحاث الملكية البريطانية جيمس كوك، حفارة ضخمًة لأعماق البحار، وهي إحدى الحفارات القليلة في العالم القادرة على تحمّل ضغوط وإجهاد العمل بعمق 3 آلاف متر تحت مستوى سطح البحر.

لمدة شهر، حفرت الحفارة في أعماق قاع البحر، وجمعت نوى صخرية طويلة بشكل غير عادي، وساعدت في إنشاء مسوحات زلزالية للتلال، بحثًا عن المعادن الأرضية النادرة.

ويقول كبير الباحثين الجيولوجيين في الفريق، برام مورتون، إن النتائج المبكرة "كانت رائعة جدًا،" مبيّنًا أن "كمية الرواسب المعدنية هناك مذهلة، وأنها ستغير فهمنا تمامًا لمقدار النحاس الموجود في قاع البحر".

ونظرًا لأن البحث ما يزال مستمرًا، فمن السابق لأوانه تحديد المكان الذي يمكن فيه إعطاء تقديرات دقيقة لموارد قاع المحيط من المعادن الأرضية النادرة.

وبالنظر إلى هذه البقعة الصغيرة في قاع بحر سارغاسو - وهي منطقة مستبعدة من تلك التقديرات التقليدية لموارد النحاس البحرية - تحتوي على عشرات الملايين من الأطنان من الخامات، فمن المحتمل أن تكون بعيدة.

ويقول برام: "يمكن أن تنظر بسهولة إلى 20 أو 30 أو 40 ضعفًا أكثر من تلك التقييمات".

وقد يعني ذلك وجود موارد نحاسية في أعماق البحار تزيد عن مليار طن، وهي كمية هائلة، تفوق بكثير الاحتياطيات الأرضية بالكامل، وتكفي بالتأكيد لتزويد العالم بأسره بجميع احتياجاته من النحاس لعقود عديدة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق