تقارير الطاقة المتجددةرئيسيةطاقة متجددة

مصافي الليثيوم في أوروبا تجذب الشركات الكبرى.. هل تُنهي هيمنة الصين؟

محمد عبد السند

تتسارع وتيرة إنشاء مصافي الليثيوم في أوروبا بدرجة أكبر من أي وقت مضى، في ظل رغبة حكومات القارة العجوز في تأمين إمداداتها من المعدن الإستراتيجي بعيدًا عن الصين.

وأشعل الليثيوم -الذي يُنظر إليه على أنه "بطل معركة الطاقة النظيفة"- المنافسة بين كبرى الشركات التي تستغل الطلب المتنامي على المعدن، وتضخ استثمارات مليارية في تلك الصناعة الحساسة متعددة الاستعمالات.

وفي ضوء هذا السيناريو، توسع ليفرتون ليثيوم، الشركة البريطانية المتخصصة في إنتاج المواد الكيميائية -التي تدير مصفاة تكرير ليثيوم صغيرة هي الوحيدة من نوعها في أوروبا، منذ 47 عامًا- حافظتها الاستثمارية، في حين يزداد تدافع الدول لتأمين إمدادات المعدن الحيوي المُستعمل بكثافة في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، حسبما أوردت شبكة "بلومبرغ".

مشروعات عدة

يقود الدور المحوري، الذي تؤديه بطاريات الليثيوم أيون في الثورة التي تشهدها صناعة السيارات الكهربائية -حاليًا- إلى بناء نحو 6 مشروعات ضخمة لمصافي الليثيوم في أوروبا، بحسب معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي غضون ذلك، تتجلى الأهمية الإستراتيجية لتلك التطورات في المبادرات التي يقودها الاتحاد الأوروبي لخفض اعتماده على الصين في استيراد المواد الخام الحيوية، علمًا بأن البلد الآسيوي يُسهم بما نسبته 56% من إمدادات المعدن العالمية، في حين تستورد دول الاتحاد الأوروبي 100% من احتياجاتها من الليثيوم، وفق بيانات نشرتها بلومبرغ.

وقفزت أسعار الليثيوم في العام المنصرم (2022) مع الارتفاع الصاروخي في الطلب على المركبات الكهربائية، ما يحقق هامش أرباح بالنسبة إلى شركات التعدين والمصافي.

مصافي الليثيوم في أوروبا
حقل ليثيوم - الصورة من maplecroft

وبينما سجلت أسعار الليثيوم هبوطًا حادًا في الشهور القليلة الماضية، يثق الرؤساء التنفيذيون لمصافي الليثيوم في أن تقود طفرة الطلب إلى سوق مُربحة بما يكفي للانتهاء من المشروعات كافّة قيد التنفيذ.

وقال الرئيس التنفيذي لروك تيك ليثيوم، ديرك هاربيك: "كل شركة تصنيع سيارات غربية تبدي اهتمامًا كبيرًا بالليثيوم"، في تصريحات أدلى بها لبلومبرغ.

وأوضح هاربيك: "نفترض أنه وبحلول نهاية العقد الجاري (2030)، سنحتاج إلى 10 مشروعات من الحجم نفسه الذي نبنيه الآن".

وفي 23 مارس/آذار (2023)، وضعت روك تيك ليثيوم حجر الأساس لمصفاة تابعة لها في مدينة براندبرغ الألمانية، ومن المتوقع أن تدخل حيز التشغيل في عام 2025.

500 ألف بطارية سيارة كهربائية

على بُعد قرابة 115 ميلًا (185 كيلومترًا) من براندبرغ، وتحديدًا في مدينة بترفيلد، ستشرع "إيه إم جي أدفانسيد ميتالورجيكال غروب إن في" في إنتاج هيدروكسيد الليثيوم في الربع الرابع من العام الجاري (2023)، بحجم إنتاج سنوي أولي يكفي لتصنيع 500 ألف بطارية سيارة كهربائية، ما سيجعلها أول مصفاة ليثيوم في أوروبا، وفق ما أعلنته الشركة في بيان.

وقال الرئيس التنفيذي لـ"إيه إم جي أدفانسيد ميتالورجيكال غروب إن في"، هاينز شيملبوش: "الجميع يحاول إحكام قبضته على تلك المواد".

وفي ميناء صناعي في شمال شرق المملكة المتحدة، تُخطط شركتا تيس فالي ليثيوم وغرين ليثيوم، لبناء مصفاتي ليثيوم لا يفصلهما سوى بضعة أميال.

وفي فنلندا -التي يُنظر إليها على أنها مركز صناعي مهم في سلسلة إمدادات البطاريات في عموم أوروبا- تبني شركة سيبانيي-ستيلووتر للمناجم الجنوب أفريقية مصفاة ليثيوم بُكلفة استثمارية قدرها 588 مليون يورو ( 616 مليون دولارًا أميركيًا).

(اليورو = 1.09 دولارًا أميركيًا)

مصافي الليثيوم في أوروبا
بطارية ليثيوم أيون - الصورة من إي تي أوتو

وفي مدينة باسينجستوك الصغيرة الواقعة جنوب غرب العاصمة البريطانية لندن، تتعاون ليفرتون مع "هيلم إيه جي" عملاقة تصنيع المواد الكيميائية الألمانية، لتمويل مشروع توسيع مصفاة الليثيوم الصغيرة المملوكة للأولى.

ومن الممكن أن يشتمل المشروع -البالغ كُلفته ملايين اليوروات- على مصافٍ جديدة في أوروبا.

عراقيل عديدة

في مقابل ذلك، تبرز العديد من العقبات أمام المستثمرين الجدد في قطاع مصافي الليثيوم في أوروبا، إذ من المتوقع أن تتجاوز كلفة المواد الأولية وحدها حاجز المليار دولار سنويًا، بالنسبة إلى المصافي الكبيرة، بحسب ما ذكر عضو مجلس الإدارة في "إتش إي إل إم" مارتن كوزاج.

وأوضح كوزاج: "تحتاج إلى أن تكون لديك سيولة كبيرة".

وأضاف: "الجميع يقولون إنهم سيبنون مصافي ليثيوم، لكنك تحتاج إلى أن تنظر إلى عدد هؤلاء الذين يبنون مصافي الليثيوم بالفعل".

إنهاء احتكار الصين بدعم أميركي

يتطلّع الاتحاد الأوروبي لتعزيز الإنتاج عبر تسريع وتيرة منح التراخيص الخاصة بإنشاء مصافي الليثيوم وإيجاد مصادر تمويل جديدة بموجب القانون الصادر في مارس/آذار (2023).

ويتفاوض الاتحاد الأوروبي على صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية، في مسعى لخفض اعتماد دول التكتل على الصين في تأمين المعادن الإستراتيجية.

وفي المقابل ربما تقدم الولايات المتحدة الأميركية إلى شركات الاتحاد الأوروبي وصولًا أفضل إلى بعض الدعم والائتمانات الضريبية الممنوحة بموجب قانون خفض التضخم الذي أقره الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني (2022).

وترغب الولايات المتحدة الأميركية في إنشاء "نادي البلدان" التي تتوافق مع أسلوب تفكير واشنطن، فيما يتعلّق بالرغبة الجامحة في تقليص الاعتماد على بكين في تأمين المعادن "الخضراء" مثل الليثيوم، والكوبالت والنيكل.

ومع توقع قفزة في الطلب بواقع 17 مرة بحلول عام 2050، تعي رئيسة المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- أورسولا فون دير لاين ثقل هذا التحدي.

وفي هذا الصدد، قالت فون دير لاين: "نعلم علم اليقين أن هذا عصر نعتمد فيه على مورد وحيد؛ إنها الصين".

وأردفت: "سنحتاج إلى مزيد من الاستقلالية في هذا الأمر، والتنوع بخصوص المعادن الرئيسة التي لا غنى عنها لتعزيز قدرتنا التنافسية".

الدعم الحكومي لا يكفي

ستحتاج مصافي الليثيوم في أوروبا إلى ما هو أكثر من مجرد الدعم الحكومي كي يُكتب لها الازدهار، وينصب التركيز في تلك الصناعة الوليدة في أوروبا على تعزيز الإمدادات لتغذية مصافي الليثيوم، وإبرام الصفقات مع شركات تصنيع السيارات الذي تأزمت أوضاعها الإنتاجية جراء القيود المفروضة على إمدادات الليثيوم في العام الفائت (2022).

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- سعر كربونات الليثيوم للطن المتري:

أسعار الليثيوم في 2022

وإبان الطفرة التي شهدها إنتاج الليثيوم في العام الماضي (2022)، قال قطب الأعمال الأميركي الرئيس التنفيذي لعملاقة السيارات الكهربائية تيسلا، إيلون ماسك، إن تكرير الليثيوم هو بمثابة "رُخصة لطباعة الأموال"، غير أن التراجع الحاد في أسعار المعدن الحيوي منذ ذلك الحين، يعكس المخاطر التجارية المتضمنة في تداوله.

وبينما تعمد بعض المصافي إلى بناء المناجم لتأمين حصولها على احتياجاتها من المواد الخام، تلجأ أخرى إلى شراء جميع متطلباتها من تلك المواد من السوق المفتوحة، في إستراتيجية قد تُعرضها للخطر حال ظهرت موجة أخرى من القيود على إمدادات المعدن الإستراتيجي.

أرباح محفوفة بالمخاطر

قد تتأثر أرباح مصافي الليثيوم سلبًا حال ارتفعت تكاليف المواد الخام بوتيرة أسرع من أسعار كيماويات المعدن التي تبيعها تلك المصافي، في توجه سبق أن ظهر بحلول نهاية الطفرة الإنتاجية الحاصلة في العام الماضي (2022).

ويبرهن ذلك على أن مصافي الليثيوم في أوروبا -وسلسلة إمدادات صناعة السيارات الكهربائية برمتها- تظل تحت رحمة شركات التعدين، وقدرتها على فتح قنوات إنتاج جديدة بسرعة تكفي لتغطية الطلب المتنامي.

وفي هذا الخصوص، قال كوزاج: "يتعيّن عليك التفكير فيمن يمكنه تمويل تلك المشروعات، ومن يحظى بالدعم من الشركات".

وأتم: "تحتاج إلى أن يكون لديك الشركاء المناسبون معك".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق