التقاريرالنشرة الاسبوعيةتقارير دوريةتقارير منوعةسلايدر الرئيسيةعاجلمفاهيم الطاقةمنوعاتموسوعة الطاقةوحدة أبحاث الطاقة

ما هو الفحم؟.. 10 محاور تسرد قصة حياة الوقود المنبوذ بيئيًا (تقرير)

أكبر مصدر منفرد لتوليد الكهرباء عالميًا

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي

استعمال الفحم -من منظور دعاة حماية البيئة والمناخ- مرض خبيث يهدد كوكب الأرض، ما يتطلّب القضاء عليه بأسرع وقت، في حين أيقن صنّاع القرار حول العالم -مع كل أزمة طاقة- أن هذا الوقود المنبوذ شر لا بدّ منه، إذ يُعَدّ أكبر مصدر منفرد لتوليد الكهرباء عالميًا، ومن ثم الاستغناء عنه لن يكون سهل المنال.

وبعيدًا عن تداعياته البيئية، فإن الفحم مصدر بالغ الأهمية للعالم، إذ أدّى إلى تحسينات تاريخية في مستوى المعيشة من خلال استعماله لتوفير الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها، وبأسعار معقولة، يومًا بعد يوم مع النمو الاقتصادي والسكاني، و-أيضًا- في إنشاء البنية التحتية للمجتمعات، عبر الاعتماد عليه في صناعة الصلب والأسمنت.

عُرف الفحم وقودًا للتدفئة منذ آلاف السنين، وتطوّر استعماله من تشغيل الآلات قديمًا حتى بات العنصر الرئيس في توليد الكهرباء وصناعات مختلفة أدمنت استهلاكه.

ومع زيادة الاعتماد عليه، بات الوقود الأسود في قلب مناقشات المناخ والطاقة، لأنه أكبر مصدر للطاقة على مستوى العالم وأكثرها إطلاقًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي تهدد كوكب الأرض وتُبعد الدول عن تحقيق أهداف الحياد الكربوني، وفق وحدة أبحاث منصة الطاقة.

فما قصة هذا الوقود من البداية إلى النهاية الوشيكة، التي يدعو إليها نشطاء البيئة وتتمناها حكومات العالم أجمع -إن استطاعت إيجاد بدائل مناسبة-؟

ما هو الفحم؟ وما أنواعه؟

الفحم عبارة عن صخور رسوبية ذات لون أسود غالبًا -أو أسود مائل إلى البني- قابلة للاحتراق، تتشكّل على هيئة طبقات، وتحتوي على كمية عالية من الكربون والهيدروكربونات.

وتشكّلت الطاقة المخزّنة في الفحم من تحلّل النباتات التي عاشت قبل مئات الملايين من السنين في غابات المستنقعات حتى غطتها طبقات التراب والصخور، وأدّى الضغط والحرارة إلى تحويل النباتات لمادة عُرفت باسم "الفحم"، الذي يُصنّف على أنه مصدر طاقة غير متجدد.

ويُصنَّف الفحم إلى 4 أنواع رئيسة، هي: (الفحم الصلب أو فحم الأنثراسيت، والفحم القاري أو الأسفلتي، والفحم شبه القاري، والفحم البني)، وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

ويستند التصنيف إلى أنواع الكربون وكمياته التي يحتويها الخام، وكمية الطاقة الحرارية التي يمكن أن ينتجها، وكل هذا يعتمد في الأساس على مقدار الضغط والحرارة اللذين تعرضت لهما النباتات في البداية.

  1. الفحم الصلب أو الأنثراسيت (Anthracite): أسود لامع، يحتوي على نحو 86% إلى 97% من الكربون، ولديه أكبر محتوى طاقة مقارنة بالأنواع الأخرى، ويُستعمل أساسًا في صناعة المعادن.
  2. الفحم القاري أو الأسفلتي (Bituminous coal): درجة متوسطة بين الصلب وشبه القاري، يُشكّل الكربون 45% إلى 86% من تكوينه، يُعَدّ الفحم الحراري -المستعمل في توليد الكهرباء- أحد أنواعه، كما أنه مادة خام لصنع فحم الكوك أو للاستعمال في صناعة الحديد والصلب.
  3. الفحم شبه القاري (Subbituminous coal): أسود اللون وباهت، يحتوي عادةً على 35% إلى 45% من الكربون، وله قدرة حرارية أقلّ من الفحم القاري، لكنه يُستهلك -أيضًا- في توليد الكهرباء.
  4. الفحم البني (Lignite): يحتوي على 25% إلى 35% من الكربون ونسبة عالية من الرطوبة، ما يجعله أقلّ الأنواع من حيث محتوى الطاقة، ويُستهلك في توليد الكهرباء.

ماذا عن بداية الفحم؟

هناك أدلة على أن الإنسان عرف الفحم على نطاق محدود في عصور ما قبل التاريخ؛ إذ اعتمد عليه لأغراض التدفئة والطهي منذ القدم.

وتشير بعض المصادر إلى أن تعدين الفحم بدأ في الصين مع افتتاح أول منجم منذ أكثر من 3 آلاف عام، وبحلول عام 200 قبل الميلاد، استعمل الصينيون الفحم للتدفئة وسلعة تجارية، قبل أن يصبح عنصرًا حيويًا في صناعة المعادن، التي ازدهرت للمرة الأولى عام 120 قبل الميلاد.

وبدأ الرومان استعمال الفحم في إنجلترا -على نطاق واسع- خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديّين، وفي القرن الـ18، مع بداية الثورة الصناعية، وجد الإنجليز أن الفحم وقود أشد من الخشب، ومن ثم تزايد الاعتماد عليه في أغراض متعددة.

الفحم
الفحم - الصورة من موقع Earth Systems

وقبل ذلك، وتحديدًا في القرن الـ13، اكتُشف الفحم في أميركا الشمالية على يد الهنود الحُمر بصفته وقودًا للطهي والتدفئة، قبل أن يُعاد اكتشافه في الولايات المتحدة عام 1673.

وأدّت الثورة الصناعية دورًا رئيسًا في توسيع استعمال الفحم، إذ استغلّه مخترع المحرك البخاري جيمس واط لتوليد البخار لتشغيل المحرك، وتطوَّر استهلاكه فيما بعد لتزويد غلايات السفن البخارية والقطارات العاملة بالبخار.

وبحلول عام 1875، بدأ استهلاك هذا الوقود الأحفوري في أفران الصهر لصناعة الصلب، قبل أن يُحرق من أجل توليد الكهرباء بعد سنوات قليلة، وينتشر لهذا الغرض على نطاق واسع حتى الآن، لدرجة أنه بات من الصعب الاستغناء عنه.

كيفية تعدين الفحم ونقله

تستعمل شركات تعدين الفحم آلات كبيرة لاستخراجه من الأرض، سواءً الموجود بالقرب من سطح الأرض، أو الذي يقبع في أعماقها، وهناك طريقتان أساسيتان لاستخراج هذا الوقود الأحفوري، هما: التعدين السطحي، والتعدين تحت الأرض أو التعدين العميق:

أولًا، التعدين السطحي (Surface mining): يُستعمل عندما يكون الفحم بالقرب من سطح الأرض أو تحتها بأقلّ من 200 قدم، وله قدرة على استخراج نسبة أعلى من رواسب الفحم مقارنة بالتعدين تحت الأرض.

وفي هذه الطريقة تعمل الآلات الكبيرة على إزالة التربة السطحية وطبقات الصخور المعروفة لكشف طبقات الفحم، وهنا تُعَدّ إزالة قمم الجبال شكلًا من أشكال التعدين السطحي.

ثانيًا، التعدين تحت الأرض أو التعدين العميق (Underground mining): يُستعمل عندما يكون الفحم على عمق مئات الأقدام تحت سطح الأرض، وهنا تُحفَر أنفاق تسمى ممرات المناجم حتى الوصول إلى الخام الأسود.

وبصفة عامة، يُعَدّ تعدين الفحم استعمالًا مؤقتًا للأرض، فيمكن إعادة تأهيل المناجم بمجرد توقّف العمليات واستصلاحها لزراعة الأشجار أو لأغراض أخرى.

ويُنقل الفحم إلى مصنع بالقرب من موقع التعدين من أجل تنظيفه ومعالجته عبر إزالة الصخور والشوائب والرماد والكبريت وغيرها من المواد غير المرغوب فيها، ما يزيد من الطاقة الحرارية، التي يحتويها الوقود الأسود.

وبعد التعدين والمعالجة، يُنقل الفحم إلى المستهلكين بعدّة طرق مختلفة قد تكون أكثر تكلفة من تعدينه في بعض الحالات:

  • الناقلات والترام والشاحنات: تنقل الفحم لمسافات قصيرة من المناجم إلى المستهلكين القريبين أو إلى وسائل النقل الأخرى، التي تنقله لمسافات طويلة.
  • القطارات: الوسيلة الأكثر شيوعًا لنقل المعدن الأسود إلى المستهلكين، إذ تنقل ما يقرب من 70% من شحنات الفحم في الولايات المتحدة، على سبيل المثال.
  • الزوارق البخارية والسفن: تنقل الزوارق الفحم عبر الأنهار والبحيرات، في حين تُستعمل السفن في المحيطات والبحار.
  • خطوط الأنابيب: مصممة لنقل الخامات -مثل الفحم- لمسافات طويلة، لكن مع مزجها بالمياه، وهي طريقة أقلّ شيوعًا.

احتياطيات الفحم في العالم

من الصعب تقييم كميات الفحم الموجودة في العالم بصورة دقيقة، كونها مدفونة تحت الأرض، لكن المراجعة الإحصائية السنوية للطاقة، التي أصدرها معهد الطاقة في 2023، لأول مرة بدلًا من شركة النفط البريطانية بي بي، تُشير إلى أن احتياطيات الفحم العالمية بلغت 1.074 تريليون طن متري بنهاية عام 2020.

ومن هذا الإجمالي، يُشكّل نوعا الفحم الصلب والقاري معًا 753.639 مليار طن، في حين يمثّل الفحم شبه القاري والفحم البني معًا 320.469 مليار طن، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتستحوذ منطقة آسيا والمحيط الهادئ على 42.8% من الاحتياطيات العالمية، تليها أميركا الشمالية -جميعها تقريبًا في الولايات المتحدة- بحصّة 23.9%، في حين تُعَدّ منطقتا أميركا الوسطى والجنوبية والشرق الأوسط الأقلّ امتلاكًا للفحم، بحصّة 1.3% و1.5% على التوالي.

وعلى صعيد الدول، فإن هناك 5 بلدان تستحوذ على أكثر من 75% من احتياطيات الفحم المؤكدة في العالم، وهي: الولايات المتحدة (23.9%)، وروسيا (15.1%)، وأستراليا (14%)، والصين (13.3%)، والهند (10.3%).

وبنهاية 2020، بلغت احتياطيات الولايات المتحدة من الفحم 248.941 مليار طن متري، توجد 77% منها في 6 ولايات فقط: (مونتانا، وإلينوي، ووايومنغ، وفيرجينيا الغربية، وكنتاكي، وبنسلفانيا).

وتُقدِّر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن احتياطيات الفحم القابلة للاستخراج في الولايات المتحدة قد تستمر لنحو 470 عامًا، ولنحو 25 عامًا في المناجم المنتجة.

أمّا روسيا فتمتلك 162.166 مليار طن من احتياطيات الفحم، تليها أستراليا بنحو 150.227 مليار طن، ثم الصين والهند بنحو 143.197 و111.052 مليار طن على التوالي، وفق بيانات معهد الطاقة.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، أكثر 10 دول امتلاكًا لاحتياطيات الفحم في العالم:

أكثر 10 دول امتلاكًا لاحتياطيات الفحم

إمدادات الفحم وأكثر الدول إنتاجًا

تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن إمدادات الفحم العالمية ارتفعت بنحو 5.4% في 2022، على أساس سنوي، لتصل إلى 8.318 مليار طن في 2022، لتتجاوز المستوى القياسي المسجّل عام 2019، كما ترى الوكالة -التي تتخذ من باريس مقرًا لها- أن إنتاج العالم سيتراجع نسبيًا إلى 8.221 مليار طن بحلول 2025.

وتُعَدّ الصين أكبر منتج لهذا الوقود الأسود في العالم، إذ بلغ إنتاج البلاد 4.49 مليار طن متري بنهاية عام 2022، ما يمثّل نصف الإمدادات العالمية تقريبًا، وفق بيانات المكتب الوطني للإحصاء في البلاد.

في المقابل، أوضحت أحدث البيانات التاريخية لمعهد الطاقة، أن إنتاج الفحم حول العالم قد بلغ أعلى مستوى على الإطلاق في 2022، عند 174.56 إكساجول، مقارنة مع 162.5 إكساجول العام السابق له.

يُشار إلى أن كل 1 إكساجول يساوي ما يقرب من 40 مليون طن من الفحم الصلب، أو 95 مليون طن من الفحم البني والفحم شبه القاري.

وتجاوز إنتاج العالم من الفحم 100 إكساجول لأول مرة في عام 2001، ولم يتراجع عنه منذ ذلك الحين، مع تربُّع الصين على رأس قائمة أكثر الدول إنتاجًا حول العالم بنحو 92.2 إكساجول بنهاية 2022، أي ما يعادل أكثر من 52% من الإجمالي العالمي.

وتقبع الهند في المركز الثاني، بحصّة 8.6%، مع إنتاج 15.02 إكساجول من الفحم في 2022، تتبعها إندونيسيا بنحو 13.95 إكساجول، وهو ما يعادل 8% من الإنتاج العالمي، في حين تحتلّ الولايات المتحدة المرتبة الرابعة بإنتاج 12.07 إكساجول في 2022، ثم أستراليا في المركز الخامس، بنحو 11.46 إكساجول.

ويرصد الإنفوغرافيك التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، أكثر 10 دول إنتاجًا للفحم حتى نهاية عام 2022:

أكثر 10 دول إنتاجًا للفحم

جدير بالذكر أن إنتاج الفحم في المنطقة العربية ليس له صدى عالمي، على عكس النفط، إذ بلغ إنتاج منطقة الشرق الأوسط 0.05 إكساجول (4.4 مليون طن تقريبًا) في عام 2022.

الطلب على الفحم وأكثر المستهلكين

شهد الطلب العالمي على الفحم تغيّرات بارزة في الأعوام الـ3 الأخيرة، إذ أذاقه وباء كورونا أكبر انخفاض سنوي منذ الحرب العالمية الثانية، بنحو 4% خلال 2020، مع تراجع الطلب على الكهرباء وانكماش الاقتصاد بسبب قيود الإغلاق المتعلقة بالجائحة، لكنه عاد سريعًا ليسجّل قمة تاريخية جديدة في 2022.

وتُقدّر وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الاستهلاك العالمي للفحم إلى مستوى قياسي جديد في 2022، عند 8.025 مليار طن، مع تراجع الطلب على الغاز -نظرًا إلى الارتفاع الحاد في أسعاره- بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهذا يمثّل زيادة بنسبة 0.7% عن المستوى المسجّل في عام 2021، عند 7.929 مليار طن.

ويأتي ذلك مع استمرار الطلب القياسي في الصين -أكبر مستهلك في العالم- عند 4.25 مليار طن في 2022، لكن وتيرة النمو قد تباطأت إلى 0.4% فقط من 4.6% خلال 2021، مع عودة إصابات كورونا وتداعياتها على النشاط الاقتصادي، قبل أن تُلغى قيود الجائحة لاحقًا.

وبصفة عامة، قادت الهند ودول الاتحاد الأوروبي والصين نمو الاستهلاك العالمي للفحم خلال 2022، بزيادة 7% و6% و0.4% على التوالي، مع تزايد الطلب على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء.

في المقابل، تراجع الطلب على الفحم في الولايات المتحدة 6.3% إلى 465 مليون طن في 2022، مع انخفاض توليد الكهرباء عبر الوقود الأحفوري، بعد إغلاق نحو 13 غيغاواط من السعة خلال العام نفسه، وفق وكالة الطاقة الدولية.

وبالعودة إلى البيانات التاريخية، تشير أحدث أرقام معهد الطاقة إلى أن استهلاك الفحم في العالم قد بلغ مستوى 161.47 إكساجول بنهاية 2022، مقارنة مع 160.43 إكساجول في عام 2021، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

واعتمادًا على هذه البيانات، سجّل الاستهلاك العالمي للفحم أعلى مستوى على الإطلاق -منذ بدء رصد البيانات عام 1965- في عام 2014 عند 162.58 إكساجول، وهذا يعني أن الطلب العالمي ما زال بالقرب من مستوياته القياسية، رغم زخم التحول الأخضر، الذي يزداد يومًا بعد يوم.

وتزايد الاستهلاك العالمي للفحم بصورة مطّردة منذ عام 1998، حينما بلغ 94.9 إكساجول، إذ لم يتراجع على أساس سنوي سوى في 4 أعوام فقط، اثنتين منها خلال الأزمة المالية العالمية 2009، ومع تفشّي فيروس كورونا عام 2020، وفق ما توصّلت إليه وحدة أبحاث الطاقة.

ومع تصاعد الاستهلاك، ما زال الفحم يستحوذ على ثاني أكبر حصة في مزيج الطاقة حول العالم بنهاية 2022، عند 26.7%، بعد النفط 31.6%، في حين تبلغ حصة الغاز الطبيعي (23.5%)، والطاقة الكهرومائية (6.7%)، والطاقة المتجددة (7.5%)، والطاقة النووية (4%)، وفق بيانات معهد الطاقة.

ومثلما هي أكثر الدول المنتجة للفحم، فإن الصين أكثر الدول المستهلكة لهذا الوقود الأحفوري عالميًا بنهاية 2022، إذ بلغ الطلب على الفحم في ثاني أكبر اقتصاد عالمي نحو 88.41 إكساجول، وهو ما يمثّل أكثر من نصف الاستهلاك العالمي (54.8%)، مع واقع أن الفحم يُشكّل 55% من إجمالي استهلاك الطاقة في الصين.

وتحتلّ الهند المركز الثاني في قائمة أكثر الدول استهلاكًا للفحم عالميًا بنحو 20.09 إكساجول في 2022، وهو ما يمثّل حصة 12.4% من الطلب العالمي، تليها الولايات المتحدة بنحو 9.87 إكساجول، وفي المركزين الرابع والخامس، تقبع اليابان باستهلاك 4.92 إكساجول، ثم جنوب أفريقيا 3.31 إكساجول، على التوالي.

وترصد وحدة أبحاث الطاقة، في الإنفوغرافيك التالي، أكثر 10 دول استهلاكًا للفحم حتى نهاية عام 2022:

أكثر 10 دول استهلاكًا للفحم عالميًا

 

أكبر الدول المصدّرة والمستوردة للفحم

شهدت تجارة الفحم العالمية تغيرات كبيرة خلال العقود الـ3 الماضية، بل أصبحت أنماطها على موعد مع حقبة متغيّرة جديدة هذا العقد، مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، واتجاه أوروبا إلى فطم نفسها عن إمدادات موسكو من الفحم والنفط والغاز.

وفي عام 1990، كانت أستراليا والولايات المتحدة أكبر مُصدّري الفحم عالميًا، بحصّة تعادل خُمس الإجمالي العالمي لكل منهما، وبعد 3 عقود، استحوذت إندونيسيا وأستراليا معًا على أكثر من نصف الصادرات العالمية، وفق وكالة الطاقة الدولية.

وجاء ذلك مع انخفاض حصة الولايات المتحدة بوتيرة ملحوظة إلى أقلّ من 6% من التجارة العالمية، في المقابل، أصبحت الصادرات من دول مثل منغوليا وكولومبيا أكثر أهمية منذ عام 2000، لكن أقوى نمو خلال الأعوام الـ30 الماضية جاء من إندونيسيا، التي باتت تمثّل ما يقرب من ثلث سوق صادرات الفحم العالمية.

على صعيد الواردات، كان الاتحاد الأوروبي أكبر مستورد للفحم في عام 1990، لكنه قلّل وارداته منه باستمرار منذ ذلك الحين، مع سياسات التحول الأخضر، لتهبط حصّته من الإجمالي العالمي من 35.4% إلى أقلّ من 10% حاليًا.

في المقابل، أصبحت الصين أكبر مستورد للفحم عالميًا، بحصّة تعادل خُمس الفحم المبيع في السوق الدولية، مع النمو الاقتصادي والسكاني، بعدما كان وجودها ضئيلًا عام 2000، إلّا أن فيتنام كانت المفاجأة الكبرى في السوق العالمية خلال الأعوام الـ30 الماضية، إذ تحولت من مُصدّر إلى مستورد عام 2005، وازدادت وارداتها منه منذ ذلك الحين.

وفي عام 2020، أثّر وباء كورونا كثيرًا في سوق الفحم، مثل جميع قطاعات التجارة العالمية، إذ تراجعت الصادرات بنسبة 10.4%، مسجلة الهبوط الأول منذ عام 2016، قبل أن تتعافى في العامين التاليين (2021 و2022)، مع عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته، لكن صاحبَ ذلك تغييرات في أنماط التجارة بعد غزو أوكرانيا.

وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى ارتفاع حجم تجارة الفحم العالمية إلى 1.351 مليار طن في 2022، مقارنة مع 1.333 مليار طن العام السابق له (يمثّل 17% من الطلب العالمي على الفحم)، مع استحواذ الفحم الحراري على غالبية التجارة بنحو 1.035 مليار طن، إذ لجأت الدول إلى زيادة تشغيل محطات توليد الكهرباء بالفحم وإحياء المنشآت المعطلة، لتلبية الطلب مع ارتفاع أسعار الغاز والنفط على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.

وعلى صعيد المناطق، تمثّل منطقة آسيا والمحيط الهادئ ما يقرب من 80% من واردات الفحم العالمية بنهاية 2022، بقيادة الصين، أكبر مستورد للفحم في العالم، بأكثر من 293 مليون طن خلال 2022، رغم انخفاض واردات بكين 9.2% على أساس سنوي، وسط زيادة الإنتاج المحلي، وفق التقديرات الحكومية.

وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن الهند ثاني أكبر مستورد عالميًا بما يتجاوز 220 مليون طن خلال 2022، ثم اليابان ودول أوروبا بنحو 184 و176 مليون طن على التوالي، في حين تأتي دول جنوب شرق آسيا في المرتبة الخامسة بواردات 148 مليون طن.

وقررت دول الاتحاد الأوروبي حظر استيراد الفحم الروسي بدءًا من أغسطس/آب 2022 -أعقبه حظر للنفط ومشتقاته- ردًا على غزو موسكو للأراضي الأوكرانية، لذلك من المتوقع ارتفاع الواردات الأوروبية من جنوب أفريقيا والولايات المتحدة وكولومبيا لاستبدال الإمدادات الروسية على المدى القريب، قبل أن تتخلص القارة تدريجيًا من الاعتماد على هذا الوقود، من أجل تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول 2050.

وتجلّى هذا الاتجاه سريعًا في 2022، إذ زادت واردات الفحم الحراري إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 51%، لتصل إلى 65 مليون طن، وارتفعت الواردات من جنوب أفريقيا وأستراليا 6 مرات إلى 13 و6 ملايين طن على التوالي، كما صعدت الكمية المستوردة من إندونيسيا وكولومبيا إلى 6 و14 مليون طن على الترتيب.

وعلى صعيد الصادرات، شكّلت إندونيسيا وأستراليا 60% من الإجمالي العالمي بنهاية 2022، بنحو 473 و350 مليون طن، في المركزين الأول والثاني على التوالي، رغم استمرار انخفاض الصادرات الأسترالية خلال عامي 2021 و2022، مع تراجع الإنتاج المحلي.

وحافظت روسيا على مكانتها في المركز الثالث بين أكبر المُصدّرين عالميًا، رغم انخفاض صادراتها بنحو 11% إلى 192 مليون طن، بفعل العقوبات الغربية، وجاءت خلفها الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا بمقدار 76 و70 مليون طن على الترتيب.

الرسم التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، يرصد أكبر مُصدّري الفحم عالميًا خلال عامي 2021 و2022:

أكبر مصدري الفحم في العالم

وفي نظرة متوسطة الأجل، تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن تجارة الفحم الحراري قد تهبط بنحو 10% بحلول 2025، مع توقعات تغلُّب أوروبا على أزمة الطاقة والعودة إلى مسارات التخلّص التدريجي من الفحم، إلى جانب انخفاض واردات الصين والهند مع زيادة الإنتاج المحلي، في المقابل، يُتوقع ارتفاع تجارة الفحم المعدني 6%.

وبحلول 2025، من غير المتوقع أن تتغيّر خريطة أكبر مُصدّري الفحم عالميًا، إذ تظل إندونيسيا في المرتبة الأولى بنحو 411 مليون طن، كما يُرجّح أن تحافظ الصين على لقب أكبر مستورد للفحم في العالم بنحو 288 مليون طن.

ما استعمالات الفحم؟

يُسيطر توليد الكهرباء والتدفئة على 67% من الاستهلاك العالمي للفحم، ويستحوذ قطاع الحديد والصلب على حصة 12%، في حين تبلغ حصة الخدمات السكنية والتجارية والعامة 3%، والنسبة المتبقية 18% من نصيب القطاعات الأخرى، بحسب تقديرات شركة البيانات ستاتيستا.

أولًا: الفحم في توليد الكهرباء

يؤدّي الفحم دورًا حيويًا في توليد الكهرباء حول العالم، لا غنى عنه حتى الآن، رغم جهود الانتقال إلى الطاقة النظيفة، إذ يُشكّل قطاع الكهرباء أكثر من نصف استهلاك الوقود الأسود عالميًا، بما يعادل 5.472 مليار طن بنهاية 2022، بعدما ارتفع 2.4% على أساس سنوي، وجاء نصف هذه الزيادة من الصين وحدها.

وكما ذكرنا سابقًا، فإن الفحم الحراري أكثر الأنواع استعمالًا في توليد الكهرباء، وتحدث عملية التوليد عن طريق طحن الفحم إلى مسحوق ناعم لزيادة مساحة سطحه والسماح بحرقه بسرعة أكبر، قبل تمريره إلى غلاية عند درجة حرارية مرتفعة، ثم تعمل الغازات الساخنة والطاقة الحرارية المنتجة من الفحم على تحويل الماء -الموجود في الأنابيب المبطنة للغلاية- إلى بخار.

ويعمل الضغط العالي للبخار على دوران شفرات التوربين بسرعة، ومع تركيب مولد كهربائي على أحد جانبي التوربين، تتحول الطاقة الناتجة عن الفحم إلى كهرباء في النهاية، في حين تُجرى عملية تكثيف إلى البخار، ويعود إلى الغلاية للتسخين مرة أخرى، كما يشرح الرسم التالي:

كيفية توليد الكهرباء بالفحم

ومع التعافي من تداعيات وباء كورونا على النشاط الاقتصادي، ارتفع توليد الكهرباء عبر الفحم عالميًا بنسبة 1.8% خلال 2021، ليسجّل 10339 تيراواط/ساعة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق -كما تشير بيانات وكالة الطاقة الدولية-، مع الصعود الحادّ في أسعار الغاز الطبيعي.

ورغم تسجيل الكهرباء المُولَّدة بالفحم أعلى مستوياتها تاريخيًا للعام الثاني على التوالي في (2022)، فإن حصة الفحم في مزيج الكهرباء عالميًا، البالغة 36%، تُعَدّ أقلّ من ذروتها المسجّلة عام 2007 بنسبة 5%، مع تزايد حصة الطاقة المتجددة، التي لبّت 88% من نمو الطلب على الكهرباء في 2022.

ويوضح الرسم أدناه، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، تغيّرات مزيج الكهرباء العالمي بين عامي 2021 و2022:

مزيج الكهرباء العالمي في 2022

وبناء على أحدث أرقام معهد الطاقة، فإن كمية الكهرباء المُولَّدة عبر الفحم عالميًا بلغت 10 آلاف و317 تيراواط/ساعة في 2022، وهي أعلى مستوى على الإطلاق، بقيادة الصين، التي استحوذت على أكثر من النصف، أو ما يعادل 5397.8 تيراواط/ساعة من الإجمالي، إذ يمثّل قطاع الكهرباء أكثر من 60% من استهلاك الفحم في البلاد.

تجدُر الإشارة إلى أن توليد الكهرباء في الصين قد ارتفع بما يقرب من 500%، ليصل إلى 7 آلاف و600 تيراواط/ساعة بنهاية 2020، مقارنة مع 1280 تيراواط/ساعة عام 2000؛ إذ شكّلت محطات الكهرباء العاملة بالفحم 63%، ما يعادل 4 آلاف و775 تيراواط/ساعة من إجمالي الكهرباء المُولَّدة، مقابل 77% أو 992 تيراواط/ساعة قبل 20 عامًا.

وبفارق كبير عن الصين، تُعَدّ الهند ثاني أكثر الدول من حيث توليد الكهرباء باستعمال الفحم حول العالم، بنحو 1380 تيراواط/ساعة، وهو مستوى قياسي، تليها الولايات المتحدة بمقدار 904.2 تيراواط/ساعة، وهو ثاني أقلّ مستوى على الإطلاق، وفق تقديرات معهد الطاقة.

ويستعرض الإنفوغرافيك الآتي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، أكثر 10 دول استهلاكًا للفحم في توليد الكهرباء:

أكثر 10 دول استعمالًا للفحم في توليد الكهرباء

وتُقدّر وحدة أبحاث الطاقة أن الاستهلاك العالمي للفحم في توليد الكهرباء سيظل قويًا على المدى القريب، مع عدم اليقين بشأن إمدادات الغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو الأمر الذي قد يرفع أسعاره في أيّ وقت، مثلما حدث في 2022، عندما أجبرت اضطرابات السوق العديد من الدول -خاصة في أوروبا- على العودة إلى الفحم، وتأجيل خطط التخلّص التدريجي من الوقود الموصوم بيئيًا، إذ تجاوزت مخاوف أمن الطاقة القلق بشأن تداعيات تغيّر المناخ، التي يُغذّيها استمرار دور الفحم في مزيج الطاقة.

واضطرت دول الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل تدابير الطوارئ المؤقتة لضمان أمن الطاقة، خاصة في فصل الشتاء، وشمل ذلك إنشاء احتياطيات إستراتيجية لتوليد الكهرباء، ما سمح لمحطات الفحم بالبقاء قيد التشغيل إلى ما بعد مواعيد الإغلاق المجدولة، أو جعل المنشآت المتوقفة في وضع الاستعداد.

وفي المجموع، سمح الاتحاد الأوروبي لنحو سعة 11 غيغاواط من الكهرباء العاملة بالفحم بالعودة إلى السوق، بعدما كان من المفترض أن تكون متوقفة عن العمل في الربع الأخير من عام 2022، وكان 73% من إجمالي هذه السعة في ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي.

وأسهم ذلك بزيادة إجمالي توليد الكهرباء بالفحم في الاتحاد الأوروبي لعام 2022، بمقدار 28 تيراواط/ساعة إلى 447 تيراواط/ساعة، وفق ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة عن مركز الأبحاث "إمبر".

وهذا يعني استمرار ارتفاع الكهرباء المُولَّدة عبر الفحم في أوروبا للعام الثاني على التوالي، بعدما صعدت لأول مرة في عقد خلال 2021، بنحو 18% على أساس سنوي، وفق شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.

وبصفة عامة، كان للحرب الروسية الأوكرانية والانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا دور رئيس في ارتفاع الطلب على الفحم، ما دفع أسعار الفحم الحراري -المستعمل في توليد الكهرباء- إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022، إذ تجاوز الفحم الأسترالي -على سبيل المثال- مستوى 400 دولار للطن في سبتمبر/أيلول 2022.

ثانيًا: الفحم في صناعة الصلب

بالطبع، توليد الكهرباء هو أكبر استعمالات الفحم وأشهرها وأهمها عالميًا، لكن هذا لا يمنع وجود قطاعات أخرى تعتمد بصورة أساسية على هذا الوقود الأحفوري، إذ يُعَدّ الفحم المعدني أو فحم الكوك مكونًا حيويًا في عملية تصنيع الصلب، ويُعتمد عليه بنسبة 70% من الإنتاج.

وتحدث عملية إنتاج الصلب -بداية- من خلال التخلّص من الشوائب في فحم الكوك، ليصبح محتويًا فقط -في الغالب- على الكربون النقي عن طريق التسخين إلى 1000-1100 درجة مئوية في غياب الأكسجين لمدّة تتراوح بين 12 و36 ساعة، ومن ثم تُزال المنتجات الثانوية.

وفي فرن الصهر يُوضع فحم الكوك وخام الحديد مع بعض الإضافات، مثل الفحم الجيري -لجمع الشوائب- ثم تعمل الحرارة، التي تصل إلى 1200 درجة مئوية، على احتراق فحم الكوك، ومن ثم صهر الحديد، ليُحوَّل بعد ذلك إلى صلب باستعمال فرن الأكسجين الأساسي (71%) أو فرن القوس الكهربائي.

ثالثًا: الاستعمالات الأخرى

فضلًا عن توليد الكهرباء وصناعة الحديد والصلب، يدعم الفحم العديد من الصناعات الأخرى، مثل إنتاج المواد الكيميائية، والأدوية، والاستعمالات الطبية الأخرى، واستخراج المعادن الأرضية النادرة، وإنتاج ألياف الكربون، والأقطاب الكهربائية الصناعية، وغيرها.

  • الأسمنت: يُعَدّ الفحم عنصرًا رئيسًا للطاقة في هذه الصناعة، إذ يتطلب إنتاج طن واحد من الأسمنت ما بين 200 و450 كيلوغرامًا من الفحم، كما تؤدّي المنتجات الناتجة عن الاحتراق -مثل الرماد المتطاير- دورًا مهمًا في الصناعة ذاتها. على سبيل المثال، أشار معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي إلى أن معدّل استعمال الرماد المتطاير الخارج من محطات الكهرباء العاملة بالفحم في الهند وصل إلى 91%، ما يُشكّل مكاسب بيئية كبيرة عبر تقليل النفايات والتلوث.
  • الألومنيوم: يمثّل الفحم أكثر من 60% من الطاقة المستعملة في إنتاج الألومنيوم، الذي يُعتمد عليه بنطاق واسع في السيارات والقطارات والطائرات لتقليل وزنها واستهلاكها للطاقة وغيرها من الاستعمالات الأخرى المعروفة.
  • النقل: بعيدًا عن استهلاكه مادةً خامًا ومصدرًا للطاقة الأولية لتصنيع البنية التحتية للنقل، فإن الكهرباء القائمة على الفحم تعزز كهربة القطاع، كما يوفر تحويل الفحم إلى وقود سائل بديلًا قابلًا للتطبيق لمنتجات النفط التقليدية في وسائل النقل، فعلى سبيل المثال، تمثّل هذه التقنية 30% من متطلبات وقود النقل في جنوب أفريقيا.
  • الهيدروجين: رغم أن الاتجاه المستقبلي يهدف إلى تعزيز دور الهيدروجين الأخضر -باستعمال الطاقة المتجددة- في مزيج الطاقة، فإن غالبية الإنتاج الحالي تعتمد على الوقود الأحفوري، وفي هذا الصدد، يوفر تغويز الفحم (تحويل الفحم إلى غاز) طريقة متعددة الاستعمالات لتحويل الفحم إلى هيدروجين ومنتجات أخرى، إذ تمثّل هذه العملية 19% من إنتاج الهيدروجين حاليًا، كما يرصد الرسم أدناه:

استعمال الفحم في إنتاج الهيدروجين

انبعاثات الفحم وخطط التخلص منه

لا يخفى على أحد أن الفحم هو أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا، لكنه ما زال مصدرًا رئيسًا للكهرباء ومادةً أساسية للعديد من القطاعات الأخرى، لا سيما في الاقتصادات سريعة النمو مثل الصين، لذلك فإن الأهمية الكبيرة للفحم تجعل مهمة التخلّص النهائي منه -لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050- صعبة للغاية.

والدليل على ذلك، أن أحدث البيانات لم تكن جيدة على الإطلاق لأهداف الحياد الكربوني، إذ ارتفعت انبعاثات الفحم إلى مستوى قياسي بنسبة 1.6% أو 243 مليون طن، عند 15.5 مليار طن من الكربون عام 2022، متجاوزة ذروتها السابقة، التي شُوهدت في عام 2014، بنحو 200 مليون طن تقريبًا، ليس هذا فحسب، وإنما شكّل حصة كبيرة من نمو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة خلال العام الماضي (2022)، الذي بلغ 321 مليون طن.

ولوضع انبعاثات الفحم في السياق الإجمالي، فإن الوقود الأسود يمثّل 42% (15.5 مليار طن) من انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة، البالغة 36.8 مليار طن بنهاية 2022، يليه النفط بنسبة تتجاوز 30% (10.69 مليار طن)، ثم الغاز الطبيعي بحصّة 18.3% (7.49 مليار طن)، وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

ويوضح الرسم البياني أدناه، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، مصادر انبعاثات الكربون من الطاقة حول العالم:

انبعاثات الكربون المرتبطة بالطاقة حسب المصدر

وتمثّل محطات توليد الكهرباء أكثر من 63% من انبعاثات الفحم، ما يعادل 9.7 مليار طن بنهاية 2021، وهو المستوى الذي يتجاوز الذروة السابقة المسجّلة في عام 2018 بأكثر من 100 مليون طن، بعدما ارتفعت الانبعاثات بنسبة 6.6% على أساس سنوي، في الوقت الذي يتطلب فيه سيناريو الحياد الكربوني لوكالة الطاقة الدولية خفض متوسط انبعاثات توليد الكهرباء بالفحم بنسبة 0.8% سنويًا حتى عام 2030، وهو تحدٍّ أشبه بالمستحيل في ظل السياسات الحالية.

وبهدف معالجة أزمة تغيّر المناخ وخفض انبعاثات الفحم، التزمت 40 دولة بالتخلّص التدريجي من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في قمة المناخ (كوب 26) بالمملكة المتحدة في عام 2021، ومع ذلك، لم تندرج أكثر 3 دول امتلاكًا للمحطات العاملة التي تعمل بالفحم (الصين والهند والولايات المتحدة)، ومن ثم الأكثر تلويثًا، تحت هذا التعهد.

ليس هذا فحسب، بل إن الصين -حتى قبل أزمة الطاقة، التي أجبرت الدول على العودة إلى الفحم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا- قد أحيَت 82 محطة لتوليد الكهرباء بالفحم بصفة كاملة أو جزئية على مدى السنوات الـ5 الماضية، وهناك 39 أخرى قيد الإنشاء، فضلًا عن خطط لبناء 15 محطة أخرى، وفق بيانات مؤسسة غلوبال داتا، رغم تعهدها بالبدء في خفض استهلاك الوقود الأسود تدريجيًا بعد عام 2025.

وسمحت الصين ببناء إجمالي 106 غيغاواط من محطات الفحم خلال 2022، أي ما يعادل محطتين كبيرتين لتوليد الكهرباء كل أسبوع، مقابل 23 غيغاواط في عام 2021، إذ ارتفعت التصاريح الجديدة لبناء محطات كهرباء عاملة بالفحم لأعلى مستوى منذ عام 2015.

في المقابل، فإن الولايات المتحدة -التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050- أغلقت 89 غيغاواط من سعة محطات الكهرباء بالفحم خلال العقد المنتهي في 2020، إلى جانب 4.6 غيغاواط في عام 2021، كما تشير التقديرات إلى تقاعد 11.5 غيغاواط أو 6% من السعة الإجمالية بنهاية 2022، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة.

ونتيجة لهذه الإغلاقات، من المتوقع تراجع سعة الكهرباء العاملة بالفحم في أميركا إلى 159 غيغاواط بحلول نهاية عام 2026، مقارنة بـ318 غيغاواط في عام 2011، قبل أن تهبط إلى 116 غيغاواط بحلول عام 2030.

وأسهمت إغلاقات محطات الفحم في تجاوز كمية الكهرباء المُولَّدة من الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة البالغة 883.1 مليون ميغاواط/ساعة في 2022، التوليد من محطات الكهرباء العاملة بالفحم البالغ 823.4 مليون ميغاواط/ساعة، للمرة الأولى على الإطلاق، وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

كما تواصل دول الاتحاد الأوروبي إغلاق محطات الفحم بنحو 14.6 غيغاواط في عام 2021، وهو رقم قياسي سنوي، قبل تباطؤ الوتيرة بصورة كبيرة، إلى 2.2 غيغاواط في 2022، إثر تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن من المُرجّح أن تعود الإغلاقات إلى وتيرتها الطبيعية في السنوات المقبلة.

وإجمالًا، تمتلك الصين وحدها 1118 محطة كهرباء تعمل بالفحم حتى يوليو/تموز 2022، وبفارق كبير عن البقية، إذ تليها الهند والولايات المتحدة بنحو 285 و225 محطة على التوالي، ثم اليابان بنحو 92 محطة عاملة بالفحم، وتختتم إندونيسيا قائمة الـ5 الكبار بنحو 87 محطة، بحسب بيانات ستاتيستا.

وعلى الصعيد العالمي، ما زالت هناك أكثر من 2400 محطة لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم في 79 دولة، بإجمالي قدرة تصل إلى 2100 غيغاواط (52% في الصين)، إلى جانب 190 غيغاواط إضافية قيد الإنشاء، و347 غيغاواط في مراحل التطوير المختلفة -سواءً معلَنة أو حصلت على التصاريح أو في مرحلة ما قبل التصاريح-، وفقًا لتقديرات مؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور.

ويعكس استمرار هذه السعة العاملة بالفحم والمشروعات المخططة صعوبة التخلّي عن الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، رغم فاعلية مصادر الطاقة المتجددة من حيث التكلفة في السنوات المقبلة، إذ يمثّل ذلك تحديات تتعلق بالحفاظ على إمدادات كهرباء آمنة وبأسعار معقولة في ظل الطبيعة المتقطعة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وعدم تعزيز سعتها بالصورة الكافية لتعويض قدرة الفحم حتى الآن، وفق تحليل وحدة أبحاث الطاقة.

لذلك، ترى وكالة الطاقة أن زيادة التدفقات المالية وآليات التمويل الجديدة ستكون ضرورية لخفض انبعاثات الفحم في توليد الكهرباء، فضلًا عن تعزيز الابتكار في مجالات، مثل احتجاز الكربون وتخزينه وتخزين الكهرباء، إلى جانب الحاجة إلى سياسات حكومية داعمة، لمعالجة عواقب التخلّص من انبعاثات الفحم، بالنسبة إلى العمال والمجتمعات والمستهلكين المعرّضين للخطر، خاصة في الاقتصادات النامية، التي ينمو فيها الطلب على الكهرباء بسرعة.

ورغم ذلك، هناك بعض الخطط المُشجعة في بريطانيا من خلال تحويل محطات الكهرباء العاملة بالفحم وإعادة تطويرها إلى مشروعات حيادية الكربون، في مقدّمتها مشروعات بطاريات تخزين الكهرباء، إذ تعتزم شركة "إس إس إس رينيوابولز" البريطانية تطوير مشروع لتخزين البطاريات بسعة 150 ميغاواط في موقع محطة سابقة لتوليد الكهرباء بالفحم في مقاطعة ويست يوركشاير شمال المملكة المتحدة.

وإذا كان التخلّص من الفحم في توليد الكهرباء أمرًا صعبًا حتى الآن رغم توافر العديد من المصادر البديلة على المستوى التجاري، فإن الابتعاد عنه في القطاع الصناعي -مثل صناعة الصلب- أكثر صعوبة، مع واقع أن التقنيات البديلة مثل الهيدروجين المتجدد لم تُنشر بعد بوتيرة كافية على النطاق التجاري، كما أنها ما زالت مُكلفة للغاية.

مستقبل الفحم

عندما يتعلق الأمر بأمن الطاقة وقت الأزمات، يكون الفحم على رأس خطة صنّاع السياسة، والدليل على ذلك ما حدث في 2022 بعد نقص إمدادات الغاز عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ لجأت الدول إلى تأجيل خطط إغلاق محطات الفحم وعودة محطات كانت مغلقة، بل إعلان خطط لبناء محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم، مع تفضيل تأمين الإمدادات على أهداف خفض الانبعاثات، وهذا يهدد بعودة الفحم إلى الصورة في كل أزمة مستقبلية، حتى وإن استطاع العالم أن يتخلص منه تدريجيًا.

وحتى قبل أزمة الطاقة، التي يمكن أن تُطيل أمد الفحم، كان رئيس قسم الفحم الحراري في شركة الأبحاث وود ماكنزي، ديل هازلتون، يرى أن نهاية الفحم ليست وشيكة حتى بحلول عام 2050، لكن من المُرجّح أن يكون تراجع إنتاجه بدايةً من عام 2030 وما بعده أكثر حدّة.

وأمام ذلك، تشير جميع التوقعات تقريبًا إلى أنه بحلول 2050 سيظل الفحم يؤدّي دورًا رئيسًا في مزيج الطاقة العالمي، إذ ترى إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي والفحم سيظل قائمًا، من أجل تلبية متطلبات الحمل الكهربائي، ودعم موثوقية الشبكة في أوقات عدم توافر الطاقة النظيفة.

بينما تتوقع منظمة أوبك أن تصل حصة الفحم في مزيج الطاقة العالمي إلى 15.5% بحلول 2045، انخفاضًا من 26.1% عام 2022، ليكون أكبر المصادر انخفاضًا في ظل السياسات الهادفة إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن تظل حصته لا غنى عنها في تلبية الطلب عالميًا -كما يوضح الرسم أدناه-، وتعتمد على الرغبة في تعزيز حصة الطاقة المتجددة، ما يعني أن أيّ انتكاسة في طموحات الطاقة النظيفة سيقابلها زيادة في الاعتماد على الفحم.

توقعات الطلب على الطاقة عالميًا

وترى أوبك أنّ تعهُّد مجموعة الـ7 الصناعية الكبرى بالتخلّص من استعمال الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى في توليد الكهرباء، مع هدف إزالة الكربون بحلول 2035، هو السبب الرئيس وراء الانخفاض الكبير المتوقع في حصة الفحم بمزيج الطاقة على المدى الطويل.

وفي هذا الإطار، يرى الاتحاد الأوروبي أن أهدافه المناخية طويلة الأجل ما تزال قابلة للتحقيق، حتى في ظل أزمة الطاقة والعودة إلى الفحم مجددًا، فقد سبق أن أعلنت ألمانيا تقديم موعد التخلص من الوقود الأسود إلى 2030، من 2038 في السابق.

وفي الولايات المتحدة، من المتوقع أن يتراجع توليد الكهرباء بالفحم بسرعة، بسبب تأكيد تقليل الانبعاثات والمنافسة من إمدادات الغاز الطبيعي والمصادر المتجددة، إذ تشير إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى وجود خطط لإغلاق ربع محطات الفحم في أميركا بحلول نهاية عام 2029، أو ما يعادل 23% من السعة الإجمالية البالغة 200.568 غيغاواط.

من جانبها، ترى وكالة الطاقة الدولية أن مستقبل الفحم يعتمد كثيرًا على إرادة العالم في مواجهة أزمة تغيّر المناخ، ومدى سرعة تطوير التقنيات النظيفة لاستبداله، لذلك أوضحت نظرتها للوقود الأسود في 3 سيناريوهات: السياسات الحالية، والتعهدات المناخية المعلنة، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.

1- سيناريو السياسات الحالية: ينخفض استهلاك الفحم العالمي بنسبة 10% بين عامي 2021 و2030، ليصل إلى 5.149 مليار طن قبل أن يتراجع إلى 3.828 مليار طن بحلول عام 2050، مع هبوط بنسبة 45% في الاقتصادات المتقدمة، وبنحو 40% في الصين، خلال الأعوام الـ30 المقبلة.

ومع ذلك، يظل إجمالي استهلاك الفحم في الهند أعلى بنسبة 10% تقريبًا بحلول 2050 عن مستوى عام 2021، وما يفسر ذلك تصريحات وزير الفحم الهندي، برالهاد جوشي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بأن الوقود الأسود سيظل يؤدي دورًا مهمًا في الهند حتى عام 2040 على الأقلّ، مشيرًا إلى أنه مصدر طاقة ميسور التكلفة، والطلب عليه لم يبلغ ذروته بعد في البلاد.

ويتناقض ذلك مع دعوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال قمة المناخ كوب 27 في مصر، إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض الانبعاثات، بما في ذلك التخلّص التدريجي من الفحم بحلول عام 2040 على مستوى العالم.

وأمّا إنتاج الفحم فتتوقع وكالة الطاقة أن يسجّل 5.14 مليار طن بحلول 2030، قبل أن يهبط 25% في الأعوام الـ20 التالية، ليتراجع إلى 3.829 مليار طن، مع انخفاض إنتاج الصين بنسبة 35%، وبنحو 20% في الهند والاقتصادات المتقدمة معًا.

وفي ظل سيناريو السياسات الحالية، تتجاوز الهند الصين لتصبح أكبر مستورد للفحم عالميًا بحلول منتصف العقد الحالي، مع ارتفاع وارداتها بأكثر من 40% بين عامي 2021 و2050، رغم تراجع تجارة الفحم الدولية من 1.135 مليار طن في 2021، إلى مستوى 958 مليون طن بحلول منتصف القرن.

2- سيناريو التعهدات المناخية المعلَنة: يتراجع الطلب العالمي على الفحم بنسبة 20% حتى نهاية العقد (2030)، وبنحو 70% بحلول منتصف القرن، مسجلًا 1.61 مليار طن، مع وصول استهلاك الصين إلى ذروته أوائل العقد الحالي، وفي الهند أواخر العقد نفسه، وذلك جراء انخفاض متسارع لاستهلاك الوقود الأسود في قطاعي الصناعة وتوليد الكهرباء.

ومع انخفاض الطلب، يُتوقع تراجع إنتاج الفحم العالمي إلى مستوى 4.539 مليار طن بنهاية العقد، قبل أن يهبط بنسبة 65% في الأعوام الـ20 التالية، ليصل إلى 1.613 مليار طن عام 2050 -وهو رقم الاستهلاك المتوقَّع- ما يعني أن الإنتاج سيكون على قدر الطلب فقط، بقيادة الصين، التي من المُرجّح أن تُشكّل ثلثي تراجع الإمدادات العالمي.

وفي السيناريو ذاته، تتوقع وكالة الطاقة انخفاض تجارة الفحم العالمية بنسبة 25%، لتصل إلى 859 مليون طن بحلول 2030، قبل أن تهبط 60% حتى منتصف القرن، مسجّلة 470 مليون طن، على أن تمثّل التجارة حصة 29% من إجمالي الإنتاج ارتفاعًا من 19% عام 2021.

3- سيناريو الحياد الكربوني: يتراجع استهلاك الفحم حول العالم بنسبة 45% بحلول 2030 إلى 3.02 مليار طن، قبل أن يصل إلى 539 مليون طن فقط بحلول منتصف القرن الحالي، بانخفاض 90% عن مستويات 2021، إذ يحدّ الوصول الشامل إلى الطهي النظيف نهاية العقد من الاستعمال التقليدي للكتلة الحيوية الصلبة.

وبالنسبة إلى إنتاج الفحم في هذا السيناريو، الذي يتطلب التوقف الفوري عن استثمارات الوقود الأحفوري، ترى وكالة الطاقة أن إمدادات الفحم في عام 2050 ستمثّل 10% فقط من إنتاج 2021 عند 539 مليون طن، مع عدم الحاجة إلى أيّ مناجم فحم جديدة، أو تمديد لعمر المناجم العاملة.

ومع الابتعاد عن الفحم، تنخفض التجارة عالميًا إلى 539 مليون طن بحلول 2030، ثم تهبط إلى 137 مليون طن فقط بحلول 2050، ما يمثّل انخفاضًا بنسبة 90% عن مستويات عام 2021، إذ تحلّ تقنيات الطاقة النظيفة محلّ الفحم في نظام الطاقة.

أمّا عن مستقبل استثمارات الفحم، التي تدعو وكالة الطاقة إلى وقفها على الفور، فبعد انخفاضها بنسبة 20% منذ عام 2015 إلى 150 مليار دولار سنويًا عام 2021، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق على إمدادات الفحم في المستقبل القريب، استجابةً للمخاوف الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، قبل أن يهبط في جميع السيناريوهات بنهاية 2030، بنسبة 30% في سيناريو السياسات الحالية، و50% في سيناريو التعهدات المناخية المعلَنة، وبمقدار الثلثين في سيناريو الحياد الكربوني.

هل يجد الفحم لنفسه مكانًا في خطط خفض الانبعاثات؟ تتركز غالبية الجهود العالمية على ضرورة التخلّص النهائي من الاعتماد على الفحم من أجل تحقيق الحياد الكربوني، لكن على غير السائد، قد يكون لهذا الوقود المنبوذ دور مهم في إنجاز العالم للأهداف المناخية.

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الطاقة الأميركية -أغسطس/آب 2022- تخصيص ما يصل إلى 6 ملايين دولار لمشروعات البحث والتطوير الهادفة إلى الاستفادة من الفحم ونفاياته في تطوير منتجات صديقة للبيئة.

وترى الوزارة الأميركية أن هيكل الفحم وتكوينه يجعله خامًا مناسبًا لإنتاج العديد من منتجات الكربون عالية القيمة، مثل الغرافيت ومركبات الكربون، التي يمكن استعمالها في الخلايا الكهروضوئية الشمسية والبطاريات، المهمة في خطط تحول الطاقة.

وفي الولايات المتحدة -أيضًا-، حيث أكبر احتياطي للفحم عالميًا، اتّجه العديد من محطات الكهرباء العاملة بالفحم إلى الاعتماد على الغاز الطبيعي بنسبة معينة، خوفًا من شبح الإغلاق من ناحية، ومن أجل القدرة على المنافسة وخفض الانبعاثات، ولو بنسبة صغيرة، من جهة أخرى.

وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن 13 محطة كهرباء تعمل بالفحم في الولايات المتحدة، بقدرة إجمالية 16.522 غيغاواط، أصبحت تعتمد على الوقود المرن (المزدوج) في السنوات الأخيرة، بمعنى أنها بدأت الاعتماد على الغاز إلى جانب الفحم، بنسبة وصلت إلى 38% نهاية عام 2020.

الأفضل من ذلك نظريًا، وفي ظل صعوبة التخلّص السريع من محطات الفحم، بدأت فكرة حرق الأمونيا منخفضة الكربون إلى جانب الفحم تحظى باهتمام العديد من الشركات العاملة في القطاع، مع توقعات وصول قيمة هذه السوق إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2050، وفق شركة الأبحاث وود ماكنزي.

وأمام ذلك، يرى مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف "سي آر إي إيه"، أن تجارب الحرق المشترك للأمونيا مع الفحم تشير إلى كونها قد تزيد الانبعاثات، على عكس ما تروّجه شركة "جيرا" اليابانية -أكبر شركة لتوليد الكهرباء في اليابان- عبر مشروعها ذي الصلة في محطة "هيكنان".

ويراهن مركز الأبحاث على نتائجه بأن الطريقة الحالية المستعملة لإنتاج الأمونيا تُعَدّ مصدرًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لأنها تنطوي على حرق الوقود الأحفوري.

وعلاوة على ذلك، تستوجب تلبية الطلب على الأمونيا استيرادها عن طريق السفن التي تعمل -أيضًا- بالوقود الأحفوري حتى الآن.

وعلى صعيد آخر، توصّل علماء جامعة بنسلفانيا الأميركية إلى إمكان استعمال مناجم الفحم في تخزين الهيدروجين -الوقود النظيف المعوّل عليه كثيرًا في مسار خفض الانبعاثات الكربونية- وذلك عبر تحليل 8 أنواع من الفحم على مستوى المناجم في الولايات المتحدة؛ بهدف فهم درجة قابليتها للامتصاص.

وتستند تجربة تخزين الهيدروجين في مناجم الفحم إلى وجود طبقة من الحجر الطيني في تكوينات طبقات الفحم؛ ما سيؤدي إلى منع تسرب وتطاير غاز الهيدروجين بعد حقنه في التكوينات الجيولوجية المترسبة، فضلًا عن أن الوقود الأسود يتميز بامتلاكه بنية تحتية قائمة، إلى جانب توفره على نطاق واسع بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان، ما قد يسهّل مهمته على مستوى التخزين والنقل، وهما معضلتان تواجهان مبادرات نشر الهيدروجين حاليًا.

وبعيدًا عن ذلك، هناك ما يُسمى "الفحم الحيوي"، وهو وقود له خصائص مماثلة للفحم الأحفوري التقليدي، إذ يمكنه أن يؤدّي دورًا كبيرًا في مواجهة تداعيات تغيّر المناخ، عبر استعماله في القطاعات كثيفة الكربون، مثل الزراعة والتعدين والصلب.

والفحم الحيوي أو "البايوشار" عبارة عن مادة غنية بالكربون تكوّنت نتيجة الانحلال الحراري لمواد عضوية مثل قشور حبوب الكاكاو ومخلفات قصب السكر، عند درجات حرارية عالية في بيئة خالية من الأكسجين، لذلك فإن هذه العملية يمكنها حبس غازات الدفيئة واحتجاز ما يصل إلى 2.6 مليار طن من انبعاثات الكربون، كما جاء في أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة.

ويمكن استعمال الفحم الحيوي بصفته سمادًا يعزز إنتاج المحاصيل الزراعية، ويعمل على زيادة امتصاص التربة للماء والعناصر الأخرى، وهو ما يؤدي إلى الاستغناء عن الأسمدة الصناعية، التي تطلق انبعاثات غازات الدفيئة.

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "سيركلر كاربون"، بيك ستينلوند -وهي الشركة التي تدير مصنعًا لإنتاج الفحم الحيوي في هامبورغ-، إن إنتاج الفحم الحيوي من قشور الكاكاو وغيرها يعمل على احتجاز الانبعاثات الكربونية الموجودة في القشور، التي حال إتلافها ستنتج انبعاثات في الغلاف الجوي.

وبناءً على كل ما سبق، وفي ظل صعوبة -إن لم تكن استحالة- التخلّص النهائي من الفحم حول العالم، فإن زيادة الاستثمارات والبحث والتطوير في التقنيات الناشئة المتعلقة باستغلال موارد الفحم في إطار صديق للبيئة يمكن أن تكون الحل الأمثّل لمواجهة معضلة خفض الانبعاثات.

ولقراءة المزيد من تعريفات ومفاهيم الطاقة يُرجى الضغط هنا.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ممكن ارسال هذه المقالة على شكل ملف و شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق