التقاريرتقارير الغازتقارير النفطتقارير دوريةرئيسيةغازنفطوحدة أبحاث الطاقة

تجارب التكسير المائي في الشرق الأوسط تصطدم بمخاوف بيئية.. تونس نموذجًا

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

اقرأ في هذا المقال

  • دول العالم مختلفة حول قانونية التكسير المائي لاستخراج الموارد لأسباب بيئية
  • أميركا قادت ثورة التكسير المائي منذ عام 2010 لكن بعض الدول الأوروبية تحظره
  • نقص المياه وتلويث التربة وزيادة النشاط الزلزالي أبرز المخاوف المتداولة
  • تجارب التكسير المائي في تونس والجزائر الأكثر جدلًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • شركات أجنبية تمارس التكسير المائي بالفعل في تونس وبعضها بصورة غير معلنة
  • شكاوى أهلية من تصدع بعض المنازل ونقص المياه في منطقة بوحجلة جنوب تونس

احتدم الجدل حول استعمال تقنيات التكسير المائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاستخراج موارد النفط والغاز خلال الآونة الأخيرة، لا سيما في الدول ذات الموارد الصخرية الضخمة غير المستغلة مثل الجزائر وتونس وليبيا.

في هذا السياق، كشف تحقيق استقصائي حديث -اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- عن استعمال عدة شركات نفط أجنبية عاملة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتقنيات التكسير المائي (الهيدروليكي) بطرق غير مباشرة، بعضها سرية أو غير معلنة بصورة رسمية.

وجاءت أعلى المخاوف من استعمال تقنيات التكسير المائي في الشرق الأوسط من تونس والجزائر ومصر، في حين جاءت أقل المخاوف من السعودية التي تبدو منخفضة المخاطر، بحسب التحقيق.

وأسهمت أزمة الطاقة في أوروبا عقب الحرب الأوكرانية في تعزيز فرص موارد الغاز الصخري الهائلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تقنيات التكسير المائي (الهيدروليكي)، رغم المخاوف المحيطة بها، للاستفادة من فرص التصدير وتعزيز اقتصادات المنطقة.

المؤيدون والمعارضون

ينقسم المتجادلون حول استعمال تقنيات التكسير المائي في الشرق الأوسط لاستخراج النفط والغاز إلى فريقين، أحدهما مؤيد ويركز على آثارها الاقتصادية المباشرة وتجارب الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا في استعمالها.

بينما يخشى الفريق المعارض من أن يؤدي التوسع في استعمال هذه التقنيات المعتمدة على ضخ خليط من المياه والرمال والمواد الكيميائية في طبقات عميقة من الأرض إلى مشكلات بيئية متصلة بنقص المياه أو تلوث التربة وزيادة النشاط الزلزالي بالمنطقة.

ويزيد التكسير المائي في الشرق الأوسط مخاوف لدى سكان المناطق الصحراوية بصورة أكبر من غيرهم، إذ يعتمد سكان هذه المناطق البعيدة على إمدادات المياه الجوفية الهشة.

نموذج لكيفية عمل معدات التكسير المائي في كندا
نموذج لكيفية عمل معدات التكسير المائي في كندا - الصورة من water canada

ولا تقتصر المخاوف بشأن تقنيات التكسير المائي في استخراج موارد النفط والغاز على الشرق الأوسط أو المجتمعات الصحراوية فحسب، وإنما تمتد إلى دول أوروبية عديدة ما زالت غير مطمئنة إلى استعمال هذه التقنيات وبعضها يحظرها.

وتُعد فرنسا وألمانيا وإسكتلندا من أبرز الدول التي تحظر استعمال هذه التقنيات لأسباب بيئية متعلقة بالمياه ومخاطر صحية متعلقة بالمواد الكيميائية المستعملة في الحقن، بالإضافة إلى مخاطر النشاط الزلزالي المحتمل المتعلق بكثافة الحفر وأعماقه التي تصل إلى آلاف الأقدام تحت السطح، بحسب التحقيق الاستقصائي الذي نشرته منصة إنرجي مونيتور المتخصصة (energy monitor).

تجربة التكسير المائي في تونس

ضمن مخاوف استعمال التكسير المائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رصد التحقيق شكاوى من تشققات بعض المنازل في قرية أولاد نصير بمنطقة بوحجلة في تونس عام 2011، بعد أن بدأت إحدى شركات النفط الكندية واسمها دوالكس (Dualex) أعمال الحفر للتنقيب عن الغاز الصخري في الأراضي الزراعية المحيطة.

وعلى الرغم من وعود الشركة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن أعمال الحفر للمنازل القريبة، فإنه بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لم يحصل الأفراد المتضررون على أي تعويض.

كما توقفت الشركة منذ مدة طويلة عن عمليات التكسير المائي، بعد انتهاء تصريح الحفر الخاص بها عام 2016، دون أن تترك أي تفسير للأضرار التي لحقت بمنازل السكان في المنطقة على حد تعبير السكان الذين اشتكوا أيضًا من استمرار معاناتهم من انخفاض منسوب المياه بعد ممارسة الشركة لأنشطة الحفر.

وبغض النظر عن الجدل الدائر حول مخاطر استعمال تقنيات التكسير المائي في الشرق الأوسط، فإن ندرة المياه تمثل مشكلة كبيرة لدى تونس بصفة خاصة، إذ يبلغ نصيب الفرد منها من المياه أقل من 450 مترًا مكعبًا، ما يقل بكثير عن سقف ندرة المياه البالغ 1000 متر مكعب عالميًا.

وتوصلت ورقة بحثية في عام 2019 إلى أن استعمال هذه التقنيات لاستخراج الغاز في تونس قد يرفع الطلب الإضافي على المياه في القيروان بنسبة تتراوح من 4 إلى 8%، ومن 13 إلى 49% في تطاوين، وهما منطقتان تحتويان على احتياطيات كبيرة من الموارد الهيدروكربونية.

لا إطار قانونيًا خاصًا ولا دراسات علمية

يكاد يتفق جميع الخبراء الذين شملهم تحقيق منصة إنرجي مونيتور على عدم وجود أي بحث علمي يتناول الآثار البيئية للتكسير المائي في تونس، إذ جرت جميع أعمال التكسير دون إشراف عملي، باستثناء محاولة واحدة غير مكتملة بدأت عام 2016.

وكانت هذه المحاولة بتكليف من وزارة الشؤون المحلية والبيئية، لكنها توقفت بعد فشل الجهات الحكومية في توفير البيانات الكافية للشركة الاستشارية المكلفة بأعمال التقييم، وذلك بسبب ظروف عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ انتفاضة 2010، والظروف الصحية المرتبطة بجائحة كورونا، ما أدى إلى توقف المحاولة.

ولم ترد شركة دوالكس الكندية (Dualex) التي غيّرت اسمها إلى سبارتان دلتا كورب (Spartan Delta Corp) على الاستفسارات المتصلة بعمليات التكسير المائي في تونس مطلع العقد الماضي قبل أن تتوقف عن العمل بعد 2016، بحسب التحقيق الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.

رئيس جمعية المراقبين العموميين في تونس سابقًا شرف الدين اليعقوبي
رئيس جمعية المراقبين العموميين في تونس سابقًا شرف الدين اليعقوبي - الصورة من radio express fm

ورغم توقف تجربة التكسير الهيدروليكي في بلدية بوحجلة التابعة لولاية القيروان جنوب تونس حاليًا، فإن تجربة السكان تشير إلى المخاطر التي يواجهها أولئك الذين يعيشون في مناطق تعاني نقص المياه بالقرب من أنشطة التكسير المائي.

وتشير هذه المخاطر الأولية إلى أن مسألة استخراج الغاز الصخري في تونس ما زالت تفتقر إلى الشفافية لأسباب عديدة، من بينها أن قانون النفط الساري في البلاد منذ عام 1999، قد وُضع قبل ظهور موجة الغاز الصخري عالميًا، ما جعل الرخص الممنوحة إلى شركات التنقيب لا تفرّق بين استخراج الغاز الصخري والغاز التقليدي، بحسب رئيس الجمعية التونسية للمراقبين العموميين سابقًا شرف الدين اليعقوبي.

ماذا يكشف تحليل صور الأقمار الصناعية؟

تُقدر احتياطيات الغاز الصخري القابلة للاستخراج في تونس بنحو 23 تريليون قدم مكعبة، وهو حجم ضخم بالنسبة إلى دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 12.5 مليون نسمة حتى عام 2022.

ويشير التحقيق إلى أن تونس لها سجل تاريخي في السماح باستعمال تقنيات التكسير المائي ولكن سرًا، على الرغم من تصريح الحكومة بعكس ذلك، وهو ما يظهره تتبع أعمال عدد من شركات التنقيب الأجنبية العاملة في البلاد.

ففي عام 2012، قالت شركة النفط والغاز الأنغلوفرنسية المستقلة بيرينكو (Perenco) ومقرها لندن، إن كل إنتاجها في تونس كان من الموارد التقليدية بالكامل، ما يعني عدم حدوث أى عمليات تكسير هيدروليكي في مناطق امتيازها.

ومع ذلك، تشير بيانات تحليل الأقمار الصناعية من مؤسسة هاينزيش بول الألمانية المعنية بتغير المناخ (Heinrich Böll Foundation)، إلى أن شركة بيرينكو كانت تُشغل الآبار بمرافق تستعمل التكسير المائي، بحسب تقرير صادر عن المؤسسة عام 2015.

كما أظهر تحليل لصور أخرى ملتقطة بالأقمار الصناعية في يوليو/تموز 2023، وجود دلائل أخرى على عمليات تكسير مائي في مكان قريب من موقع حقل الفرانيغ "El Franig" الذي تديره شركة بيرينكو والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP).

كما يشير التحليل إلى دلائل قريبة من الموقع الجغرافي لحقل الصابرية بمحافظة قبلي الجنوبية في تونس الذي تديره شركة وينتسار تونس، وهي تابعة لشركة النفط البريطانية سيرينوس للطاقة (Serinus Energy).

بالإضافة إلى ذلك، وجد تحليل الصور عددًا من الآبار المحفورة بجوار بعضها، ما يعد مؤشرًا واضحًا على الحفر الأفقي المرتبط بطرق التكسير المائي المستعملة لإنتاج النفط والغاز من الصخور ضعيفة المسام أو النفاذية، بحسب التحقيق.

الشركات الأجنبية تعترف ولكن!

قال متحدث باسم شركة بيرينكو، إن الشركة حصلت على إذن باستعمال تقنيات التكسير المائي بعد مشاورات مكثفة لتحفيز الخزانات التقليدية في تونس.

وأشار إلى أن الشركة لم تبدأ العمليات قبل الحصول على موافقة السلطات المختصة وتقديم دراسات الأثر البيئي اللازمة للحصول على موافقات الهيئات البيئية ووزارة النفط التونسية.

ولم تستبعد بيرينكو استعمال هذه التقنيات مرة أخرى من قبلها أو من قبل غيرها من المشغلين في تونس، للمساعدة في الحفاظ على إنتاجية حقول النفط والغاز في البلاد حسب القواعد، بحسب التحقيق.

لقاء ممثلي شركة بيرنيكو مع رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودان مارس 2022
لقاء ممثلي شركة بيرنيكو مع رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن مارس 2022 - الصورة من letemps news

وبغض النظر عن تأييد التكسير المائي أو معارضته في الشرق الأوسط، فإن تونس ضمن دول المنطقة التي تتطلع إلى تعزيز استغلال مواردها من النفط والغاز، خاصة مع انخفاض إنتاج حقول الغاز العاملة في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

وتشير بيانات منصة غلوبال داتا إلى أن هناك 12 حقلًا للغاز في تونس مصنفة على أنها مستكشفة، ما يعني أن هناك احتياطيات غاز معروفة لم يجر تحديد صلاحيتها التجارية بعد، بحسب التحقيق.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق