التغير المناخيالتقاريرالتقارير السنويةتقارير التغير المناخيحصاد 2023رئيسيةوحدة أبحاث الطاقة

أهداف خفض الانبعاثات 2023.. الحكومات والشركات تتراجع رغم تفاقم أزمة المناخ

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

تعرّضت أهداف خفض الانبعاثات العالمية إلى ضربات متلاحقة في عديد من الدول الغربية خلال عام 2023، خاصة في أوروبا المتزعمة لمسار تحول الطاقة عالميًا، رغم تداعيات تغيّر المناخ، التي باتت أكثر بروزًا.

وجاءت هذه الضربات في صورة إعلانات متتالية من بعض الحكومات أو الهيئات الغربية، لمراجعة الوعود والأهداف المناخية الطموحة التي قطعتها على نفسها بحلول عام 2030، أو 2040، أو 2050.

كما أعلنت عدة شركات غربية تراجعها عن أهداف خفض الانبعاثات العالمية، تحت ضغط أزمة الطاقة والحرب الأوكرانية، وارتفاع التكاليف وضرورة الموازنة بين مسار تأمين موارد الطاقة الضرورية للبشر ومسار التحول إلى المصادر النظيفة للكهرباء.

في الوقت نفسه، شهد صيف عام 2023 أسوأ موجات الحرارة العالمية على الإطلاق، ما أدى إلى أزمات انقطاع متكررة للتيار في عديد من دول العالم، بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة.

ولم يكد عام 2023 ينتهي حتى توصلت دول العالم المشاركة في قمة المناخ كوب 28 بالإمارات، إلى اتفاق تاريخي قد يعزّز أهداف خفض الانبعاثات العالمية خلال السنوات المقبلة، بحسب التطورات التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة على مدار العام.

تراجع أهداف خفض الانبعاثات على مستوى الحكومات

شهدت عدة دول أوروبية مراجعات فعلية لأهداف خفض الانبعاثات عبر طرق مختلفة، بعضها من خلال تجديد الثقة بمصادر الطاقة النووية، والآخر عبر التراجع عن أهداف جزئية لعام 2030 أو 2040.

وأثار قرار الحكومة البريطانية تأجيل بعض خطط الحياد الكربوني، في سبتمبر/أيلول 2023، صدمة واسعة في الأوساط البيئية على مستوى المملكة المتحدة وأوروبا.

رئيس وزراء بريطانيا يتراجع عن أهداف خفض الانبعاثات في 2023
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك -الصورة من CNBC

وشمل قرار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تأجيل حظر بيع سيارات البنزين والديزل الجديدة إلى 2035، واستبدال الغاز في الغلايات الكهربائية بالمضخات الحرارية، في إطار ما سماه نهج "أكثر ملاءمة" لتحقيق أهداف الحياد الكربوني في المملكة المتحدة، مُرجعًا هذه الخطوة إلى تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين الذين يعانون أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة عن الركود والتضخم.

وقال سوناك في تدوينة له بمنصة "إكس" -تويتر سابقًا-، إنه مهتم بالوصول إلى هدف الحياد الكربوني في المملكة المتحدة بحلول عام 2050، ولكن ليس بالطريقة الحالية التي وصفها بالخاطئة، على حد تعبيره.

وكانت بريطانيا قد أعلنت تقديم موعد حظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل إلى 2030، قبل مؤتمر قمة المناخ كوب 26 الذي استضافته مدينة غلاسكو بإسكتلندا عام 2021.

ولم تكن المملكة المتحدة وحدها المتراجعة عن أهداف خفض الانبعاثات عالميًا، بل امتدت المراجعات نفسها إلى دول أخرى مثل السويد التي خفضت موازنة بعض الأهداف المناخية لعام 2024.

وشمل القرار تخفيض الإنفاق الحكومي لنحو 7 أهداف مناخية من بين 19 هدفًا بيئيًا كانت مدرجة بموازنة عام 2024، ويشمل ذلك أهدافًا متعلقة بخفض التلوث وانبعاثات قطاع النقل، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وبررت الحكومة السويدية اليمينية، برئاسة أولف كريستيرسون، هذه الخطوة بالأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع قيمة العملة المحلية (الكرونة السويدية).

ويستحوذ حزب الديمقراطيين السويديين اليميني على الحكومة، وهو حزب معروف بعدم دعمه أهداف خفض الانبعاثات والحياد الكربوني في السويد، وقرر إلغاء وزارة البيئة فور توليه مقاليد السلطة في عام 2022.

ولم يقتصر التراجع الجزئي عن أهداف خفض الانبعاثات على بريطانيا والسويد، وإنما امتد إلى ألمانيا، إذ أعلنت وزارة الاقتصاد أنها قد لا تنجح في تحقيق هدف خفض الانبعاثات بنسبة 65% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990، ويأتي ذلك بعدما وافقت الحكومة على تخفيف قيود الحظر على استعمال غلايات الوقود الأحفوري الجديدة، التي كانت تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع البناء.

وتشهد خطط وأهداف خفض الانبعاثات في ألمانيا تراجعًا كبيرًا مثل غيرها من الدول الأوروبية، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، إذ انخفضت انبعاثات الكربون الألمانية بمقدار 1.9% فقط خلال عام 2022.

كما سعت عدة دول في الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف القيود الخاصة بمعايير انبعاثات السيارات يورو 7 (Euro 7) من غير ثاني أكسيد الكربون، مثل أول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين، والمقرر دخولها حيز التنفيذ بحلول عام 2025.

وقادت هذه المطالبات 8 دول في الاتحاد الأوروبي (منها فرنسا وإيطاليا)، إذ أعلنت هذه الدول في سبتمبر/أيلول 2023، قواعد "يورو 7"، في محاولة لتخفيض الضغوط على شركات صناعة السيارات التي تعاني بالفعل بسبب أهداف التحول إلى السيارات الكهربائية.

وحذّرت شركات السيارات الأوروبية من أن تطبيق القواعد الأوروبية الصارمة بحلول 2025 قد يؤدي إلى تحول الاستثمارات بعيدًا عن السيارات الكهربائية، ما سيفتح الباب أمام غزو السيارات الكهربائية الصينية الأرخص ثمنًا لأسواق الكتلة.

على العكس من توجه عديد من الدول الأوروبية، اقترحت حكومة الدنمارك الائتلافية الجديدة تقديم موعد الحياد الكربوني من 2050 إلى 2045، لكن اعتماد هذه الأهداف المبكرة لم يحدث حتى الآن على المستوى القانوني.

على الجانب الآخر، ارتفعت أصوات الاعتراض من الدول النامية في مواجهة الضغوط الغربية، لمنعها من استغلال مواردها من النفط والغاز، وإجبارها على سلوك مسار أحادي لتحول الطاقة.

مشاهد التراجع على مستوى الشركات

لم يقتصر التراجع عن أهداف خفض الانبعاثات العالمية على كبرى الحكومات الغربية فحسب، وإنما امتد إلى أكبر شركات النفط والغاز الغربية تحت ضغوط أمن الطاقة وارتفاع التكاليف.

في هذا السياق، أعلنت شركة شل "Shell" العالمية متعددة الجنسيات، تراجعها عن خطط خفض إنتاج النفط، ما أثار صدمة في أوساط نشطاء البيئة والمناخ على مستوى أوروبا، إذ أوضحت الشركة مارس/آذار 2023 دخولها في حالة مراجعة لخطة خفض الإنتاج الحالية بنسبة 1 إلى 2% سنويًا حتى عام 2030.

وتعهّد الرئيس التنفيذي الجديد لشركة شل وائل صوان، بدعم خطط سلفه فان بيردن، للتحول الإستراتيجي نحو إنتاج مصادر طاقة منخفضة الكربون، لكن بطريقة مختلفة نسبيًا، مشيرًا في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية-، إلى أن لديه وجهة نظر راسخة بأن العالم سيحتاج إلى النفط والغاز لمدة طويلة مقبلة، ما يجعل خطط خفض الإنتاج غير معقولة.

وكانت شركة النفط البريطانية "بي بي" قد تراجعت هي الأخرى في فبراير/شباط 2023، عن خططها لخفض إنتاج النفط والغاز بنسبة 40% بحلول نهاية العقد الحالي إلى 25%، ما يُعد ضربة صادمة لجهود وأهداف خفض الانبعاثات العالمية وطموحات الحياد الكربوني في أوروبا.

ولم تحدد شل هدفًا لخفض إنتاجها من الغاز الطبيعي مطلقًا، وإنما يدور الحديث عن خفض إنتاج النفط فقط، على عكس منافستها البريطانية التي استهدفت المصدرين الأحفوريين، ثم تراجعت عن خططها بصورة جزئية صادمة للطموحات السابقة.

وكانت شركة النفط البريطانية بي بي قد أعلنت في 2020، خطة لخفض إنتاجها من الهيدروكربونات بنسبة 40% بحلول عام 2030، وهو ما تراجعت عنه بشدة في عام 2023.

انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة في أميركاومن جانبه، أعلن رجل الأعمال والملياردير الأميركي إيلون ماسك، رفضه المحاولات المستمرة لشيطنة استعمال مصادر الوقود الأحفوري في العالم، منتقدًا مبالغات المنظمات البيئية حول مخاطر التغيرات المناخية على المدى القصير وآثارها في فقدان الناس إيمانهم بالمستقبل.

وفي السياق نفسه، استنكر رئيس شركة توتال إنرجي الفرنسية، باتريك بويانيه، دعوات التوقف عن الاستثمار في النفط والغاز، مشيرًا إلى أن أسعار الغاز في أوروبا ما زالت عند مستوياته أعلى 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب الأوكرانية، رغم انخفاضها كثيرًا عام 2023.

كما حذّر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية الدكتور أمين الناصر، من أن القواعد البيئية وحوكمة الشركات "ESG" تضر بالاقتصاد العالمي وأمن الطاقة، لأنها ستؤدي إلى نقص الاستثمارات وارتفاع الأسعار.

قمة المناخ كوب 28 تنفذ الأهداف المناخية للعالم

أنقذت قمة المناخ كوب 28 المنعقدة في الإمارات أهداف خفض الانبعاثات العالمية عبر الوصول إلى اتفاق تاريخي في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، قد يمكّن العالم للمرة الأولى من التحول بعيدًا عن استعمال الوقود الأحفوري.

واتفق ممثلو 200 دولة حول العالم، في ختام قمة المناخ التي استضافتها مدينة دبي، على البدء في تقليص الاستهلاك العالمي لمصادر الوقود الأحفوري، بهدف تجنب أسوأ كارثة مناخية.

ونص الاتفاق على التحول عن استعمال الوقود الأحفوري في نظم الطاقة، بدءًا من العقد الحالي، وفق آلية عادلة ومنظمة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050، بما يتماشى مع العلم.

ورغم ذلك لم يتضمن الاتفاق -الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- دعوة العالم صراحة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بسبب خلافات الدول حول هذه النقطة.

قمة المناخ كوب 28 تنفذ أهداف خفض الانبعاثات في 2023
لحظة إعلان اتفاق قمة المناخ كوب 28

وأقرت الوثيقة، في المقابل، بالحاجة إلى تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بما يتماشى مع هدف 1.5 درجة مئوية، ودعت الدول إلى اتخاذ إجراءات تشمل رفع قدرة الطاقة المتجددة عالميًا إلى ثلاثة أمثال، ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استعمال الطاقة بحلول 2030.

كما تضمنت الوثيقة دعوة الدول إلى الإسراع في التخفيض التدريجي للفحم المنتح والمستعمل دون الاستعانة بتقنيات احتجاز الكربون، والحد من السماح بتوليد الكهرباء من هذا النوع من الفحم.

بالإضافة إلى ذلك، دعت الوثيقة إلى تسريع الجهود العالمية لإنشاء أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات، واستعمال أنواع وقود خالية من الكربون ومنخفضة الكربون قبل منتصف القرن، أو بحلول منتصفه تقريبًا، إلى جانب تسريع وتيرة استعمال تقنيات وقف وخفض الانبعاثات، لا سيما انبعاثات الميثان.

كما تضمنت الوثيقة دعوة الدول إلى تسريع وتيرة خفض الانبعاثات الناجمة عن النقل البري من خلال مجموعة من المسارات، بما في ذلك تطوير البنية التحتية والنشر السريع للمركبات خالية الانبعاثات، بالإضافة إلى الإلغاء التدريجي للدعم غير الفعال للوقود الأحفوري.

أسوأ موجات الحرارة العالمية في 2023

تزامن التراجع عن أهداف خفض الانبعاثات على مستوى الحكومات والشركات مع أسوأ موجات الحرارة العالمية على الإطلاق، خلال صيف عام 2023، ما أدى إلى أزمات انقطاع متكررة للتيار في عدة دول، بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة.

وشهد يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2023 أعلى درجات حرارة على مستوى العالم على الإطلاق، بحسب بيانات خدمة "كوبرنيكوس" لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي.

وصنف شهر يوليو/تموز 2023، بوصفه أكثر الشهور سخونة في العالم خلال الـ120 ألف عام الماضية، إذ تجاوزت حرارته متوسط عصر ما قبل الصناعة بنحو 1.5 درجة مئوية.

وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على هذا الموجة الحارة، قائلًا: "لقد انتهت حقبة الاحتباس الحراري ووصلنا إلى حقبة الغليان العالمي".

كما تصاعد حديث العلماء عن ظاهرة النينو وتأثيراتها المناخية خلال السنوات الأخيرة، واحتمالات تفاقم هذا التأثير خلال السنوات المقبلة، ما قد يؤدي إلى تصاعد أزمات الفيضانات والجفاف على مستوى العالم نتيجة اضطراب أحوال الطقس حسب المناطق.

وتعني ظاهرة النينو المناخية ارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيطات، ما يؤدي إلى دفع كميات كبيرة من الحرارة إلى الغلاف الجوي، وهي ظاهرة يتأثر بها قطاع الطاقة الكهرومائية بصورة أساسية في العالم، كما تؤثر في استهلاك الكهرباء والغاز بصورة غير مباشرة.

لقراءة المزيد من موضوعات حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2023:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق