مقالات التغير المناخيالتغير المناخي

التبادل الحراري بالغلاف الجوي وتأثيره في تغير المناخ (مقال)

يتكوّن الغلاف الجوي للأرض من طبقات لها خصائص مختلفة، ويؤدي التبادل الحراري بينها إلى تأثيرات عدة.

طبقة التروبوسفير هي الطبقة السفلية من الغلاف الجوي، التي تمتد إلى الأعلى بنحو 10 كيلومترات فوق مستوى سطح البحر. وهي الطبقة التي تظهر فيها معظم السحب، وتحدث فيها كل تغيرات الطقس تقريبًا.

وتنخفض درجة الحرارة في هذه الطبقة كلما ارتفعنا عاليًا، إذ تسخن بصورة رئيسة من الأسفل عن طريق ملامستها للأرض، وليس عن طريق الإشعاع الشمسي مباشرة.

يُعد نقل الحرارة عن طريق الحمل الحراري (انتقال الحرارة من طبقة إلى أخرى) العملية الرئيسة المسؤولة عن خلط طبقة التروبوسفير وتسخينها.

والطبقة التالية للأعلى هي طبقة الستراتوسفير، التي تمتد إلى أعلى بنحو 50 كيلومترًا فوق مستوى سطح الأرض.

وهذه هي الطبقة التي توجد بها طبقة الأوزون الشهيرة، والتي تمتص الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس وتحمي الحياة على الأرض.

وتزداد درجة الحرارة في طبقة ‎الستراتوسفير مع الارتفاع، إذ تسخن بصورة رئيسة عن طريق طبقة الأوزون، وليس عن طريق الأرض.

هذا الاتجاه لارتفاع درجات الحرارة مع الارتفاع يمنع الحمل الحراري، ويجعل طبقة الستراتوسفير أكثر استقرارًا من طبقة التروبوسفير.

‎التبادل الحراري

الطبقة الثالثة هي طبقة الميزوسفير، التي تمتد إلى الأعلى حتى ارتفاع 85 كيلومترًا فوق كوكبنا. وهذه هي الطبقة التي تحترق فيها معظم النيازك عند دخولها الغلاف الجوي.

تتناقص درجة الحرارة في طبقة الميزوسفير مع الارتفاع، وتصل إلى أدنى التقييمات في الغلاف الجوي بأكمله عند أعلى هذه الطبقة.

‎وتمتد خلف طبقة الميزوسفير طبقة من الهواء المتخلخل التي تُدعى "الغلاف الحراري"، والتي يصل ارتفاعها إلى 600 كيلومتر فوق الأرض. هذه هي الطبقة التي يحدث فيها الشفق القطبي والتي تدور فيها العديد من الأقمار الصناعية.

وتزداد درجة الحرارة في الغلاف الحراري مع الارتفاع، وتصل إلى مستويات عالية جدًا، بسبب امتصاص جزيئات الأكسجين والنيتروجين للإشعاع الشمسي.

ومع ذلك، ‎فإن كثافة الهواء في هذه الطبقة منخفضة جدًا، لذلك ‎لا يشعر الإنسان بالحرارة.

‎وفوق الغلاف الحراري، لا توجد طبقة مختلفة، بل هناك انتقال تدريجي إلى الفضاء الخارجي يسمى "الغلاف الخارجي". وهذا هو المكان الذي تهرب فيه بعض الذرات والجزيئات من جاذبية الأرض وتصبح جزءًا من الفضاء بين الكواكب.

تتمتع هذه الطبقات من الغلاف الجوي للأرض بقدرات مختلفة على التبادل الحراري. وتعمل طبقة التروبوبوز -وهي الحد الفاصل بين طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير- حاجزًا يعوق الاختلاط وانتقال الحرارة بالحمل الحراري، لكنها لا تمنع ذلك تمامًا.

وهناك بعض العمليات التي يمكنها نقل الهواء والحرارة عبر طبقة التروبوبوز، مثل:

الحمل الحراري العميق: يمكن لبعض العواصف الرعدية والأعاصير المدارية أن تخترق طبقة التروبوبوز وتحقن بخار الماء والحرارة في طبقة الستراتوسفير السفلية.

موجات الجاذبية: هي موجات جوية تنتج عن اضطرابات مثل الجبال أو قص الرياح أو الحمل الحراري. يمكن أن تنتشر إلى أعلى وتخترق طبقة الستراتوسفير، وتنقل الزخم (كمية التحرك) والحرارة إلى الهواء المحيط.

الموجات الكوكبية: وهي موجات واسعة النطاق في الغلاف الجوي تتأثر بدوران الأرض وتوزيع البر والبحر. ويمكنها أيضًا أن تنتشر للأعلى وتتناثر في طبقة الستراتوسفير، ما يسبّب تغيرات في دوران الهواء ودرجة الحرارة.

ويُظهر الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- طبقات الغلاف الجوي والمسافات بين تلك الطبقات والأرض ودرجات الحرارة فيها:

التبادل الحراري بالغلاف الجوي

‎التبادل الحراري ودورة الغلاف الجوي

تبادل الستراتوسفير والتروبوسفير جزء من الدورة العامة للغلاف الجوي الذي ينقل الهواء ومكونات الغلاف الجوي عبر طبقة التروبوبوز.

يمكن من خلال عمليات واسعة النطاق وصغيرة الحجم، أن يجري التبادل من خلال التيارات النفاثة أو الجبهات أو الدوامات.

ويمكن أن يكون للتبادل الحراري بين طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير تأثيرات كبيرة في كلتا المنطقتين، ومن ذلك -على سبيل المثال- يمكن أن يؤثر في ‎طبقة الأوزون، التي تقع في الستراتوسفير وتمتص الأشعة فوق البنفسجية من الشمس.

وتتأثر طبقة الأوزون بكل من العمليات الكيميائية ‎والديناميكية، التي تعتمد على درجة الحرارة وتكوين الهواء الستراتوسفيري.

يمكن أن يؤثر التبادل الحراري -أيضًا- على النظام المناخي، لأنه يستطيع أن يغيّر التوازن الإشعاعي والتغذية المرتدة بين طبقة التروبوسفير والستراتوسفير.

في العقود الأخيرة، درس العلماء والباحثون قدرة الأنشطة البشرية على رفع درجة حرارة البيئة، وبمساعدة منظمات الأمم المتحدة المعنية بالتغير المناخي، تمكنا من التعرف على معظم الغازات القوية ‎والقادرة على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي.

‎وعلى الرغم من تدابير الحد من الانبعاثات ‎الكربونية والتكيف الممكنة، تحققت إنجازات محدودة للغاية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، بل استمرت درجة حرارة الأرض في الارتفاع واستمر المناخ في التغير والتأثير على حياة البشر. كما أعلن بالأمس سيمون ستيل المدير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

ويظل السؤال الذي بحاجة إلى إجابة عما إذا كنا نفهم تمامًا حدود الغلاف الجوي للأرض. وأيضًا: هل يمكن للتبادل الحراري بين الطبقتين السفليتين من الغلاف الجوي أن يكون له تأثير ملموس في الطبقتين؟ هل ينقصنا أي شيء له القدرة على تغيير درجة حرارة الجو؟

‎آثار اختلاف حرارة طبقتين

إن ظاهرة وجود طبقتين بدرجتي حرارة مختلفة والاختلافات الكبيرة في محتواهما تؤدي إلى احتمالات التبادل الحراري بين الطبقتين.

يجري تحديد التغير في درجة حرارة الغلاف الجوي -أيضًا- عن طريق التبادل الحراري بين الطبقتين. إن حدوث الحمل الحراري هو المسؤول عن تمدد الهواء وجعله يصبح أقل كثافة، ومن ثم يرتفع على شكل فقاعات طافية ومضطربة.

وبهذه العملية تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض نتيجة تمدد فقاعات الهواء المعزولة التي تسخنها الأرض وترتفع إلى الأعلى.

‎وستستمر فقاعات الهواء المتصاعدة في الارتفاع حتى تتطابق درجة الحرارة مع درجة حرارة الهواء المحيط. وتُعد الحالة المتوازنة لفقاعات الهواء وما يحيط بها هي الحد الفاصل بين طبقة التروبوسفير والستراتوسفير.

تعمل هذه الحدود حاجزًا يعوق الخلط ونقل الحرارة عن طريق الحمل الحراري. وبطبيعة الحال، فإن لدى التروبوبوز قيودًا في قدرته على منع تبادل حراري بين الطبقات.

‎وفقًا لما جرت معرفته حتى الآن، حُدِّدت بعض العمليات التي يمكنها نقل الحرارة والهواء عبر طبقة التروبوبوز.

إحدى الطرق هي النقل الذي يحدث في أثناء العواصف الرعدية والأعاصير المدارية، إذ تخترق طبقة التروبوبوز وتضخ بخار الماء والحرارة إلى طبقة الستراتوسفير.

الطريقة الثانية هي موجات الجاذبية، وهي موجات جوية تتولد وسط اضطرابات، مثل الجبال، وقص الرياح، والحمل الحراري.

تنتشر تلك الاضطرابات إلى الأعلى وتنقل الحرارة إلى الهواء المحيط بالإضافة إلى الزخم (كمية التحرك).

إن الموجات الكوكبية في الغلاف الجوي -التي تتولد عن دوران الأرض وتوزيع البحار واليابسة في طبقة الستراتوسفير، وتسبب تغيرات في درجة الحرارة وكذلك دورة الهواء- يمكن -أيضًا- أن تُخترق.

يُضاف إلى ذلك التبادل الداخلي بين طبقتي الستراتوسفير والتروبوسفير، الذي لديه القدرة على نقل مكونات الهواء والغلاف الجوي عبر حاجز التروبوبوز.

إن الطبقة التي نعيش فيها، ونسعى إلى خفض حرارتها، يمكن أن تتأثر بالتبادل الحراري الحادث خلالها، لذلك فإن التبادل الحراري بين طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير يمكن أن يكون له تأثير كبير في تغير المناخ.

يتأثر النظام بالتبادل الحراري الذي لديه القدرة على تغيير التوازن الإشعاعي والتغذية المرتدة بين طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير، وهذا يعني أن مناخ الأرض يتأثر بالتبادل الحراري بين طبقات الغلاف الجوي، وربما يكون لهذا النقل الحراري القدرة على الإسهام في تغير المناخ.

الاحتباس الحراري

تقلص طبقة الستراتوسفير

‎وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن بعض التأثيرات المحتملة للتبادل الحراري بين طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير، هي تقلص طبقة الستراتوسفير بسبب توسع طبقة التروبوسفير وتأثير التبريد لثاني أكسيد الكربون.

وقد يكون لذلك آثار في مدارات الأقمار الصناعية، وكيمياء الغلاف الجوي، والإشعاع الشمسي.

كما أن التغيرات التي تطرأ على طبقة الأوزون بسبب انتقال بخار الماء والمواد الأخرى من طبقة التروبوسفير إلى الستراتوسفير، يمكن أن تؤثر على كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى سطح الأرض والمحيط الحيوي، وفقا لما ذكره موقع Science News.

علاوة على ذلك، فإن توازن الطاقة وحساسية النظام المناخي للتأثيرات التي يسببها الإنسان يمكن أن يتغيرا -أيضًا- من خلال الارتداد بين التروبوسفير والستراتوسفير بسبب التأثيرات الإشعاعية لغازات الدفيئة.

وهذه التأثيرات معقدة وغير مؤكدة، لأنها تعتمد على عوامل كثيرة، مثل حجم انبعاثات غازات الدفيئة ونمطها، والتقلبية الطبيعية، والإسقاطات النموذجية.

‎وفي الختام، من المهم للأنشطة البشرية، خاصة البحث العلمي، أن تأخذ في عين الحسبان العمليات الطبيعية للتبادل الحراري بين طبقات الغلاف الجوي المختلفة، بدلًا من التركيز فقط على طبقة التروبوسفير.

صحيحٌ أن طبقة التروبوسفير هي الطبقة السفلية من الغلاف الجوي، إذ تحدث معظم الأحوال الجوية والحياة، وبها تتراكم معظم غازات الدفيئة. ومع ذلك، فإن طبقة التروبوسفير ليست معزولة عن الطبقات الأخرى مثل الستراتوسفير والميزوسفير والغلاف الحراري، التي تؤثر أيضًا على المناخ وتوازن الطاقة في الأرض.

وبسبب شح الدراسات والأبحاث العلمية على تأثير غازات الدفيئة في درجة حرارة التروبوسفير، قد نُغفل بعض التفاعلات المعقدة والديناميكية التي تحدث في الغلاف الجوي العلوي، والتي قد يكون لها آثار كبيرة في ظاهرة الاحتباس الحراري.

ولذلك نحن بحاجة إلى نهج أكثر شمولًا لفهم ومعالجة أسباب تغير المناخ وعواقبه. كما أننا بحاجة إلى نبذ النمط المعرفي الذي يركز على الغاز الأحفوري فقط، فالاحتباس الحراري قد يكون نتيجة للتبادل الحراري بين طبقات الأرض المختلفة بجانب غازات الدفيئة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق