التغير المناخيالمقالاترئيسيةمقالات التغير المناخي

سياسات الحياد الكربوني غير واقعية.. ووقف الاحتباس الحراري مستحيل (مقال)

الدكتور عبدالله النعيمي*

في سبيل تحقيق الحياد الكربوني أو المناخي أو الصفري، لا بد من العمل على تعويض الانبعاثات من خلال عمليات الإزالة، عبر عدّة سبل، منها التخفيف في أماكن أخرى، أو بوساطة استعمال التكنولوجيا منخفضة الكربون، أو أيٍّ من وسائل الطاقة المتجددة أو السيارات الكهربائية، أو دعم المبادرات المناخية، بما في ذلك مشروعات التكيّف والمرونة.

وقبل الدخول في اتفاق باريس، صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وفي تقرير التقييم الخامس عام 2014، حجم الكمية المسموح بها من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، التي يمكن أن تتوافق مع الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري (ارتفاع درجة حرارة الأرض).

في حين حثّت الاتفاقية التاريخية الدول على تحقيق التوازن بين الانبعاثات البشرية المصدّرة مع عمليات الإزالة، عن طريق مصارف غازات الدفيئة في النصف الثاني من هذا القرن، فإنها أهملت التحديد الواضح للكميات المطلوب إزالتها من هذه الغازات، ولم تشر الاتفاقية - أيضًا- إلى السبل الكفيلة بتحقيق حيادية الكربون، أو صفريتها.

وللبعد عن إلزام خفض كميات محددة من مكافآت الكربون، أدخلت اتفاقية باريس مصطلح صافي الانبعاثات الصفرية أو الحياد الكربوني، وهو مصطلح "أيديولوجي" مطاطي يُدمج بين مجموعة من الالتزامات والمبادرات والسبل الممكنة لتحقيق التوازن ما بين غازات الدفيئة المُنتَجة ومكافآتها من غازات وبرامج تعنى بالطاقة البديلة.

كما جعلت منتصف القرن (عام 2050) موعدًا لتحقيق هدف الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، والالتزام بـ1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية، بوصفها المستوى الأعلى الذي يُسمح بالوصول إليه فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

تغير المناختحركات غير كافية

قبل انعقاد قمة المناخ كوب 26، في مدينة غلاسكو الإسكتلندية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، نظّمت الأمم المتحدة حملة "السباق من أجل صافي الانبعاثات الصفري" لدعم جهود القطاعات المختلفة، بما فيها الشركات والمدن والمناطق الاستثمارية والمؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث، وبذلك أعرب أكثر من من 120 دولة عن عزمها تحقيق الحياد الكربوني (صافي الانبعاثات الصفرية) بحلول منتصف القرن، أو قبل ذلك الموعد.

كما قررت أكثر من 3 آلاف جهة فاعلة غير حكومية، تشكّل اقتصادًا يتجاوز 15% من الاقتصاد العالمي، الانضمام إلى هذه الحملة.

ومع ذلك ما تزال، وبعد مرور 8 أعوام على اتفاق باريس للمناخ، هناك فجوة بين الإجراءات والالتزامات السائدة والمستوى المطلوب من التطلع للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري.

على الرغم من المزايا المحتملة للمفاهيم والسياسات الخاصة بصافي الانبعاثات الصفرية، التي تشمل تحسين الصحة العامة، وتعزيز وخلق آفاق اقتصادية جديدة تدعم الابتكار والتنوع، فإن هذه السياسات ظلّت حتى الآن، على الأقلّ، بعيدة عن تحقيق اتفاقية باريس وأهدافها، وذلك لأن مفهوم صافي الانبعاثات الصفري يعتمد على فرضية موازنة تلك الانبعاثات، عن طريق إزالة كمية كافية من الغلاف الجوي، وخلافًا لمفهوم وثيقة كيوتو الخاصة بالحياد الكربوني، التي احتوت على أهدافٍ واضحة وملزمة للدول كما هو موضح في الجدول التالي؛

اتفاقيات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ

ينصَّ اتفاق كيوتو على أهداف وآليات مثل مقايضة الانبعاثات الحرارية وتعويض الكربون بالنسبة للدول الصناعية والدول المتقدمة، إلّا أن اتفاقية باريس أعطت الدول القدرة في تحديد ما تراه ممكنًا من تخفيضات ومحددات وطنية غير ‏ملزمة.

تحديات تواجه خفض الانبعاثات

ما يزال الطريق إلى صافي الانبعاثات الصفرية غير واضح، وأحيانًا غير واقعي، ما يستلزم تعديل العديد من الدول محدداتها كلما دعت الحاجة، كما يتضح من الإعلان الأخير الصادر عن رئيس وزراء المملكة المتحدة، والذي يقضي بتمديد هدف عام 2030 لمبيعات السيارات الخالية من الانبعاثات (ZEF) حتى عام 2035.

ومن المؤسف أن سياسات صافي الانبعاثات الصفرية الحالية تعاني من أوجه قصور متعددة، ففي حين يقدّم هذا المفهوم شعارًا وهدفًا مُقنعين، فإن تحقيق المفهوم يتطلب تحولًا معقدًا وغير قابل التنبؤ به ومتداخلًا في بعض الأحيان، ويظل بعيد المنال في غياب خطة انتقالية منسّقة ترتكز على البحوث العلمية والاستثمارات الواضحة والسياسات الممنهجة والقواعد التنظيمية.

وقد تكون تداعيات سياسة الحياد الكربوني غير متماثلة، وتواجه عقبات فنية واقتصادية واجتماعية، إذ إن تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية يستلزم نشر التكنولوجيا المنخفضة الكربون على نطاق واسع، كما تواجه عقبات مثل ندرة المعادن والتكاليف الباهظة.

علاوة على ذلك، فإن تحقيق الحياد الكربوني يستلزم تغيرات جوهرية في سلوك المؤسسات والحوكمة على كل المستويات، وهو عمل شاقّ إذا ما قورن بقصر الوقت، كما ستواجه مقاومة من قبل المصالح الراسخة وعدم كفاية الوعي لدى العديد من المجتمعات.

كما أن سياسة صافي الانبعاثات الصفرية، في حدّ ذاتها، لا تشكّل علاجًا سحريًا لمعالجة أزمة المناخ، مما يستلزم التصميم والتنفيذ الدقيقين لضمان الفعالية والمصداقية والعدالة والقدوة، كما يجب أن تكون هذه المفاهيم مكملة للسياسات والتدابير الأخرى التي تعالج الأسباب الجذرية لتغير المناخ وعواقبها، مع الاعتراف بحدود المعرفة الحالية، ومصادر غازات دفيئة جديدة تضاف إلى غازات الدفيئة المعلومة في هذا الوقت.

تغير المناخ

الاحتباس الحراري

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، جمع منتدى التغيير العالمي لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا خبراء من قطاعات وتخصصات متنوعة لمناقشة قضايا عديدة، مثل ميزانيات الكربون، وإزالة الكربون من الطاقة والصناعة، والحلول القائمة على الطبيعة، والمناخ، والصحة، وتقنيات الانبعاثات السلبية، وتخطيط السياسات.

وتوصّل المجتمعون في المنتدى إلى استنتاج محدد، وهو الحاجة الملحّة إلى وضع نماذج متعمقة في التفاعلات المعقدة بين النظم البشرية والطبيعة، مع التركيز على التعاون والابتكار بين جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والمؤسسات الدولية.

ودعا الخبراء إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة وفورية من جميع الجهات لتحويل صافي الانبعاثات الصفرية من التطلعات إلى أرض الواقع،
ومع ذلك، فالواقع أن درجة حرارة الأرض قد ارتفعت بالفعل بنحو درجة مئوية واحدة مقارنة بمستوى ما قبل الثورة الصناعية.

كما أن السياسات الحالية (net-zero) ليست كافية لمنع المزيد من الاحتباس الحراري، ويجب دعمها بالمزيد من الإجراءات والتدابير، إذ إن التنبؤ بالانبعاث الحرارية ودرجات الحرارة المستقبلية أمر غير مؤكد وغير موثوق به، لأن الغلاف الجوي قد تأثّر فعلًا بالانبعاثات الماضية، ولذلك، فإن وقف ظاهرة الاحتباس الحراري يكاد أن يكون محالًا، وأن الجهود الحالية تساعد في عدم تفاقم هذا التأثير فقط، لكنها لن تحدّ من الأعاصير، بل ستقلل من سلبياتها.

ويبقى التفاقم مرهونًا بما يقوم به الإنسان من ابتكارات، وتقدّمه الصناعات، من تكنولوجيا قادرة على التفاعل الإيجابي.

* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق