مقالات التغير المناخيالتغير المناخيالمقالاتالنشرة الاسبوعيةرئيسيةسلايدر الرئيسية

مسار كارثي ينتظر العالم بسبب تغير المناخ.. التمويل لن يحل الأزمة (مقال)

الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي*

بعد أن أُسدل الستار عن قمة المناخ كوب 27 -النسخة السابعة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ-، يتطلّع العالم بأجمعه إلى كوب 28، ويبقى السؤال عمّا إذا كانت النتائج والمخرجات من تلك المؤتمرات ملموسة وقوية لمواجهة تغير المناخ.

هذا الأمر يجعلنا نتساءل حول ما إذا كانت الاتفاقيات التي تُعنى بأزمة تغير المناخ سوف تجعلنا قادرين على الخروج من هذا النفق المظلم، خاصة أنه في كوب 27، التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية، كان التوتر واضحًا ما بين شدّ وجذب بين الدول الغنية والدول الأقلّ حظًا، الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس للتدخل قبل 24 ساعة فقط من الموعد المحدد لاختتام المؤتمر.

في تقريرها الأخير لعام 2022 عن التأثيرات الشديدة المتوقعة، ذكرت الهيئة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجه مئوية سيؤثّر فيما لا يقلّ عن 14% من سكان الأرض، وأن شدة الحرارة سوف تحدث مرة كل 5 سنوات على الأقلّ.

وأشارت إلى أن أيّ ارتفاع بمعدل 0.1 درجة مئوية فقط فوق 1.5 درجة مئوية سيزيد من حرائق الغابات بما يقارب من 35% زيادة عن المعدلات الحالية، كما سيرتفع منسوب سطح البحر، وسوف يضطر عشرات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون في الجزر الصغيرة وفي المناطق الساحلية المنخفضة إلى النزوح عنها، بالإضافة إلى تأثّر ما يقارب ملياري شخص بالفيضانات الساحلية بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر, الأمر الذي سيجعل بعض الجزر غير مأهولة بالسكان، وسيضطر المزيد من الناس إلى تغيير مناطق سكنهم.

سيكون الارتفاع الطفيف في درجة حرارة الأرض قادرًا على الإخلال بالأمن الغذائي بسبب الجفاف والفيضانات، ففي المناطق القطبية سوف يذوب ما يقارب الـ40% من الجليد، وستتأثر بذلك أنواع عديدة من النباتات والحشرات والكائنات الحية الأخرى، وسوف ينقرض العديد منها.

كل هذا سوف يخلّ بنظام الحياة في البر والبحر، ولكن بطبيعة الحال سيكون الضرر أكثر شدة وأكثر عنفًا إذا ما ارتفعت درجة حرارة الكون إلى 2 درجة مئوية.

المخاطر تهدد الجميع

ترى الهيئة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية أنه لا توجد دولة أو منطقة أو قارة، بغضّ النظر عن حجمها وقوّتها، بعيدة عن آثار تغير المناخ، وإن اختلف التأثير حسب الموقع الجغرافي ومتانة الاستعدادات المسبقة.

ولا بد من الإشارة هنا بأن قارة أفريقيا قد أسهمت بشكل محدود وبأقلّ نسبة في انبعاثات غازات الدفيئة، ومع ذلك تعاني قطاعات التنمية الرئيسة فيها من أضرار واسعة، بما في ذلك فقدان التنوع الحيوي نتيجة نقص المياه.

يشير التقرير الصادر من الهيئة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية إلى أن أكثر من 100 مليون شخص في أفريقيا سيتأثرون بارتفاع منسوب سطح البحر بحلول 2030 مقارنة بنصف هذا العدد قبل 20 عامًا، كما تضررت آسيا بشدة الكوارث المتعلقة بتغير المناخ.

ويذكر التقرير أن من بين 13 دولة نامية ذات الاستهلاك الكبير للطاقة في قارة آسيا ستتعرض 11 دولة لمخاطر عالية في أمن الطاقة والأنظمة التابعة لها.

مخاطر تغير المناخ تهدد الجميع

تمويل العمل المناخي

يمثّل بند تمويل الخسائر والأضرار إحدى أكثر المسائل المؤثرة باجتماعات الهيئة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية وأكثرها اختلافًا وشدة خلال الـ3 عقود المنصرمة، إذ تطالب الدول النامية الدول الصناعية بتعويضات عن النتائج المدمرة لتغير المناخ، وعن عدم قدرتها للتعامل مع الآثار السلبية للأعاصير والفيضانات وارتفاع مناسيب المحيطات.

وجاءت مطالبة الدول النامية الدولَ الصناعية بتعويضات عن الخسائر والأضرار ضمن اتفاق مسبق لإنشاء صندوق يُكَلَّف للإسهام برفع الضرر البيئي والمناخي عن الدول الأقلّ حظًا في التنمية والتقدم، وهذا الصندوق هو نقطة انطلاق حاسمة لتصحيح عدالة منهارة منذ مدة طويله للمجتمعات الضعيفة.

نصَّ أحد أهم بنود اتفاق باريس للمناخ عام 2015 على إنشاء صندوق تموّله الدول الصناعية المتقدمة بـ100 مليار دولار أميركي سنويًا، وهذا المبلغ يمثّل أقلّ من ‫نصف‬ التقديرات اللازمة للتدخل لرفع الضرر والتكيّف مع الأزمات المناخية والبيئية، والتي تتجاوز 200 مليار دولار سنويًا.

ومن المعلوم اليوم أن هذا الاتفاق لم يتحقق، ولم تلتزم الدول بوعدها، وكان هذا واضحًا من خلال تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس من عدم دعم الصندوق، إذ قال: "هذا لن يكون كافيًا، ولكنه إشارة سياسية مطلوبة لإعادة بناء الثقة المفقودة". ‬

لقد أبرز تقرير فجوة الانبعاثات الصادر في 2022 أن الدول التي قدّمت التزاماتها كانت تتحرك ببطء في تطبيقها لتلك الالتزامات، وهذا الأمر يضع العالم في مسار كارثي ترتفع من خلاله درجات الحرارة إلى 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

وحتى لو تحقّقت التعهدات الحالية، سيظل العالم يواجه درجات حرارة ما بين 2.4 و2.6 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، وهذه المأساة لا بد أن تكون حافزًا إضافيًا لأولئك الذين يحققون تقدمًا ملموسًا في الحدّ من الانبعاثات على جدول أعمال المناخ.

ومع ذلك، فإن الكارثة التي تلوح في الأفق بوضوح لا بد أن تكون المحفز لكل دول العالم لأن تحذو حذوًا يتناسب مع حجم الكارثة التي تهدد البشرية جمعاء.

من هنا، فإن إظهار التضامن مع أولئك الذين تضرروا بشدة بسبب تغير المناخ يجب أن يكون في صميم الاستجابة الجماعية لهذه الكارثة، العالم يشاهده وينتظر الأفعال الإيجابية ويتوقعها وينبذ كل الوعود غير الصادقة بأقلّ تقدير.

فاتورة مناخية ضخمة

بحلول عام 2030، ستكلف التأثيرات المناخية الدول النامية ما بين 290مليار دولار و580 مليار دولار سنويًا، وستزداد التكلفة أكثر من الضعف بحلول 2050.

وتدّعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، صاحبة النسبة الأعلى لتلك التعويضات، أن أيّ تعويض سيفتح الباب للمزيد من المطالبات وسوف يؤدي لإجهاض نهائي للالتزامات المناخية.

ونتيجةً لهذه الادّعاءات وتخوّف تلك الدول، أُدخِلَ مصطلح جديد في أدبيات التغير المناخي، الذي يتعامل معه مواجهة كوارث المناخ، وهذا المصطلح معروف اليوم باسم التخفيف والتكّيف.

والتخفيف في هذه الأدبيات يشمل تقليل تدفّق الحرارة وحبس غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، بهدف تقليل تأثير هذه الغازات في الغلاف الجوي، ورفع درجة حرارة الأرض، بمعنى استقرار معدلات غازات الدفيئة في إطار مقبول للتكيّف والسماح لنظامنا الأيكولوجي البقاء والديمومة، ولهذا الهدف أُدخِلَت بدائل نظيفة للطاقة مثل الانشطار والانصهار النووي بالإضافة إلى الهيدروجين بمصادره المختلفة ومصادر أخرى للطاقة.

التكيف ينطوي أيضًا على التكيف كذلك مع الكوارث المتوقعة فعليًا، فالهدف الواقع هو تقليل المخاطر من التأثيرات المناخية الشرسة الضارة، إضافة إلى إدخال التقنيات للتعامل مع التقليل من حدّة تلك التأثيرات.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن إدخال التقنيات والتكنولوجيا والمعارف لأغراض التكيّف باهظ التكلفة، إذ يصل لما بين 140 و300 مليار دولار سنويًا، وهذا مؤشر أولي لم يُؤَكَّد بعد، ولكن المؤكد أن النظام التمويلي المتفق عليه في كوبنهاغن خلال قمة المناخ كوب 15 لم يتحقق، وربما لن يرى النور.

تحديات تواجه تغير المناخ

مما لا شكّ فيه أن ملف التخفيف والتكيّف ملف شائك، وأن ما تقوم به المؤسسات الدولية المعنية بتغير المناخ والاستدامة وهيئة الأمم المتحدة يؤدي دورًا مهمًا لإنقاذ هذا الكوكب، لكن إعطاء الدول والشركات الصناعية الخيار في اختيار واختبار البدائل الممكنة للتخلص من غازات الدفيئة يمثّل تحديًا صعبًا للتخفيف من الاحتباس الحراري.

في الوقت الذي نطالب فيه بالحدّ من استعمال النفط والغاز، وما ينتج عنهما من غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، نجد أنفسنا نروّج لإنتاج غازات أخرى أكثر فتكًا وأشد تأثيرًا في الاحتباس الحراري.

تشير البيانات الواردة من الوكالة الأميركية لحماية البيئة إلى أنه خلال المدة ما بين عام 2010-2019 ارتفع معدل غاز أكسيد النيتروجين (N2O) في الغلاف الجوي بنسبة 6%، وهذا الغاز يمتلك القدرة على التأثير في الاحتباس الحراري بما يقارب 300 ضعف قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون.

كما ارتفعت معدلات الغازات المرتبطة بالفلور (SF6- NF3- HFCs–PFCs) إلى ما يقارب 15%، وإن كانت هذه الغازات مهمة في الصناعة وفي حياتنا اليومية، فإن بعضها له القدرة بأن يكون تأثيره في الاحتباس الحراري أكثر من 20 ألف ضعف قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون.

يوضح الجدول التالي‏ احتمال التأثير في الاحتباس الحراري للغازات المختلفة نسـبة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون:

‏ احتمالية التأثير في الاحتباس الحراري للغازات المـخـتلفـة نسـبة إلى غـاز ثاني أكسـيدالكربـون

كما تؤدي صناعة البناء والتشييد دورًا كبيرًا في الاحتباس الحراري، إذ إن الاحصائيات تشير إلى أن ما يعادل 40% من انبعاثات غازات الدفيئة تأتي من عمليات البناء والتعمير، وخضوع هذه الصناعة لحوكمة بيئة اجتماعية يعدّ أمرًا مهمًا، ولا بد من تطبيقه بصفته إجراءً إلزاميًا في هذه الصناعة.

ونخلص هنا إلى أن خضوع صناعات المستقبل للأبحاث العلمية والدراسات المستفيضة للبدائل الصناعية قبل العمل على تطبيقها وإجراءات تسويقها يسهم في ديمومتها وقدرتها على توازن الغلاف الجوي.

كما أنه لا بد من أن تمويل مراكز الأبحاث التي تُعنى بمواجهة الاحتباس الحراري من خلال ذلك الصندوق التمويلي المعني بالتخفيف والتكيّف، إذ إن الوقت يمضي سريعًا وأجراس الخطر تندر من خلال الأعاصير والفيضانات واحتراق الغابات بأن الجهود المبذولة غير كافية لإخراج هذا الكوكب من الدمار، وأن نقطة اللاعودة قد تكون قد قاربت.

* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق