غازالمقالاتالنشرة الاسبوعيةرئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات الغاز

انبعاثات الوقود الأحفوري.. ثروة مهدرة قد تنقذ الإنسانیة (مقال)

الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي

يحثّنا العلماء والمنظمات ذات الصلة على الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، خاصة تلك الناتجة عن الوقود الأحفوري، والتكيف مع التغيرات التي تحدث بالفعل إذا أردنا منع أسوأ آثار التغير المناخي، وما يتبعه من معاناة بشرية، والحدّ من التنوع البيولوجي، وعلى البيئة البحرية والمحيطات، وكذلك على التنمية الإنسانية بمفهومها الشامل.

هذا يعني أن السبب الرئيس للاحتباس الحراري الحالي هو استعمالات الوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز والفحم، فعندما يُحرق الوقود الأحفوري، يُطلَق ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى في الهواء، والتي تحبس الحرارة من مغادرة الأرض إلى الفضاء الخارجي، وهو ما يُعرف باسم تأثير الاحتباس الحراري.

والاحتباس الحراري، كما يعلم الكثير منّا، أمر ضروري للحياة على الأرض، لكن زيادته تسبّب ارتفاع حرارة الكوكب بسرعة أكبر مما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وهذا ما يُعرَف باسم تأثير الاحتباس الحراري المُعزز، وهو السبب الرئيس للتغيّر المناخي.

تشمل الأنشطة البشرية التي تسبب التغير المناخي الصناعة والزراعة والنقل وإزالة الغابات لأغراض التنمية، هذه الأنشطة تطلق -أيضًا- غازات دفيئة، وتقلل من قدرة الغلاف الجوي على امتصاصها، لكنها مصدر التنمية البشرية وتقدّمها المعاصر، ومن خلالها استطاعت الدول الصناعية أن تصل إلى ما وصلت إليه من تقدّم علمي ومعرفي، وبوساطتها وصل العالم إلى هذا التقدم العمراني والتكنولوجي.

معضلة محيرة

اليوم، يواجه العالم معضلة محيّرة بين الحاجة إلى استمرار النمو الاقتصادي والتكنولوجيا المصاحبة له، وبين تجنّب اضطرابات المناخ والكوارث الطبيعية المتوقعة.

وتبحث جميع حكومات العالم عن حلول ممكنة، وكل حكومة أو تكتّل اقتصادي أو مجموعة من الحكومات لديها جدول أعمال تجده أكثر ملاءمة من غيره، حتى البروتوكولات والاتفاقات العالمية المعنية بالمناخ أعطت الحكومات حق تحديد مشاركتها في تخفيض الانبعاثات الخاصة بها (وفق المساهمات المحددة وطنيًا NDCs في اتفاق باريس للمناخ).

انقسم العالم هنا إلى فريقين أساسيين، الأول فريق يؤمن بأن الطاقة المتجددة تستطيع استبدال الوقود الأحفوري بحلول منتصف القرن، وآخر يخالف هذا التوجّه، ويرى أن الوصول إلى الحياد الكربون في منتصف القرن يُعدّ أمرًا مستحيلًا، وأن المدة الزمنية قصيرة جدًا بأن يتمكن العالم خلالها من توفير البديل المناسب الذي لا يؤثّر سلبًا في الأرض، ولا يعوق التنمية البشرية عليها، وكذلك لا يعرقل دور الغلاف الجوي في منع مرور الأشعة فوق البنفسجية الضارة بالكائنات الحية على سطح كوكب الأرض .

ويتمسك المعارضون لفكرة الالتزام بهذه المدة القصيرة، لأن هناك أكثر من 6.5 مليار نسمة من سكان الأرض يقيمون في دول تحتاج إلى المزيد من الطاقة، بل أن جزءًا كبيرًا منهم يعيش في أوضاع تتطلب المزيد من التنمية، وهذا الجزء يعادل أكثر من 5 أضعاف دول العالم الصناعي التي بدأت تطوير مواردها من خلال الوقود الأحفوري والعمل على بناء بنيتها التحتية خلال الـ5 عقود الماضية فقط.

كما أن هناك أكثر من 700 مليون نسمة يعانون أوضاعًا معيشية سيئة، ولا بد من العمل على تحسين أوضاعهم.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن هناك فريقًا ثالثًا آمَن بأن المناخ وتداعياته السلبية يمثّل تحديًا وجوديًا، وبدأ بقيادة الجهود لإيجاد حلول بديلة للنفط والغاز، على الرغم من كونهم دولًا تعتمد على الوقود الأحفوري في التنمية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى الدول النفطية المهمة في المنطقة.

حصة ضئيلة من الطاقة المتجددة

تُظهر البيانات المعلنة من قبل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة آيرينا (IRENA) ووكالة الطاقة الدولية (IEA) أن حصة الطاقة الجديدة والمتجددة، خلال العقد الماضي، لم تتجاوز 3% من الاستهلاك العالمي للطاقة، في حين إن الاستهلاك العالمي للطاقة زاد بنسبة تجاوزت 18% خلال المدة الزمنية نفسها (2010-2020).

من ناحية أخرى، نجد أن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نتيجة حرق هيدروكربونات الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز -أيضًا- قد سجل ارتفاعًا ينذر بالخطر، إذ ارتفع التركيز خلال العقد الماضي من 389 جزء في المليون في عام 2010 إلى 417 جزء في المليون عام 2021 (كما هو موضح في الجدول)، وهو يسير بتزايد مستمر، إذ تجاوز التركيز 421 جزءًا في المليون خلال هذا العام.

الجدول التالي يوضح حصة الطاقة المتجددة من الاستهلاك العالمي:

 حصة الطاقة المتجددة من الاستهلاك العالمي

وكما هو معلوم، أن تركيز الكربون هو المقياس المُعتَمَد لمعرفة شدة الاحتباس الحراري، وأن هذا المقياس لا يقيس فقط تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بل يقيس تركيز كل غازات الدفيئة بعد تحويل شدّتها إلى مكافئ ثاني أكسيد الكربون.

وعلى الرغم من شيوع غاز ثاني الكربون بصفته غازًا حابسًا للحرارة، فإن غازات الدفيئة الأخرى، مثل غاز الميثان وغاز أكسيد النيتروس، تتجاوز شدتها بعشرات الأضعاف، بل أكثر من ذلك، في حبس الحرارة عن غاز ثاني أكسيد الكربون.
غاز الميثان -على سبيل المثال- له القدرة في المدى القصير (20 عامًا) أن يكون أكثر ضررًا من غاز ثاني أكسيد الكربون بـ 80 ضعفًا.

استعمالات ثاني أكسيد الكربون

على الرغم من التأثيرات السلبية لغاز ثاني أكسيد الكربون، فإن هناك العديد من الطرق الممكنة لاستعمال ثاني أكسيد الكربون لإنشاء منتجات أو خدمات ذات قيمة، ويمكن الاستفادة منها، وتُسمى هذه الاستعمالات المفيدة لغاز ثاني أكسيد الكربون أو التقاط ثاني أكسيد الكربون واستعماله.

يمكننا هنا سرد بعض الأمثلة لهذه الاستعمالات الإيجابية:

  • وقود كربوني محايد: وهي عملية يعمل بها ثاني أكسيد الكربون المحتجز من الغلاف الجوي أو أيّ مصدر آخر بصفته مصدرًا رئيسًا للهيدروكربونات.
  • توليف مركبات كيميائية: عملية يُحَوَّل فيها ثاني أكسيد الكربون إلى مجموعة واسعة من المنتجات، مثل البوليمرات والبلاستيك والأسمدة والأدوية.
  • مواد بناء: يمكن استعمال ثاني أكسيد الكربون لإنتاج مواد مثل الأسمنت والركام والخرسانة والطوب.
  • الزراعة: يمكن استعمال ثاني أكسيد الكربون لزيادة إنتاج العمليات البيولوجية أو إنتاج علف حیواني.
  • الماس: شکل من أشکال الكربون، وصناعة الماس الطبیعي ممکنة -أيضًا- بخلق بيئة مماثلة لتلك التي من خلالها يتكون الماس الطبيعي بدرجات حرارة عالية وضغط مرتفع.

هناك خيارات وطرق أخرى کثيرة لها جاهزية تکنولوجية وقابلية اقتصادية، ومع ذلك، هناك أيضًا عوائق وتحديات لا بد من التغلب عليها لجعل ثاني أکسيد الكربون المهمل مفيدًا للإنسانية ومتطلباتها.

* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق