طاقة متجددةتقارير الطاقة المتجددةرئيسية

صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا تنتظر الخلاص من تُخمة الواردات الصينية

إفلاس الشركات خلال عامين

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا تتدهور جراء ارتفاع مخزون الواردات من الألواح الشمسية الصينية
  • صناعة الألواح الشمسية في أوروبا غير قادرة على مواكبة نظيرتها الصينية
  • تكفي كمية الألواح الشمسية الصينية لسدّ الطلب السنوي الإجمالي في أوروبا بمعدل الضعف
  • يأمل الاتحاد الأوروبي أن تصبح الطاقة الشمسية في أوروبا أكبر مصدر لتوليد الكهرباء
  • تزيد تكلفة تصنيع الألواح الشمسية في أوروبا على سعرها الحالي في السوق الفورية

تواجه صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا تهديدات وجودية في ظل تكدّس مخزوناتها من الألواح الشمسية الصينية، وهو ما ينذر بخروج الشركات المصنّعة لتلك التقنيات النظيفة في أوروبا من دائرة المنافسة مع نظيراتها الصينية التي تستحوذ على نصيب الأسد من الحصة السوقية في القارة العجوز.

وقفزت قيمة الألواح الشمسية المستوردة المكدّسة في المخازن الأوروبية إلى 7 مليارات يورو (7.83 مليار دولار)، بحسب تقرير صادر عن شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي،" طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

(اليورو= 1.07 دولارًا أميركيًا).

ولتدارُك الوضع المتدهور في صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا، بات لزامًا على الاتحاد الأوروبي أن يسارع إلى إنفاق ما إجمالي قيمته 100 مليون يورو على الألواح الشمسية المصنّعة بوساطة الشركات الأوروبية التي تواجه موجة عاتية من الإفلاس؛ نتيجة المنافسة الشرسة من الصين، إضافة إلى تباطؤ الطلب في القارة العجوز.

بنك الإنقاذ

ترغب مؤسسة "سولار باور يوروب" SolarPower Europe -مقرّها العاصمة البلجيكية بروكسل- أن تنشئ المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- "بنك تصنيع الألواح الشمسية" برأس مال أوروبي خالص قدره 6 مليارات يورو في أكتوبر/تشرين الأول (2023)، إذا أرادت الحفاظ على أداء القطاع، وتحقيق أهداف التصنيع المحلي بحلول عام 2030، وفق ما أوردته مجلة بوليتيكيو Politico الأميركية.

وعزت كبيرة المحللين في وحدة "بلومبرغ إن إي إي" جيني تشيس تراجع أسعار الألواح الشمسية إلى الإنتاج بالجملة في الصين، مقترنًا بتباطؤ الطلب في أوروبا، نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة، والقيود المتعلّقة بالتراخيص.

وقالت تشيس: "أعداد كبيرة جدًا من مصنّعي الألواح الشمسية ستُشهر إفلاسها خلال العامين المقبلين".

وتابعت: "مصنّعو الألواح الشمسية في الاتحاد الأوروبي يواجهون ارتفاعًا في التكلفة، ولذا فإنه من المرجح أن بعضهم سيعاني".

شبح الإفلاس

حذّرت صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا من أن التخمة في واردات الألواح الألواح الشمسية من الصين قد دفعت بعض المصنّعين في القارة العجوز إلى حافة الإفلاس؛ ما يعرقل الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتعزيز الإنتاج المحلي من تلك التقنيات الخضراء، وفق صحيفة فايننشال تايمز Financial Times البريطانية.

ويوم الإثنين الموافق 11 سبتمبر/أيلول (2023)، بعثت مؤسسة "سولار باور يوروب" خطابًا إلى المفوضية الأوروبية، محذرةً فيه من أن ارتفاع المخزونات، و"المنافسة الشرسة" بين المصنّعين الصينيين لاقتناص حصة سوقية في أوروبا، قد أسهم في خفض أسعار الألواح الشمسية بأكثر من الربع في المتوسط منذ بداية العام الجاري (2023).

وورد في نص الخطاب: "هذا يُسبّب مخاطر فعلية للشركات، ويعرّضها لشبح الإفلاس، مع اضطرارها إلى خفض أسعار مخزوناتها الضخمة".

وتقدّمت شركة "كريستالز" Crystals النرويجية المتخصصة في إنتاج السبائك المُستعملة في الألواح الشمسية فعليًا بطلب لإشهار إفلاسها في شهر أغسطس/آب (2023)، وفق ما أعلنته في بيان رسمي.

كما قالت نورصن Norsun -وهي شركة نرويجية أخرى- خلال سبتمبر/أيلول (2023)، إنها ستعلّق إنتاجها حتى نهاية العام الجاري (2023).

عاملان يركبان ألواحًا شمسية على سطح أحد المباني
عاملان يركّبان ألواحًا شمسية على سطح أحد المباني - الصورة من إيكونوميك تايمز

هدف طموح

يأمل الاتحاد الأوروبي أن تصبح الطاقة الشمسية في أوروبا أكبر مصدر لتوليد الكهرباء داخل التكتل، في حين تحاول دول الأخير الوصول بنسبة توليد الكهرباء من المصادر المتجددة إلى 45% بحلول نهاية العقد الجاري (2030).

ومن المقرر التصويت على هذا الهدف في البرلمان الأوروبي خلال الأسبوع الحالي.

لكن الهيمنة الصينية على سلسلة إمدادات الطاقة الشمسية تعني أن منتجاتها تمثّل قرابة 3 أرباع وارداتها من الطاقة الشمسية إلى أوروبا؛ ما يُغذّي المخاوف من أن الاتحاد الأوروبي يعزز اعتماده على الصين، على غرار اعتماده على الغاز الروسي، حتى اندلاع شرارة الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط (2022).

وتزيد تكلفة تصنيع الألواح الشمسية في أوروبا عن سعرها الحالي بالسوق الفورية، وفق أحدث التقديرات الصادرة عن مؤسسة "سولار باور يوروب".

تعرفات عديمة الجدوى

لطالما سعى الاتحاد الأوروبي إلى كبح المنافسة غير العادلة من قبل الصين، عبر فرض تعرفات على واردات الألواح الشمسية من الصين في عام 2012، بعدما طرحت بكين حزم دعم ضخمة في صناعة الطاقة الشمسية لديها.

غير أن الاتحاد الأوروبي أنهى العمل بتلك التعرفات مجددًا في عام 2018، في مسعى منه لتعزيز تركيبات الطاقة المتجددة، قبل عام من إعلان المفوضية الأوروبية وجود "منافسة ممنهجة" من جانب الصين.

ومنذ ذلك الحين، لم يستعن الاتحاد الأوروبي بتلك التعرفات، رغم مساعيه الأخيرة لدفع الشركات الأوروبية إلى نزع فتيل المخاطر من سلاسل الإمدادات الخاصة بها من الصين، ضمن إطار جهود أوسع لإحياء التصنيع وسط تصاعد حدّة التوترات الجيوسياسية.

هدف مشكوك فيه

يعني الانخفاض الدراماتيكي في أسعار الألواح الشمسية أن هدف الاتحاد الأوروبي بإنتاج 30 غيغاواط من سلاسل إمدادات الطاقة الشمسية في أوروبا بحلول عام 2030، أضحى -الآن- عرضة لتهديد خطير، وفق ما ورد في نصف الخطاب.

ولم تكن صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا وحدها التي أطلقت صرخات الاستغاثة إلى الجهات التنظيمية، بل شاركتها في تلك الخطوة -أيضًا- صناعة الرياح التي أبدت مخاوفها من اختفاء مصنّعي توربينات الرياح لصالح المنافسين الصينيين.

في سياق متصل، حذّر المسؤولون التنفيذيون الغربيون -كذلك- من أن الصين تتيح سياسات دعم واسعة النطاق، وتبني مصانع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بمعدلات تتجاوز حاجتها الفعلية لسدّ الطلب المحلي.

ويتخوف المسؤولون من إمكان أن يُسهم هذا النهج من قبل بكين في تقويض طموحات أوروبا لتوسيع إنتاجها من بطاريات السيارات الكهربائية.

وكانت التحذيرات التي أطلقتها "سولار باور يوروب" تكرارًا لنظيراتها الواردة في خطاب منفصل أُرسل إلى المفوضية الأوروبية الإثنين 11 سبتمبر/أيلول (2023)، ويحمل توقيعات أكثر من 40 شركة تعمل في مجال الطاقة الشمسية، من بينها "شركة ماير بيرغر Meyer Burger السويسرية، ونظيرتها الألمانية "هيكرت سولار" Heckert Solar.

ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- تطور إيرادات الصين من تصدير مكونات الطاقة الشمسية في 5 سنوات:

إيرادات صادرات الصين من الطاقة الشمسية

إغراق السوق

زادت معدلان الإنفاق الأوروبية على مكونات الطاقة الشمسية من 6 مليارات يورو في عام 2016 إلى أكثر من 25 مليار يورو في عام 2023؛ ما يقود إلى تخمة في الألواح الشمسية الصينية التي تتكدس -الآن- في المخازن الأوروبية، وفق ما ورد في نصّ الخطاب.

وتكفي كمية الألواح الشمسية الصينية لسدّ الطلب السنوي الإجمالي في أوروبا بمعدل الضعف، حسب الخطاب.

وتتبنى الشركات الصينية في الوقت الراهن سياسة "الإغراق" في السوق الأوروبية، إذ تقدّم عقودًا قوامها عامين، وبأسعار تُسهم بخفض مثيلتها في السوق الفورية.

وعادةً ما تشتمل تلك الصفقات على بنود تطالب بالحدّ الأدنى من الطلبيات، وإبرام الصفقات بشكل حصري.

توصيات

أوصى خطاب صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا بضرورة أن تستحوذ المفوضية الأوروبية -عاجلًا غير آجل- على المخزونات الخاصة بمصنّعي الطاقة الشمسية في أوروبا، وأن تسرع وتيرة تنفيذ لائحة تنظيمية مُخطط لها تحظر المنتجات المصنعة بوساطة العمالة القسرية.

يُشار إلى أن قرابة ثلثي الإنتاج العالمي من البولي سيليكون، المادة الخام الرئيسة المستعملة في صناعة الألواح الشمسية، تأتي من منطقة شنيغيانغ غرب الصين، والتي تواجه فيها الحكومة في البلد الآسيوي اتهامات من قبل الجماعات الحقوقية، باضطهاد وقمع الأقليات المسلمة هناك، وإجبارها على العمل بمصانع واقعة في مراكز اعتقال، وهو ما تنفيه بكين.

من جهتها، قالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "سولار باور يوروب" والبورغا هيمتسبرغر، إنها تدرك أن آخرين في القطاع سيقدّمون التماسًا -أيضًا- إلى المفوضية الأوروبية.

وتابعت: "لا يوجد أدنى شك في أن تراجع الأسعار المستمر يمثّل خطرًا كبيرًا على صناعة الطافة الشمسية في أوروبا، ويتعين على قادة الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات عاجلة حياله".

تضاعف واردات المنتجات الصينية 3 مرات

قفز معدل إنفاق أوروبا على واردات الطاقة الشمسية 3 مرات تقريبًا خلال الأعوام الـ5 الماضية، من 5.5 مليار يورو (5.6 مليار دولار) في عام 2018 إلى 20 مليار يورو (22.4 مليار دولار) في العام الماضي (2022)، لكن الصين تبرز مصدر الإمداد الرئيس للقارة العجوز من تلك المنتجات.

واستأثرت منتجات الطاقة الشمسية الصينية على 91% من نفقات الواردات الأوروبية على مدار الأعوام الـ5 الماضية، بما يعادل 18.5 مليار يورو (20.7 مليار دولار)، بدعم من أسعار الألواح الشمسية المتذبذبة التي أثّرت في قرارات الشراء.

وتوجَّه أغلب صادرات الألواح الشمسية الصينية إلى أوروبا عام 2022، وتحديدًا إلى هولندا وإسبانيا وألمانيا وبولندا وفرنسا واليونان وإيطاليا والمملكة المتحدة، وفقًا لمعلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتصدّرت هولندا المركز الأول في قائمة الدول المستقبلة لمنتجات الطاقة الشمسية الصينية، بقدرة تلامس 45 غيغاواط في عام 2022، ما يعادل 10 أمثال السعة المركبة محليًا خلال العام نفسه.

واستوردت إسبانيا وألمانيا وفرنسا كميات من الألواح الشمسية الصينية تجاوزت السعة المثبتة من أيّ مصدر خلال عام 2022.

عامل يُجهز لوحة شمسية
عامل يُجهز لوحة شمسية - الصورة من واشنطن بوست

حركة الواردات حتى مايو 2023

في يناير/كانون الثاني 2023، سجلت واردات أوروبا من الألواح الشمسية الصينية زيادة نسبتها 17%، قياسًا بالشهر نفسه من عام 2022، كما صعدت واردات فبراير/شباط بنسبة 22%.

وارتفعت واردات مارس/آذار ( 2023) بنسبة 51% عن الشهر نفسه من العام الماضي (2022)، في حين زادت واردات أبريل/نيسان (2023) بنسبة 16%، وصولًا إلى نموها بنسبة 6% فقط في مايو/أيار (2023).

وإذا واصلت مستويات الاستيراد الحالية مسارها الصعودي خلال الأشهر المتبقية، فسيكون 2023 عامًا قياسيًا على مستوى الواردات والمخزونات معًا، بحسب أرقام شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي" التي رجّحت وصول سعة الواردات إلى 120 غيغاواط، متجاوزةً التركيبات المتوقعة البالغة 63 غيغاواط..

خطة طموحة

تطمح الدول الأوروبية لتأسيس بنية تحتية للطاقة الشمسية بتكاليف ميسورة، تُعينها على تحقيق أهداف الطاقة المتجددة وإزالة الكربون، مع تجنّب دفع أسعار أعلى مقابل السعة الجديدة اللازمة لتوسّع القطاع على مستوى القارة العجوز.

ورغم تسارع الجهود الرامية لبناء سلسلة إمداد أوروبية خاصة للطاقة الشمسية خارج دائرة نفوذ الصين، فإن الانتظار لحين إنتاج الألواح الشمسية أوروبيًا ربما يعني تعطّل القطاع إلى 2025 أو ما بعده على الأقلّ، وفقًا لتوقعات المحلل في ريستاد إنرجي، ماريوس موردال.

وتستهدف أوروبا تعزيز قدرات تصنيع مكونات الطاقة الشمسية داخل حدود القارة، لتلامس 30 غيغاواط بحلول أواسط العقد الحالي (2025)، على أن ترتفع تدريجيًا لاحقًا لتبلغ 40% من إجمالي السعة الشمسية المركبة بحلول 2030.

لكن، ورغم إعلان هذه الأهداف الطموحة لأوروبا بين عامي 2019 و2022، فإن تلك الوحدات المصنّعة أوروبيًا لم تتمكن من منافسة نمو الألواح المستوردة.

وفي هذا الخصوص، ارتفعت كميات الوحدات الشمسية الصينية التي استوردتها أوروبا بنسبة 112%، لتصل إلى 87 غيغاواط خلال الأعوام الـ3 الممتدة بين 2019 و2022.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اهم مشكلات تفعيل استخدام الطاقة الشمسية على نطاق أوسع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق