أسعار النفط الروسي إلى الهند تقفز لـ68 دولارًا.. والسر في "الشحن"
هبة مصطفى
اشتهرت شحنات النفط الروسي إلى الهند بانخفاض أسعارها في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية قبل عام ونصف، وشكّلت نيودلهي أحد أبرز المنافذ الآسيوية لخامات موسكو التي لم تجد مشترين، خوفًا من العقوبات.
وكشفت بيانات الأشهر الـ6 (من ديسمبر/كانون الأول 2022، حتى نهاية يونيو/حزيران 2023) تباينًا في تقدير السعر الفعلي لشحنات موسكو إلى الدولة الواقعة جنوب آسيا، بفارق يصل إلى 18 دولارًا بين بيانات كل من الجمارك الروسية والهندية، حسب تحليل أجرته صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times).
وسعى مشترو النفط الروسي إلى الالتزام بالسقف السعري الذي أقرّته دول مجموعة الـ7 والاتحاد الأوروبي وأستراليا في نطاق 60 دولارًا للبرميل، غير أن اتهامات توجَّه إلى الكرملين بين الحين والآخر بالالتفاف على العقوبات لضمان استمرار انتعاش خزائن موسكو، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
البيانات الروسية والهندية
فارقٌ سعري كبير أظهرته بيانات الجمارك في كل من موسكو ونيودلهي لتقدير سعر برميل النفط الروسي إلى الهند، إذ كان لكل منهما سعر مختلف، ربما يعود لاعتبارات تتعلق بسعي موسكو إبراز التزامها بالعقوبات والسقف السعري.
وكشفت بيانات الجمارك الروسية أن متوسط سعر الخامات الروسية، المشحونة إلى نيودلهي من مواني بحر البلطيق، دار في نطاق 50 دولارًا للبرميل، خلال المدة من ديسمبر/كانون الأول 2022 حتى نهاية يونيو/حزيران 2023.
وفي المقابل، أشارت بيانات الجمارك الهندية أن المشترين لدى نيودلهي دفعوا لدى استلام الشحنات خلال المدة المذكورة ما يُقدَّر بنحو 68 دولارًا للبرميل.
ورغم أن سعر برميل النفط الروسي إلى الهند ما يزال منخفضًا عن متوسط سعر النفط العالمي البالغ 79 دولارًا حاليًا، فإن "تناقض" البيانات الجمركية بين البلدين كشف فارقًا يصل إلى 18 دولارًا بين سعر البرميل لدى مواني البلطيق ونيودلهي.
وبخلاف بيانات جمارك روسيا والهند، قدّرت وكالة أرغوس (Argus) المعنية بشؤون الطاقة والتسعير فارق سعر خام الأورال بين البلطيق ونيودلهي بنحو 14.90 دولارًا، وفق بيانات بدأت جمعها من فبراير/شباط 2023.
ما السر؟
تسعى روسيا إلى بيع شحنات خاماتها بما يتوافق مع شروط الحدّ الأقصى للسقف السعري (60 دولارًا للبرميل)، وتقدّم السفن والناقلات بيانات ووثائق تفيد ذلك.
وربما يُفسّر الأمر رصد الجمارك الروسية للأسعار بنظام تسليم الشحنات على ظهر السفينة، بما يعني احتساب تكلفة النفط -فقط- حتى ميناء ميناء التحميل، دون تحمّل تكلفة الشحن حتى الاستلام.
أمّا بيانات الجمارك الهندية، فاعتمدت في تقديراتها على أسعار ما بعد حساب "التكلفة والتأمين والشحن"، وهي تكلفة أظهرت فارقًا قدره 18 دولارًا في سعر البراميل الواحد بين بيانات البلدين، بالإضافة إلى أنه فارق يرتفع عن تقدير "أرغوس" لأسعار الشحن الفعلية في نطاق 9 دولارات للبرميل.
وتمسَّك بائعو النفط الروسي إلى الهند بتحميل الأخيرة تكلفة الشحن والتأمين، رغم ما يثار حول تلقّي الدولة الآسيوية براميل موسكو بامتيازات وخصومات، ولم يخضع الأمر للمناقشة والمشاورات بين الطرفين حسب تصريح مسؤول بشركة نفط تابعة لحكومة نيودلهي إلى "فايننشال تايمز".
وتُشير أصابع الاتهام إلى بائعي النفط الروسيين، إذ واجهوا اتهامات بالاستحواذ على الفارق السعري لصالحهم، وللتوضيح، أجرت كل من "روسنفط" و"لوك أويل" عمليات بيع مباشر لمصافي تكرير في نيودلهي، طبقًا لبيانات كبلر.
وبجانب ذلك، استعملت شركات نفط روسية "وسطاء" لإدارة عمليات البيع، إذ كانت على صلة وثيقة بشركات تجارية حديثة العهد، ونشأت العام الماضي 2022.
ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم إيرادات صادرات النفط الروسي من يناير/كانون الثاني 2022 حتى يوليو/تموز 2023:
الشحن وأسطول النقل
خلال المدة بين شهر مايو/أيار ويوليو/تموز 2023، زوّدت روسيا الهند بنحو 108 ملايين برميل، اعتمادًا على 134 سفينة عبر بحر البلطيق، حسب بيانات كبلر.
وخلال الأشهر الـ3، نقلت 40% من شحنات خامات موسكو عبر ناقلات تابعة لشركات روسية أو شركات تابعة لها، بعائدات من تكلفة الشحن تتجاوز 350 مليون دولار خلال هذه الأشهر.
وبالتزامن مع ذلك، قدّرت "أرغوس" فارق أسعار النفط لدى مواني البلطيق والهند بنحو 17 دولارًا للبرميل، بحساب فارق السعر لدى مغادرة الشحنات وموقع تسليمها.
وتضمَّن الفارق السعري لأرغوس نحو 9 دولارات لشحن البرميل الواحد، ما يُشير إلى تحمُّل الهند فارقًا سعريًا إجماليًا عن هذه المدة بما يصل إلى 800 مليون دولار، يرفع عائدات شركات الشحن الروسية -أو الوسطاء التابعين لها- إلى مليار دولار فوق العائدات المُعلنة.
وما يزيد علامات الاستفهام حول الفارق السعري لشحن براميل النفط الروسي إلى الهند بين سعر مواني البلطيق ونيودلهي، دور أسطول الناقلات خلال هذه المدة، وحجم تورُّط موسكو في امتلاك بعض هذه السفن والتحكم في أسعارها.
وتخضع غالبية الناقلات لإدارة شركة "صن للشحن" الواقعة تحت نطاق عقوبات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا، إذ تربطها صلة وثيقة بعملاقة الناقلات في موسكو "سوفكومفلوت".
ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية، اشترى "مجهولون" ما يقرب من 26 سفينة وناقلة، إمّا عن طريق شركات وسيطة أو وهمية في ليبريا وجزر مارشال، يرجَّح اتجاه غالبيتهم إلى نقل النفط الروسي حسب تقديرات فايننشال تايمز.
الصادرات الروسية وواردات الهند
سجلت صادرات النفط الروسية الإجمالية لدول العالم ما يُقدَّر بنحو 39 مليار دولار، خلال الأشهر من (مايو/أيار إلى يوليو/تموز) الماضي، بقيمة 39 مليار دولار، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
وأوضحت الوكالة قبل أيام أن عائدات صادرات موسكو النفطية خلال شهر يوليو/تموز الماضي وحده سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق -دون احتساب تكلفة الشحن- منذ فرض السقف السعري ضمن حزمة العقوبات الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وشكّلت براميل النفط الروسي إلى الهند "ربع" صادرات موسكو من النفط الخام والمكرر، غير أن هذه الحصة لا يبدو أنها ستستمر طويلًا، إذ قد يدفع اتّساع الفجوة بين سعر التحميل من مواني البلطيق والسعر الفعلي بعد احتساب تكلفة الشحن والتأمين نحو انخفاض الواردات.
وقلّل مسؤول بقطاع النفط الهندي من حجم الخصم المثير للجدل بوصفه امتيازًا روسيًا ممنوحًا إلى نيودلهي، مؤكدًا أنه يتراوح بين دولارين و10 دولارات فقط لكل برميل.
في حين قالت المحللة لدى إنرجي أسبكتس "أمريتا سين"، إن البنوك والمصارف يساورها القلق بتجاوز الشحنات السقف السعري المحدد ضمن نطاق العقوبات، بعد إضافة تكلفة الشحن والتأمين لبراميل النفط الروسي إلى الهند.
وأضافت سين أن غالبية الشحنات -حاليًا- تتجاوز السقف السعري، ما قد يؤدي إلى خفض الهند وارداتها من خامات موسكو، خاصة أن سعر الحسومات على البراميل غير مُغرٍ.
التأمين وسقف الأسعار
ضربت موسكو عصفورين بحجر واحد، حين انطلقت شحنات النفط الروسي إلى الهند بحسومات، حتى إن كانت ضئيلة، فمن ناحية برزت ملتزمة بسقف الأسعار المحدد من قبل مجموعة الدول الـ7 والاتحاد الأوروبي وأستراليا، ومن ناحية أخرى، تُطلق روسيا أسطول ناقلاتها -سواء عبر شركات مباشرة أو وسيطة- لتحصيل عائدات من تكلفة الشحن والتأمين، أو تتمتع بغطاء تأميني من الشركات الغربية ما دامت ملتزمة بالسقف السعري.
ودفع إبقاء سعر البرميل المُحمّل من ميناء البلطيق دون السقف السعري (60 دولارًا) نحو حصولها على غطاء تأميني من شركات غربية ومن مجموعة الـ7، لما يزيد عن نصف عدد السفن الناقلة لشحنات النفط الروسي خلال الأشهر الـ3 محلّ الذكر.
وقد تواجه السفن التابعة لشركات تأمين غربية انخفاضًا مع ارتفاع الأسعار العالمية للنفط الخام لمتوسط يقارب 85 دولارًا للبرميل، وربما ينعكس هذا على أسعار الخامات الروسية التي سجلت شهر يوليو/تموز الماضي ارتفاعًا لما يتجاوز السقف السعري.
عوائد روسيا
سمحت تكلفة الشحن بتعويض أسعار شحنات النفط الروسي إلى الهند، إذ عززت أرباح موسكو بما يفوق عائدات مبيعات النفط الخام، إذ قُدِّرت عائدات الشحن للشركات الروسية أو الشركات التابعة لها بما يزيد عن مليار دولار خلال 3 أشهر فقط (من مايو/أيار إلى يوليو/تموز).
وكانت روسيا ملتزمة بالحدّ الأقصى للأسعار في أعقاب غزوها أوكرانيا العام الماضي 2022، إذ كان برميل خام موسكو يُباع بأقلّ من 60 دولارًا، لكن عائدات هذه البراميل سجلت قفزة مع إضافة تكلفة الشحن.
وبصورة مفصّلة، بلغت عائدات موسكو من رسوم شحن براميل النفط الروسي إلى الهند خلال الأشهر الـثلاثة 1.2 مليار دولار، انطلاقًا من مواني بحر البلطيق حتى مواني نيودلهي.
ووصف محللون تكلفة الشحن بأنها "ثغرة" مثيرة للقلق في نظام عقوبات السقف السعري، قد تصل عائداتها إلى مليارات، في حين ذهب وزير الخارجية لدى المملكة المتحدة "جيمس كليفرلي" إلى أبعد من ذلك، بتهديد المتعاونين مع روسيا في تمويل حربها على كييف بإجراءات صارمة.
كانت مجموعة الدول الـ7 والاتحاد الأوروبي وأستراليا قد شكّلوا ما أُطلق عليه "ائتلاف السقف السعري" في ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي 2022، وقرروا فرض قيود على النفط الروسي المنقول بحرًا، تضمنت شروط للتمتع بالتأمين والخدمات دون التطرق إلى "تكلفة الشحن".
اقرأ أيضًا..
- الطاقة الخضراء تشهد مشروعات جديدة في الهند.. منها أكبر محطة شمسية
- أكبر الدول المستهلكة للنفط عالميًا.. السعودية في القائمة (إنفوغرافيك)
- سلطنة عمان توقع أول صفقة غاز مسال مع شركة ألمانية
- صفقات النفط والغاز العالمية تسجل 57 مليار دولار في الربع الثاني من 2023 (تقرير)