تقارير النفطرئيسيةنفط

شركات مجهولة تشتري نصف صادرات النفط الروسي إلى الصين والهند (تقرير)

أسماء السعداوي

انتشرت الشركات الغامضة التي تنقل صادرات النفط الروسي إلى آسيا، وخاصة الصين والهند، كالنار في الهشيم خلال الأشهر الأخيرة.

تلك الكيانات ظهرت فجأة من العدم، ولا تحمل تاريخًا ائتمانيًا موثوقًا، كما أن بعضها ليس له مواقع رسمية في الإنترنت أو أرقام هواتف للتواصل.

جاء ذلك بعدما دفعت العقوبات الغربية على موسكو بسبب غزوها أوكرانيا، كبريات شركات تجارة النفط، وعلى رأسها شل وشركة النفط البريطانية بي بي، إلى التخارج من روسيا، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

ودخل حظر فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسي حيز التنفيذ في 5 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي (2022)، بغية تجفيف منابع تمويل حرب الرئيس فلاديمير بوتين على جارته أوكرانيا.

ونقل اللاعبون الجدد ما لا يقلّ عن نصف صادرات النفط والمشتقات النفطية الروسية إلى الصين والهند، والتي تتراوح بين 6-8 ملايين برميل يوميًا في المتوسط خلال هذا العام (2023).

شركات غامضة

تاجرَ 40 وسيطًا على الأقل في النفط الروسي خلال المدة بين شهري مارس/آذار ويونيو/حزيران، وكان من بينهم شركات لم يسبق لها المشاركة في تجارة النفط، بحسب ما نشرته وكالة رويترز.

وخلال المدة بين فبراير/شباط 20222، وحتى الشهر نفسه من 2023 الحالي، تورَّط 30 وسيطًا في تجارة النفط الروسي.

اعتمدت وكالة رويترز في تقديراتها على 10 مصادر تجارية ومحللين من شركتي تحليل بيانات السوق "كبلر" و"ريفينيتيف"، وإفصاحات غير معلنة لشركات الشحن.

نجحت تلك الشركات الغامضة في الظهور، لتصبح فجأة من كبريات تجارية النفط العالمية، وفق بيانات منصة أيكون التابعة لشركة "ريفينيتيف"، و10 مصادر تجارية، ولم تحدد رويترز المالكين الأصليين للشركات الجديدة.

ولا يوجد ما يُشير إلى اختراق تلك الشركات المجهولة للعقوبات الغربية، رغم أنها تتسبب في صعوبة رصد أسعار وعمليات بيع النفط الروسي من قبل وكالات إنفاذ العقوبات الأوروبية والأميركية.

كما ارتفعت أسعار خام الأورال الروسي أوائل شهر يوليو/تموز الجاري، فوق السقف السعري الذي وضعته مجموعة الـ7 الصناعية عند 60 دولارًا للبرميل.

وعندما تفوق الأسعار السقف السعري، يصعب تحديد المتورطين في نقل النفط، بحسب ما قاله 5 تجّار للنفط الروسي.

إلى أين تذهب صادرات النفط الروسي؟

في شهر مايو/أيار 2023، أبحرت ناقلة ترفع علم ليبيريا من ميناء "أوست لوغا" في سان بطرسبرغ، لصالح شركة تجارية غير معروفة مقرّها هونغ كونغ، وقبل أن تصل إلى مقصدها في الهند، بيعت الشحنة.

نُقلت الشحنة، التي يصل حجمها إلى 100 ألف طن من خام الأورال، إلى سفينة من طراز "ليوبارد 1" المملوكة لشركة غورون للتجارة غير المعروفة أيضًا، ومقرّها هونغ كونغ، على حدّ قول مصدرين تجاريين.

لم تردّ شركة غورون للتجارة التي اشترت الشحنة من روسنفط الروسية على طلبات رويترز للتعليق.

ووصلت ناقلة النفط ليوبارد 1 التي تملكها وتديرها شركة "ليبوبارد 1 شيبينغ"، ومقرّها دبي في الإمارات العربية المتحدة، إلى ميناء فيشاخاباتنام في الهند يوم 15 يونيو/حزيران.

واستلمت الشحنة شركة هندوستان بتروليوم لتكرير النفط، من شركة غورون للتجارة، حسبما قال مصدران تجاريان.

ولم تردّ شركة هندوستان بتروليوم" على طلب للتعليق.

ويوضح الرسم البياني التالي -أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات روسيا من النفط الخام والمشتقات النفطية، حتى أبريل/نيسان 2023:

النفط الروسي

غسل النفط

تزامن ظهور التجار المجهولين مع انتشار ناقلات النفط القديمة التي توفرها شركات جديدة لنقل النفط الروسي.

كما تعيد الإستراتيجية الجديدة إلى الأذهان قصة غسل النفط الفنزويلي، والتي عانت منها شركات النفط هناك بسبب الاحتيال والخسائر وتأخّر السداد.

في السياق نفسه، يقول مستشار تحرير منصة الطاقة، خبير اقتصادات الطاقة، الدكتور أنس الحجي، إن غسل النفط من جانب روسيا هو أكبر عملية في تاريخ صناعة النفط، بسبب العقوبات الغربية وسقف الأسعار.

وأوضح الدكتور أنس الحجي أن غسل النفط يجري بطريقتين، الأولى بدأتها إيران ثم روسيا، هو أن تقوم سفينة مجهولة تحمل علم بنما، ومملوكة لشركة غير معروفة، وعلى الأغلب تكون سفينة قديمة، بتحميل النفط الروسي من ميناء في روسيا.

وفي هذه الحالة، تغلق هذه السفينة أجهزة التتبّع، وتختفي في أعالي البحار، فلا أحد يعرف وجهتها ولا أين هي، وهي إمّا أن تغير علمها، وإمّا ملكيتها، وإمّا لا تغير شيئًا، وفجأة تظهر في أحد المواني وتفرغ حمولتها.

والطريقة الثانية، يقول الحجي، إنها أكثر تعقيدًا، وفيه تغادر ناقلات النفط دون تشغيل أجهزة التتبع، ثم تصل لمكان ما في أعالي البحار، وهناك تنتظرها سفينة أخرى لتأخذ النفط منها.

خروج شركات من السوق

تخارجت شركات كانت من كبار تجّار النفط الروسي خلال العام الماضي (2022)، من السوق، ومنها شركتا "كورال إنرجي" و"إيفرست إنرجي".

ورفضت الشركتان الربط بين الخروج من سوق النفط الروسية ومخاوف من فرض عقوبات عليها.

وقالت شركة "إيفرست إنرجي": "يتعلق الأمر بقرار تجاري إستراتيجي يرتكز على عوامل مختلفة خاصة بشركتنا".

ومن جانبها، تقول شركة "كورال إنرجي": "اتخذنا قرار الخروج من روسيا من أجل تنويع مشروعاتنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

لم يردّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية "أوفاك"، ونظيره في كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، على طلبات للتعليق.

إلّا ان مسؤولًا بالوزارة الأميركية قال في يوليو/تموز الجاري، إن العقوبات تستهدف إبقاء النفط الروسي بالسوق من أجل خفض الأسعار، مع تقليل العائدات التي تحصل عليها روسيا، لتمويل حربها على أوكرانيا.

تغيّر مشهد صادرات النفط الروسي

تمثّل تلك الشبكة المجهولة انحرافًا كبيرًا عن المنظومة الراسخة منذ عقود لتصدير النفط الروسي ومشتقاته قبل الحرب؛ إذ كان يسيطر عدد محدود من الشركات، مثل شركة النفط البريطانية "بي بي" و"شل" وشركات تجارية أخرى مثل "فيتول" و"غلنكور" و"ترافيغورا" و"غونفور".

وبموجب المنظومة السابقة، كانت تُسلّم شحنات النفط بوساطة تاجر معروف من المصدر في روسيا إلى الوجهة النهائية.

تُعدّ شركة لوك أويل، هي الوحيدة التي تسوق للنفط عبر فرعها التجاري "ليتاسكو"، ومقرّها جنيف، في حين تقوم الشركات الأخرى بالبيع إلى شركات تجارية جديدة معظمها مُسجل في الصين وسنغافورة وهونغ كونغ ودبي.

وخلال المدة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران، كان أكبر المشترين من "روسنفط" و"سورغوتنفتيغاز" و"غازبروم نفط" شركات "بترورس" ومقرّها دبي و"غورون" المسجلة في هونغ كونغ و"بيلاتريكس إنرجي" و"كوفارت إنرجي" و"فوليتون" المسجلة في دبي و"داميكس تردينغ" و"نيستور تردينغ" و"باتيرا" ومقرّها سنغافورة.

بعض تلك الشركات، مثل فوليتون، ليس لها موقع في شبكة الإنترنت أو أرقام للتواصل، ولم تردّ أيّ منها على طلبات للتعليق.

كما لم يردّ ممثلون إعلاميون لشركات "روسنفط" و"سورغوتنفتيغاز" و"غاز بروم نفط" على طلبات للتعليق.

ويوضح الرسم البياني التالي -أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- الدول المستوردة للنفط الروسي من يناير/كانون الثاني إلى 20 يونيو/حزيران (2023):

أبزر الدول التي تستورد النفط الروسي منذ فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي

صادرات النفط الروسي إلى الهند والصين

ساعدت الشبكات المجهولة الجديدة في زيادة صادرات النفط الروسي، كما اتّجه كبار منتجي الخام مثل "روسنفط" و"لوك أويل" و"سورغوتنفتيغاز" و"غازبروم نفط"، نحو التصدير إلى الهند والصين.

وسجلت صادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا مستوى قياسيًا في أبريل/نيسان ومايو/ أيار، إلى نحو 4 ملايين برميل يوميًا، وفق تقديرات رويترز بناءً على تصريحات 10 تجار وبرامج تحميل المواني الروسية وبيانات شركة ريفينيتيف.

بلغ حجم صادرات النفط الروسي إلى الهند المنقولة بحرًا، إلى 1.95 مليون برميل يوميًا في مايو/ أيار، في حين بلغت صادرات النفط الروسي إلى الصين 2.29 مليون برميل يوميًا.

تأخيرات في السداد

تثير الشبكة الجديدة للكيانات المجهولة مخاوف من مخاطر مالية لشركات النفط الروسية، منها التأخر في السداد والاحتيال وخسائر أخرى.

يقول 5 تجّار منخرطون في تجارة النفط الروسي، إن التأخير في الدفع مقابل النفط الروسي تسبَّب في ظهور مشكلات عديدة.

وأضافوا أن المصدّرين الروس انتظروا ما بين 3 و5 أشهر للحصول على مستحقاتهم، لافتين إلى أن المشترين عادةً ما يدفعون مقابل الشحنات بعد شهر من مغادرة السفينة.

وخلقت تلك التأخيرات فجوة مالية للمصدّرين الروس الذين اضطروا لدفع ضرائب للدولة قبل الحصول على مستحقاتهم من المستوردين.

رغم ذلك، يقول مصدر في إحدى كبريات شركات النفط الروسية، إن شركته مستعدة لمواجهة مخاطر ائتمانية عالية مقابل الحفاظ على استقرار ونمو الصادرات.

وأضاف: "في العام الماضي، خفضنا الإنتاج لأن التسويق كان سيئًا، والآن الوضع جيد، فهناك مشترون وهناك مبيعات".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق