طاقة متجددةالتقاريرتقارير الطاقة المتجددةرئيسية

الطاقة المتجددة في المغرب.. هل تتغلب على دبلوماسية الوقود الأحفوري؟

الرباط تتأرجح بين روسيا وأوروبا

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • يستورد المغرب حزمة متنوعة من إمدادات الطاقات الحيوية من روسيا
  • رفعت روسيا إمدادات الديزل إلى الرباط للتغلب على سقف أسعار المشتقات النفطية
  • يتطلع المغرب لتعزيز حصّته من الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 52% بحلول 2030
  • تستهدف المملكة خفض اعتمادها على واردات الوقود الأحفوري الأجنبية بنسبة 100%
  • وقّع المغرب اتفاقية للتعاون مع موسكو في 2022 لبناء محطة طاقة نووية

تبرز الطاقة المتجددة في المغرب سلاحًا فاعلًا تتحوط به البلاد ضد تداعيات الأزمات الدبلوماسية المحتملة التي قد تنشب –في أيّ وقت- مع روسيا جراء موقف الرباط المتأرجح من الحرب الأوكرانية، وما قد يترتب عليها من قطع موسكو إمدادات الوقود عن البلد العربي، على غرار أزمة الأخيرة مع جارتها الجزائر.

وتزخر الدولة الواقعة شمال غرب أفريقيا بمصادر متجددة متنوعة، مثل موارد الرياح الوفيرة في الداخل وعلى الساحل، والسطوع الشمسي لأوقات طويلة؛ ما يغذّي لديها الآمال في أن تصبح قادرة ليس فقط على تلبية احتياجاتها الخاصة من الكهرباء النظيفة فحسب، ولكن في أن تصير –أيضًا- مُصدرًا إقليميًا لها إلى شمال إفريقيا وأوروبا.

وفي هذا الإطار، انضم المغرب إلى قائمة دول الأقلية التي لم تصوّت لصالح قرار يدين العدوان الروسي على أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/آذار (2022)، في موقف يُعزى -على الأرجح- إلى العلاقات الاقتصادية القوية التي تجمع بين الرباط وموسكو، وفق ما أورده موقع "غلوبال إنرجي مونيتور".

ويستورد المغرب حزمة متنوعة من إمدادات الطاقات الحيوية من روسيا، أبرزها كميات كبيرة من الفحم والمشتقات النفطية التي تعوّل عليها محطات الطاقة التقليدية في المغرب في توليد الكهرباء، بحسب معلومات تثبّتت منها منصة الطاقة المتخصصة.

ولاء متغير للقوى الكبرى

يشهد ولاء المغرب للقوى الكبرى تغيرًا مستمرًا على ما يبدو، ففي ديسمبر/كانون الأول (2022)، نشرت صحيفة "أفريكا إنتيليغانس" ما يفيد بأن المغرب كانت الدولة الأفريقية الأولى التي ترسل مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، متمثلة في عدد غير معروف من الدبابات، بناءً على طلب أميركي.

لكن سرعان ما نفت الرباط تلك المزاعم، واصفةً إيّاها بـ"المعلومات المغلوطة"، وإن كان هذا الموقف يتوافق مع قرار الرباط تغيير موقفها الممانع للتصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى إدانة موسكو في فبراير/شباط (2023).

وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إن التصويت كان لصالح ميثاق الأمم المتحدة، ويدعم وحدة أراضي الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، كما أنه يدعم الحلول السلمية للصراعات.

واستدرك بوريطة : "لكن المغرب لم يشارك، ولن يشارك قط، تحت أيّ مسمى، في هذا الصراع الدامي".

تجارة النفط بين المغرب وروسيا والاتحاد الأوروبي

لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يهدد الدعم المغربي لأوكرانيا أمن الطاقة في الرباط، الذي يعتمد بقوة على الواردات الروسية؟

في هذا الصدد، قال رئيس مؤسسة "كربونيكسيت كونسالتيغ" ومقرّها فرنسا، فرانسوا لو سكورنيه: "من الصعب جدًا الجزم بهذا، لكني لا أعتقد أن الأمر كذلك".

وأوضح لو سكورنيه: "روسيا تحتاج إلى إيجاد عملاء دوليين جدد يحلّون محل نظرائهم الأوروبيين السابقين".

من جهتها، قالت المحللة الجيوسياسية رئيسة شركة "سكاراب رايسنغ" الاستشارية، ومقرّها نيويورك، إرينا تسوكرمان: "الاقتصاد الروسي يتأثر كثيرًا بالعقوبات الغربية، والخسائر التجارية، ولذا ربما تجد موسكو نفسها في وضع لا تقدر فيه على معاداة أيّ من عملائها الحاليين".

وأوضحت تسوكرمان:"علاوة على ذلك، فإن المغرب واحد من الدول المستفيدة من الغاز الروسي، الذي يُسهم في قدرة البلاد على تصدير المواد النفطية".

الطاقة المتجددة في المغرب تنافس الوقود الأحفوري
منصة تنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل المغرب - الصورة من offshore-technology

وتابعت: "تدرك روسيا جيدًا أنها لا يمكن أن تتحمل خسارة من وقف بجانبها –سياسيًا-، ولذا فهي لا تُدرج المغرب -–على الأقلّ الآن- في قائمتها السوداء للدول غير الصديقة".

ورفعت روسيا إمدادات وقود الديزل إلى المغرب –وتركيا- في وسيلة للتغلب على سقف أسعار المشتقات النفطية المفروض عليها من قبل الاتحاد الأوروبي.

وصعدت صادرات الديزل الروسية إلى المغرب من 600 ألف برميل في عام 2021 إلى مليوني برميل في يناير/كانون الثاني (2022)، وفق ما ذكره تقرير حديث صادر عن مؤسسة "كيبلر" المعنية بالتحليلات، طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وقبل اندلاع الحرب الأوكرانية، وتحديدًا في عام 2021، استحوذ الاتحاد الأوروبي على ما نسبته 60% من المنتجات النفطية الروسية.

لكن، وفي أعقاب فرض الحظر الأوروبي على واردات الخام الروسي في ديسمبر/كانون الأول (2022)، وكذلك حظر المشتقات النفطية الروسية الذي دخل حيز التنفيذ في 5 فبراير/شباط (2023)، من المفترض أن تصل تلك النسبة –نظريًا- إلى الصفر.

ويتزامن الصعود في واردات المغرب وبعض البلدان في شمال أفريقيا، من النفط الروسي، مع الزيادة في صادراتها من المنتجات النفطية المكررة، وفق أرقام "كيبلر".

وذكر كبير محللي النفط في "كيبلر" فيكتور كاتونا: "كميات النفط الروسي التي تستوردها دول شمال أفريقيا كبيرة جدًا، ولا يمكنها التعامل معها بمفردها".

وبناءً عليه، يتوقع كاتونا أن تعود بعض المنتجات الروسية مُجددًا إلى أوروبا.

في أواخر فبراير/شباط (2023)، شحنت المغرب 280 ألف برميل من الديزل إلى جزر الكناري في إسبانيا، بجانب 270 ألف برميل أخرى إلى تركيا في يناير/كانون الثاني (2023).

ويتزامن هذا مع تدفّق شحنات وقود الديزل الروسي على الرباط، غير أنه لم يتسنَّ التثبّت من منشأ هذا الوقود، بحسب ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

الأزمة مع الجزائر

تولي المغرب أهمية كبيرة بأمن الطاقة حتى قبل تورطها –دبلوماسيًا- في الأزمة الروسية الأوكرانية.

وفي إطار استجابتها للتوترات المتصاعدة حول تأكيد المغرب سيادته على الصحراء الغربية –المستعمرة الإسبانية السابقة-، أوقفت الجزائر إمدادات الغاز للرباط عبر خط أنابيب المغرب-أوروبا في نوفمبر/تشرين الأول (2021)، والذي كان يغطي 10% من احتياجات الكهرباء في المغرب آنذاك.

لكن أزمة الغاز في المغرب لم تدم طويلًا، بفضل إسبانيا التي كانت قد تعهدت، في فبراير/شباط (2020)، بمساعدة الرباط على شراء الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية، وتحميله في محطات التغويز، ونقله إلى المغرب عبر خط أنابيب المغرب-أوروبا، وهو الاتجاه المعاكس لتدفّق السلعة الحيوية المعتاد.

ويبين الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز اكتشافات الغاز الطبيعي في المغرب منذ بداية 2022:

اكتشافات الغاز في المغرب

ومنذ أن بدأ تشغيل الخط في هذا الخصوص، وتحديدًا في يونيو/حزيران (2022)، وصلت سعة الكهرباء المولدة بالغاز في المغرب إلى 553 غيغاواط/ساعة، بزيادة نسبتها 821% مقارنة بـ60 غيغاواط/ساعة في العام السابق (2021).

لكن الشراكة المغربية-الإسبانية أثارت استياء الجزائر التي ما تزال أكبر مورّد للغاز المسال إلى إسبانيا، إذ تزوّد الأخيرة بما نسبته 21.2% من احتياجاتها من السلعة في عام 2022.

وبدءًا من يونيو/حزيران (2022)، جمّدت الجزائر علاقاتها التجارية مع إسبانيا، لكنها تواصل تزويد البلد الأوروبي بالغاز حتى الآن.

ولن تُحلّ قضايا المغرب مع الجزائر –على الأرجح- ما دامت حكومة الأخيرة مدعومة من قبل الكرملين، وفق ما ذكرته تسوكرمان.

ولفتت المحللة الجيوسياسية ورئيسة شركة "سكاراب رايسنغ" الاستشارية، ومقرّها نيويورك، إرينا تسوكرمان، إلى أن الحكومة المغربية تدفع باتجاه تعزيز العلاقات في تجارة الطاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وتواصل العمل مع إسبانيا، وتكثّف التعاون مع بلدان أخرى في منطقة البحر المتوسط.

الطاقة المتجددة في المغرب

نجح المغرب في أن يدير أزمات الطاقة الناجمة عن علاقاتها المتوترة مع المورّدين، عبر شراكة الغاز الجديدة مع إسبانيا، وتعزيز صادرات الوقود الأحفوري إلى أوروبا.

لكن استبدال مورّد للوقود الأحفوري بآخر لا يخدم حاجة المغرب للتحول العالمي من الوقود الأحفوري، أو حتى يُخفف التقلبات في أسعار وإمدادات تلك الأنواع من الوقود.

ويوضح الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- فوائد استغلال طاقة الرياح في المغرب:

الطاقة المتجددة في المغرب

وبالنظر إلى أن المغرب يستورد قرابة 90% من احتياجاته من الطاقة، فإنه عُرضة –بوجه خاص- إلى تقلبات الأسعار في السوق العالمية.

ولامست قيمة واردات الطاقة المغربية مستوى قياسيًا يربو على 153 مليار درهم مغربي ( 41.7 مليار دولار أميركي) في عام 2022، بارتفاع نسبته 102% عن العام السابق (2021).

(الدرهم المغربي = 0.099 دولارًا أميركيًا).

ولا يملك المغرب هدفًا للحياد الكربوني، لكنه يتطلع إلى تعزيز حصته من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 52% بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، وإلى 70% بحلول عام 2040، وإلى 80% بحلول عام 2050، في إطار خطة المناخ الوطنية التي قدّمتها الرباط إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بموجب اتفاقية باريس للمناخ (2015).

كما يستهدف المغرب –أيضًا- خفض اعتماده على واردات الوقود الأحفوري الأجنبية بنسبة 100%.

هدف ممكن

بمقدور المغرب أن يحقق أهدافه الجديدة، بالنظر إلى التقدم المُحرَز في توسيع المشروعات في قطاع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بحسب دراسة تحليلية نشرتها مؤسسة "غلوبال داتا"، الشركة الأم لـ"إنرجي مونيتور".

ويشتمل إجمالي سعة الطاقة المتجددة في المغرب على طاقة شمسية سعة 831 ميغاواط، وطاقة رياح سعة 1.466 ميغاواط، وطاقة كهرومائية سعة 1.770 ميغاواط.

وهناك خطط قائمة للوصول بسعة الطاقة المتجددة في المغرب إلى 10 غيغاواط بحلول عام 2030.

وفي هذا السياق قال مدير المشروعات في غلوبال داتا، بافان فياكارانام: "تخطط الحكومة لتحقيق مستهدفاتها من الطاقة المتجددة في المغرب بحلول أعوام 2030 و2040 و3050، عبر التطوير التكنولوجي في تخزين الطاقة، والهيدروجين الأخضر، وتقليل تكاليف الطاقة المتجددة في المغرب".

الطاقة المتجددة في المغرب
مزرعة طاقة شمسية في المغرب - الصورة من سي إن إن

وأضاف فياكارانام: "الطاقة المتجددة في المغرب تمضي -الآن- في المسار الذي يقودها إلى مُستهدفها بحلول 2030، وستقلص اعتماد البلاد على مصادر الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز".

وتابع: "سعة الطاقة المتجددة في المغرب (المركبة) ستنخفض من 38.8% في عام 2020 إلى 22% بحلول عام 2030، وستتقلّص حصة سعة الكهرباء المولدة بالنفط إلى 9.2% بحلول 2030 من 16.2% في عام 2020".

لكن التحول إلى الطاقة المتجددة في المغرب يُعقّد النزاع القائم بين الرباط والجزائر حول الصحراء الغربية، التي أطلقت فيها الأولى مشروعات طاقة متجددة بقيمة 1.95 مليار دولار، سعة 1.6 غيغاواط، ما يعادل 36% من السعة الإجمالية المطورة.

في غضون ذلك لا يبدو المغرب بعجلة من أمره لقطع علاقاته مع روسيا، إذ وقّعت الرباط اتفاقية للتعاون النووي مع موسكو في أكتوبر/تشرين الأول (2022)، لبناء محطة طاقة نووية بدعم من شركة روساتوم الروسية الحكومية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق