الجزائر تتصدر صفقات الغاز العربية والأفريقية في العام الأول لغزو أوكرانيا
هبة مصطفى
فتح الغزو الروسي لأوكرانيا المجال أمام إنعاش صفقات الطاقة في أفريقيا والشرق الأوسط، لتبرز إمكانات تلك الدول ودورها الإقليمي والعالمي بصورة أذهلت الكثيرين.
ولا ريب أن تحرك تلك الدول -سواء على صعيد الحكومات والوزارات الممثلة لها، أو على صعيد الشركات- لطرح نفسها بديلًا عن إمدادات الوقود الأحفوري الروسية، كشف عن أكذوبة هيمنة موسكو على أسواق الطاقة بصورة غير قابلة للاستبدال.
ومن زاوية غير بعيدة ورغم تعزيز صفقات الطاقة لدور الدول العربية والأفريقية؛ فإن إقبال الدول الأوروبية (التي تعد أكثر الأطراف المتضررة طاقيًا من الحرب في كييف) على إبرام اتفاقات تؤمّن لها إمدادات بديلة لموسكو، قد أظهر مدى هشاشتها.
ومع دق ناقوس "عام من الحرب"، ترصد منصة الطاقة المتخصصة في التقرير التالي أبرز صفقات الطاقة التي نجحت دول عربية وأفريقية في اقتناصها، مقارنة بمحاولة أميركية لنشر تدفقاتها من الغاز المسال بديلًا لمثيله الروسي.
صفقات الغاز الجزائري
سطع نجم الغاز الجزائري بقوة في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية وانحسار تدفقات الغاز الروسي عن أوروبا، ومهّدت الدولة -الواقعة في شمال أفريقيا- خلال العام الأول من الحرب طريقًا حافلًا بصفقات الطاقة وخاصة الغاز، إلى أوروبا.
ويبدو أن هذا الاتجاه يُتوقع تناميه خلال العام الجاري (2023)، بعدما وجّه الرئيس عبدالمجيد تبون شركة سوناطراك الحكومية بزيادة إنتاج الغاز الطبيعي والمسال.
وبحسب تحليل رقمي أجرته منصة الطاقة المتخصصة؛ فإن عائدات صادرات الغاز الجزائرية سواء عبر الأنابيب، أو صادرات الغاز المسال، من المتوقع أن تسجّل نحو 30 مليار دولار في هذا العام.
يدعم هذا الرقم القياسي إعادةَ النظر في سعر بيع الغاز الجزائري، الذي قامت به شركة النفط والغاز الحكومية سوناطراك، خلال العام الماضي؛ إذ رفعت السعر في غالبية العقود الموقّعة مع عملائها، وفي مقدمتهم إسبانيا وإيطاليا.
وبحلول نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وقّعت الجزائر مذكرة تفاهم مع إيطاليا لبحث تدابير تصدير الطاقة إلى أوروبا، متضمنة إنجاز "خط أنابيب غالسي" لنقل الصادرات الجزائرية إلى إيطاليا لتتحول إلى مُوزع لأنحاء القارة العجوز كافة.
ومن المقرر أن ينضم خط غالسي إلى خط "ترانسيمد" الرابط للجزائر مع إيطاليا؛ ما يرفع قدرات مرافق تصدير الغاز إلى الدول الأوروبية، واضعًا الاتفاق بين البلدين في مقدمة أهم صفقات الطاقة خلال عام ما بعد الحرب.
ويكشف الرسم أدناه -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- عن ملامح جهود الجزائر لتعزيز قدرات قطاع الغاز وزيادة إنتاجه تمهيدًا للتصدير، استنادًا إلى معلومات رويترز:
ومع انسحاب الغاز الروسي من القارة الأوروبية، كثّفت الجزائر صادراتها إلى أوروبا وفتحت منافذ جديدة لها، وربما كان اتفاق "سوناطراك" مع دولة سلوفينيا الواقعة في أوروبا الوسطى -في نوفمبر/تشرين الثاني 2022- على تزويدها بالغاز لمدة 3 سنوات خير دليل على ذلك.
وتستهدف شركة إيني الإيطالية استيراد 7 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز المسال خلال العام الجاري (2023) والمقبل (2024)، وتعوّل الشركة على الغاز الجزائري لتزويد إيطاليا بمقدار التدفقات التي كانت تزودها به روسيا قبل الحرب.
وقالت الشركة إن الغاز المسال الجزائري يعزز من أمن طاقتها، ويسهم في اتجاها بصفتها واحدة من الدول الأوروبية لوقف الاعتماد على الواردات الروسية.
وبلغت حصة صادرات الغاز الجزائري نحو 12% من واردات الاتحاد الأوروبي، خلال العام الماضي، بارتفاع بنسبة 10% عن صادرات العام السابق له (2021).
وسجّلت كميات الغاز المتدفق إلى أوروبا، خلال العام الماضي (2022)، ما قُدّر بنحو 44 مليار متر مكعب، بتراجع قدره 6 مليارات متر مكعب مدفوعًا بتراجع معدلات النقل إلى إسبانيا.
ورغم ذلك؛ فقد أنعشت المحاولات الإيطالية لزيادة وارداتها من الغاز الجزائري واتفاقيات شركة إيني معدل الصادات.
وخلال عام من الحرب الأوكرانية، جذبت تدفقات الغاز من الجزائر اهتمام فرنسا أيضًا، وحاول الرئيس إيمانويل ماكرون تأمين شحنات الغاز لبلاده خلال زيارته للدولة الأفريقية في أغسطس/آب، دون جدوى.
وطمحت باريس وشركة إنجي للطاقة -حسبما أُعلن في سبتمبر/أيلول العام الماضي (2022)- إلى كسب حصة أكبر من صادرات الغاز الجزائري بنسبة زيادة حددتها بنحو 50%.
واصطدمت طموحات فرنسا بتحفظات جزائرية حول مدة العقد والسعر الذي ترغب فرنسا في الشراء به، لنقل المزيد من التدفقات عبر خط ميدغاز.
وتنظر القارة العجوز إلى تدفقات الغاز من الجزائر باعتبارها مصدرًا مهمًا وموثوقًا لتأمين إمدادات الطاقة إلى أوروبا في ظل ما لحق بالأسواق، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولفتت مفوضة الطاقة الأوروبية، كادري سيمسون، إلى أن الجزائر تشكل شريكًا إستراتيجيًا فيما يتعلق بإمدادات الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي.
الغاز القطري
بحثت أوروبا المتعطشة لتدفقات الغاز عن مصادر مستقرة ومتنوعة تضمن عدم وقوعها في براثن مصيدة الدب الروسي مرة أخرى، ولجأت ألمانيا -أكبر الاقتصادات الأوروبية- إلى الغاز القطري لدعم رحلة تخليها عن تدفقات موسكو.
ووقعت شركة قطر للطاقة -في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- اتفاقات مع ألمانيا لتزويد الأخيرة بنحو مليوني طن من الغاز المسال سنويًا، بداية من عام 2026 ولمدة 15 عامًا.
وتهدف شركة قطر للطاقة من مواصلة صفقات الطاقة وتوقيع الاتفاق مع برلين إلى تعزيز أمن الطاقة الأوروبي بصورة عامة، والألماني بصورة خاصة، ولا سيما في مرحلة التخلص التدريجي من الاعتماد على موارد الطاقة الروسية.
ويوضح الرسم البياني أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- تفوّق صادرات الغاز القطرية على أميركا وأستراليا خلال الربع الثالث من العام الماضي (2022)، بحسب بيانات أوابك:
وتشكّل اتفاقيات التعاون عامل دعم قويًا لخطط الشركة القطرية في توسعة إنتاج حقلي الشمال الشرقي والجنوبي وزيادة إنتاج الغاز المسال لتصديره.
ولم تكتفِ شركة قطر للطاقة باتفاق توريد الغاز إلى ألمانيا؛ إذ واصلت خطواتها نحو تحقيق مستهدفها بالتحول إلى أكبر شركات تجارة الغاز المسال عالميًا خلال السنوات الـ10 المقبلة، مستفيدة بحالة الاضطراب التي شهدتها أسواق الطاقة.
وشهد شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أيضًا، توقيع شركة "قطر للطاقة" واحدة من أكبر وأطول صفقات الطاقة والغاز المسال التي تمتد إلى 27 عامًا مع شركة سينوبك الصينية.
الغاز المصري
أدّت مصر دورًا حيويًا في إدارة صفقات الطاقة خلال عام منذ الغزو الروسي لأوكرانيا حتى الآن، ومنذ شهر يونيو/حزيران منتصف العام الماضي (2022) أبدت أوروبا إعجابها بقدرات إسالة الغاز لدى القاهرة.
واستفادت مصر من أزمة الطاقة الأوروبية للدخول وسيطًا في صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد إسالته في مرافقها، وفق اتفاق وُقِّع في يونيو/حزيران العام الماضي (2022).
ويعكس الرسم أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- حجم صادرات مصر من الغاز المسال، خلال الأرباع الـ3 الأولى من العام الماضي (2022)، بحسب بيانات أوابك:
وسعت ألمانيا لتكون ضمن المستفيدين من تلك الخطوة، بالاتفاق مع شركة إسرائيلية -في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- على دراسة استيراد برلين للغاز الإسرائيلي بصورة قريبة، في أعقاب نقله إلى مصر عبر خطوط الأنابيب وإسالته ثم تصديره إلى أكبر الاقتصادات الأوروبية.
وتملك مصر قدرات إسالة واسعة النطاق وفريدة من نوعها في الشرق الأوسط بمحطات في دمياط وإدكو تتجاوز قدرتهما الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا؛ ما يجعلها وسيطًا مهمًا ضمن صفقات الطاقة الموقّعة عقب الحرب الأوكرانية.
الغاز الليبي
تسعى ليبيا إلى الانضمام لركب تفوق دول أفريقيا والشرق الأوسط وقدرتها على إبرام أبرز صفقات الطاقة لأوروبا، خلال مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية.
وجرى الحديث -خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي- حول صفقة لتصدير الغاز الليبي إلى إيطاليا أسوة بالغاز الجزائري، بما يتضمن تعزيز شركة إيني الإيطالية لقطاع الطاقة في طرابلس بنحو 8 مليارات دولار لتطوير حقلي غاز في البحر المتوسط.
وكانت الشركة الإيطالية قد أبدت اهتمامها بزيادة استثمارات الغاز الطبيعي في 3 دول أفريقية (الجزائر، مصر، ليبيا) بهدف تزويد أوروبا باحتياجاتها.
ويُشير الرسم البياني التالي إلى تطور إنتاج ليبيا من الغاز الطبيعي، خلال السنوات من 1970 حتى عام 2021، وفق بيانات شركة النفط البريطانية بي بي:
الغاز النيجيري
رغم الأوضاع الداخلية المتردية في نيجيريا؛ لم تكن تدفقات الغاز بها بعيدة عن اهتمامات صفقات الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وأثير الحديث مرارًا وتكرارًا بين النفي والتأكيد حول إمكان تصدير الغاز النيجيري إلى أوروبا.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي أبدى رغبته في تمويل مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري الجزائري لضمان نقل التدفقات وأمن الإمدادات؛ فإن تطوراته تجمدت لمدة.
صفقة تكرير سعودية
شهدت أول أشهر العام الماضي (2022) في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية -وتحديدًا خلال مارس/آذار- خطوة كبيرة لتعزيز قدرات التكرير في الصين، بعدما استعانت بخبرات شركة "أرامكو آسيا" التابعة لشركة أرامكو السعودية.
ووقّعت الصين -ممثلة في شركة الصينية للنفط والكيماويات "سينوبك"- مع الشركة السعودية، اتفاق تعاون في قطاع معالجة النفط وتكريره لدى أكبر الاقتصادات الآسيوية، يجري بموجبه بناء مجمع للبتروكيماويات شرق بكين.
وعزّز الطرفان إحدى صفقات الطاقة البارزة خلال مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية باتفاق جديد في ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي (2022) تزود شركة أرامكو السعودية من خلاله المصافي الصينية بشحنات نفط إضافية تقدر بنحو 7.88 مليون برميل.
وتُشير الترجيحات إلى اتجاه الصين لزيادة وارداتها من النفط الخام، سواء من روسيا أو من السعودية والشرق الأوسط، وتكريره محليًا ثم إعادة تصديره إلى أوروبا.
صفقات بحرية لأرامكو
شاركت شركة أرامكو السعودية في أبرز صفقات الطاقة الموقّعة خلال مرحلة ما بعد الحرب؛ إذ وقعت 59 اتفاقية مع شركات محلية وعالمية صُنفت باعتبارها ضمن أبرز صفقات النفط والغاز البحرية خلال العام الماضي (2022).
وُقِّعَت الاتفاقيات خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بقيمة 11 مليار دولار، بهدف تعزيز سلسلة التوريد للشركة؛ بما يسمح بتطوير مرافق التصنيع في المملكة تحت إطار برنامج "اكتفاء" المحلي"، كما توفر تلك الاتفاقات ما يقدر بنحو 5 آلاف فرصة عمل للسعوديين.
وأُبرمت تلك الاتفاقيات مع شركات؛ أبرزها بيكر هيوز، وهاليبرتون، وإس إل بي "شلمبرجيه سابقًا، وتكنيب، بجانب شركة كاميرون الرشيد المحلية.
صفقات أدنوك
كان للشركات الإماراتية نصيب من صفقات الطاقة العربية خلال العام الماضي (2022)؛ إذ أقدمت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" على ترسية عقدين على شركة "أدنوك للحفر"، في صفقة تبلغ قيمتها 3.4 مليار دولار.
ويسمح عقدا أدنوك -اللذان تصل مدتهما إلى 15 عامًا- لشركة "أدنوك للحفر" باستئجار 8 منصات حفر بحرية، بهدف تعزيز الطاقة الإنتاجية وزيادتها إلى 5 ملايين برميل يوميًا، بحلول نهاية العقد 2030.
ويركز العقدان على تعزيز الإنتاج والاقتصاد المحلي في المقام الأول؛ ليسهم لاحقًا في الاستفادة من موارد البلاد لتلبية الطلب على الطاقة الآخذ في النمو عالميًا.
وتثري المنصات المستأجرة أسطول شركة أدنوك للحفر، الرامي إلى تعزيز مكانة الشركة باعتبارها منتجًا للطاقة، مع مراعاة اعتبارات خفض الانبعاثات والتكلفة في الوقت ذاته.
اقرأ أيضًا..
- صادرات النفط الروسي تفاجئ الأسواق بخفض كبير خلال أيام
- استثمارات الطاقة المتجددة عالميًا ترتفع إلى مستوى قياسي في 2022
- وزن السيارات الكهربائية يفاقم الوفيات الأميركية.. ومفاجأة من شركة أوروبية
هل تفقد النوم ليلاً وتقلق من كيفية الحصول على
لمزيد من المعلومات العاجلة ارجع إلينا على الفور.