التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسية

العجلة في تنفيذ خطط الحياد الكربوني تهدر الميزانيات والثقة.. 3 دول نموذجًا

هبة مصطفى

في خطوة غير متوقعة، بدأت خطط الحياد الكربوني تواجه اتهامات بـ"هدر الأموال"، عبر الإنفاق على مشروعات غير مدروسة بطريقة متأنية، أو التعجل في إنجاز أهداف خضراء دون التيقن من جدواها وعوائدها.

ووجّه مقال -اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- دعوة إلى الاستفادة من تجارب لمشروعات نظيفة في (المملكة المتحدة، وأميركا، وإيطاليا)، والتدقيق في حجم الأموال التي قد تُفقد جراء الاندفاع باتجاه تنفيذ الخطط الخضراء.

ولا يقتصر الأمر على هدر الأموال، لكن المقال أطلق جرس إنذار حول تداعيات تهوّر خطط الطاقة النظيفة على ثقة المستهلكين والناخبين في مسارات مكافحة التغير المناخي.

تهور أخضر

قد يؤدي التنفيذ المتسارع لخطط الحياد الكربوني إلى تغيير الإستراتيجية المالية العالمية، خاصة إذا جرى التقدم في المشروعات باندفاع دون دراسة جيدة لحجم الإنفاق مقابل المنافع.

ومن زاوية أخرى، قد تستغل بعض الشركات إقبال الحكومات على تمويل هذه المشروعات بسخاء، دون مراعاة للنتائج النهائية لكل مشروع، وفق مقال المحرر الاقتصادي في صحيفة الأوبزرفر الكاتب "فيليب إنمان"، المنشور في صحيفة الغارديان.

ويأتي هذا بخلاف التأثير السلبي لتوقّف بعض المشروعات إثر إدراك عدم جدواها أو تقدير تكلفتها غير المطابق للواقع، خاصة أن عددًا من الجمهور المستهلك ما زال يتحمل تكلفة التحول الأخضر في صورة ضرائب أو رسوم إضافية.

ويلخص الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز الملامح التي أقرّتها الأمم المتحدة لخريطة طريق الحياد الكربوني:

الحياد الكربوني

وقد يؤثّر "التهور الأخضر" في تغير المسار الانتخابي لبعض الحكومات، إذا أدرك المصوتون تبنّي المرشحين خططًا غير قابلة للتنفيذ أو عَدّها مجرد شعارات رنّانة.

ومع النظر لـ3 دول، نجد أن تعامل كل من: (المملكة المتحدة، أميركا، إيطاليا) مع مشروعات الحياد الكربوني كان مختلفًا.

وفي التقرير أدناه، تستعرض منصة الطاقة المتخصصة تفاصيل كل نموذج منها، وفق مقال فيليب إنمان.

تجربة المملكة المتحدة

الأهداف:

تستهدف المملكة المتحدة اتّباع مسارات مرحلية تؤدي في نهاية الأمر لتحقيق الحياد الكربوني، وتخطط إلى خفض الانبعاثات بما يزيد عن النصف بحلول نهاية العقد الجاري في 2030.

ويبدو أن هذا الهدف توارثته الحكومات واحدة تلو الأخرى، دون تحديد آلية واضحة للتنفيذ، وترتَّب على ذلك ضياع مليارات الجنيهات الإسترلينية دون ضرورة تُذكر.

(الجنيه الإسترليني = 1.23 دولارًا أميركيًا).

واتّبعت المملكة سياسة متشددة من أجل التقشف وخفض النفقات طوال 14 عامًا، ورغم ذلك، أثار الإنفاق المفرط على الأهداف الخضراء مخاوف العديد من المستهلكين.

ولن يسلم الصعيد السياسي من هذه التداعيات، إذ قد يصوّت المستهلكون ضد التقنيات الخضراء، لا سيما إذا حملت الحكومات المقبلة فارق التكلفة للمواطنين، وزادت الضرائب والرسوم ومعدل الاقتراض، طبقًا لما أورده فيليب إنمان في مقاله.

الواقع:

تبقى قدرة القطاع العام على التكيف مع المتطلبات الجديدة للتحول الأخضر في المملكة، والتوسع في مشروعات ومسارات الطاقة النظيفة مع إدراك بأبعادها، المعيار الأبرز الداعم لإمكان مضاعفة الخطط الاستثمارية للحياد الكربوني.

ولفت إنمان إلى أن مدة ما قبل الانتخابات ستشهد سجالًا بين اليمين واليسار في المملكة المتحدة، متوقعًا أن يتبنّى اليسار الدفاع عن التوسع الأخضر، حتى وإن أدى إلى إهدار أموال أو التعرض للاحتيال من قبل بعض الشركات.

وفي المقابل، سيستغلّ اليمين ثغرات هدر الأموال للدفع باتجاه التخلّي عن الحياد الكربوني والخطط الخضراء، وفق مقال المحرر الاقتصادي في صحيفة الأوبزرفر الكاتب "فيليب إنمان"، في صحيفة الغارديان.

وضرب الكاتب مثالًا بموقف حزب العمال ورئيسه "كير ستارمر"، بعدما أعلن الأخير -في فبراير/شباط الماضي- خفض إنفاق الحزب على الاستثمارات الخضراء.

وتساءل قائلًا: "هل التكلفة التي طرحها الحزب أولًا كافية لتحقيق رؤيته الخضراء؟"، فيما يبدو تشكيكًا بالفجوة بين المستهدفات الطموحة من جهة، وحجم الإنفاق الفعلي من جهة أخرى.

وقال إنمان، إنه حال إصرار حزب العمال على تبنّي مشروع "المنازل الخضراء"، فإنه يحتاج إلى إستراتيجية مختلفة محددة الملامح، من تدريب للعاملين ودراسة مدى قدرة الشركات المرشحة للتنفيذ، بدلًا من تهديد فشل المشروع وغيره لاحتمال تولّي ستارمر رئاسة الوزراء.

مزرعة شمسية في المملكة المتحدة
مزرعة شمسية في المملكة المتحدة - الصورة من Daily Express

تجربة أميركا

تواجه مخصصات دعم الحياد الكربوني في أميركا التخوف ذاته، خاصة أن الرئيس جو بايدن أعلن منذ تولّيه منصبه -وقبل ذلك في برنامجه الانتخابي- تبنّيه خطة مناخية خضراء.

وتنفق إدارة بايدن بسخاء على المشروعات الخضراء، ما يجعلها عرضة لإهدار الميزانيات والخداع مع إغراءات ووعود الشركات.

وهناك مثال واضح على ذلك، فبعد أن رفعت القوانين والتشريعات ميزانية وكالة حماية البيئة بنحو 100 مليار دولار، تواجه الوكالة حاليًا تحذيرات من احتمال تعرُّض ميزانيتها للهدر إذا دخلت في مشروعات بصورة عاجلة دون تأنٍّ ودراسة.

وقال فيليب إنمان، إن البلدان الثرية والكبرى، المطلقة لغالبية معدل الانبعاثات الكربونية، تودّ تنفيذ الأهداف المناخية بوتيرة سريعة تلبية لمتطلبات مكافحة التغير المناخي.

ورغم ما يلقيه قانون خفض التضخم من أعباء على كاهل الميزانية، بتقديمه دعمًا ومنحًا وقروضًا بتكلفة قد تصل 369 مليار دولار، فإن عوائده بالنسبة لأميركا أكبر من مدى التكلفة، طبقًا لتصور وزيرة الخزانة "جانيت يلين".

ورغم رؤية الإدارة الأميركية المتفائلة التي تبدي استعدادًا لتقبل الخسائر، فإن إنمان حذّر من ردة فعل الناخبين ومن لهم حق التصويت حيال الخسائر وتحمّل ضريبة العجلة في إطلاق المشروعات خلال أشهر قليلة دون دراسة.

الرئيس الأميركي جو بايدن يتفقد سيارة كهربائية
الرئيس الأميركي جو بايدن يتفقد سيارة كهربائية - الصورة من WP

تجربة إيطاليا

بالعودة إلى أوروبا، نجد أن حكومة إيطاليا خصصت ما يُقدَّر بنحو 219 مليار يورو، خلال المدة من عام 2020 حتى فبراير/شباط 2024، لمشروع مثل "سوبر بونص" المعني بتجديد المنازل.

ويعادل حجم الإنفاق المخصص للمشروع 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة الأوروبية، في إطار توسّعها لتنفيذ الخطط الخضراء.

(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا).

ويبدو حجم الإنفاق غريب بعض الشيء، إذ يعدّه مسؤولون سابقون في القطاع المالي الإيطالي "إنفاقًا ضخمًا" بالنسبة لمعدل نمو الناتج المحلي.

ويتزامن ذلك مع ارتفاع تكلفة البناء إلى مستوى تعثّرت فيه شركات البناء، وواجهت صعوبات في تلبية الطلب، وأدت هذه الأسباب مجتمعة إلى ارتفاع أسعار القطاع السكني بصورة كبيرة، ما يزيد احتمالات تعرُّض الخطط الخضراء إلى التلاعب والخداع.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق