تقارير النفطرئيسيةنفط

توترات البحر الأحمر تضرب سوق النفط.. ومخاوف تحيط بقناة السويس

أسماء السعداوي

جلبت توترات البحر الأحمر رياح التغيير إلى سوق النفط العالمية من شرقها إلى غربها، فارتفعت تكلفة الشحن والتأمين وأسعار الخام ومشتقاته، وأخيرًا مصادر الشحنات.

وفي تحول لافت، أصبحت شحنات النفط ومشتقاته من البلدان الأقرب، أكثر جاذبية من ذي قبل، وتجلى ذلك في تخلي مصافي أوروبا عن شراء خام البصرة العراقي، لتشتري من منطقة بحر الشمال وغايانا، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وتراجعت شحنات النفط الأميركي إلى آسيا في يناير/كانون الثاني (2024)، في حين أدت زيادة الطلب على خام مربان في أبوظبي إلى ارتفاع الأسعار.

وتضررت قناة السويس في مصر من الوضع المتوتر في البحر الأحمر، بعدما تراجعت ناقلات النفط عن المرور من خلالها، خوفًا من استهدافها عسكريًا كما حدث مع الناقلة مارلين لواندا (Marlin Luanda).

ووقعت الناقلة -التي كانت تنقل شحنة من النافثا الروسية إلى سنغافورة- فريسة لجماعة الحوثيين اليمنية يوم 26 يناير/كانون الثاني (2024)، بعد استهدافها بصاروخ أدى إلى اشتعال النار فيها، رغم أن الجماعة المسلحة تعهدت بعدم استهداف السفن الروسية أو الصينية.

ولم تكن تلك الحادثة هي الأولى في مسلسل توترات البحر الأحمر، الذي بدأ بإعلان الحوثيين استهداف السفن المتجهة إلى مواني إسرائيل، للضغط لوقف الحرب في غزة، ما دفع الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف عسكري باسم "حارس الازدهار" لاستهداف مواقع الجماعة داخل اليمن.

سوق النفط العالمية 2024

كان تراجع مرور ناقلات النفط في قناة السويس قد أشعل شرارة تغير ملامح سوق النفط العالمية قبل أسابيع، إذ هبطت نسبة مرور ناقلات النفط في القناة بنسبة 23% خلال يناير/كانون الثاني مقارنة بشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وعلى نحو خاص، انخفض عبور ناقلات غاز النفط المسال والغاز المسال بنسبة 65% و73% على الترتيب، وفق بيانات تتبع السفن التي أعدتها شركة كبلر للتحليلات (Kpler)، ورصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

حريق الناقلة مارلين لواندا
حريق الناقلة مارلين لواندا - الصورة من "تانكر تراكر"

وبين منطقة حوض الأطلسي وبحر الشمال والبحر المتوسط من ناحية، ومنطقة الخليج العربي والمحيط الهندي وشرق آسيا، تغيرت ديناميكيات الطلب وأنماط شراء النفط، بسبب توترات البحر الأحمر الذي تمر منه 12% من حركة السلع العالمية، ويربط قارات العالم القديم بعضها البعض.

وما زالت عمليات نقل النفط الخام مستمرة بين بعض تلك المناطق، لكن عبر طريق رأس الرجاء الصالح المار بأقصى الطرف الجنوبي لجنوب أفريقيا، وهي رحلة أطول وأكثر تكلفة.

ويقول التجار، إن بعض مصافي أوروبا تجنبت شراء خام البصرة العراقي في يناير/كانون الثاني (2024)، وفي المقابل اشتروا شحنات من بحر الشمال وغويانا.

وفي آسيا، قفز الطلب على خام مربان الخفيف، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره بالسوق الفورية خلال منتصف يناير/كانون الثاني، في حين شهدت تدفقات النفط من قازاخستان إلى دول آسيا تراجعًا حادًا، وفق ما جاء في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

وهبطت شحنات الخام الأميركي إلى آسيا بأكثر من الثُلث في يناير/كانون الثاني مقارنة بديسمبر/كانون الأول، وفق بيانات كبلر.

وبالنسبة إلى تأثير توترات البحر الأحمر في أسواق المشتقات النفطية، كانت شحنات الديزل ووقود الطائرات من الهند والشرق الأوسط إلى أوروبا، وزيت الوقود والنافثا الأوروبيين إلى آسيا هي الأكثر تضررًا.

أسعار النفط ومشتقاته

سجلت أسعار النافثا في آسيا أعلى مستوى لها في عامين تقريبًا، بسبب المخاوف من شح الإمدادات القادمة من أوروبا.

وبالنسبة إلى ارتفاع أسعار النفط، فقد كانت نتيجة لارتفاع تكاليف نقل الشحنات، وهو ما شجع مصافي التكرير على الشراء من أقرب مصدر آمن.

وارتفعت أسعار تأجير ناقلات النفط من فئة ناقلات السويس (Suezmax) من بلدان الشرق الأوسط إلى شمال غرب أوروبا بأكثر من النصف منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول.

وخلال تلك المدة، قفز سعر برميل خام برنت المرجعي بنسبة 8% تقريبًا، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

يشار إلى أن ناقلات السويس (Suez Max) هي تلك التي يمكنها عبور قناة السويس، وتتراوح حمولتها بين 125 ألف طن متري و200 ألف طن متري.

كما ارتفعت تكلفة توصيل النفط من الولايات المتحدة إلى آسيا بأكثر من دولارين للبرميل على مدار 3 أسابيع في يناير/كانون الثاني.

محاولة إخماد حريق نشب في إحدى ناقلات النفط بسبب الهجوم عليها في البحر الأحمر
محاولة إخماد حريق نشب في إحدى ناقلات النفط بسبب الهجوم عليها في البحر الأحمر - الصورة من "ذا نيويوركر"

هل تستمر الفوضى؟

يقول كبير محللي أسواق النفط الخام في شركة كبلر لتحليل البيانات، فيكتور كاتونا، إن التحول إلى شراء الشحنات الأسهل من الناحية اللوجستية منطقي تجاريًا، وسيستمر هذا الاتجاه ما دامت ارتفعت أسعار الشحن نتيجة لتوترات البحر الأحمر، مؤكدًا صعوبة تحقيق التوازن بين أمن الإمدادات وزيادة الأرباح.

وبدوره، يقول محلل السلع في مصرف "يو بي إس غروب" السويسري (UBS Group)، جيوفاني ستاونوفو، إن تنوع مصادر الإمددات ما زال ممكنًا لكن بسعر أعلى، مشيرًا إلى أن ذلك سيؤثر في هوامش أرباح المصافي ما لم تُمرر التكلفة إلى المستهلكين النهائيين.

ويرى مدير شركة سوري كلين إنرجي للاستشارات (Surrey Clean Energy)، أدي إمسيروفيتش، أن التوترات الجيوسياسية ليست جيدة لحركة التجارة، مضيفًا: "إذا كنت مشتريًا فسأكون حذرًا ويقظًا، إنها مدة صعبة لمصافي التكرير خاصة الآسيوية التي تحتاج إلى أن تكون أكثر مرونة.

ويزيد الوضع الحالي من صعوبة تنويع مصادر الإمدادات بالنسبة إلى الدول المعتمدة على الاستيراد مثل الهند وكوريا الجنوبية، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

كما يحجّم مرونة مصافي التكرير للاستجابة لديناميكيات سوق النفط المتغيرة سريعًا، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع هوامش الربح.

ومن غير المتوقع أن تستمر توترات البحر الأحمر طويلًا في تغيير مشهد تدفقات النفط، لكن على المدى القريب من الصعب رؤية حل للصراع المستعر.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق