حصاد النفط والغاز الجزائري.. 3 خبراء يتحدثون عن الإنجازات والتحديات في 2023
الجزائر - عماد الدين شريف
حقق قطاع النفط والغاز الجزائري مجموعة من النتائج في عام 2023، يندرج مجملها في الجانب الإيجابي، وفق تقرير حديث لمنصة الطاقة المتخصصة.
ويرى المتتبّعون والخبراء أن نتائج عام 2023 بمثابة الترجمة الحقيقية للانطلاقة، عقب صدور الأطر القانونية، لا سيما قانون المحروقات وقانون الاستثمار في الجزائر.
اكتشافات النفط والغاز الجزائري
يقول الخبير في الطاقة، أحمد طرطار، إنّ شركة النفط والغاز الحكومية سوناطراك حققت -حسب آخر حصيلة لها- 10 اكتشافات في عام 2023، ومن المنتظر أن ترفع من حجم الاحتياطات الوطنية من الموارد الطاقية الأحفورية بصورة كبيرة.
وأشار -في تصريح خاص إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أنّ الاحتياطات الجزائرية تُقدَّر بـ12 مليار برميل من النفط، و4.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري، تضاف إليها هذه الاحتياطات الجديدة.
وأضاف أن من شأن ذلك رفع القدرات الإنتاجية للبلاد حال توفير جميع الظروف للاستخراج والتحويل والتوجه نحو التصدير، ومن ثم ارتقاء الجزائر لاحتلال مراتب أولى في مصافّ الدول المصدّرة للغاز، إذ تُصنَّف حاليًا في المرتبة السابعة.
وتوقّع طرطار أن تسهم هذه الاكتشافات في زيادة واضحة باحتياطات الموارد الأحفورية الوطنية، لدفع الجزائر إلى مصافّ الدول المنتجة والمصدّرة للنفط.
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي عبدالرحمان هادف، أن النتائج المحققة من طرف سوناطراك في مجال الاستكشاف والإنتاج ونشاطات التكرير والبتروكيماويات مشجعة، وسمحت للمجمع برفع حجم الإنتاج والاستجابة إلى جميع طلبات الزبائن، بل والتوجه -أيضًا- لتغطية احتياجات زبائن جدد.
وقال -في تصريح خاص لمنصة الطاقة المتخصصة-، إنّ العمل كبير في مجال التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز الجزائري، لا سيما بعد إدماج التقنيات التكنولوجية الحديثة، واستعمال الحلول ثلاثية الأبعاد في مجال الجيوفيزياء وطرق الحفر، ومن ثم تعزيز الطاقات الإنتاجية لسوناطراك.
وأوضح الخبير أنّ هذا التوّجه ترجمه -أيضًا- حجم الاستثمارات التي أعلنتها سوناطراك في قطاع النفط والغاز الجزائري وما يُعرف بـ"مخطط المؤسسة متوسط المدى"، الذي يتواصل خلال السنة المقبلة عبر تخصيص 36 مليار دولار للاستكشاف ضمن مخطط يستمر إلى 2028، الأمر الذي عدّه دليلًا على عزم سوناطراك على تطوير قدراتها الإنتاجية وتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي.
دافع لتفعيل الشراكات
رأى طرطار أن الاكتشافات الجديدة في قطاع النفط والغاز الجزائري خطوة لتعميق الاستثمارات في هذا النوع من الاحتياطات الطبيعية، فضلًا عن كونها تشكّل دافعًا قويًا لإقامة الشركات مع كبريات الشركات الطاقية في العالم، عبر مشروعات تؤسّس للهياكل القاعدية في مجال النشاطات الطاقية الخاصة بالمنبع، والنقل والإنتاج والمصب.
وقال، إنّ تحقيق هذه النتائج يعود إلى الإستراتيجية التي تبنّتها مؤسسة سوناطراك من خلال التوجّه نحو مزيد من هذه الاستكشافات، لا سيما في إطار الشراكة مع كبريات الشركات النفطية في العالم، وعلى رأسها "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية، وكذلك مجموعة من الشركات الأميركية؛ بهدف الاستفادة من التقنية في مجال البحث والاستكشاف، والإنتاج، والتكرير، وغيرها من الأنشطة.
تحفيزات القانون
تعمل الجزائر -ممثلة في سوناطراك- على تنويع الشركاء والزبائن من خلال التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات، مثلما حدث مع تركيا، بالإضافة إلى الزبائن التاريخيين للجزائر، مثل إيطاليا وإسبانيا.
وتجسّد هذه الخطوة، حسب الخبير، الأطر القانونية الجديدة من خلال إلغاء بعض القيود التي كانت قائمة على الاستثمار، عبر تعديل قانون المحروقات، استقطابًا أكثر للشركات الأخرى، ضمن مقاربة جديدة تأخذ في أولويتها المصالح الوطنية وفائدة قطاع الطاقة ورسم الشراكة في إطار ما يُعرف بمبدأ "رابح/رابح".
وقال، إنّ التحفيزات استمرت بدخول شركات جديدة للاستثمار في الجزائر، موضحًا أن قانون الاستثمار في نسخته المعدلة يُعدّ محفزًا للشراكة في مختلف القطاعات، بما فيها مجالات الطاقة.
مجهودات الاستكشاف في قطاع النفط والغاز الجزائري
بدوره، قال الخبير الدولي في الطاقة بغداد مندوش، إن شركة سوناطراك واصلت في سنة 2023 جهودها في الاستكشافات داخل قطاع النفط والغاز الجزائري، فقد كشفت الأرقام الأخيرة عن أنها بلغت 10 اكتشافات، لتؤكد الوتيرة المسجلة في هذا المجال خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، إذ يُقدَّر معدلها بـ15 اكتشافًا في العام، أهمها في ولاية الأغواط، وهو حقل غازي تبلغ قدرات إنتاجه بـ3.7 مليون متر مكعب في اليوم.
وذكر الخبير -في تصريحه الخاص إلى منصة الطاقة المتخصصة- أنّ سوناطراك حققت خلال العام نفسه نحو 45 بئرًا من نوع الاستكشاف، ونحو 120 بئرًا تندرج في إطار تطوير الحقول المستغلة حاليًا، على غرار حاسي مسعود وحاسي بركين وغيرهما.
وأشار إلى أهم مركز لتحويل النفط والغاز، باستثمار يُقدَّر بمليار دولار موزَّع على منطقة حاسي طرفة وحاسي زباط وحاسي قطارة جنوب حاسي مسعود بولاية ورقلة، ويملك المركز قدرة لتكرير 60 ألف برميل من النفط يوميًا، فضلًا عن تحويل مليوني متر مكعب من الغاز.
العقود المبرمة بقطاع النفط والغاز الجزائري
أهم العقود الموقعة -حسب الخبير الدولي بغداد مندوش- كانت مع الشريك الإيطالي "إيني"، لا سيما العقد المتعلق بالاستكشاف في شمال حاسي بركين، وعقد آخر بتصدير الغاز الطبيعي بحجم 4 مليارات متر مكعب، ليصل بذلك حجم الإمدادات السنوية لإيطاليا إلى 27 مليار متر مكعب، وهي كميات رأى مندوش أنها تمثّل رقمًا قياسيًا لم يُسجل من قبل.
في إطار العقود كذلك، شهد عام 2023 عقدًا بين سوناطراك وشركة ريبسول الإسبانية، بالإضافة إلى عقد بين شركتي ناتورجي وبوتاش التركية، موقّع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتزويد تركيا بالغاز بكمية 4 مليارات متر مكعب لمدة ثلاث سنوات إضافية.
التكرير
حوّلت سوناطراك في عام 2023 نحو 30 مليون طن من النفط إلى وقود، وهي القدرة التي وضعت الجزائر في وضعية لم تلجأ فيها إلى الاستيراد منذ عامين لتغطية الاحتياجات الوطنية من البنزين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من مختلف أنواع الوقود.
كما أشار بغداد مندوش إلى وجود إمكانات للتصدير بداية من السنة المقبلة.
وتطرّق إلى الأظرف المالية المخصصة من قبل سوناطراك للاستثمار في مجال التكرير، التي تُقدَّر -حسب التصريحات الرسمية- بـ7 مليارات دولار، وقال، إنّها تندرج ضمن الغلاف المالي الاستثماري الخاص ببرنامج سوناطراك إلى سنة 2027، والمُقدَّر بـ50 مليار دولار، أي بمعدل استثمار سنوي قدره 12 مليار دولار.
وأوضح الخبير بغداد مندوش، أنّ حجم الاستثمار لدى سوناطراك في عام 2022 لم يتجاوز 4.5 مليار دولار، وهو الرقم الذي ارتفع في العام الحالي، ومن المنتظر أن يرتفع أكثر في العام المقبل، على الرغم من أنّ الحجم الأكبر من استثمارات في البرنامج المعلن موجَّه لنشاطات الاستكشاف والإنتاج لتجديد المخزون الوطني المقدَّر بـ12 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تطوير الحقول وإمكانات النقل عبر الأنابيب والبواخر على السواء.
إعادة تقييم العقود
قال مندوش، إنّ المسار الذي بدأته سوناطراك بإعادة تقييم عقود الإمدادات الطويلة الأجل واصلت فيه خلال عام 2023، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا، ممثلة بشركة "إنجي"، والشركة الإسبانية "ناتورجي"، وكذلك الشركة الإيطالية "إيني"، طبقًا للبنود الواردة في هذه الاتفاقيات.
وعلى هذا الأساس، تفاوضت سوناطراك مجددًا حول أسعار تزويد عملائها بالغاز الطبيعي، مع الأخذ بالحسبان عاملين أساسين، هما تكلفة الإنتاج والسعر المعمول به في السوق.
وفي هذا السياق، أشار المتحدث إلى أنّ سعر الغاز ارتفع في عام 2022، قياسيًا، إذ وصل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى 350 دولارًا للميغاواط/ساعة، ومن ثم كان من الضروري على سوناطراك الجلوس على طاولة التفاوض مع عملائها.
العودة للاستثمار في ليبيا
قرّرت سوناطراك في عام 2023 -بالتنسيق مع السلطات العمومية ووزارة الطاقة والمناجم- العودة للاستثمار بالحقول النفطية في ليبيا، بعد غياب استمر سنوات عدّة، بسبب الظروف الأمنية.
وقال الخبير مندوش، إنّ ذلك تُرجِم من خلال فرع سوناطراك "سيباك" بالشراكة مع الشركة الليبية للبترول والغاز.
وقال المتحدث، إنّ الاستثمار يتعلق بالمنطقة 65 في حقل غدامس، إذ إن 25% منها للطرف الجزائري ممثلًا في "سيباك"، الموجودة كذلك في موريتانيا ومالي والنيجر.
ويصف الخبير هذه الخطوة بأنها "فرصة لتقوية سوناطراك إنتاجها في الخارج، كما هو معمول به من قبل الشركات البترولية الكبرى في العالم".
تجديد عقود الإمدادات
تميّز عام 2023 بتجديد سوناطراك عقود إمداد عملائها في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وتركيا، الأمر الذي ربطه الخبير في مجال الطاقة بالاستكشافات الجديدة خلال الأعوام الأربعة الماضية، لا سيما الحقول الموجودة في حاسي الرمل، ومن ثم تمكين سوناطراك من رفع حجم الإنتاج وتوجيه جزء مهم منه للتصدير، بالإضافة إلى مشروعات تعزيز إنتاج الحقول السابقة "بوستين".
وأضاف مندوش أنّ هذه الإستراتيجية تسمح للجزائر، ممثلة بشركة سوناطراك، بتعزيز مكانتها على المستوى العالمي، وتقوية موقعها بصفتها منتجًا ومصدّرًا للنفط والغاز في العالم، واحترام جميع الالتزامات مع الزبائن، خاصة الطويلة الأجل، والحفاظ على السمعة، لكون سوناطراك موردًا موثوقًا وذا مصداقية.
الموارد البشرية
اهتمت سوناطراك في مخططها لعام 2023 بتأهيل الموارد البشرية واستقطاب أفضل الكفاءات، في مختلف المراحل، بداية من التنقيب والاستكشاف، ثم الإنتاج، فالنقل والتصدير، بالإضافة إلى التكرير والتحويل.
وأشار الخبير عبدالرحمان هادف في هذا السياق إلى التكوين و"الرسكلة" المتواصلة لمهندسي سوناطراك وعمالها بالتعاون مع المعهد الجزائري للبترول الموجود في ولاية بومراداس؛ كونه يعدّ جامعة للمؤسسة، إلى جانب المراكز الأخرى، فضلًا عن التكوين في أكبر المعاهد داخل الوطن وخارجه، بهدف التحكم في التقنيات الحديثة.
خط الغاز العابر للصحراء
من بين أهم مشروعات قطاع الطاقة في الجزائر، مشروع خط أنبوب الغاز العابر للصحراء والرابط بين نيجيريا والنيجر، وصولًا إلى الجزائر، الذي يحمل بعدًا إقليميًا أيضًا.
ورغم أن هذا المشروع مرّ بمرحلة فتور بسبب الأوضاع الأمنية في دولة النيجر، فإنّ وزير خارجية نيجيريا يوسف توغار عادَ ليؤكد قبل بضعة أيام أنّ المشروع في الطريق الصحيح.
وفي هذا الشأن، قال الخبير عبد الرحمان هادف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-، إنّ الخيار الجزائري هو الأقرب إلى التنفيذ، واستدلّ بكونه المشروع المنتظر من قبل دول الاتحاد الأوروبي، ضمن إستراتيجيتها للبحث عن بدائل مهمة للتزوّد بالطاقة، وتعويض الامدادات القادمة من روسيا، خاصة أنّ الجزائر -حسب قوله- تملك قنوات أنابيب جاهزة تربطها بكل من إيطاليا وإسبانيا، قد تُعدّ منفذًا نحو أوروبا.
وللاطلاع على حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2023 بشأن النفط والغاز والفحم والطاقة المتجددة والهيدروجين والسيارات الكهربائية، يرجى الضغط هنا.
اقرأ أيضًا أبرز موضوعات حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2023:
- اكتشافات النفط والغاز عربيًا.. 4 دول تعثر على حقول جديدة في 2023
- احتياطيات النفط والغاز العالمية 2023.. زيادة في دول الشرق الأوسط وأميركا
- أسعار النفط في 2023.. خسائر وتقلبات بعد عامين من المكاسب
- سوق النفط في 2024.. توقعات حذرة للأسعار مع تباطؤ الطلب
- سوق الغاز المسال العالمية 2023.. أسعار هادئة وتغيرات في خريطة التجارة
- الطلب على الغاز الطبيعي في 2023.. عودة تدريجية للنمو بعد صدمة الأزمة الأوكرانية
- مشروعات الهيدروجين في 2023.. إعلانات وخطط طموحة مع نقص المشترين
- إنتاج الهيدروجين الأخضر في 2023.. 7 دول عربية تتسابق نحو الريادة العالمية
- الطاقة المتجددة في 2023.. طفرة قياسية بالأسواق الكبرى فاقت قدرة الشبكات
- قطاع الطاقة المتجددة عربيًا 2023.. 3 دول خليجية تتصدر المشهد وخطوة مهمة للجزائر