سلايدر الرئيسيةالتقاريرتقارير السياراتتقارير منوعةسياراتمنوعات

المعادن الأرضية النادرة.. كنوز غير مستغلة أم نار تحت الرماد؟

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • تتسارع وتيرة استعمال المعادن الأرضية النادرة في السنوات الأخيرة
  • المعادن الأرضية النادرة قد تتسبّب في نشوب صراعات مسلحة بين الدول
  • تُستعمل المعادن الأرضية في العديد من الصناعات الإستراتيجية
  • تُعد الصين مزوّدًا رئيسًا لقرابة ما يتراوح من 85-95% من إجمالي الإمدادات منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي
  • من المتوقع أن يقود التحول نحو نظام طاقة نظيفة إلى ارتفاع كبير في الطلب على معادن معينة

تطرح المعادن الأرضية النادرة نفسها بقوة على خريطة الأحداث العالمية في الأعوام الأخيرة، ليس لاستعمالاتها في العديد من الصناعات الإستراتيجية فحسب، وإنما لقدرتها على تغذية التوترات الجيوسياسية، وصولًا إلى إشعال نار الصراعات بين القوى الكبرى العالمية.

وتُعد تلك الموارد المعدنية مواد خام ذات أهمية إستراتيجية للأمن الاقتصادي والعسكري للدول، إذ إنها ضرورية لتطوير العديد من التقنيات المدنية والعسكرية، وفق تقارير اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وتبرز الصين بصفتها أكبر مُنتِج للمعادن الأرضية النادرة على مستوى العالم، ما يشكل تهديدًا كبيرًا لأمن الإمدادات في الغرب، وقد ظلت هذه المشكلة تحت رادار صناع القرار السياسي لمدة طويلة جدًا.

وبينما تواصل ثورة الطاقة الخضراء تقدمها واكتساب زخم شديد في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والصين، هناك ارتفاع ملحوظ في الطلب على المعادن الأرضية النادرة التي تُعد من بين الركائز الرئيسة التي تقوم عليها تقنية الطاقة النظيفة، وفق ما أوردته مجلة ذا ديبلومات (The Diplomat) الأميركية.

وتضم العناصر الـ17 التي تشكّل المعادن الأرضية النادرة التي تُعرف -أيضًا- بالعناصر الأرضية النادرة: اللانثانوم، والسيريوم، والبراسيوديميوم، والنيوديميوم، والبروميثيوم، والسماريوم، واليوروبيوم، والغادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، والهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والإيتربيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم.

وتسعى الدول -بقوة- لامتلاك هذه الموارد الحيوية، ما يقود بالتالي إلى منافسة شرسة بينها، قد تتحول في نهاية الأمر إلى توترات، بل وربما صراعات مسلحة.

أصل التسمية

كان مصطلح "العناصر الأرضية النادرة" يُعزى في بادئ الأمر إلى تلك المركّبات حينما اكتُشفت للمرة الأولى خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ إذ كانت "الأتربة" -آنذاك- اسمًا يصف المواد الخام التي تُظهر مقاومة لأي تعديلات إضافية عند تعرضها للحرارة.

وبعكس أنواع المعادن الأرضية الأخرى مثل الجير أو المغنيسيوم، تبدو تلك العناصر النادرة محدودة من حيث وفرتها، وفق تقارير رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

ورغم توافرها وتنوع تطبيقاتها في الوقت الحالي، مقارنةً بأي وقت مضى، فإن مفهوم الندرة المقترن بتلك الموارد الثمينة يُقيّم ويُحدّد بناءً على مستوى المنافسة المحيطة بها.

ورغم أن معظم الموارد الأرضية النادرة لا تُظهر مستوى الندرة كما يوحى الاسم، فإنها ضرورية -الآن- لتطوير التقنية الحديثة والأنماط الحياتية المعاصرة.

وعلاوة على ذلك، فإن الرواسب المركزة والمجدية اقتصاديًا من المعادن الأرضية النادرة أقل انتشارًا بكثير، ما يجعل تحديد أماكنها واستخراجها أكثر صعوبة.

تربة تحتوي على معادن أرضية نادرة
تربة تحتوي على معادن أرضية نادرة - الصورة من رويترز

أهمية إستراتيجية

تؤدي المعادن الأرضية النادرة دورًا محوريًا في مجموعة متنوعة من الأشياء التي تُعد جزءًا لا يتجزأ من عملية التحول المستمر إلى الطاقة المستدامة.

فمن محطات الألواح الشمسية، ومزارع الرياح، والسيارات الكهربائية، إلى الشبكات الكهربائية وبطاريات التخزين، والهيدروجين، تؤدي المعادن الأرضية النادرة دورًا حاسمًا في إنتاج السلع المختلفة التي تُعد جزءّا مهمًا في جوانب عدة في المجتمع والحياة اليومية.

وتشتمل تلك السلع على مجموعة واسعة من البنود، بدءًا من الصواريخ الموجهة إلى سلع يستعملها المدنيون حول العالم، مثل السيارات الكهربائية والهجين وشاشات التلفاز المسطحة، وشاشات الحاسوب، والهواتف الذكية والكاميرات الرقمية، بالإضافة إلى مصابيح الفلورسنت والصمامات الثنائية الباعثة للضوء ليد (LED).

وتتطلب بعض تلك السلع كميات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة مقارنةً بأخرى، فعلى سبيل المثال تحتاج سيارة كهربائية، في المتوسط، إلى معادن أرضية نادرة تزيد في المتوسط بواقع 6 مرات عن المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي

وبعكس السيارات التقليدية التي تستلزم قرابة 25 كيلوغرامًا من النحاس و-تقريبًا- 10 كيلوغرامات من المغنيسيوم، تستعمل سيارة كهربائية أكثر من 50 كيلوغرامًا من النحاس، وقرابة 45 كيلوغرامًا من الكوبالت، وأكثر من 50 كيلوغرامًا من الغرافيت، وضعف كمية المغنيسيوم.

الطاقة المتجددة حاضرة

في مجال تقنيات الطاقة المتجددة، يستلزم نظام طاقة رياح بحرية -على سبيل المثال- استعمال 100 كيلوغرام من النحاس، و75 كيلوغرامًا من الزنك.

وبناءً عليه فإنه ومع توسع الدول في استعمال مصادر الطاقة المتجددة، يبرز هناك احتياج كبير لتلك الموارد النادرة.

ووفقًا لتقرير يحمل عنوان "دور المعادن النادرة في تحولات الطاقة النظيفة"، أصدرته وكالة الطاقة الدولية، فإنه منذ عام 2010 نما متوسط كمية المعادن المطلوبة لتأسيس وحدة جديدة من سعة توليد الكهرباء بنسبة 50%، تزامنًا مع النسبة المتزايدة لمصادر الطاقة المتجددة في الاستثمارات الجديدة.

وقالت وكالة الطاقة الدولية، إنه من المتوقع أن يقود التحول نحو نظام طاقة نظيفة إلى ارتفاع كبير في الطلب على معادن معينة، ومن ثم يبرز قطاع الطاقة عامل حسم في أسواق المعادن، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ولتحقيق أهداف الحياد الكربوني بوتيرة أسرع بحلول منتصف القرن الحالي (2050)، سيكون من الضروري زيادة مدخلات المعادن في ذلك العام بواقع 6 مرات قياسًا بوضعها الحالي.

الدول المهيمنة

رغم توافر تلك الموارد من حيث الكمية فإن رواسبها فقط توجد في مناطق معينة، ونتيجة لذلك تفرض مجموعة من الدول هيمنتها على أنشطة تعدين المعادن الأرضية النادرة، والمعادن المرتبطة بها، من بينها الليثيوم والكوبالت والنيكل.

وسيطرت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والمملكة العربية السعودية على استخراج الوقود الأحفوري، وتحديدًا النفط والغاز الطبيعي، وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية الصادرة في العام الماضي (2022)، طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ولا ينخرط سوى عدد قليل من الدول في أنشطة استخراج المعادن، من بينها تشيلي بالنسبة للنحاس، وإندونيسيا للنيكل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية بالنسبة للكوبالت، والصين للمعادن الأرضية النادرة، وأستراليا بالنسبة لليثيوم.

ومن حيث المعالجة تبرز الولايات المتحدة الأميركية ودولة قطر والصين والسعودية الدول الرئيسة التي تنخرط في معالجة مصادر الوقود الأحفوري، وتحديدًا في مناطق تكرير النفط والغاز الطبيعي المسال.

الصين الأولى عالميًا في المعالجة

في المقابل، تتبوّأ الصين موقعًا رياديًا في معالجة المعادن المختلفة، مثل الكوبالت والنيكل والنحاس والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.

وبالنظر إلى مرحلة المعالجة، يتضح مدى هيمنة بكين على هذا القطاع الحيوي، إذ إنها تتحكم في 60% من أنشطة استخراج المعادن الأرضية النادرة، و90% من عمليات معالجتها.

وتُعد الصين مزودًا رئيسًا لقرابة ما يتراوح من 85-95% من إجمالي الإمدادات منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وتجري عملية استخراج المعادن الأرضية النادرة في الصين عادةً عبر تقنية التعدين الجوفي داخل البلد الآسيوي.

منجم معادن أرضية نادرة في الصين
منجم معادن أرضية نادرة في الصين - الصورة من fpri.org

غير أن هذا قد قاد إلى ظهور تأثيرات سلبية في البيئة الصينية، ما دفع بكين إلى البحث عن موارد بديلة للمعادن الأرضية النادرة، من بينها في بحر الصين الجنوبي.

وتستحوذ منطقة بحر الصين الجنوبي على الاهتمام الأكبر، نظرًا إلى أهمية الجزر الاصطناعية والأصول التي تحويها المنطقة، بالإضافة إلى حجم التجارة الهائل الذي يمر عبر هذا الممر المائي المهم، ويُقدر بتريليونات الدولارات سنويًا.

وتولي السلطات الصينية اهتمامًا متزايدًا ببحر الصين الجنوبي، إذ تبدو عازمة على ترسيخ سيادتها البحرية والإقليمية في تلك المنطقة، كما تتنامى الأهمية الجيوسياسية لتلك المنطقة بفضل احتواء تضاريسها البحرية على كميات هائلة من المعادن الأرضية النادرة، وفق تقارير جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ومن شأن تعزيز سلطتها على بحر الصين الجنوبي أن يضمن الهيمنة التي تفرضها الصين خلال الوقت الراهن في سوق إنتاج المعادن الأرضية النادرة، مع تجنب مزيد من الأضرار البيئية للبر الرئيس للصين.

وبخلاف مناطق أخرى مثل وسط أفريقيا التي تبعد كثيرًا جغرافيًا عن الصين، غير أنها تُظهر تحديات أمنية أكثر بكثير، يُعد بحر الصين الجنوبي مستودعًا للمعادن الأرضية النادرة.

صراعات جيوسياسية

تتسارع وتيرة أنشطة الاستكشاف والاستخراج في بحر الصين الجنوبي، غير أن غياب الأطر التنظيمية الرئيسة لحماية المصالح المشتركة والسيادة الوطنية، والبيئة يشعل المنافسة حول المعادن الأرضية النادرة في المنطقة.

لكن تلك الاعتبارات الثلاثة لا تبدو على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إلى الدول الساعية للمحافظة على سيطرتها في مجال الاستخراج والمعالجة (مثل الصين) أو بالنسبة إلى الدول التي تفكر في كسر شوكة الدولة المحتكرة لتلك الموارد النادرة.

وقد مكّنت التطورات المذهلة الحاصلة في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات صديقة البيئة الدول من السعي إلى السيطرة على المعادن الأرضية النادرة.

وبينما تسعى الصين إلى المحافظة على وضعها الأشبه بالاحتكاري، تُظهر أدلة دامغة على أن هناك وكلاء صينيين يعملون على تقويض الشركات الغربية.

وقد غذّت تلك التطورات حدة المنافسة، ووضعت البذرة الأصلية لنشوب صراعات محتملة، ونزاعات عسكرية محتملة.

وفي هذا السياق فإنه من المتوقع أن تشهد الصين والولايات المتحدة الأميركية منافسة شديدة حول الموارد الأرضية النادرة، غير أنهما ليستا الدولتين الوحيدتين اللتين تنخرطان في هذا السباق المحموم.

معادن أرضية نادرة
معادن أرضية نادرة - الصورة من brookings.edu

الصراع محتمل في جنوب شرق آسيا

في منطقة جنوب شرق آسيا تحاول الحكومات ترسيخ أوضاعها بصفتها مراكز للتقنية الخضراء الحاسمة، من بينها السيارات الكهربائية، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ويزعم الكثير من تلك الدول، أمثال ماليزيا والفلبين وإندونيسيا وفيتنام، أن لديها حقوقًا اقتصادية داخل منطقة بحر الصين الجنوبي التي تتداخل مع بعضها، ومع الصين.

ولعل السباق لتطوير موارد جديدة للمعادن الأرضية النادرة بهدف تأسيس صناعات محلية ناجحة، من الممكن أن يشهد تكرارًا لسيناريوهات ماضية أشعلت فيها جهود الاستكشاف أزمات حادة بين سفن صينية وأخرى من جنوب شرق آسيا.

ولا يُعد بحر الصين الجنوبي الموقع الوحيد المهيأ لسباق جيوسياسي متصل بثروة معدنية بحرية، إذ يوجد المحيط الهادئ الذي يضم ما يزيد على 30% من سطح الأرض، ويحوي كميات كبيرة من الموارد المعدنية، ما يتيح للدول الفرصة لاكتساب ميزة تنافسية عبر أنشطة الاستكشاف والاستخراج.

وقد خصصت حكومات جزر كوك وكيريباتي وناورو وتونغا أموالًا للبعثات الاستكشافية التي تهدف إلى تحديد الرواسب المعدنية الرئيسية وتقييمها داخل منطقة كلاريون كليبرتون الواقعة في المحيط الهادئ.

وتقع تلك المنطقة في أعماق المحيط، وتمتد على مساحة شاسعة تصل إلى قرابة 4.5 مليون كيلومتر مربع من غرب المكسيك، وصولًا إلى جزر هاواي.

التطور التقني محدود

إن التطور الهائل في تقنية التعدين تحت الماء، وهو أمر بالغ الأهمية لاستخراج الموارد المعدنية من المواقع التي يصعب الوصول إليها، يقتصر الآن على عدد قليل من الدول التي تمتلك الموارد اللازمة والقدرات المالية لتنفيذ تلك الجهود وتحويلها إلى واقع ملموس.

ومع ذلك، تتسارع وتيرة الاستخراج في هذه المنطقة، التي تتميز بتنوع بيولوجي مرتفع.

وسواء كان الأمر يتعلق ببحر الصين الجنوبي أو المحيط الهادئ، فمن الواضح أن استخراج المعادن الأرضية النادرة من قاع المحيط يمكن أن يصبح مصدرًا آخر للخلاف بين الدول.

ومن شأن هذا العامل أن يمثل خطرًا جيوسياسيًا محتملًا إضافيًا على منطقة تواجه في الأصل عددًا كبيرًا من التحديات الجيوسياسية التي تفتقر حاليًا إلى حلول قابلة للتطبيق العملي.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق