سياراتالتقاريرتقارير السياراترئيسية

السيارات الكهربائية في أميركا.. من أدخلها معادلة صراع البقاء؟

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • كبرى شركات صناعة السيارات في أميركا تتراجع عن مشروعاتها.
  • السيارات الكهربائية في أميركا تكتنفها حالة من عدم اليقين.
  • تصنيع السيارات الكهربائية -الآن- أكثر تكلفة من شرائها.
  • أشعلت تخفيضات الأسعار حالة من الفوضى في سوق السيارات الكهربائية المستعملة.
  • استقرت مبيعات جميع طرازات السيارات الكهربائية في أميركا، مسجلةً 199 ألف وحدة شهريًا خلال النصف الأول من 2023.

تدخل السيارات الكهربائية في أميركا نفقًا مظلمًا -على ما يبدو- نتيجة عدم اليقين الذي يغلف جميع قطاعات تلك الصناعة الناشئة؛ ما يظهر في نتائج أعمال العديد من كبرى الشركات العاملة بتلك الصناعة الحيوية، مثل فورد (Ford) وجنرال موتورز (GM)، التي تراجعت بالتبعية عن مستهدفاتها خلال الأشهر الأخيرة.

وطالت تلك الحالة من عدم اليقين الشركات الناشئة التي مُنيت بخسائر كبيرة هي الأخرى؛ ما دفع قطب الأعمال الأميركي والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا الأميركية العملاقة إلى التعبير عن عدم الارتياح والتشاؤم خلال تعقيبه على نتائج الأعمال الأخيرة، واصفًا الجيل التالي من سيارات تيسلا (Tesla) البالغ سعره 25 ألف دولار بأنه "نفعي"، وهو ما لا يبعث على الثقة بأي حال من الأحوال.

هذا المناخ الباعث على التشاؤم صنعه المستهلكون الذين باتوا أكثر ترددًا في اقتناء تلك المركبات بسبب معضلة التكلفة المصاحبة لها والتي لا يلوح لها حل في الأفق القريب بسبب الحجم والوزن الزائدين، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي ضوء هذا السيناريو، فقدت العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والسيارات الكهربائية بعض الزخم، إلى الحد الذي دفع البعض إلى القول إن تلك العلاقة -التي دائمًا ما اتسمت بالقوة- تحتاج إلى مدة طويلة لتعود إلى سابق عهدها، وفق ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) الأميركية.

واستقرت مبيعات جميع طرازات السيارات الكهربائية في أميركا، مسجلةً 199 ألف وحدة شهريًا خلال النصف الأول من العام الحالي (2023)، في أعقاب مدة من النمو السريع.

تراكم مخزون السيارات الكهربائية في أميركا

يشهد مخزون السيارات الكهربائية في أميركا تراكمًا، وتنخفض الأسعار، بدعم من رائدة السوق وعملاقة الصناعة في الولايات المتحدة تيسلا.

وقد بيعت السيارات الكهربائية الجديدة نظير 52 ألف دولار في أكتوبر/تشرين الأول (2023) في المتوسط، انخفاضًا من قرابة 65 ألف دولار في العام الماضي (2022)، وفق البيانات الصادرة عن شركة كوكس أوتوموتيف (Cox Automotive) الأميركية المتخصصة في أبحاث السيارات، والتي تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وأيًا ما كان معدل اقتناء السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة الأميركية يتضاءل أم لا؛ فإنه أضعف مما تتوقعه الشركات المصنعة للمركبات منخفضة الانبعاثات.

سيارة تيسلا موديل 3
سيارة تيسلا موديل 3 - الصورة من الموقع الرسمي لشركة تيسلا

مخاوف فورد وجنرال موتورز

سحبت فورد رائدة صناعة السيارات الأميركية ومواطنتها جنرال موتورز استثماراتهما، بل إن الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا إيلون ماسك، قد ألمح إلى أن عائداتها خلال أكتوبر/تشرين الأول (2023) قد تشهد تباطؤًا ملحوظًا.

وفي حين يبدو تصحيح المسار أكثر وضوحًا في أميركا؛ هناك تحركات مماثلة عبر المحيط الأطلسي؛ فعلى سبيل المثال أعلنت فولكسفاغن (Volkswagen)، عملاقة صناعة السيارات الألمانية، تعليق خطة لبناء مصنع رابع لإنتاج البطاريات.

ويُلقي إيلون ماسك باللائمة على أسعار الفائدة المرتفعة، التي رفعت بدورها حجم المدفوعات الشهرية التي ينفقها المستهلكون لسداد مستحقات قروض السيارات.

غير أن سوق السيارات الأوسع نطاقًا في أميركا تبدو قوية رغم الظروف المالية الضاغطة، ومتوسط أسعار السيارات التي ما زالت مرتفعة.

والصورة الكبرى ربما تتمثل في أن الأثرياء من عشاق السيارات الكهربائية في أميركا، الذين أشعلوا الموجة الأولى من الاهتمام بتلك التقنية النظيفة، قد نجحوا في امتلاكها فعليًا.

أما الشريحة التالية من المستهلكين؛ فربما تحتاج إلى أسعار منخفضة وبنية تحتية أفضل في الشحن، ومنتجات جديدة متطورة كي يتحولوا إلى استعمال السيارات الكهربائية في أميركا.

وتبرز أيقونة صناعة السيارات اليابانية ورائدة السيارات الهجين تويوتا واحدة من الشركات القلائل التي تعلن أنها عززت استثماراتها مؤخرًا.

وربما ينتظر بعض المشترين المحتملين للسيارات الكهربائية تيسلا كي تطرح طرازها الأيقوني موديل 3، الذي أصبح مؤخرًا متاحًا في السوقين الصينية والأوروبية، غير أنه لم يُبصر النور بعد في السوق الأميركية.

الإعفاء الضريبي عامل محفز

ما يدفع المستهلكين إلى الانتظار كذلك هو الإعفاء الضريبي الممنوح على السيارات الكهربائية في أميركا والبالغة قيمته 7 آلاف و500 دولار أميركي.

وبدءًا من العام المقبل (2024)، سيكون هذا الإعفاء متاحًا بوصفه خصمًا عند نقطة البيع بدلًا من الحصول عليه بعد أشهر عند تقديم الإقرارات الضريبية.

ومن الممكن أن يمنح هذا سوق السيارات الكهربائية دفعة قوية في عام 2024، لكن من الصعب ضمان ذلك؛ نظرًا إلى أن الشركات المصنعة لمصادر التوريد ستصبح أكثر صرامة أيضًا.

السعر عامل مهم.. ولكن

لعل القيد الأقوى الذي يُسهم في تقويض مبيعات السيارات الكهربائية بأميركا هو التكلفة، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وخلصت نتائج دراسة مسحية نشرتها وكالة إس أند بي غلوبال موبيليتي S&P Global Mobility العاملة في تزويد البيانات في نوفمبر/تشرين الثاني (2023) إلى أن التكاليف هي السبب الرئيس لتقويض رغبة المستهلك في اقتناء سيارة كهربائية، تليها القضايا المتعلقة بشحن المركبة.

لكن المثير للدهشة أن خفض الأسعار لا يجعل دائمًا السيارات الكهربائية في متناول الجميع.

ويُظهر الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مدى استعداد المستهلك لاقتناء سيارة كهربائية أو هجين:

السيارات الكهربائية في أميركا

وفي هذا السياق قال المحلل في مصرف إتش إس بي سي، مايك تيندال، إن السيارات المبيعة عبر عقود الإيجار تعتمد على التوقعات القوية لسوق المركبات المستعملة في الإبقاء على انخفاض المبيعات الشهرية.

وفي هذا السياق أشعلت تخفيضات الأسعار حالة من الفوضى في سوق السيارات الكهربائية المستعملة؛ ما جعل من الصعب تبرير مثل هذه التوقعات.

وتباطأ النشاط في نظام التأجير خلال جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، لكنه يشهد -حاليًا- عودة ملحوظة مع السيارات الكهربائية؛ لأن الطرازات المستأجَرة تستحق بسهولة الحصول على الإعفاءات الضريبية الفيدرالية.

حل وحيد

لعل الحل الوحيد طويل الأجل بالنسبة لمصنعي السيارات الكهربائية يتمثل في خفض التكاليف عبر إعادة تصميم تلك المركبات، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وباستثناء تيسلا وعدد قليل من الشركات الصينية، يبرز تصنيع السيارات الكهربائية -الآن- أكثر تكلفة من شرائها.

وتواصل فورد، التي تعزز وجودها، بشكل غير عادي، في صناعة السيارات الكهربائية، الإعلان عن تكبدها خسائر فادحة، في حافظتها التي تشتمل على طرازي موستانج ماتش إي Mustang Mach-E وإف-150 لايتينغ F-150 Lightning.

وتأمل فورد في طرح جيل أصغر حجمًا من السيارات الكهربائية خلال منتصف العقد الحالي (2025)، وفق تقارير رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وقالت رائدة صناعة السيارات الفرنسية رينو Renault في إحدى الفعاليات التي عُقدت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني (2023) إنها ستقلل تكاليف الإنتاج لسياراتها الكهربائية متوسطة الحجم بنسبة 40% على مدار السنوات الـ4 أو الـ5 المقبلة.

الاستيراد من الصين

يبرز استيراد السيارات الكهربائية من الصين، مركز صناعة البطاريات العالمية، طريقًا مختصرًا لتوفير النفقات المقترنة بهذا النوع من المركبات التي يُعول عليها في جهود تحول الطاقة.

غير أن هذا يأتي مصحوبًا بمخاطر جيوسياسية، خاصة في الولايات المتحدة؛ إذ تتوقف عملية استحقاق الحصول على الإعفاءات الضريبية على استبعاد أكبر مُنتِج للسيارات الكهربائية في العالم من سلسلة الإمدادات.

وبناءً عليه يبدو أن خطة فورد للحصول على التكنولوجيا من كاتل (CATL)، أكبر شركة لتصنيع بطاريات الليثيوم أيون في الصين، متوقفة مؤقتًا في أثناء تفاوضها مع واشنطن، رغم أن التأخير قد يكون مرتبطًا كذلك بتباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية في أميركا.

وتكمن المشكلة الرئيسة في أن البطاريات الغنية بالمعادن والمحركات الكهربائية أكثر تكلفة من محركات البنزين والمحركات التي تحل محلها، وخاصة بالنسبة للسيارات الرياضية الثقيلة والشاحنات الصغيرة التي يفضلها الأميركيون.

سيارة كهربائية في أحد المعارض الصينية
سيارة كهربائية في أحد المعارض الصينية - الصورة من سي إن بي سي

كفاءة استهلاك الوقود

بينما تعد تكاليف تشغيل السيارات الكهربائية منخفضة؛ فإن معظم مستهلكي السيارات الكهربائية في أميركا لا يهتمون سوى بكفاءة استهلاك الوقود في أثناء ارتفاع أسعار البنزين.

وبناءً عليه يتعين أن تفترض الشركات المصنعة أن مشتري السيارة العادي لن يقدر على تحمل أي زيادة في التكاليف؛ ما يدفعهم إلى محاولة إعادة ابتكار مفهوم جديد لصناعة السيارات، وإعادة تصميم السيارات بهدف تحقيق وفورات.

وتشتمل السيارات الكهربائية على عدد أقل من الأجزاء المتحركة، وهو ما من شأنه –نظريًا- أن يجعل تجميع تلك المركبات أبسط وأسرع وأرخص.

لكن من منظور علمي؛ فإن المعركة الأخيرة التي خاضتها شركات ديترويت الـ3 -جنرال موتورز وفورد وستيلانتس- مع نقابة عمال السيارات المتحدين سلّطت الضوء على مدى صعوبة خفض التكاليف في صناعة تؤدي فيها النقابات دورًا لا يمكن إغفاله.

وبالمثل واجهت شركات السيارات الكهربائية الناشئة غير النقابية، مثل ريفيان (Rivian)، مشكلات تكلفة أكبر من تلك التي واجهتها شركات ديترويت.

وستعمل صناعة السيارات الكهربائية في أميركا على حل هذه المشكلة في النهاية؛ وهو ما تضطر إليه الحكومات التي لديها أهداف مناخية، غير أن الأمر سيستغرق سنوات وسيستهلك مبالغ ضخمة من رؤوس أموال المساهمين.

سوق مسيسة

ما زالت السيارات الكهربائية في أميركا متخلفة عن نظائرها في الأسواق المنافسة، رغم التطورات الإيجابية في تلك الصناعة والطفرة الحاصلة بتلك السوق التي يُعول عليها كثيرًا في تحقيق أهداف الحياد الكربوني.

إلى جانب ذلك تعاني صناعة المركبات الكهربائية في أميركا غموضًا في منهجية حسابات النمو والمبيعات، بحسب تقرير بلومبرغ نيو إنرجي.

وعلاوة على ذلك أصبحت السيارات الكهربائية في أميركا موضوعًا مسيسًا بصورة متزايدة؛ ما يظهر بوضوح في تركز الغالبية العظمى من المبيعات حتى الآن في الولايات الزرقاء، التي لدى سكانها ميول إلى الحزب الديمقراطي.

وتشير هذه المفارقة إلى وجود علاقة وثيقة بين شراء السيارات الكهربائية في أميركا وأنماط التصويت في الانتخابات الرئاسية، وربما تتطور هذه العلاقة وتقوى بمرور الوقت، وفق تحليل رئيس قسم النقل المتقدم في بلومبرغ كولن ماكراشر.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق