التقاريرالنشرة الاسبوعيةتقارير الطاقة المتجددةرئيسيةطاقة متجددة

مشكلات طاقة الرياح العالمية تضعها في "الإنعاش".. والكبار يتساقطون

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • تشهد صناعة طاقة الرياح العالمية تحديات عديدة.
  • يعاني مطورو صناعة الرياح العالمية من ارتفاع الفائدة والتضخم.
  • وصلت قيمة سوق طاقة الرياح العالمية إلى 70 مليار دولار في 2022.
  • أُرجِئت مشروعات طاقة رياح قبالة السواحل البريطانية والهولندية والنرويجية.
  • انسحب العديد من شركات الطاقة المتجددة من المزادات بسبب ارتفاع الأسعار.

نتيجة مشكلات طاقة الرياح، تقف تلك الصناعة العالمية عند مفترق طرق بين رغبة قوية تساور كبار المطورين في مواصلة الانتعاش الذي بدأه هذا القطاع قبل سنوات، وعوامل خارجية تضافرت كي تحول دون وصولهم إلى الهدف المنشود.

وتفاقمت اختناقات سلسلة الإمدادات التي طفت على السطح خلال جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، وجراء الحرب الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي قادت فيه الزيادة في تكاليف شحن المواد الخام وأسعار الفائدة والتضخم إلى هبوط حاد في أرباح العديد من مطوري طاقة الرياح.

ولم تستطِع صناعة طاقة الرياح العالمية -على ما يبدو- أن تصمد طويلًا أمام الضغوط التي تواجهها، وهو ما انعكس في قرارات العديد من عمالقة القطاع إرجاء مشروعات ضخمة لعدم جدواها الاقتصادية في الوقت الراهن على الأقل.

وتهدد تلك التحديات هذا القطاع بفقدان مكانته بوصفه أحد أرخص مصادر الطاقة المتجددة، وأكثرها موثوقية في توليد الكهرباء النظيفة التي يُعوَّل عليها في تحقيق أهداف الحياد الكربوني، وتعزيز أمن الطاقة.

وقدر تقرير حديث لمؤسسة ذا بريني إنسايتس (The Brainy Insights)؛ فقد بلغت قيمة سوق طاقة الرياح العالمية 70 مليار دولار في العام الماضي (2022)، متوقعًا أن تتخطى نحو 181.56 مليار دولار بحلول عام 2032، بنمو سنوي مركّب نسبته 10%، خلال المدة من عام 2023 إلى 2032، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

سيمنس خائفة

أشعلت واحدة من كبريات مصنّعي توربينات الرياح في العالم المخاوف إزاء الرياح المعاكسة التي تواجه الصناعة وتزيد من مشكلات طاقة الرياح العالمية، في أعقاب خسارتها مليارات الدولار من قيمتها السوقية هذا الأسبوع، حسب صحيفة غارديان البريطانية.

فقد هوت أسهم عملاقة الطاقة الألمانية سيمنس إنرجي (Siemens Energy)، المالكة للشركة المصنّعة لتوربينات الرياح الشهيرة "سيمنس جاميسا" Siemens Gamesa، بعد تواتر أنباء عن دخولها في مفاوضات مع الحكومة الألمانية لتأمين الحصول على ضمانات بقيمة 15 مليار يورو (نحو 16 مليار دولار) لتعزيز موازنتها.

(1 يورو = 1.06 دولارًا أميركيًا)

وتتوقّع سيمنس إنرجي خسائر ثقيلة هذا العام (2023) بعد العيوب المكتشفة في أحدث طرازاتها من توربينات الرياح، في واقعة تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها بعض المطورين في صناعة طاقة الرياح العالمية.

وقالت خبيرة الطاقة في معهد البحوث الاقتصادية الألماني -ومقره برلين- كلوديا كيمفرت، إنه رغم كون مشكلات طاقة الرياح العالمية "مأساوية"؛ فإنها لا تعبر عن الوضع الحقيقي لهذا القطاع الذي أظهر أداءً جيدًا بوجه عام، حسب تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وأوضحت كيمفرت: "طاقة الرياح تمضي -حرفيًا- في مسار صعودي عالميًا.. المشكلات التي تواجهها سيمنس جاميسا داخلية، وعلى الشركة أن تتعامل فورًا مع مشكلات الجودة".

وأضافت: "عدم نجاح الشركة في التعامل مع تلك المشكلات بالدرجة الكافية حتى الآن، أمر مذهل، ويجب أن يتغير".

توربين من إنتاج سيمنس جاميسا
توربين من إنتاج سيمنس جاميسا - الصورة من الموقع الرسمي للشركة

التكاليف تصدم فاتنفول

ما زال البعض يتخوّف من إمكان ظهور مشكلة ارتفاع تكاليف تمويل وبناء مزارع الرياح، والتي قد تخلق رياحًا معاكسةً لمصنعي مزارع الرياح البحرية حول العالم.

وبدوره يَنثُر التضخم شكوكًا متزايدة حول مستقبل مشروعات صناعة طاقة الرياح العالمية التي تُقدر بمليارات الدولارات؛ وهو ما يخلق ضغوط تكلفة على مستوى القطاع قد تُهدد أهداف الطاقة المتجددة للحكومات أيضًا.

وفي هذا الإطار أعربت رائدة طاقة الرياح السويدية فاتنفول "Vattenfall"، عن بالغ قلقها من ارتفاع التكاليف هذا الصيف؛ ما اضطرها إلى تعليق العمل في مزرعتها البحرية العملاقة الواقعة قبالة ساحل نورفولك في إنجلترا.

وقالت فاتنفول إنها ستوقف العمل في مزرعة نورفولك بوريس التي تستهدف توليد كهرباء تكفي لتشغيل مليون ونصف المليون منزل في بريطانيا بسبب زيادة التكاليف بنسبة 40%.

وتقدّمت الشركة بسعر منخفض للغاية لا يتجاوز 37.35 جنيهًا إسترلينيًا (45.30 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط/ساعة للفوز بعقد دعم من قِبل الحكومة للمشروع.

(1 جنيه إسترليني = 1.21 دولارًا أميركيًا)

لكن في أعقاب الزيادة بأسعار الكهرباء العالمية، قالت فاتنفول إنها ستحتاج -الآن- إلى دعم "مرتفع جدًا" لمشروعها؛ كي يكون ذا جدوى من الناحية المالية.

وحذّرت الشركة -إلى جانب نظيرتيها شركة "إس إس إي رينيوابلز (SSE Renewables) و"سكوتش باور" ScottishPower- من أن آخر مزاد لها في الصيف والخاص بعقود الدعم الجديدة، كان منخفضًا جدًا لتغطية التكاليف.

وتجاهلت الحكومة مطالبات ببدء المزاد بسعر مرتفع، ولم تكن هناك عطاءات جديدة للحصول على عقود بشأن مزارع الرياح البحرية.

مشكلات طاقة الرياح
توربين رياح من إنتاج فاتنفول - الصورة من الموقع الرسمي للشركة

أورستد قد تتخلى عن خُططها

على خطى فاتنفول، أبدت أورستد Ørsted، عملاقة الطاقة الدنماركية المتخصصة في تطوير مزارع الرياح البحرية، مخاوفها إزاء الاضطراب الحاصل في سلاسل الإمدادات، وأسعار الفائدة المرتفعة.

وأبلغت أورستد المستثمرين بخفض قيمة أصولها بواقع 2 مليار جنيه إسترليني نتجية التأخيرات في مشروعات الرياح بالولايات المتحدة الأميركية.

وقالت الشركة إن هناك فرصة حقيقية لأن تتخلى عن خططها لبناء مزارع رياح في أميركا بالكلية حال لم تتخذ حكومة الأخيرة خطوات جادة لمساعدتها على تجاوز محنتها الراهنة التي تعكس عدم اليقين الذي يغلّف صناعة طاقة الرياح العالمية.

وتعكف أورستد على تنفيذ 7 مشروعات في شمال شرق الولايات المتحدة الأميركية، وهو عدد يكفي لتشغيل 2 مليون منزل بالكهرباء النظيفة المستدامة.

ومن المقرر إنجاز المشروعات الـ3 الكبرى خلال الأعوام القليلة المقبلة قبالة سواحل نيوجيرسي، ورود آيلاند ولونغ آيلاند في نيويورك.

وفي المملكة المتحدة، خططت أورستد لتطوير مزرعة رياح "هورنسي 3" بعد اقتناصها عقدًا بالشروط نفسها التي حصلت بموجبها فاتنفول على عقد لتطوير مزرعة رياح نورفولك بوريس، غير أنها لم تتخذ بعد قرار الاستثمار النهائي في هذا الخصوص.

مشكلات طاقة الرياح
توربين رياح من إنتاج أورستد - الصورة من الموقع الرسمي للشركة

مشروعات في مهب الريح

أسهمت التأخيرات في سلاسل الإمدادات، والعيوب في تصميمات توربينات الرياح، إلى جانب ارتفاع التكاليف في صناعة طاقة الرياح البحرية، في إرجاء تنفيذ عشرات المشروعات، وعدم تسليمها في المواعيد المقررة، وفق ما قاله مستثمرون ومحللون، وفق ما أوردته وكالة رويترز.

ويضع السباق المحموم لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري ضغوطًا إضافية على المصنعين وسلاسل الإمدادات لمواكبة الطلب على الكهرباء النظيفة، ولا سيما في دول الاتحاد الأوروبي التي تضع اللمسات الأخيرة لوضع مستهدف مُلزِم يقضي بتوليد 42.5% من الكهرباء باستعمال المصادر الخضراء بحلول نهاية العقد الجاري (2030).

ويتطلّب الهدف الجديد توليد كهرباء سعة 420 غيغاواط من طاقة الرياح، من بينها 103 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية، وهو ما يزيد على ضعف السعة الحالية البالغة 205 غيغاواط، والتي تُسهم طاقة الرياح البحرية فيها بـ17 غيغاواط فقط، وفق هيئة صناعة طاقة الرياح في الاتحاد الأوروبي ويند يوروب ( WindEurope).

وحتى الآن في هذا العام (2023)، أُرجِئت مشروعات قبالة السواحل البريطانية والهولندية والنرويجية، أو حتى تقليصها بواقع النصف نتيجة ارتفاع التكاليف والقيود على سلسلة الإمدادات.

وفي سبتمبر/أيلول (2023) أخفق مزاد للطاقة المتجددة ببريطانيا في اجتذاب أي عطاءات من مطوري الرياح البحرية جراء الزيادة الحادة في التكاليف أيضًا.

وفي هذا الشأن قال مدير الاستثمار في شركة جوبيتر أسيت مانجمنت Jupiter Asset Management جون والاس: "إذا توقّفت المشروعات لأوقات مطوّلة، ستقع أهداف الطاقة المتجددة 2030 تحت ضغوط".

صناعة التوربينات تتطور

رغم مشكلات طاقة الرياح العالمية؛ فقد شهدت تلك الصناعة نموًا سريعًا خلال العقدين الماضيين، بل خفضت تكاليف التقنية لتعادل، أو حتى، تقل عن مصادر الوقود الأحفوري في بعض مناطق العالم، حسب رويترز.

لكن سباق تطوير صناعة توربينات أكبر حجمًا وأكثر كفاءة ربما يكون سريعًا للغاية، وفق ما قاله بعض المسؤولين التنفيذيين والمحللين، ورصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويشهد حجم التوربينات تضاعفًا من حيث الحجم كل عقد -تقريبًا- حيث جرى تشغيل أكبرها في عامي 2021 و2022، وكانت مزودة بشفرات تمتد بطول 110 أمتار، وبسعة تتراوح من 12 إلى 15 ميغاواط.

وكلما زاد حجم توربينات الرياح؛ أصبحت عُرضة للعيوب التقنية، بحسب ما قاله المحلل في مؤسسة ثاندر سايد إنرجي Thunder Said Energy روب ويست.

وأضاف ويست: "الفيزياء تعاقب التوربينات الكبيرة، والشفرات الكبيرة ستنحرف بدرجة أكبر، وهو ما يعني أنها بحاجة إلى أغطية أكثر صلابة وشبكات ومواد أكثر تكلفة.. التوربينات سيصبح وزنها أكبر؛ ما يضع مزيدًا من الضغط والإجهاد على الشفرة والكنة في أثناء كل دورة".

وقال الرئيس التنفيذي لشركة جي كيوب إنشورانس GCube Insurance فريزر ماكلاتشلان، إن عدد طلبات الحصول على تأمين من مطوري الرياح قد انخفض في العام الماضي (2022)، غير أن قيمة مبالغ تلك المطالبات قد سجّلت زيادة كبيرة.

وأضاف: "الأمر أشبه بهاتف آيفون؛ الجميع يرغب في اقتناء الجيل التالي من التقنية، والأجهزة، والشركات تسعى للتفوق على بعضها، والنتيجة هي أنك لا تحصل على القدر الكافي من البحوث والتطوير في تلك التقنية".

وواصل: "الانخراط في سوق الرياح البحرية أصبح أمرًا محفوفًا بالمخاطر، ليس بالنسبة لشركات التأمين فحسب، ولكن -أيضًا- بالنسبة للمصنعين والمطورين، وشركات الإمدادات، والتي يواجه بعضها الآن تهديدات وجودية".

ونش يحمل توربين رياح عملاق
ونش يحمل توربين رياح عملاقًا - الصورة من nzherald.co.nz

إخفاق كبير للسوق

تسرع الحكومات وتيرة جولات المزادات والمناقصات التي تقدمها بشأن تراخيص مزارع الرياح البحرية، في مسعى منها لدفع صناعة طاقة الرياح العالمية بوجه عام، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ومن المتوقع طرح أكثر من 60 غيغاواط من عقود وتأجيرات طاقة الرياح البحرية عالميًا حتى نهاية العام المقبل (2024)، وفق ما قالته بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس (Bloomberg New Energy Finance).

لكن بعض مطوري الرياح قالوا إن أسعار الكهرباء المعروضة -حاليًا- في المزادات كانت منخفضة جدًا بالنسبة لهم؛ ما يُثبط عزائمهم على تنفيذ مشروعات جديدة نظرًا إلى الزيادة في تكاليف التشغيل التي تعانيها صناعة طاقة الرياح العالمية.

وقال مدير الاستثمار في شركة جوبيتر أسيت مانجمنت Jupiter Asset Management جون والاس: "يؤثر هذا بالنهاية في المطورين الذين يناقشون أسعار التوربينات، والعمالة ونشر المشروعات، وتأجير السفن والتمويل؛ وهو ما ينعكس على موازناتهم".

ويرى الرئيس التنفيذي لمجلس طاقة الرياح العالمي بين بلاكويل، أن "النسبة بين المخاطر والعوائد منحرفة عن مسارها في صناعة طاقة الرياح البحرية، في العديد من البلدان، ويمكنك أن تلحظ هذا في تراجع شهية المستثمرين"، خلال تصريحات إلى وكالة رويترز، طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وأوضح بلاك ويل: "ينبغي على الحكومات إصلاح تلك المشكلة بسرعة، وإلا فقد نرى إخفاقًا كبيرًا في السوق، ولن نستطيع تحقيق الأهداف الاقتصادية والمناخية".

مزادات طاردة للمستثمرين

اضطر العديد من شركات الطاقة المتجددة إلى الانسحاب من المزادات بسبب ارتفاع الأسعار، بما يعرقل قدرتها على المنافسة مع شركات النفط والغاز الكبيرة في البحث عن أصول مستدامة وصديقة للبيئة؛ ما يعكس المناخ الطارد للاستثمارات من صناعة طاقة الرياح العالمية.

فعلى سبيل المثال، نجحت شركة النفط البريطانية بي بي، وتوتال إنرجي الفرنسية، في اقتناص مناقصة ألمانية لشراء 7 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية بعد دفع مبلغ قياسي قدره 12.6 مليار يورو (13.32 مليار دولار) مقابل الحصول على عقود الإيجار.

في المقابل انسحبت شركتا آر دبليو إي الألمانية، وأورستد من المزاد نفسه بسبب مخاوف بشأن السعر.

وفي تعقيبه على الانسحاب قال الرئيس التنفيذي لشركة آر دبليو إي، ماركوس كريبر: "لقد شاركنا في هذا المزاد، وكنا نرغب في الفوز. لكن لامست أسعار العطاءات مستويات لن تتحقق فيها توقعاتنا بالعودة حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق