انقطاع الكهرباء في مصر.. ما حقيقة مساهمات الطاقة المتجددة وهل فشلت؟
ياسر نصر
طرحت أزمة انقطاع الكهرباء في مصر عدة تساؤلات حول دور مشروعات الطاقة المتجددة الضخمة التي نفّذتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، وكذلك الاستثمارات الكبيرة التي أعلنتها مؤخرًا لتجاوز تلك المشكلة، في ظل تراجع إنتاج الغاز وعدم توافر الموارد المالية اللازمة لاستيراد المازوت.
وتخطط مصر لرفع إسهام الطاقة النظيفة إلى 42% من مزيج الكهرباء الوطني بحلول 2030، من خلال التوسع في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالشراكة مع كبرى شركات الطاقة العالمية المتخصصة، من بينها أكوا باور السعودية ومصدر الإماراتية وسكاتك النرويجية.
وكشفت أزمة انقطاع الكهرباء في مصر خلال الأيام الماضية، حقيقة ادعاءات الحكومة وجود فائض في الإنتاج، إذ تبلغ قدرات توليد الكهرباء في مصر نحو 60 ألف ميغاواط، في وقت لم يتجاوز فيه الطلب نحو 35 ألف ميغاواط فقط.
وأكدت مصادر مطلعة -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن قدرات إنتاج محطات الكهرباء في مصر تصل إلى 60 ألف ميغاواط، لكن إمدادات الوقود التي يجري توفيرها تكفي لإنتاج 32 ألف ميغاواط فقط، وهو ما أدى إلى وجود عجز وتخفيف للأحمال في المحافظات كافّة.
الكهرباء في مصر
دافع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخرًا، عن مشروعات الكهرباء التي نفذتها الحكومة، قائلًا: "دون هذه المشروعات كانت الكهرباء ستتوفر فقط لـ3 ساعات يوميًا".
ووضعت مصر قطاع الكهرباء على رأس أولوياتها منذ عام 2014، ونفذت خلال السنوات الـ9 الماضية عدة مشروعات رفعت قدرات توليد الكهرباء الاسمية بنسبة 141.8%، لتبلغ 59 ألف ميغاواط مع نهاية عام 2022، مقابل 24.4 ألف ميغاواط عام 2014.
وارتفع حجم الاستثمارات في قطاع الكهرباء المصري بنسبة 413.2%، ليبلغ 62.1 مليار جنيه (2.03 مليار دولار) عام 2021-2022، مقابل 12.1 مليار جنيه (400 مليون دولار) عام 2013-2014.
وبلغ حجم استثمارات مشروعات إنتاج الكهرباء المنفّذة 355 مليار جنيه (11.49 مليار دولار)، ومن أبرز مشروعات الطاقة التقليدية المنفّذة، محطات الدورة المركبة العملاقة لتوليد الكهرباء، التي نفّذتها شركة سيمنس الألمانية (البرلس - العاصمة الإدارية - بني سويف) بإجمالي قدرات 14 ألفًا و400 ميغاواط.
كما شملت مشروعات الطاقة التقليدية محطات مشروعات الخطة العاجلة، وأبرزها محطة توليد كهرباء غرب أسيوط، ومحطة توليد كهرباء عتاقة، بقدرات 3 آلاف و636 ميغاواط، وبتكلفة استثمارية 47 مليار جنيه (1.52 مليار دولار)، فضلًا عن تحويل 6 محطات غازيّة لتعمل بنظام الدورة المركبة.
وكانت مشروعات الطاقة المتجددة في مصر ضمن خطط الحكومة لإنتاج الكهرباء، إذ جرى تنفيذ مجمع بنبان للطاقة الشمسية، بتكلفة استثمارية أكثر من ملياري دولار، وتبلغ القدرة الإجمالية للمجمع 1465 ميغاواط، الذي يُعدّ الأكبر بمكان واحد في الشرق الأوسط وأفريقيا.
كما نُفذت 3 محطات لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في جبل الزيت، بقدرات 580 ميغاواط، وتكلفة 580 مليون يورو (619.79 مليون دولار).
مصادر توليد الكهرباء في مصر
كشفت أزمة انقطاع الكهرباء في مصر عن أن الطاقة المتجددة ما تزال بعيدة عن تلبية الاحتياجات المتنامية من الطلب على الكهرباء، وأن التوسع في مشروعاتها وضخ استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات لن يكون كافيًا للاستغناء عن محطات الكهرباء التقليدية.
وتعتمد مصر في إنتاج الكهرباء على عدة مصادر، منها محطات تعمل بضغط البخار ومحطات أخرى غازية، وتعتمد كلتاهما على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى محطات الطاقة الكهرومائية، إلى جانب محطات الطاقة المتجددة التي تعتمد على الرياح والشمس كمحطتي الزعفرانة وأسوان.
وما تزال محطات الطاقة المتجددة في مصر (الشمس والرياح) غير دائمة في ظل عدم توافر تقنيات التخزين، إذ تعمل المحطات الشمسية في النهار فقط، في حين تتوقف توربينات الرياح مع توقف حركة الهواء.
وعلى الرغم من تصدُّر مصر قائمة أعلى الدول العربية إنتاجًا للكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح -بإنتاج يبلغ 3.5 غيغاواط (مقسمة بين 1.6 غيغاواط من طاقة الرياح و1.9 غيغاواط من محطات الطاقة الشمسية، وسط خطط للوصول إلى 6.8 غيغاواط في 2024)- لا يمثّل سوى 10% فقط من إجمالي الطلب على الكهرباء.
إنتاج الكهرباء في مصر
شهد إنتاج الكهرباء في مصر خلال العام الماضي (2022) تراجعًا بنسبة 4.2%، إذ سجل 200.8 تيراواط/ساعة، مقابل 209.7 تيراواط/ساعة في عام 2021، وفق البيانات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن معهد الطاقة البريطاني.
وشكّل الغاز الطبيعي أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في مصر بنسبة تجاوزت 79%، ولكنها أقل من العام السابق له والبالغة 82.9%، إذ انخفضت الكهرباء المولدة بالغاز خلال 2022 إلى 159.3 تيراواط/ساعة، مقابل 174 تيراواط/ساعة في عام 2021، بنسبة تراجع 8.5%.
وفي المقابل، زادت حصة النفط في توليد الكهرباء خلال العام الماضي، وهو ما يرجع إلى اتباع مصر خطة تستهدف ترشيد استهلاك الغاز، بهدف زيادة الكمية المصدرة منه واستبدال المازوت به في توليد التيار الكهربائي.
وارتفعت كمية الكهرباء المولدة بالماوزت خلال العام الماضي إلى 17.6 تيراواط/ساعة، مقابل 10.9 تيراواط/ساعة في عام 2021، بنسبة نمو 61.2%.
كما انخفضت الكهرباء المولدة من الطاقة الكهرومائية خلال العام الماضي بنسبة 3.4% إلى 13.8 تيراواط/ساعة، مقابل 14.3 تيراواط/ساعة في عام 2021، وتراجعت -أيضًا- الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة بنسبة 2.8% إلى 10.2 تيراواط/ساعة، مقابل 10.5 تيراواط/ساعة في عام 2022.
وشكّلت المصادر المتجددة (الشمس والرياح والماء) نسبة 12% من إجمالي إنتاج الكهرباء في مصر خلال 2022، وفق البيانات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وتختلف الأرقام الصادرة عن التقرير الإحصائي للمعهد البريطاني حول إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة نسبيًا عن البيانات الرسمية للحكومة المصرية، إذ تشير هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة المصرية إلى ارتفاع إجمالي توليد الكهرباء في مصر من الطاقة المتجددة -تشمل الطاقة الكهرومائية- إلى 25.59 تيراواط/ساعة، مقابل 23.97 تيراواط/ساعة في 2021.
وتوضح الأرقام المصرية أن إنتاج الطاقة الكهرومائية ارتفع خلال العام الماضي إلى 15 تيراواط/ساعة، مقابل 14.05 تيراواط/ساعة في عام 2021.
الإنفوغرافيك التالي من إعداد منصة الطاقة المتخصصة يرصد أبرز الأرقام والمعلومات عن الغاز والكهرباء في مصر:
الوقود الأحفوري ضرورة
يرى مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن الطلب العالمي على الطاقة يزداد بوتيرة سريعة، فالتمدن -وهو الهجرة من الريف إلى المدن في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية- كبير جدًا، لذلك فإن الطلب على الطاقة كبير، وليس هناك تراجع، وهو ما يؤكد الحاجة إلى جميع التقنيات.
وأشار الحجي -خلال إحدى حلقات برنامجه "أنسيّات الطاقة" الذي يقدمه عبر مساحات تويتر- إلى أنه خلال 2022 ارتفع الاستثمار العالمي في الوقود، متوقعًا أن يعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا هذا العام.
ورفض الحجي إطلاق مصطلح الطاقة النظيفة على طاقتي الرياح والشمس (وهو مصطلح تروّج له وكالة الطاقة الدولية)، إذ إنه لا يوجد أي مصدر للطاقة نظيف، ولا توجد طاقة نظيفة، ولكن يوجد مصدر أنظف من الآخر.
وشدد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، على أن هناك حاجة إلى كل أنواع التقنيات التي تحسِّن كفاءة استعمال الطاقة، دون خفض مستويات المعيشة.
وأوضح أن هناك حاجة إلى جميع أنواع التقنيات، بما في ذلك المركبات الكهربائية والهيدروجينية والغازية، التي يمكن أن تساعد في تقليل مستويات التلوث في العديد من البلدان حول العالم.
وبنهاية 2022، شكّلت الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري 61%، ليظل مهيمنًا على المزيج العالمي، وفق بيانات حديثة صادرة عن مركز أبحاث الطاقة النظيفة (إمبر).
يأتي ذلك على الرعم من أن سيناريو الحياد الكربوني الخاص بوكالة الطاقة الدولية يشير إلى ضرورة أن تُشكّل الطاقة المتجددة كافّة ما يقرب من 90% من الكهرباء المُولدة عالميًا بحلول عام 2050، على أن تمثّل الرياح والطاقة الشمسية 70% من هذا الإجمالي.
وظل الفحم والغاز الطبيعي أكبر مصدرين لتوليد الكهرباء حول العالم، وحافظت الطاقة الكهرومائية على لقب أكبر مصدر للكهرباء النظيفة والثالث بصفة عامة.
وارتفعت حصة الطاقة النظيفة -تشمل جميع المصادر المتجددة والطاقة النووية- في مزيج الكهرباء العالمي إلى مستوى قياسي جديد بلغ 39% في العام الماضي (2022)، لكن النمو جاء من الطاقة الشمسية والرياح، مع انخفاض حصة الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية.
مصادر توليد الكهرباء عالميًا
ارتفع توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 1.1% إلى مستوى قياسي جديد عند 10.186 ألف تيراواط/ساعة خلال العام المنصرم، بما يتماشى مع متوسط النمو خلال السنوات الـ10 الماضية.
وعلى الرغم من ارتفاع حجم إنتاج الكهرباء من الفحم فإن حصة الفحم في مزيج الكهرباء العالمي انخفضت إلى 35.7% خلال العام الماضي، مقابل 36.2% العام السابق له، لكنه ما يزال المصدر الرئيس للتوليد.
وتراجعت نسبة توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي إلى 22.2% بنهاية 2022، مقارنة مع 22.8% العام السابق له، وارتفعت حصة مصادر الوقود الأحفوري الأخرى -النفط غالبًا- إلى 3% في مزيج الكهرباء العالمي، خلال عام 2022، مقابل 2.8% في العام السابق له.
وانخفضت حصة الطاقة الكهرومائية إلى 15.1% في العام الماضي، مقابل 15.2% العام السابق له (2021)، وتراجعت نسبة الكهرباء المولدة من الطاقة النووية إلى 9.2%، مقارنة بـ9.8% خلال المدّة المقارنة نفسها.
في المقابل، ارتفع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بنسبة 24% على أساس سنوي خلال 2022، ما يجعلها المصدر الأسرع نموًا للكهرباء للعام الـ18 على التوالي، في حين نما توليد طاقة الرياح بنسبة 17%.
وأنتجت الرياح والطاقة الشمسية معًا أكثر من 12% من الكهرباء المولدة عالميًا، للمرة الأولى على الإطلاق، خلال عام 2022، مقارنة مع 10% في عام 2021.
ولم تشهد حصة الطاقة الحيوية في مزيج الكهرباء العالمي أيّ تغيير خلال العام الماضي، لتستقر عند 2.4%، في حين بلغت نسبة المصادر المتجددة الأخرى 0.3%.
الإنفوغرافيك التالي من إعداد منصة الطاقة المتخصصة ويستعرض مقارنة لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المختلفة خلال عامي 2022 و2021:
موضوعات متعلقة..
- أزمة انقطاع الكهرباء في مصر تشهد 5 قرارات حكومية عاجلة
- انقطاع الكهرباء في مصر يبلغ ذروته خلال أغسطس (خاص)
اقرأ أيضًا..
- تقنية مذهلة.. توربينات تحت الماء تولد كهرباء 3 أضعاف الطريقة العادية (فيديو)
- تطور جديد بشأن معايير كفاءة الطاقة الأميركية.. يوفر المليارات ويقلل الانبعاثات
- هبوط قوي في أرباح شركات النفط الكبرى خلال الربع الثاني من 2023 (إنفوغرافيك)