خبير: أنبوب الغاز النيجيري المغربي "مشروع الأمل" لدول غرب أفريقيا
أسماء السعداوي
يعوّل كثيرون على مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي الذي سيربط 13 دولة في غرب أفريقيا بأوروبا، من أجل تحقيق انطلاقة ستستفيد منها أوروبا بعد قطع تدفقات خط نورد ستريم في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
كما سيصبّ المشروع في مصلحة جميع الدول التي يمر بها الأنبوب، وخاصة نيجيريا والمغرب.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي المغربي رشيد الساري، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، إن مشروع الأنبوب واعد، ويحمل إمكانات اقتصادية ومجتمعية ضخمة لجميع الدول الـ13.
ووصف الخبير المشروع -الذي مازال في طور التصميم- بأنه "مشروع الأمل" لدول غرب أفريقيا، وبأنه "الباب" المؤدّي لإقامة مشروعات أفريقية تحقق التنمية والاستقلال الاقتصادي على المدى البعيد.
تسلسل زمني لأنبوب الغاز المغربي النيجيري
كان ملك المغرب محمد السادس أول من طرح فكرة المشروع خلال زيارة إلى نيجيريا في عام 2016.
وفي سنة 2018، دخل المشروع مرحلة جديدة بتوقيع اتفاقيات للتعاون الثنائي، غير أنه مازال في مرحلة التصميم الأولية.
وخصّص البنك الإسلامي للتنمية وصندوق أوبك للتنمية الدولية نحو 60 مليون دولار لتمويل دراسات الجدوى والهندسة للمشروع.
كما فازت شركة وورلي الأسترالية، في أبريل/نيسان 2022، بعقد لتقديم دراسة التصميم الهندسي الأمامي لأنبوب الغاز النيجيري المغربي.
في سبتمبر/أيلول من العام المنصرم (2022)، وقّع المغرب مذكرة تفاهم مع نيجيريا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "سدياو"، لإقامة مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري.
وفور الانتهاء منه، سيكون خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي أكبر خط أنابيب بحري في العالم، بمجرد اكتماله؛ إذ يبلغ طوله أكثر من 5600 كيلومتر.
يبدأ الخط من جزيرة براس في نيجيريا إلى بنين ثم توغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، ثم إلى المغرب، أي إن الخط يمر عبر 11 دولة بين نيجيريا والمغرب.
وتنقسم ملكية مشروع خط الأنابيب بين شركة النفط الوطنية النيجيرية والمكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن.
ويستهدف نقل 3 مليارات قدم مكعبة يوميًا (0.084 مليار متر مكعب يوميًا أو قرابة 30 مليار متر مكعب سنويًا).
ومن المتوقع أن تتجاوز تكلفة أنبوب الغاز النيجيري المغربي 25 مليار دولار، لكن نيجيريا أكدت أن التكلفة النهائية لن تُحدَّد حتى إتمام تصميم المشروع، كما أنه قد يستغرق عقودًا حتى يكتمل، بحسب وكالة بلومبرغ.
والخط هو امتداد لخطّ أنابيب الغاز القائم في غرب أفريقيا، الذي يمتد من نيجيريا إلى بنين وتوغو وغانا، ثم المغرب، وصولًا إلى قارة أوروبا.
وتوضح الخريطة التالية -التي أعدّتها منصة الطاقة المتخصصة- مسار خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، مرورًا بـ11 دولة أفريقية:
أهمية المشروع للمغرب
يقول الخبير الاقتصادي المغربي رشيد الساري، إن أنبوب الغاز المغربي النيجيري حقّق تقدمًا بالفعل، بتجاوزه مرحلة إجراء الأبحاث الإدارية بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية، والدراسات الجيولوجية من قِبل صندوق أوبك للتنمية.
وقال الساري، إن تكلفة المشروع المبدئية قُدِّرت عند 25 مليار دولار، وقد يتجاوز هذا الرقم؛ إذ "مازلنا في مرحلة البدايات ولا شيء محسوم في جانب الميزانيات".
وعدّد الخبير المغربي الميزات التي يحملها المشروع، ليس فقط على المغرب أو نيجيريا، بل على دول غرب أفريقيا التي يمر عبر أراضيها المشروع.
وقال، إنه على الجانب الاجتماعي، ثمة منافع ضخمة ستعود على دول مثل بنين وموريتانيا وساحل العاج، إذ سيحلّ المشروع أزمة الكهرباء التي تعاني منها منذ سنوات.
وعلى المستوى الاقتصادي، هناك عائدات على نيجيريا التي ستتمكن من تصدير مليارات الأمتار المكعبة من الغاز إلى أوروبا، بحسب الخبير.
وأضاف: "كما ستستفيد أوروبا التي تعاني من ويلات الحرب الروسية الأوكرانية في العام الماضي (2022)، بعدما استوعبت درس عدم الاعتماد على الغاز الروسي فقط، وتنويع مصادر الإمدادات".
وأكد الساري أنه من مصلحة أوروبا الاستفادة من هذا الأنبوب الواعد؛ إذ سيكون الغاز الذي ستصدّره نيجيريا أقلّ تكلفة.
محليًا، يوفر الأنبوب مجموعة من الاستثمارات الضخمة، ما سيوفر العديد من فرص العمل لسكان الدول التي يمر من خلالها، فضلًا عن اكتساب الخبرات وتأهيل اليد العاملة، وخاصة في نيجيريا والمغرب.
فائدة خاصة للمغرب
أكد رشيد الساري أن الأنبوب يحمل فرصًا كبيرة جدًا لأمن الطاقة في المغرب الذي يستورد 90% من احتياجات الطاقة المحلية من الخارج، وهو ما يُكبّد خزينة المملكة مبالغ كبيرة جدًا بالعملة الأجنبية.
وأضاف أن الأنبوب هو "مشروع الأمل لدول غرب أفريقيا"، وربما يكون السبب في توفير مجموعة جديدة من المبادرات التجارية، وشبكة علاقات واسعة بقطاعات الصناعة داخل الدول المشاركة، كما أن هناك آفاقًا واعدة اقتصاديًا قد تُسفر عن إيجاد سوق مشتركة، وقال: "ربما يكون هذا المشروع هو الباب إلى ذلك كله".
في المقابل، يواجه المشروع انتقادات وتوقعات بالفشل، إذ يقول مراقبون، إن تكلفته باهظة لمروره عبر 13 دولة، فضلًا عن المخاوف الأمنية التي تهدد سلامة الأنابيب.
كما يصف خبراء تكاليف إنشاء الأنبوب المغربي النيجيري بأنها لا تتناسب مطلقًا مع العائدات المرجوة منه، كما لم يخضع للمعايير التقنية والمالية الملائمة، ولم تُراعَ فيه الاعتبارات البيئية -أيضًا-، بحسب تقرير نشره موقع "نايراميتريكس" النيجيري.
يُشار إلى أن نيجيريا تخسر نحو 600 ألف برميل يوميًا من النفط، بسبب السرقة وتخريب الأنابيب، حسب تقديرات حكومية.
وعن تلك الانتقادات، يقول الخبير الساري، إنه من السابق لأوانه الحكم على نجاح أو فشل المشروع الإستراتيجي، "فلقد أجريت -بالفعل- دراسات إدارية وجيولوجية بملايين الدولارات، واستغرقت وقتًا كبيرًا وميزانية ضخمة، ولا أعتقد أنها دراسات هامشية سطحية أو غير معمقة".
ومن الناحية الأمنية، أكد أنه لا أحد من تلك الدول سيجازف بتعريض تلك الأنابيب للخطر، كما أن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري يصبّ في مصلحة أيّ نظام حكم؛ لأنه مشروع يعود بالنفع عن الدول المشاركة فيه.
كما لفت إلى مشاركة مؤسسات ضخمة بأنبوب الغاز المغربي النيجيري، قائلًا، إن دول أوبك وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين أعربت عن رغبتها في الاستثمار به، وأكد "لا أعتقد أن دولًا بهذا الحجم تغامر بالاستثمار في مشروع غير مُجدٍ لشعوبها".
الغاز في المغرب
لفت الخبير المغربي إلى توقعات تشير إلى توافر احتياطيات للغاز في منطقة العرائش في بلاده، لكن لم تُحسم حتى الآن، كما لفت لأهمية حقل تندرارة الذي سيبدأ أول إنتاج له في نهاية هذا العام (2023).
يُشار إلى أن حقل تندرارة اكتُشف في عام 1966، وهناك تقديرات بأن يصل الإنتاج ذروته في عام 2026، بما يُقدَّر بـ151 برميل يوميًا من النفط الخام والمكثفات، بالإضافة إلى 50 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز الطبيعي، وسيستمر إنتاج الحقل حتى عام 2067.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أهم المعلومات عن حقل تندرارة المغربي للغاز:
في سياق متصل، قال الخبير المغربي، إن هناك مجموعة من آبار الغاز غير المستغلة، ولكن تحتاج لاستثمارات ضخمة لاستخراجه، وربما تكون تكلفة استيراد الغاز أقلّ بكثير من الإنتاج، وإذا حدث أن استثمرت بالقطاع شركات أجنبية، فلن تحصل الدولة إلّا على 25% من الإنتاج.
الغاز الجزائري إلى أوروبا
تتنافس المغرب والجزائر على نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا، فلدى الجزائر مشروع مماثل، هو أنبوب الغاز الجزائري النيجيري المعروف باسم "أنبوب الغاز العابر للصحراء"، ويبدأ من أبوجا النيجيرية، مرورًا بنيامي في النيجر، وصولًا إلى الجزائر، ثم أوروبا.
وحصل الأنبوب الجزائري النيجيري مؤخرًا على تمويل البنك الأفريقي للتنمية، في خطوة حاسمة قد تسرّع وتيرة تقدّم الجزائر بخطوة على حساب المغرب.
وعن ذلك، قال الخبير الاقتصادي، إن الجزائر دولة منتجة للغاز بوفرة، ولا يمكن مقارنة المغرب بالجزائر، التي هي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا بعد نيجيريا، ولها أكثر من تجربة في نقل الغاز إلى أوروبا.
في المقابل -بحسب الخبير-، فالمغرب دولة مستوردة لـ90% من احتياجات الطاقة لديها، ولا يمتلك إمكانات ضخمة من الغاز، لأنه ينتج 10% فقط من الاستهلاك المحلي البالغ مليار متر مكعب.
ويصل حجم إنتاج الغاز في المغرب إلى 100 مليون متر مكعب فقط، وهي غير كافية لتلبية الطلب المحلي، ما يستلزم استيراد الباقي من الخارج، مؤكدًا: "فاتورة المغرب من الطاقة كبيرة جدًا، وربما يتمثل إنجازنا في استعمال الطاقة المتجددة".
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- المكانة المميزة للغاز الجزائري إلى أوروبا:
ميزات أكبر للغاز الجزائري
كان الخبير الاقتصادي والأكاديمي الجزائري، الدكتور أحمد طرطار، قد قال في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، إن هناك مميزات ترجّح كفة الجزائر على المغرب في صفقة الغاز النيجيري.
وعدّد الخبير الجزائري عوامل تراجح كفة بلاده، هي:
- مسافة أقلّ؛ إذ يمكن التحكم بأنبوب الغاز الجزائري عبر 3 دول فقط، مقارنة بـ13 دولة في حالة المشروع المغربي.
- يمتد أنبوب الغاز النيجيري الجزائري لمسافة 4 آلاف كيلومتر فقط، مقارنة بالأنبوب النيجيري المغربي الذي يصل طوله إلى 5600 كيلومتر.
- تكلفة المشروع المغربي باهظة، مقارنة بأنبوب الغاز النيجيري الجزائري.
- تتمتع الجزائر بباعٍ طويل من الخبرات في نقل الغاز.
يُشار إلى أن الجزائر تمتلك أنبوبين لنقل الغاز إلى أوروبا، وهما "ميدغاز" خط الأنابيب الرئيس إلى إسبانيا، ويمكنه نقل 10.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، وخط أنابيب ترانسميد الذي ينقل الغاز الجزائري إلى البر الرئيس لإيطاليا عبر تونس وصقلية.
العلاقات بين المغرب والجزائر
أكد الخبير الاقتصادي المغربي رشيد الساري أن الخلافات مع الجزائر لن تدوم طويلًا، ولكنها تكلّف كلا البلدين الكثير حاليًا، متوقعًا عودة العلاقات إلى سابق عهدها على المدى المتوسط، قائلًا: "ربما ليس اليوم، ولكني متفائل بأن العلاقات ستعود يومًا إلى سابق عهدها، يكفي -فقط- التخلّي عن الخطابات العدائية ولغة الكراهية التي لن تعود بالمنافع على أيّ طرف".
وأوضح أن هناك مشكلة كبيرة لدى حكّام الجزائر مع المغرب، مؤكدًا أن الأمر يرتبط بأشخاص، وليس بلدانًا، لافتًا إلى أن المغرب يمدّ يده لفتح صفحة جديدة، كما أن حدوده مفتوحة أمام الجزائر.
وكانت العلاقات بين الجارتين قد شهدت توترًا حادًا في أواخر عام 2020، وعلى إثرها قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بالكامل في أغسطس/آب 2021، ثم رفضت الجزائر تجديد اتفاق مدّته 25 عامًا لضخ الغاز عبر أنبوب غاز المغرب العربي-أوروبا المارّ بأراضي المملكة إلى إسبانيا.
وكان خط أنابيب المغرب العربي وأوروبا يربط بين حاسي الرمل في الجزائر وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق، مرورًا بالمغرب، وكان الغاز المستورد يغذّي محطة تهدارت لتوليد الكهرباء ذات الدورة المركبة (384 ميغاواط).
وفي تصريحات سابقة إلى منصة الطاقة المتخصصة، ربط الخبير الاقتصادي الجزائري، الدكتور مراد كوشي، إمكان استئناف تشغيل أنبوب غاز المغرب العربي-أوروبا بتحسُّن العلاقات السياسية بين الجزائر والمغرب، وفي القلب منها ملف الصحراء الغربية.
موضوعات متعلقة..
- شركة بريطانية ترفع سعر بيع الغاز المغربي.. ما القصة؟
- مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري يواجه تحديات.. وخبير: لا طائل من ورائه
- الغاز المغربي يترقب حفر بئر استكشافية جديدة خلال أيام
اقرأ أيضًا..
- الطاقة المتجددة تساعد في خفض انبعاثات قطاع الزراعة
- وزير الطاقة القطري: الاستكشاف يشهد نموًا غير مسبوق.. والتقطير هدف إستراتيجي
- اصطدام ناقلة نفط روسية في نهر لينا.. وطوارئ بعد تسرب الوقود للمياه
مشروع وهمي