الوقود الحيوي في كندا يدخل مواجهة شرسة مع قانون خفض التضخم الأميركي
مخاوف من "هجرة" الاستثمارات للاستفادة من مزايا القانون
هبة مصطفى
يواجه إنتاج الوقود الحيوي في كندا أزمة في الوقت الحالي، رغم طموحات التطوير والتوسع بهدف خفض الانبعاثات وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، إذ ظهر قانون خفض التضخم الأميركي ليكون بمثابة عنصر جذب قوي لهذه الاستثمارات والمشروعات ويهدد بهجرتها من أوتاوا بحثًا عن دعم أوسع نطاقًا يُنعش المكاسب والعوائد من ورائها.
وربما يشكّل عزوف الشركات المنتجة عن مواصلة استثماراتها في كندا، والانطلاق نحو أميركا وتمتّعها بالدعم القانوني والمالي للمشروعات، مصدر تهديد لخطط الطاقة النظيفة في أوتاوا، وقد يمتد الأمر لخسارة الحكومة حزمة لا بأس بها من أموال الاستثمارات، حسب تقرير نشرته رويترز الإثنين (12 يونيو/حزيران 2023).
ويبدو أن الطموح الأميركي لدعم الطاقة النظيفة -الذي دعمته إدارة الرئيس جو بايدن بقانون خفض التضخم ومخصصات تصل إلى 430 مليار دولار- سيثير القلق بين دول أميركا الشمالية، وقد يمتد إلى أوروبا أيضًا، إذ ما نجحت الولايات المتحدة في جذب الاستثمارات النظيفة من موطنها الأصلي، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويُنتَج الوقود الحيوي من مصادر منخفضة الكربون، من بينها المحاصيل الزراعية ومخلّفات الأخشاب، لتجنُّب انبعاثات الوقود المكرر من النفط الخام ومصادر الوقود الأحفوري.
نقل المشروعات إلى أميركا
تراجع عدد من منتجي الوقود الحيوي في كندا عن خططهم التوسعية، وألغى بعضهم -بالفعل- بعض المشروعات، من بينها إقدام شركة التجزئة التي تدير محطات وقود عدّة "بارك لاند" على إلغاء مشروع محطة لإنتاج الديزل المتجدد في كولومبيا البريطانية، في مارس/آذار الماضي.
ومن أبرز المشروعات التي يدرس المنتجون نقلها إلى أميركا، مشروع "أربيوس بيوتيك"، المشترك بين شركتي "كانفور" المعنية بالأخشاب المستدامة والمباني الخضراء والغابات و"ليسيلا" الأسترالية للتقنيات الحيوية.
وبحسب رئيس "أربيوس" والمستشار الصناعي، دون روبرتس، كان المشروع المشترك يتضمن خططًا لبناء محطة لإنتاج الوقود الحيوي في كندا، غير أن الشركات المشاركة تعتزم البحث عن موقع بديل للمحطة في أميركا.
وكشف روبرتس أن 3 مطورين كنديين -بخلاف "أربيوس"- يدرسون نقل مشروعاتهم إلى مواقع أميركية أيضًا، ما لم تقلّص أوتاوا فجوة الدعم المالي لمشروعات الوقود الحيوي والطاقة النظيفة.
ماذا يريد المنتجون؟
يسعى منتجو الوقود الحيوي في كندا -عبر التهديد بنقل مشروعاتهم إلى أميركا- إلى ممارسة ضغوط على أوتاوا خلال مدة الاستعداد لتحديد بنود الموازنة، والوقوف على بنود التحديث المالي المرتقب، بحلول نهاية العام الجاري 2023.
وأكد رئيس شركة "أدفانسد بيوفولز كندا"، إيان طومسون، أن هناك مطالبات من قبل المُنتجين بضرورة منحهم إعفاءات ضريبية على الاستثمارات تعوّض تكلفة رأس المال وحجم الإنفاق على ضريبة تسعير الكربون المفروضة في البلاد.
ويخشى المنتجون من اضطرار بعض الشركات إلى فرض رسوم إضافية على مبيعات الوقود الحيوي في كندا، لتحقيق أرباح تقارب المنتجين الأميركيين الذين يتمتعون بإعفاءات تنعش مكاسبهم.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- خطة كندا للانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة:
بدوره، شدد الرئيس التنفيذي لشركة "برايا" لإنتاج الوقود المتجدد "فرانك ألمراز" على ضرورة الاستقرار حول البيئة التنظيمية وحجم الدعم المقدّم لمشروعات الوقود الحيوي في كندا بوتيرة سريعة، حتى يتمكن المنتجون من تحديد مصير قرارات التوسع.
وتعكف شركته على تحويل منشآت تكرير وإعادة تأهيلها، تمهيدًا لإنتاج 18 ألف برميل يوميًا من الديزل المتجدد ووقود الطائرات المستدام، خلال العام الجاري 2023.
مشروعات تبحث عن الاستقرار
انضمت شركة "إنبريدج" الكندية للمرافق وخطوط الأنابيب لمطالب منتجي الوقود الحيوي في كندا باتخاذ البلاد موقفًا مقاربًا للموقف الأميركي تجاه مشروعات الطاقة النظيفة، وتقديم الدعم اللازم قانونيًا وماديًا.
وتبدو معاناة شركة "إنبريدج" أكثر وضوحًا، خاصة أنها تأخذ على عاتقها تطوير مشروع للغاز الطبيعي المتجدد بصورة مشتركة بين أميركا وكندا، ما يبرر مطلبها بتطبيق دعم موحّد، أو على الأقلّ تضييق فجوة الدعم المقدّم من قبل حكومتي البلدين.
ودعا الرئيس التنفيذي لشركة "تايد ووتر" للطاقة المتجددة، روب كولكو، إلى تقديم الحكومة الكندية المزيد من الدعم للمنتجين، مشيرًا إلى أن شركته بصدد افتتاح أول محطة إنتاج الديزل المتجدد دعمًا لمسار الوقود الحيوي في كندا.
وفجّر مفاجأة حول التطوير والتوسعات، بكشفه خططًا لبناء محطتي إنتاج الغاز الطبيعي المتجدد، إحداهما ستُبنى في أميركا.
خسائر كندية.. ودعم أميركي
يُكبّد عزوف منتجي الوقود الحيوي في كندا عن مواصلة استثماراتهم في البلاد ونقل مشروعاتهم إلى أميركا، حكومة أوتاوا خسائر باهظة قد تصل إلى 10 مليار دولار كندي.
(الدولار الكندي = 0.75 دولارًا أميركيًا).
ولم يقتصر الأمر على الخسائر المالية فقط، بل تُهدد "هجرة" هذه المشروعات من كندا بعرقلة خطط الاقتصاد الأخضر والتحول نحو الطاقة النظيفة، إذ تستهدف البلاد التخلص من الانبعاثات الكربونية للوقود بنسبة 40% بحلول نهاية العقد (2030).
وعلى الجانب الآخر، يشكّل قانون خفض التضخم الأميركي -الذي صدّق عليه بايدن في أغسطس/آب العام الماضي 2022- مصدر جذب قويًا للاستثمارات النظيفة، عبر تخصيص 430 مليار دولار لدعم التحول الأخضر والصناعة المحلية، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى خفض الانبعاثات.
ولم تقف حدود المنافسة أمام الدعم الأميركي على كندا فقط، بل امتدت المخاوف إلى أوروبا أيضًا، لكن في أوتاوا تبدو الصورة أكثر صعوبة، خاصة أن قرب الحدود بين البلدين قد يسمح بفتح المجال أمام المبيعات الأميركية الأرخص ثمنًا لشحنات الوقود الحيوي في كندا.
ويرفع سقف المخاوف عزم أميركا ضم إنتاج الوقود الحيوي إلى مظلة الإعفاءات الضريبية لقانون خفض التضخم في غضون عامين (بحلول 2025)، دون أن تقدّم الحكومة الكندية امتيازات للحفاظ على استثمارات المنتجين داخل حدودها.
اقرأ أيضًا..
- عدد المركبات الكهربائية على الطرق قد يصل إلى 100 مليون وحدة بحلول 2026 (تقرير)
- روسيا.. قوة عالمية كبرى في صناعة النفط والغاز (10 رسومات بيانية)
- أنس الحجي: السعودية لا تستطيع مواصلة خفض إنتاج النفط.. وهناك طلقات أخرى (صوت)
- الجزائر تكشف أسباب انسحاب توتال من مشروع البتروكيماويات الضخم