المقالاتسلايدر الرئيسيةعاجلغازمقالات الغاز

اكتشاف غاز البحر الأسود.. أداة انتخابية في تركيا (مقال)

بقلم: أومود شوكري – ترجمة: هبة مصطفى

يدخل اكتشاف غاز البحر الأسود بوصفه طرفًا فاعلًا في الانتخابات التركية المقرر لها 14 مايو/أيار 2023، بعدما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان اكتشاف موارد هناك.

وتُشير التوقعات إلى استكمال أولى مراحل تسليم الغاز من الاكتشاف قبيل انعقاد الانتخابات.

ويقدر إنتاج غاز البحر الأسود بنحو 7% من إجمالي استهلاك الغاز في تركيا، وتخطط أنقرة لتطويره وزيادة الإنتاج ليصل إلى 16 مليار متر مكعب، بحلول المدة بين عامي 2028 و2030.

وطور اكتشاف صقاريا شركة النفط التركية "تي بي إيه أو"، بدعم من شركتي إس إل بي "شلمبرجيه سابقًا" وشركة "صب سي 7" الهندسية.

إستراتيجية الطاقة التركية

يدفع موقع تركيا وسعة تخزين الغاز الطبيعي بها نحو اعتبارها لاعبًا محتملًا في بنية الطاقة التحتية الإقليمية، لكن الخبراء يتساءلون حول الجدوى الاقتصادية والعواقب البيئية لذلك.

غاز البحر الأسود
سفن تنقيب تركية - الصورة من Energy Industry Review

ورغم ذلك؛ فإن الحكومة التركية تستحق التقدير لنجاحها في التغلب على تحديات مشروع الاستكشاف في المياه العميقة، الذي عادة ما تقوم به شركات نفط وغاز كبرى.

وركّزت إستراتيجية الطاقة في تركيا على خفض الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية، عبر تنويع مزيج الطاقة وزيادة الإنتاج المحلي، ويمثل اكتشاف غاز البحر الأسود تطورًا ملحوظًا نحو تحقيق هذا الهدف.

لكن الجدوى الاقتصادية لاستخراج الغاز الطبيعي من حقل صقاريا كانت موضع تساؤل من الخبراء، ولا سيما في ظل مخاوف حول قدرة تركيا على تلبية متطلبات تغير المناخ والصفقة الخضراء.

ويسمح موقع تركيا الجغرافي في ملتقى الطرق بين خطوط أنابيب نقل الهيدروكربونات، وقدرتها على تخزين الغاز، باعتبارها أحد الخيارات المحتملة والمجدية اقتصاديًا بوصفها لاعبًا رئيسًا في بنية الطاقة الإقليمية التحتية.

وحتى تتمكن أنقرة من تحقيق هدفها بوصفها مركزًا للطاقة، يجب ألا يحتل الاعتماد على الغاز الروسي جزءًا كبيرًا من خطتها.

غاز البحر الأسود والانتخابات

يُرجَّح أن يكون قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضخ أول غاز منتج محليًا في نظام الطاقة بالبلاد، ومنحه بصورة مجانية لبعض الأسر خلال المدة السابقة للانتخابات المقررة في 14 مايو/أيار المقبل، محاولةً لكسب الدعم السياسي.

ويُتوقع أن تعقد تركيا الانتخابات المحلية بحلول 14 مايو/أيار المقبل، وقد يؤثر تقديم الغاز للأسر بصورة مجانية في التصويت لصالح الحزب الحاكم بقيادة أردوغان.

ويُحتمل أن يغير اكتشاف غاز البحر الأسود قواعد اللعب لقطاع الطاقة التركي، غير أن نجاحه يعتمد على عوامل عدة؛ من بينها: الجدوى الاقتصادية، والاعتبارات البيئية، والتعاون الإقليمي.

وطوّر مشروع حقل صقاريا -الذي يبعد 175 كيلومترًا عن غرب "كارادينيز إريغلي"- شركة النفط التركية "تي بي إيه أو" وبدعم من شركتي إس إل بي "شلمبرجيه سابقًا" و"صب سي 7" للأعمال الهندسية.

وتستحق الحكومة التركية الشكر؛ لما حققته من نجاح في الاكتشاف الذي كان محاطًا بتحديات ويواجه تكلفة الاستكشاف في المياه العميقة الذي عادة ما تطوره شركات كبرى معنية بصناعة النفط والغاز.

وخلال 3 سنوات فقط، تمكّنت تركيا من ضخ الغاز من حقل غاز البحر الأسود المعروف باسم "صقاريا" إلى الشبكة الوطنية، ويعكس ذلك أن عملية استخراج الموارد محليًا قد تكون مجدية اقتصاديًا.

حقل صقاريا وأمن الطاقة

يُعَد قرار حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستخراج غاز البحر الأسود أفضل القرارات المتاحة وفق الأسباب الإستراتيجية، ولأمن الطاقة أيضًا.

وتُشير التوقعات إلى أن حقل صقاريا يمكنه تلبية 7% من الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي في أنقرة بصورة أولية، مع وجود خطط لرفع هذه النسبة إلى 28%.

غاز البحر الأسود
سفينة تركية لنقل إمدادات الغاز - الصورة من Daily Sabah

لكن يتعين تأكد شركات الطاقة الكبرى والمنظمات الدولية من أرقام احتياطيات حقل صقاريا من باب زيادة الشفافية؛ لجذب المستثمرين الأجانب الذي دفعوا مقابل 98% من استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد.

وتضخ 7 آبار في الآونة الحالية ما مقداره 10 ملايين متر مكعب يوميًا في الشبكة الوطنية لتركيا؛ لذا لا تواجه أنقرة أي مشكلات في إمدادات الغاز الطبيعي المطلوبة، ولا سيما أن إمدادات الغاز المسال توفر ثلث هذه الإمدادات.

وتسبّبت زيادات أسعار الغاز المسال العام الماضي (2023) في الإضرار بالاقتصاد التركي، ويجب ألا يتوقع المستهلكون انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المستخرج من حقل صقاريا لمستوى أقل من غاز "فاداني".

ورغم أن السعر الإجمالي للغاز الطبيعي المستخرج من حقل صقاريا قد يكون أقل من سعر الغاز المسال المستورد؛ فإنه لن ينخفض عن مستويات أسعار الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران.

ومن المتوقّع أن يوفر حقل صقاريا 30% من الاستهلاك التركي للغاز، بحلول عام 2027.

جدوى غاز البحر الأسود

تساءل خبراء الطاقة في تركيا -من خلال وسائل الإعلام- حول جدوى استخراج غاز البحر الأسود من حقل صقاريا اقتصاديًا، وشملت تساؤلاتهم تكلفة الإنتاج من الحقل مقارنة بالتكلفة الحالية لخط الأنابيب والغاز المسال، بالإضافة إلى حجم التوفير في صافي واردات الطاقة المقدرة بنحو 80 مليار دولار.

كما تساءلوا أيضًا حول كيفية استخدام الأسر والشركات ومنتجي الكهرباء لإمدادات الغاز الطبيعي بتكلفة ملائمة، دون أن يتلقّوا دعمًا من الدولة، وحول عدم الكشف عن مستويات الأسعار وتكلفة الإنتاج.

وسلّط الخبراء أيضًا الضوء على مدى واقعية هدف شركة النفط التركية "تي بي إيه أو" حول تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ومدى تأثيره في العقود وروابط الغاز الطبيعي الحالية، بجانب السياسات الخارجية والتداعيات الأمنية.

كما طُرحت مخاوف حول قدرة تركيا على تلبية متطلبات التغير المناخي والصفقة الخضراء.

وتُعَد هذه التساؤلات هي نقطة البداية، ويتعين على تركيا تقديم إجابات عنها تتسم بالمصداقية.

الغاز والانتخابات وانتقادات لأردوغان

يُشَكِّل إنتاج غاز البحر الأسود قيمة عالية لتركيا؛ إذ تستورد أنقرة 98% من الغاز الطبيعي عبر مصادر مختلفة؛ ما يؤدي إلى تحملها فواتير شراء ضخمة بجانب التكلفة السياسية لذلك.

ويُعَد هذا المورد ضروريًا وحيويًا لأمن الإمدادات التي تُعَد قضية تتعلق بالأمن القومي.

ورغم ذلك؛ يوجه خبراء الطاقة انتقادات لاستخدام أردوغان ما حققته البلاد من نجاح في اكتشاف غاز البحر الأسود كإحدى أدوات حملته السياسية في الانتخابات المقبلة، بجانب مشروع "تي أو جي جي" لتصنيع السيارات، وسفينة "الأناضول" للإنزال، ومحطة الطاقة النووية "مرسين أكويو"، وإطلاق أقمار صناعية، وطائرات مقاتلة دون طيار، ودبابة "ألتاي".

ويتعين تقييم محاولات الحكومة التركية لاستخدام هذه المشروعات خلال مرحلة ما قبل الانتخابات، في إطار تدفق السياسات.

ويمكن للمعارضة طرح خطط حول هذه المجالات لإحداث توازن في المنافسة الانتخابية.

الإمدادات إلى أوروبا

أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو -في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي (2022)- أن بلاده يمكن أن تصبح مركزًا للطاقة فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي المتجهة إلى أوروبا؛ ما يجعلها لاعبًا رئيسًا في بنية الطاقة التحتية إقليميًا.

غاز البحر الأسود
تطور عملية إنتاج الغاز من حقل صقاريا - الصورة من NS Energy

ويُعَد موقع تركيا في ملتقى خطوط أنابيب الهيدروكربونات المختلفة، وقدرتها على تخزين الغاز، خيارًا واردًا ومُجديًا اقتصاديًا.

وحتى تتمكن تركيا من النجاح بوصفها مركزًا للطاقة؛ يتعين عليها تنويع مساراتها ومورديها الحاليين، والاستقلال في عملية صنع القرار عبر (مؤسسات مستقلة، احتياجات ومعدل طلب السوق، تحديد أسعار الإمدادات، مدى استعداد الشركاء المحتملين للمشاركة).

ويعمل تطوير حقول الغاز الجديدة في تركيا -ومن ضمنها غاز البحر الأسود- على تعزيز جهود تنويع مصادر الطاقة في البلاد، خاصة في ظل اعتمادها على الواردات بصورة تقليدية لتلبية طلبها على الطاقة.

وقدر مسؤولون أتراك -قبل إعلان الاحتياطيات الجديدة مؤخرًا- أن غاز البحر الأسود قد يلبي "ثُلث" الطلب على الغاز في البلاد، لكن اعتماد أنقرة على واردات الطاقة وتحولها إلى مركز للغاز الروسي قد لا يلقى ترحيبًا من قِبل الاتحاد الأوروبي.

غاز المنازل

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصول أول شحنة من غاز البحر الأسود -عبر حقل جديد- إلى بلاده.

ويُخطط أردوغان لتوصيل الغاز للمنازل والشركات والمشروعات الصغيرة بصورة مجانية، قبيل الانتخابات المقرر لها الشهر المقبل.

وتُعَد هذه الخطوة بمثابة محاولة لتعزيز شعبية أردوغان التي تراجعت لأمور عدة؛ من بينها تعثر الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم.

ويُشير المقال إلى أن اكتشاف تركيا لاحتياطيات غاز جديدة تطور ضروري فيما يتعلق بأمن الطاقة؛ إذ يؤدي قطاع الطاقة دورًا حيويًا خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولا سيما في ظل تناول الصحافة التركية لتساؤلات حول جدوى استخراج الغاز من حقل صقاريا.

ورغم أن الاستفادة من موارد غاز البحر الأسود قد لا تخفض تكاليف الطاقة بالنسبة للمستهلكين الأتراك؛ فإن الصناعة يمكنها تعزيز التصويت لصالح أردوغان في الانتخابات الرئاسية في شهر مايو/أيار المقبل.

وينبغي على الحكومة التركية المستقبلية إعادة تقييم سياسات الطاقة في البلاد؛ حتى يمكنها التغلب على تحديات المستقبل بفاعلية.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001."

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق