مزارع الطاقة الشمسية في أميركا تهدد إنتاج المحاصيل الزراعية
أسماء السعداوي
تُعد الطاقة الشمسية في أميركا إحدى أدوات تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ولأجل الطاقة المتجددة وُضعت سياسات مواتية أبرزها قانون خفض التضخم.
ولتحقيق أهداف إزالة الكربون، ستحتاج واشنطن إلى تركيب 1570 غيغاواط من قدرات الطاقة الشمسية بحلول منتصف القرن، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى نحو خاص، يتميّز الغرب الأوسط الأميركي برخص عقود استئجار الأراضي، وتيسير سبل الوصول لشبكات نقل الكهرباء والحقول المفتوحة، بالإضافة إلى الحوافز الفيدرالية والمحلية السخية.
وهناك تحذيرات متزايدة من مخاطر تآكل التربة ونمو المحاصيل في الأرض التي تُعد الأخصب في أميركا ككل، جراء تركيب الألواح والأعمدة والأجهزة ذات الصلة بالمزارع الشمسية.
لكن تأجير الأراضي لمشروعات الطاقة الشمسية مصدر كبير للدخل وتحقيق أرباح أكبر من استعمالها لزراعة الذرة التي انخفض سعرها للعام الثالث على التوالي، وهو ما يهدد الإنتاج المستقبلي للمحاصيل.
تجربة دوتلينغر
تُعد مزرعة دانس بريدج سولار التي تطورها شركة "نيكست إيرا إنرجي ريسورسيز" (NextEra Energy Resources) في ولاية إنديانا أكبر تطورات صناعة الطاقة الشمسية في الغرب الأوسط، ودخلت المزرعة بقدرة إنتاج 265 ميغاواط حيز التشغيل في نهاية العام الماضي (2023).
وكان ديف دوتلينغر أحد أصحاب الأراضي الذين أبرموا عقود تأجير مع الشركة المطورة في عام 2019، لتصبح نحو 445 فدانًا من حقوله مغطاة بالألواح الشمسية، لكن في عام 2022 ظهرت مشكلة تناثر الرماد من أرض المزرعة، لتثير غضب الجيران.
وينص عقد الإيجار على أن الشركة ستلجأ إلى الجهود "المعقولة تجاريًا"، لتقليل حجم أي ضرر أو تعطيل لنمو المحاصيل والأرض، نتيجة أنشطة البناء خارج الموقع مع "عدم إزالة" التربة السطحية.
غير أن المقاولين من الباطن استعملوا أرض دوتلينغر لبناء الطرق وتركيب الألواح والأعمدة، رغم أنه حذر من أن ذلك سيجعل التربة "عُرضة للتآكل"، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.
وبحسب دوتلينغر، تغيّرت ملامح مزرعته ونثر العمال الرمال الناعمة في مناطق كبيرة من التربة الخصبة، ما منع نمو النباتات.
والآن، يقول إنه لن يتمكن من زراعة أي شيء مجددًا خاصة الذرة وفول الصويا والبرسيم الحجازي لتغذية الماشية.
وتصنف وزارة الزراعة الأميركية مزرعة دوتلينغر المغطى ثلثها بالألواح الشمسية، بأنها الأكثر إنتاجية للمحاصيل.
وعندما توجه صاحب الأرض إلى الشركة للحصول على تعويض عن الأضرار، قالت "نيكست إيرا" إنها ستقيّم أعمال الإصلاح في نهاية مدة العقد في عام 2027.
أرباح قوية
تتراوح قيمة الإيجارات في إنديانا وولايات الغرب الأوسط بين 900 و1000 و500 دولار للفدان الواحد خلال عام، مع زيادة سنوية.
وفي المقابل، بلغت قيمة الإيجار لأغراض زراعة الذرة وفول الصويا في إنديانا وإلينوي وأيوا نحو 251 دولارًا للفدان في عام 2023.
وتشير بيانات شركة "فارملاند بارتنرز" (Farmland Partners) إلى أنها أجرت نحو 9 آلاف فدان لصالح بناء مزارع الطاقة الشمسية في أميركا.
وبحسب الرئيس التنفيذي للشركة بول بيتمان، فإن معظم تلك الأراضي المؤجرة "ذات إنتاجية عالية".
وردًا على تساؤل حول ما إذا كان التأجير لمشروعات الطاقة الشمسية أفضل من الزراعة، قال: "ربما لا، لكن مستثمرينا سيقتلوننا إذا لم نواصل الأمر".
وتنفي بعض الشركات المطورة للطاقة المتجددة أن تكون كل عقود الإيجار لصالح مشروعات الطاقة الشمسية التي هي وسيلة لتمكين السيارات الكهربائية في المستقبل، كما صُممت بعض المشروعات لزراعة محاصيل أو تربية الماشية وسط الألواح الشمسية.
إنتاج المحاصيل
يقول خبراء الاقتصاد الزراعي، إن خروج ولو جزء بسيط من الأراضي الزراعية المنتجة للمحاصيل لصالح إقامة مشروعات الطاقة الشمسية وتدمير التربة السطحية الخصبة، يهدد الإمكانات المستقبلية لإنتاج المحاصيل في الولايات المتحدة.
كما تقول وكالة حماية البيئة ووزارة العدل، إن الممارسات الشائعة لبناء المزارع الشمسية، ومنها إزالة أجزاء واسعة من الأراضي، من شأنها أن تؤدي إلى تآكل كبير وصرف الرواسب في المجاري المائية ما لم تُتخذ إجراءات معالجة مناسبة.
وثمة منافسة متزايدة على استئجار الأراضي، وفي عام 2023، تراجعت مساحة المزارع بنحو 8% مقارنة بعام 1997 إلى 76.2 مليون فدان. وتتجه لتحويلها إلى أغراض سكنية وتجارية وصناعية وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وأكدت وزارة الزراعة أن زحف العمران والتنمية كانا أكبر مساهمين في خسارة الأراضي الزراعية بصورة أكبر من مشروعات الطاقة الشمسية.
زراعة الذرة
حذّر الباحثون في منظمة "أميركان فارملاند تراست" غير الربحية (American Farmland Trust) من أن 83% من مشروعات الطاقة الشمسية الجديدة ستكون على المزارع والمراعي ما لم تتغير السياسات الحكومية الحالية.
وعلى نحو خاص، سيكون أكثر من تلك المشروعات مقامًا على أفضل أراضي أميركا المنتجة للغذاء والألياف والمحاصيل الأخرى.
وفي المقابل، قالت 5 من شركات تطوير الطاقة المتجددة وشركات الطاقة الشمسية، إن استعمال الصناعة للأراضي الزراعية محدود للغاية بطريقة لا تؤثر في الإنتاج المحلي للغذاء.
ولم تأخذ شركة "دورال رينيوابلز" (Doral Renewables) المطورة لمشروع الطاقة الشمسية "ماموث سولار" بقيمة 1.5 مليار دولار، اعتبارات زراعة الذرة أو فول الصويا في قرارها الخاص باختيار الموقع، لكن ما يهمها هو تضاريس الأرض وقربها من شبكة الكهرباء.
وتُستعمل الذرة لإنتاج الإيثانول، وينتج الغرب الأوسط أكثر من ثلث الإنتاج الأميركي، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وقلل الرئيس التنفيذي لشركة دورال، نيك كوهين، من الجدوى الاقتصادية لإنتاج الذرة، قائلًا إن الطاقة الشمسية تجعل الأراضي الزراعية أكثر إنتاجية من وجهة النظر الاقتصادية.
ويتفق مع هذا الرأي المزارع في إنديانا نورم ويلكر، الذي قال إنه فاز بعقد لتأجير 60% من أرضه الزراعية لصالح بناء مشروع ماموث سولار للطاقة الشمسية، ما يجلب له أرباحًا أعلى من ذراعة الذرة التي تشهد أسعارها تراجعًا للعام الثالث على التوالي في 2024.
موضوعات متعلقة..
- قدرات الطاقة الشمسية في أميركا تترقب ضربة قوية بسبب "الكسوف" (تقرير)
- الطاقة الشمسية في أميركا تواجه منافسة صينية شرسة
- صناعة الطاقة الشمسية في أميركا بحاجة لتدخُّل عاجل.. 3 توصيات مهمة
اقرأ أيضًا..
- أرامكو تدرس مشروعًا مشتركًا مع الصين.. واستثمارات جديدة في الطريق
- إنجي الفرنسية تتخارج من محطة كهرباء مغربية عاملة بالفحم
- قطاع التعدين في نيجيريا قد يُعيد جلينكور رغم اتهامها بالفساد