تقارير الطاقة المتجددةالتقاريررئيسيةطاقة متجددة

استثمارات طاقة الرياح "مخاطرة" قصيرة الأجل ودعمها "خطأ" يحتاج إلى إصلاح

هبة مصطفى

"مجازفة محفوفة بالمخاطر".. هكذا أصبحت قناعة غالبية المحللين حول استثمارات طاقة الرياح، خاصة الرياح البحرية، بعد مقارنة حجم الدعم الذي تلقته الصناعة طوال عقود بما تلقيه -حاليًا- من أعباء مالية على كاهل الحكومات والمستثمرين دون إنتاج كافٍ.

ولعل المخاوف من تحمل المستهلك نتائج المخاطرة كانت الدافع وراء إطلاق محلل الطاقة في المملكة المتحدة، مدير مؤسسة الطاقة المتجددة الخيرية الدكتور جون كونستابل، جرس إنذار حول ضرورة وضع حد لدعم المشروعات.

وحذّر كونستابل من تداعيات الاستمرار في الاندفاع نحو توسعات هذه المشروعات، قائلًا إن الاقتصادات الأوروبية الكبرى والصغرى على حد السواء ستكون في مواجهة مخاطر محدقة إذا استحوذت مشروعات الرياح على محفظتها.

وطرح -في مقال تحليلي له تابعته منصة الطاقة المتخصصة- رؤية صادمة، تضمنت دعوة غير مباشرة إلى غض الطرف عن الاستثمار في مشروعات الرياح، والتركيز على مصادر أخرى أكثر واقعية.

دعم في غير محله

كلّف دعم استثمارات طاقة الرياح المملكة المتحدة وحدها مليارات الجنيهات الإسترلينية طوال العقود الماضية، بعدما انتشرت حملات إعلامية وإعلانية تروج لعالمية هذه التقنيات "المأمونة".

(الجنيه الإسترليني = 1.25 دولارًا أميركيًا)

ورغم ذلك، أكد محلل الطاقة الدكتور جون كونستابل أن عددًا من المحللين أدركوا مؤخرًا أن مشروعات الرياح ليست استثمارًا، بل مخاطرة تحصل على دعم سياسي متواصل قائم على الإعانات.

مزرعة رياح بحرية
مزرعة رياح بحرية - الصورة من WindEurope

وقال إن فهم طبيعة عمل طاقة الرياح فيزيائيًا يُشير إلى أن تدفق إمدادات الكهرباء منها لن يكون زهيد التكلفة، مثل الوقود النووي أو الأحفوري، حتى مع الأخذ في الاعتبار التداعيات المناخية للأخير.

وأوضح كونستابل أن رؤيته غير قائمة على السرد النظري فقط، مدللًا على ذلك بالبيانات المتوالية على مدار سنوات للتكلفة المرتفعة للبنية التحتية لاستثمارات طاقة الرياح، سواء التكلفة التشغيلية أو تكلفة الصيانة.

وأضاف أن كل هذه التكلفة اقترنت بحجم إنتاج غير محدد، ويحتاج إلى تكلفة إضافية لتوسعة شبكات الكهرباء وتأهيلها.

الواقع الأوروبي

تمس مخاطر استثمارات طاقة الرياح الاقتصادات الأوروبية إلى حد كبير، خاصة في ظل توسعات الأخيرة في إطار التحول بعيدًا عن الاعتماد على الغاز الروسي، وتلبية مستهدفات الطاقة النظيفة.

ويمكن القول بأن انعكاس مجازفة مشروعات الرياح على الاقتصادات الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، سيكون بالغًا إذا لم تكن هناك خطوات محسوبة لحجم الدعم الممنوح مقابل عوائد هذه المشروعات الإنتاجية.

وأوضح الدكتور جون كونستابل، أن الدول الأوروبية "وضعت البيض في سلة واحدة"، بالتركيز المفرط على استثمارات طاقة الرياح، رغم تنوع مصادر الطاقة وتوليد الكهرباء في هذه الدول.

ولا يبدو أن الاقتصادات الصغرى بمنأى عن هذه المخاطرة أيضًا، إذ إن دولة جزرية مثل "جيرسي" -التابعة للتاج البريطاني رغم أنها لا تنتمي للمملكة المتحدة- قد تكون معرضة لخطر أكبر من الاقتصادات الكبرى.

وتنبع هذه المخاوف من تركيز "جيرسي" على مشروعات الرياح، خاصة البحرية، والاعتماد على إمداداتها من الكهرباء، ما يصعب عليها التراجع للخلف والتخلي عن هذه المشروعات رغم المخاطرة.

وقد تضطر "جيرسي" في هذه الحالة إلى إما الاستمرار في مجازفة استثمارات طاقة الرياح وتحمل مخاطرها، وإما الاستعانة بدعم خارجي قد يعرّض استقلال البلاد إلى مخاطرة من نوع آخر للتخلص من هذه المشروعات.

ويرصد الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم استثمارات الرياح في أوروبا، من عام 2013 حتى 2022:

استثمارات طاقة الرياح في أوروبا

ما الحل؟

لا ينطبق وضع دولة مثل "جيرسي" على "اللعبة" التي تخوضها الدول الغنية الكبرى، إذ إن مشروعات الرياح قد تظل تهدد مستقبل هذه الدولة الجزرية الصغيرة، حسب ما طرحه الدكتور جون كونستابل في مقاله المنشور في موقع بيدج سويت (Page Suite).

وقال إن استمرار دعم استثمارات طاقة الرياح يعكس "رؤية غير اقتصادية لمشروعات قصيرة الأجل"، ويُعد مجازفة كبرى لـ"جيرسي".

وضرب كونستابل مثالًا بطريقة تعامل الصين -أكبر الاقتصادات الآسيوية- مع مطالبات التوسع في مصادر الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أنها وازنت بين الاعتماد على الوقود الأحفوري مؤقتًا على المديين القصير والمتوسط، لحين الاعتماد على الطاقة النووية مستقبلًا.

وأوضح أن تكلفة الخوض في هذه المشروعات والإصرار على مواصلتها لن يتحمل نتيجتها سوى المستهلك، خاصة أن طاقة الرياح لا تملك مستقبلًا طويل الأجل، بحسب قوله.

وفجر مفاجأة بقوله إن دعم مشروعات الرياح "خطأ" يتطلب التصحيح، سواء في الآونة الحالية أو مستقبلًا، مشيرًا إلى أن التخلص من مشروعات الرياح القائمة وشطب أصولها سيكون أمرًا مريعًا، لكن يمكن احتماله.

كارثة المملكة المتحدة

ربما بالغت المملكة المتحدة في التركيز على دعم استثمارات طاقة الرياح، واحتلت الرياح البحرية نصيبًا هائلًا من اهتمام الحكومة والمستثمرين.

وانتشرت منذ سنوات حملات الترويج لانخفاض تكلفة استثمارات الرياح، وتأكيد أن تكلفتها ستهبط بنسبة 75% خلال سنوات، وطرح مزادات وفق هذه الرؤية، وطلب التقدم بعروض لتحصل على الدعم.

وجاءت البيانات المالية وتكاليف تشغيل المشروعات لتبرهن على "وهن" هذه الدعاية، واستشهد كونستابل بالتحليل الذي أجراه الخبير الاقتصادي غوردون هيوز لمصادر الطاقة المتجددة، وجاء على عكس ما تتبناه الحملات الدعائية.

وكشف تحليل هيوز عن أن تكلفة تشغيل توربينات الرياح البحرية وصيانتها (خاصة للمشروعات الحديثة) مرتفعة، مقارنة بالمشروعات الأقدم.

وتسلط النفقات التشغيلية المرتفعة الضوء على انخفاض الجدوى الاقتصادية للمشروعات -على عكس المتوقع-، خاصة أن التكلفة السنوية ستظل تفوق الدخل والأرباح.

وأردف الدكتور جون كونستابل أن استثمارات طاقة الرياح في المملكة المتحدة، وفي القلب منها مشروعات الرياح، لن تصمد على الأجل المتوسط دون دعم حكومي متزايد، داعيًا إلى البحث عن بدائل مأمونة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق