أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا.. ما فرص الجزائر ومصر؟
هبة مصطفى
تتجه الأنظار صوب أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، بالتزامن مع توقيت حرج تمر به أسواق الطاقة العالمية، في أعقاب سلسلة من التقلبات، إثر الصراعات الجيوسياسية والعوامل المحلية المؤثرة.
وتضمنت قائمة كبار المصدرين من القارة السمراء: نيجيريا، والجزائر، ومصر، وأنغولا، وليبيا، بحجم صادرات بلغ 2.67 مليون طن في فبراير/شباط 2024 الماضي، بانخفاض على أساس شهري.
وبحسب بيانات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، كانت صادرات الدول الـ5 قد سجلت -في يناير/كانون الثاني الماضي- أعلى المستويات منذ شهر مايو/أيار 2023، التي قُدرت حينها بنحو 3 ملايين طن.
ورغم العقبات التي واجهت عددًا من أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، فإن إستراتيجية التعامل مع هذه التحديات، وخطط تطوير الموارد المتاحة، أسستا لتوقعات متفائلة بزيادة الصادرات التي تستفيد السوق الأوروبية بالحصة الأكبر منها.
وفي التقرير أدناه، نرصد جانبًا من ملامح أداء أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، وفرص الـ5 الكبار تجاه زيادة الصادرات، ومستوى الأسعار الأوروبية في ظل توقعات بزيادة الواردات من القارة السمراء.
السوق الأوروبية والأسعار
كانت السوق الأوروبية هي الوجهة الأبرز لأكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، رغم تراجع الصادرات الإجمالية للدول الـ5 في فبراير/شباط الماضي مقارنة بالشهر السابق له.
ولم يقتصر تراجع صادرات الـ5 الكبار على شهر فبراير/شباط الماضي فقط، لكن التقدير العام يُشير إلى تسجيل صادرات هذه الدول انخفاضًا خلال السنوات من 2021 حتى العام الماضي 2023.
واقتنصت القارة العجوز ما يُقدّر بنحو 64% من إجمالي الصادرات، في حين قد تتحول بعض الكميات إلى دول شرق البحر المتوسط خاصة من شمال أفريقيا في ظل تراجع الشحنات القطرية.
وقُدرت صادرات الغاز المسال من شمال القارة السمراء إلى دول شرق البحر المتوسط، من بينها: تركيا واليونان وكرواتيا، خلال العام الماضي 2023، بنحو 35% من إجمالي صادرات المنطقة المقدرة بنحو 17.12 مليون طن.
وتوقع محللون استعادة شحنات أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، خلال شهر مارس/آذار الجاري، مستوى صادرات شهر يناير/كانون الثاني القياسي، حسب تحليل نشره موقع ستاندرد آند بورز غلوبال (S&P Global).
وتُشير التوقعات إلى زيادة عائدات الصادرات، إذ تراوحت مستويات أسعار شحنات شهر أبريل/نيسان المقبل إلى دول البحر المتوسط بين 8.305 و8.555 دولارًا أميركيًا لكل وحدة حرارية بريطانية، وهي مستويات تفوق الأسعار القياسية المعلنة يوم 2 فبراير/شباط الماضي.
أداء وفرص أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا
شهد أداء أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا تباينًا، سواء في كميات الشحنات المُصَدّرة، أو التوسعات الإنتاجية المحلية، وكذلك خطط التطوير، نستعرضها فيما يلي:
1) الجزائر:
حجزت الجزائر موقعًا مميزًا لها متصدرة قائمة أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا للعام الماضي 2023، مسجلة أعلى مستوى من الصادرات منذ عام 2010، وشكّلت تدفقاتها ما نسبته 11% من حجم الاستهلاك الأوروبي.
وزادت صادرات الغاز المسال الجزائري بنسبة 28% خلال العامين الماضيين 2022 و2023، وربما يعود ذلك إلى تسهيلات الإنتاج التي منحها قانون المحروقات الصادر عام 2019 الذي دخل حيز التنفيذ عام 2021، حسب محللي ستاندرد آند بورز.
وأشاد تقرير حديث صدر العام الجاري عن محللي ستاندرد آند بورز بالميزات التنافسية التي حظي بها قطاع الغاز الجزائري، من بينها: توافر البنية التحتية اللازمة للإنتاج في أصول المنبع، وانخفاض تكلفة المواد المستعملة، بالإضافة إلى قرب محطات الإسالة من المحطات الواقعة جنوب أوروبا، ما سمح بزيادة الصادرات.
وعزّزت الأحداث الجيوسياسية واندلاع الحرب الأوكرانية من اتخاذ صادرات الغاز المسال الجزائري اتجاهًا صعوديًا، منذ عام 2022 وحتى الآن، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية.
ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز الأسواق المستوردة للغاز الجزائري، خلال العام الماضي 2023:
وبالتزامن مع زيادة صادرات الغاز المسال، تصدرت الجزائر المرتبة الثانية -بعد روسيا- ضمن أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب خلال العام الماضي.
كما بدأ الجدل حول احتياطيات الغاز الصخري -الذي قد يُعد مخرجًا أوروبيًا جديدًا لتعويض الغاز الروسي- يتزايد مؤخرًا، في ظل اتجاه إيطاليا وإسبانيا وفرنسا إلى زيادة صادراتها من الغاز الجزائري.
وتملك الجزائر احتياطيات من الغاز الصخري تُقدّر بنحو 707 تريليونات قدم مكعبة، ما أهلها لتحتل المرتبة الـ3 عالميًا -بعد الصين والأرجنتين- وتسبق الولايات المتحدة.
2) نيجيريا:
تصدرت نيجيريا قائمة أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، قبل أن تزيحها الجزائر من هذا الموقع، وفق بيانات صادرات العام الماضي 2023 الواردة في تقرير خبير الغاز والهيدروجين في منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول "أوابك" المهندس وائل حامد عبدالمعطي، ونشرتها حصريًا منصة الطاقة المتخصصة.
وتحتفظ نيجيريا بصدارتها لكبار المصدرين من غرب القارة السمراء، رغم تراجع شحناتها في فبراير/شباط الماضي عن المستوى القياسي للشهر السابق له (الأعلى خلال عامين)، بانخفاض بنسبة 16%.
وبصورة إجمالية، تراجعت شحنات الغاز المسال النيجيرية بنسبة 9% خلال العام الماضي 2023، وربما يرجع ذلك إلى الاضطرابات الداخلية واستمرار حالة القوة القاهرة على القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 حتى الآن.
ورغم هذه التحديات، تواصل محطة الغاز المسال النيجيرية الإنتاج والتصدير، جنبًا إلى جنب مع تبني خطط تطوير تشمل تعزيز خطوط إنتاج المحطة الـ6 بخط جديد يدخل حيز التشغيل العام المقبل 2025.
وبذلك يصل عدد خطوط الإنتاج في المحطة إلى 7 خطوط، بما يرفع قدرتها إلى 300 مليون طن متري سنويًا.
وربما يدفع ذلك نحو توقع نجاح أحد أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، في تمديد اتفاقيات البيع والشراء -خاصة الصفقات طويلة الأجل- التي أوشكت على الانتهاء في غضون السنوات القليلة المقبلة.
ويأتي هذا وسط نظرة متفائلة للتغلب على حالة القوة القاهرة، بعدما استقبلت سوق الغاز المسال 6 شحنات من الشركة النفط الوطنية.
3) مصر:
هبطت صادرات الغاز المسال المصرية بما يزيد على النصف خلال العام الماضي 2023، بنحو 53%، ما يعكس فجوة هائلة على أساس سنوي بالمقارنة مع بيانات عام 2022، ويثير التساؤلات حول موقعها ضمن أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا.
وصدّرت مصر، خلال المدة من يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري 2024 حتى منتصف فبراير/شباط، ما مقداره 270 ألف طن متري من الغاز المسال، بانخفاض على أساس سنوي نسبته 64%.
وخلال الأيام الـ9 الأولى من شهر فبراير/شباط الماضي، بلغت الصادرات المصرية 70 ألف طن متري فقط، بما يعادل 35% فقط من صادرات شهر يناير/كانون الثاني السابق له.
ويكشف الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز الدول المستوردة للغاز المسال المصري في 2023:
وخلال الأشهر من يوليو/تموز حتى أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي 2023، لم تصدر مصر أي شحنات من الغاز المسال، في ظل مساعي تلبية الطلب المحلي المتزايد.
ويُوصف عام 2023 بأنه كان "صعبًا" بالنسبة إلى صادرات الغاز المسال المصرية، فما إن استؤنفت الصادرات مع بداية الربع الرابع من العام إلا وواجهت تحديًا جديدًا مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأدت الحرب إلى توقف إنتاج حقل غاز تمار الذي تعول مصر على إمداداته، سواء لتلبية الطلب المحلي أو لإعادة التصدير بعد المعالجة في محطات الإسالة.
ورغم ذلك، فما زالت مصر تحافظ على جاذبة قطاع المنبع للمستثمرين وفرصها ضمن أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، إذ تخطط عدد من كبريات شركات الطاقة الأميركية لإطلاق العنان أمام حفر آبار جديدة خلال العام الجاري 2024، ومن بين هذه الشركات: إكسون موبيل (Exxon Mobile) وشيفرون (Chevron).
وبرهن وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية لدى القاهرة سمير رسلان، على استمرار نجاح بلاده في جذب المستثمرين، مستشهدًا بالاتفاق المبرم مؤخرًا بين شركة أدنوك الإماراتية (Adnoc) وشركة النفط البريطانية بي بي، حول إطلاق مشروع مشترك للتنقيب في مصر.
واستبعدت مديرة مخاطر النفط لدى ستاندرد آند بورز، كاثرين هانتر، إمكان حدوث طفرة في صادرات الغاز المسال من مصر خلال وقت قريب، مشيرة إلى "محدودية" الاعتماد على زيادة الواردات من حقل تمار الإسرائيلي خاصة في ظل تزايد الطلب المحلي للقاهرة الذي يشكل أولوية للحكومة.
4) أنغولا:
تحل أنغولا ضمن أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، وزادت صادراتها بنسبة 14% خلال العام الماضي 2023.
ويبدو أن إعادة ترتيب الأوراق النيجيرية، ومنح الاستهلاك المحلي أولوية، سيعود بالنفع على حجم صادرات أنغولا ودورها ضمن أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، خاصة أنها لا تملك الأولويات الداخلية ذاتها.
وتوقع محللو ستاندرد آند بورز أن أنغولا ستمنح الأولوية لتصدير شحنات الغاز المسال، خاصة في ظل الاستعدادات لمرحلة ما بعد الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي 2023، بخطط حفر قوية تعزز الإنتاج المحلي.
وتمتلك أنغولا احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تُقدر بنحو 27 تريليون قدم مكعبة، غير أن الاستفادة من هذه الموارد الهائلة لم تحظ بالتطوير الملائم حتى الآن.
ورغم الافتقار إلى إستراتيجية تطوير واضحة لموارد الغاز، فإن أنغولا طرحت مبادرات عدة لإسالة الغاز، إذ أشارت التقديرات خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 إلى أن 95% من إنتاج الغاز الطبيعي لأنغولا يُصدر في صورة غاز مسال، حسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعالج محطة أنغولا للغاز المسال إنتاج 7 حقول بحرية، وتُعد إحدى أبرز أدوات الاستثمار في الصناعة، إذ تملك المحطة القدرة على معالجة 1.1 مليار قدم مكعبة يوميًا.
ويرصد الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تطور احتياطيات الغاز الطبيعي في ليبيا من عام 1980 حتى عام 2022:
5) ليبيا:
رغم أن ليبيا تملك فرصًا قوية ضمن أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا، فإن هذه الفرص ما زالت تتسم بعدم اليقين، نظرًا إلى عدم تطوير الموارد المحلية للبلاد بالقدر الكافي حتى الآن.
ولم تحظ صادرات الغاز المسال الليبية بالدعم الكافي حتى الآن، غير أن محللي ستاندرد آند بورز توقعوا أداءً قويًا من بئر "تريلا" الواقعة في خليج سرت، التي تخطط شركتا إيني (Eni) الإيطالية وشركة النفط البريطانية (BP) لحفرها.
وتشير التوقعات إلى أن نتائج حفر البئر ستكون لافتة للنظر خلال العام الجاري أو المقبل 2025، ما قد يعزز موقع ليبيا ضمن أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا.
ورغم نقص البيانات حول اكتشاف إيني وبي بي للغاز في ليبيا المعلن عام 2022، فإن خبير الغاز والهيدروجين لدى منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" المهندس وائل حامد عبدالمعطي كان قد فجر مفاجآت بشأنه خلال إحدى حلقات أنسيّات الطاقة نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكشف عبدالمعطي -حصريًا خلال الحلقة، وللمرة الأولى- عن أن الساحل البحري لليبيا يضم حوضًا باسم "حوض هيرودوت" قد يحتوي على احتياطيات غاز غير مكتشفة تضم ما يُقدّر بنحو 122 تريليون قدم مكعبة.
وأكد عبدالمعطي -حينها- أن عمليات الحفر بهدف الاستكشاف من شأنها تأكيد هذه التقديرات، التي سبق أن ألمح إليها مسؤول في شركة إيني دون الإفصاح عن أي أرقام أو بيانات، لكن اقترن هذا الإعلان حينها بتوسع الشركة الإيطالية في ليبيا بمشروعات جديدة.
موضوعات متعلقة..
- إمكانات الغاز المسال في أفريقيا تنمو بقيادة مصر والجزائر
- الجزائر تزيح نيجيريا من قائمة أكبر مصدري الغاز المسال في أفريقيا
- الغاز المسال في أفريقيا.. الجزائر مورد رئيس حتى 2027 (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- وزير الطاقة السوداني: فقدنا 7 ملايين برميل نفط بسبب الحرب.. وهذا موقفنا من صفقة أرامكو (حوار)
- فرص الهيدروجين الطبيعي.. ودولة أفريقية فقط في العالم تبدأ الإنتاج
- ذكرى غزو أوكرانيا.. 11 تقريرًا ترصد تطورات أسواق الطاقة (ملف خاص)