في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا.. تحول الطاقة يتراجع و"النووية" تتوسع
هبة مصطفى
- بسبب غزو أوكرانيا اضطرت الحكومات إلى تعليق -أو إرجاء- توسعات الطاقة النظيفة
- في 2023 أجّلت بريطانيا حظر سيارات الوقود الأحفوري من 2030 إلى 2035
- السويد تخفض موازنة أهداف العام الجاري 2024 المناخية
- شهد 2023 ظهورًا قويًا للطاقة النووية في مزيج كهرباء عدّة دول أوروبية
عامان كاملان انقلبت فيهما أسواق الطاقة رأسًا على عقب، ومع بلوغ الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، ما زال حجم الطلب ومخاوف نقص الإمدادات تفرض هيمنتها على مسارات تحول الطاقة وخططه.
ففي الوقت الذي كانت تبذل فيه الحكومات جهدًا لتحديد إسهاماتها الوطنية وكيفية تنفيذ مستهدفات الحياد الكربوني، وجدت نفسها أمام حرب وعقوبات اضطرت على إثرها إلى تعليق -أو إرجاء- توسعات الطاقة النظيفة.
وكانت الدول الكبرى المتهم الأبرز بالإخفاق في مواصلة المسيرة الخضراء، إذ نفّذ بعضها "ردة عكسية"، وعاود الاعتماد على الفحم الملوث المثير للجدل، في حين أمسكت بعض الدول بمنتصف العصا، وركزت جهودها على تطوير الطاقة النووية والغاز بصفتهما من الموارد الانتقالية.
وفي هذا التقرير تستعرض منصة الطاقة المتخصصة أبرز ما واجه أهداف تحول الطاقة بالتزامن مع الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، الذي اندلع في 24 فبراير/شباط 2022.
الحكومات وتحول الطاقة
تثير الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا الكثير من التساؤلات حول مستهدفات الحياد الكربوني والإسهامات الوطنية التي تخطط لها حكومات عدّة.
وكانت المؤتمرات والتعهدات العالمية قد أسفرت، على مدار السنوات القليلة الماضية، عن بلورة مستهدفات مرحلية لكل دولة تسهم تدريجيًا بالوصول إلى الحياد الكربوني، بما يتراوح بين منتصف القرن 2050 وعام 2070.
ولأن الدول الأوروبية كانت الأشدّ تضررًا بغياب الغاز الروسي، فقد أصيبت تعهداتها المناخية بهزّة قوية، إذ كانت الحرب الأوكرانية بمثابة اختبار حقيقي لحجم انتشار الطاقة المتجددة وقدرتها على تلبية الطلب في القارة العجوز، نذكر بعضها فيما يلي:
بريطانيا:
لعل موقف رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك من نشر السيارات الكهربائية لخفض انبعاثات قطاع النقل كان مفاجئًا، بعد إعلانه في سبتمبر/أيلول 2023 تأجيل حظر سيارات محرك الاحتراق الداخلي إلى عام 2035، بعد أن كان مخططًا له عام 2030.
ووصف سوناك حينها مسار بلاده والخطط المعدّة سلفًا بصفتها مسارًا للحياد الكربوني بأنها "خاطئة"، مشيرًا إلى أن تحقيق الأهداف المناخية لعام 2050 يحتاج إلى نهج مختلف يحظى بتأييد من البريطانيين، وفق تغريدة له نشرها بموقع إكس (X).
السويد:
بخلاف بريطانيا، وقبيل حلول الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، لجأت السويد إلى خفض موازنة أهداف العام الجاري 2024 المناخية، التي تشمل: خفض التلوث وانبعاثات قطاع النقل.
ألمانيا:
خفضت الحكومة الألمانية قيود الحظر على استعمال غلايات الوقود الأحفوري الجديدة، وأعقبت هذه الخطوة تصريحات صادرة عن وزارة الاقتصاد تشكك في قدرتها على خفض الانبعاثات بنسبة 65% عام 2030.
وتعكس نسبة خفض الانبعاثات الكربونية في ألمانيا خلال العام الأول للحرب 2022 -بنسبة 1.9% فقط- احتمالات تحول مخاوف وزارة الاقتصاد حول مستهدفات نهاية العقد إلى حقيقة، لا سيما أنها وسّعت نطاق الاعتماد على الفحم مرة أخرى.
خطط الشركات
لم تنتظر كبريات شركات الطاقة حلول الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا لترصد إمكان تحقيق الأهداف المناخية، واستبقت ذلك بإعلان واحدة تلو الأخرى تراجعها عن خطط خفض إنتاج النفط.
وتزامنت الذكرى الأولى للحرب (في فبراير/شباط 2023) مع إعلان شركة النفط البريطانية (بي بي) إجراء تعديل لمستهدفات خفض الإنتاج لتصبح 25% فقط بحلول 2030، بعد أن كانت الشركة تستهدف خفض الإنتاج بنسبة 40% مقارنة بمستويات 2019.
وعقب شهر واحد (في مارس/آذار 2023)، امتدّت حالة التراجع إلى شركة شل (Shell) بإعلانها بدء مراجعة خططها لخفض الإنتاج بنسبة تتراوح بين 1 و2% سنويًا، حتى نهاية العقد.
وكانت الفرضية التي بَنت عليها الشركات تراجعها، حاجة الأسواق الملحّة للإمدادات ومخاوف أمن الطاقة ونقص المعروض في ظل زيادة الطلب.
ويتفق ذلك مع نتائج استطلاع شمل 3 آلاف من قادة الأعمال ومسؤولي الشركات في أميركا وأوروبا، إذ أكد ما يقرب من 47% من المشاركين أن الغزو الروسي لأوكرانيا سوف يؤجل أهداف الحياد الكربوني لما يتراوح بين عامين و3.
ورأى 34% من المشاركين في الاستطلاع أن نقص الدعم الحكومي لأهداف تحول الطاقة هو ما يعطّل مسيرة الحياد الكربوني، في حين رجّح 57% منهم عدم تحقيق هذه الأهداف، سواء بحلول 2050 أو بعدها، وفق النتائج المنشورة في موقع باور تكنولوجي (Power Technology).
توسعات الطاقة النووية
تزامنًا مع الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، رُصِدَ ظهور قوي للطاقة النووية في مزيج كهرباء عدد من كبريات الدول الأوروبية، أبرزها فرنسا وبريطانيا.
وقفز إنتاج الطاقة النووية في فرنسا في فبراير/شباط 2023 إلى أعلى مستوياته خلال عام كامل، في توقيت حرج للغاية، بسبب الطلب المرتفع خلال فصل الشتاء، ما شكّل انتعاشة قوية للقارة العجوز.
وتكافح بريطانيا -مع حلول الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا- لتعزيز أسطولها بمحطات جديدة، بما يتلاءم مع هدف البلاد بالاعتماد على الطاقة النووية لتوليد ربع احتياج الكهرباء بحلول 2050.
ويطرح الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- توقعات توليد الكهرباء من الطاقة النووية بدءًا من العام الجاري 2023 حتى 2026:
وعادت الطاقة النووية لتشغل موقعًا مهمًا في رؤية وكالة الطاقة الدولية، إذ تتوقع الوكالة اتجاه الطاقة النووية -العام المقبل 2025- إلى أعلى مستوياتها، مدعومة بإنتاج دول أوروبية وآسيوية.
فمن المقرر أن تواصل فرنسا زيادة إنتاجها، وبالتزامن مع ذلك تعود محطات نووية في اليابان إلى حيز التشغيل، وتبدأ مفاعلات في الصين والهند وكوريا التشغيل التجاري، وفق تحليل سنوي أصدرته الوكالة بعنوان الكهرباء 2024، ونُشر في موقعها الإلكتروني.
ومن خلال التوسعات النووية ومصادر الطاقة المتجددة، تتطلع الوكالة بالتزامن مع الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا إلى "تقليص" دور الوقود الأحفوري مقابل تعزيز مزيج الكهرباء بمصادر منخفضة الانبعاثات، لتستحوذ هذه الفئة على حصة تقارب نصف إجمالي الكهرباء المولدة بحلول عام 2026.
أداء الطاقة المتجددة
يُنظر إلى الطاقة المتجددة في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا بعين الريبة، إذ اضطرت دول عدّة إلى إرجاء خططها للتطوير، والعودة للاعتماد على الفحم ومصادر الوقود الأحفوري.
ولنا في أكبر الاقتصادات الأوروبية مثال، إذ كانت مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة محل اهتمام واسع لدى ألمانيا، وأبرزها مشروعات الهيدروجين الأخضر، لكن برلين عادت للفحم الملوث مرة أخرى، واستمر تشغيل محطات الكهرباء العاملة به.
ورغم الأداء "المحدود" للطاقة المتجددة في ظل نقص الاستثمارات وزيادة الطلب، كانت للوكالة الدولية للطاقة المتجددة آيرينا (IRENA) نظرة متفائلة.
ودفعت سعة الطاقة المتجددة التي أُضيفت منذ عام 2000 نحو خفض فاتورة قطاع الكهرباء العالمي بنحو 520 مليار دولار أميركي، عام 2022، حسب بيان للوكالة.
وفي الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، يمكن القول، إن قطاع الطاقة المتجددة شهد خلال العام الماضي 2023 نموًا في الصين وأوروبا وأميركا، وشمل النمو غالبية مصادر القطاع بخلاف الطاقة الكهرومائية والحيوية.
وقفزت إضافات العام الماضي بنسبة 50%، لتصل إلى 507 غيغاواط، مسجلةً أسرع وتيرة نمو خلال العقدين الماضيين.
واقتربت حصة الصين عام 2022 من نصف إجمالي قدرات الطاقة المتجددة المضافة، ووصلت التركيبات خلال العام الماضي 2023 إلى أكثر من 230 غيغاواط، لتتصدّر المركز الأول عالميًا، وحلَّ الاتحاد الأوروبي وأميركا والهند والبرازيل في المراكز اللاحقة لبكين.
موضوعات متعلقة..
- 5 خطوات لتسريع تحول الطاقة عالميًا في 2024 (تقرير)
- عام على الغزو الروسي لأوكرانيا.. دبابات موسكو تقلب موازين الطاقة (تغطية خاصة)
- تأجيل خطط الحياد الكربوني في المملكة المتحدة.. دعم للشعب أم لعبة سياسية؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- الغبار يهدد مشروعات الطاقة الشمسية في الدول العربية.. السعودية والإمارات أبرز المتضررين
- وزارة الكهرباء العراقية تزف 4 أخبار مبشرة.. صفقة السعودية أبرزها (خاص)
- أنس الحجي: الغاز الروسي قد يشهد حصارًا أميركيًا جديدًا.. وبوتين تعلّم الدرس