التقاريرتقارير الطاقة النوويةرئيسيةطاقة نووية

سياسات الطاقة النووية في بريطانيا "محل شك".. هل تنقذها المفاعلات الصغيرة؟

هبة مصطفى

لسنوات طويلة -وحتى الآن- ما زال تطوير أكبر مشروعات الطاقة النووية في بريطانيا يخضع لسيطرة شركة كهرباء فرنسا (EDF) المملوكة للدولة؛ ما زعزع جدار الثقة في "خريطة الطريق النووية" التي أعلنتها الحكومة قبل أيام، واطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وكشفت الحكومة البريطانية عزمها بناء أكبر مشروع نووي في 70 عامًا عبر محطة يبدأ بناؤها العام الجاري 2024، وتنظر إلى المشروع بوصفة برهانًا على إمكان تنفيذ طموح زيادة السعة النووية إلى 4 أضعاف، بحلول منتصف القرن في 2050.

وعلى النقيض من هذا الطموح، جاء تعثُّر متابعة سير الاتفاق مع شركة كهرباء فرنسا على إنجاز تطوير مفاعل هينكلي بوينت سي (Hinkley Point C)، في الموعد المحدد وبتكلفة معقولة، مخيبًا للآمال.

تطوير "شائك"

يعدّ المستهلك الضحية الأبرز لاعتماد الطاقة النووية في بريطانيا على مطورين من خارج البلاد، في ظل توقعات بارتفاع فواتير الكهرباء خلال العقود المقبلة، لتغطية التكلفة الباهظة لعملية تطوير مفاعل "هينكلي بوينت سي"، بعد أن قاربت ضعف السعر الأصلي للتعاقد مع شركة كهرباء فرنسا.

ومن المحتمل أن تدخل المحطة حيز التشغيل بحلول مطلع العقد المقبل (من 2030 حتى 2040)، في ظل تأخيرات إضافية حول اعتبارات السلامة والمراجعات الفنية، بحسب ما ذكره المحرر الاقتصادي جيريمي وارنر في مقاله بصحيفة ذا تيليغراف (The Telegraph).

جانب من أعمال البناء في محطة هينكلي بوينت سي
جانب من أعمال البناء في محطة هينكلي بوينت سي - الصورة من موقع شركة كهرباء فرنسا

ولم تقتصر مشكلات مفاعل هينكلي بوينت على تأخير التشغيل عن الموعد سلفًا (بحلول مطلع عام 2017) فقط، بل طالت -أيضًا- ارتفاع التكلفة لما يقارب 80% فوق ميزانيتها الموقعة بالاتفاق بين الحكومة البريطانية وشركة كهرباء فرنسا.

وكان لتطوير مفاعل "هينكلي بوينت سي" تداعيات غير جيدة، بالنظر إلى تأخّر تشغيله وتكلفته الباهظة التي سيتحمّل المستهلك تبعاتها.

سياسة اعتمادية

رفعت الحكومة البريطانية -بموافقة وزارية- أسعار الكهرباء المرتقب إنتاجها من مفاعل "هينكلي بوينت سي"، لدعم بناء شركة كهرباء فرنسا للمحطة، ما يُترجم في صورة فواتير كهرباء مرتفعة يتحملها المستهلك.

ولجأت الحكومة حينها إلى "حيلة"، إذ أقنعت المستثمرين بتمويل المشروع -بعد رفع أسعار الكهرباء-، ودعّم ذلك فصلها تكلفة المشروع عن الميزانية الرئيسة للبلاد.

وعلى إثر ذلك، عدّلت الحكومة نموذج التعامل والتسعير، واستغنت عن نظام "العقد مقابل الفروقات" المتّبع في تطوير مفاعل "هينكلي"، وهو نظام تعاقد يُلزم المشتري بدفع فروق قيمة الأصل -بين وقت التعاقد والاستلام- إلى البائع.

ويبدو أن تغيير الحكومة نظام التعاقد جاء بعدما تسببت سياسات الطاقة النووية في بريطانيا بتحمّل المستهلك أعباء غير مسبوقة، إذ نجحت شركة كهرباء فرنسا في رفع أسعار كهرباء المفاعل من 89.50 إلى 125 جنيهًا إسترلينيًا.

(الجنيه الإسترليني = 1.27 دولارًا أميركيًا).

وأضافت سياسة الطاقة النووية في بريطانيا إلى نفسها المزيد من الغموض، بإعلان عزمها إسناد محطة سايزويل سي (Sizewell C) إلى شركة كهرباء فرنسا أيضًا، رغم عدم برهنة الأخيرة على جدّية تسليم مشروع "هينكلي بوينت سي" في موعده وتأخّر تسليمه لأكثر من مرة، بالإضافة إلى ارتفاع نفقاته.

سياسات التمويل

زادت حدة الانتقاد لهذه السياسات، بعدما كشفت الحكومة نيتها تعزيز أسطولها النووي بمحطة جديدة لم تحدد موقعها بعد، من طراز المحطات ذات المفاعلات الكبيرة "هينكلي بوينت سي" و"سايزويل سي".

واضطرت الحكومة البريطانية إلى إلغاء مشروعين للطاقة النووية (مورسايد Moorside وويلفا نويد Wylfa Newydd)، بعد إخفاقها في التفاوض على مستويات أسعار أقل مع مطوري المشروعين.

محطة الطاقة النووية في بريطانيا "دونغيس"
محطة الطاقة النووية في بريطانيا "دونغيس" - الصورة من Newcomen Society

واستعاضت عن "العقود مقابل الفروقات" بنظام جديد يسمى "نظام قاعدة الأصول"، وبموجبه تُفرض ضريبة على المستهلك لتمويل المشروع النووي في مرحلة البناء، ومنح المطورين دُفعة تمويلية بصورة مُقدمة، ما يعني دفع المستهلك قيمة الكهرباء النووية قبل حصوله عليها، أو حتى قبل إنتاجها.

وربما تعكس اضطرابات سياسات الطاقة النووية في بريطانيا حالة التشكك في تحقيق مستهدفات الحكومة، حينما التزمت بنشر 24 غيغاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2050.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت السياسات الحكومية الأخيرة قادرة على تلبية طموحاتها، الرامية للابتعاد عن الوقود الأحفوري، والانحياز إلى الوقود النووي.

بدائل أكثر منطقية

انتقد كاتب المقال، جيريمي وارنر، استمرار سياسات الطاقة النووية في بريطانيا على النهج ذاته من التوسع في المفاعلات كبيرة الحجم وباهظة التكلفة، مثل "هينكلي بوينت سي" و"سايزويل سي"، التي تفضّلها شركة كهرباء فرنسا.

وتساءل عن سبب عدم الالتفات إلى تقنيات المفاعلات المعيارية وصنعها محليًا، مشيرًا إلى أن الطاقة النووية في البلاد باتت "أسيرة" الشركة المملوكة لحكومة باريس ومتطلباتها.

ودعا إلى تغيير النظرة لتطبيقات الطاقة النووية في بريطانيا المقبلة (مشروع مفاعل "سايزويل سي" والمشروعات المُخطط لتطويرها)، نظرًا لأن "هينكلي بوينت" قيد التطوير الآن، وفات أوان التراجع عنه.

وأوضح وارنر أن المشروعات -التي لم يبدأ بناؤها بعد- يتعين دراسة إمكان اعتمادها على المفاعلات المعيارية، سواء الصغيرة أو المتقدمة، واستعمال عدد لا بأس به منها، حتى يتجاوز إنتاجها المفاعلات التقليدية الضخمة.

وتمتاز المفاعلات المعيارية الصغيرة بانخفاض تكلفة إنتاجها، لتشكّل بديلًا ملائمًا للمفاعلات الضخمة التي تنتجها شركة كهرباء فرنسا، ومن جانب آخر، تعزز الصناعة المحلية بتصنيعها في بريطانيا من قبل شركة رولز رويس (Rolls- Royce).

وتلبي المفاعلات المعيارية الطموح البريطاني بالتحول الأخضر والتخلي عن كهرباء الوقود الأحفوري من جهة، مع تعزيز التصنيع المحلي ودون تحميل المستهلك فاتورة تكلفة الشركة الفرنسية من جهة أخرى.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق