مقالات النفطالمقالاتروسيا وأوكرانيامقالات الغاز

صناعة النفط الروسية بين الأزمات الجيوسياسية الحالية والمستقبل الصعب في 2024 (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • أطقم الناقلات الروسية حافظت على مسارها الأصلي كما تشير البيانات الملاحية
  • روسيا خفّضت إنتاجها النفطي في عام 2023 إلى 527 مليون طن
  • التوقعات المستقبلية لقطاع النفط الروسي تتوقف على ديناميكيات الطلب العالمي
  • تسلط الأزمة الضوء على هشاشة وترابط الخدمات اللوجستية البحرية العالمية

لم تكن صناعة النفط الروسية بمعزل عن الأزمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ففي 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، انخرطت الناقلة "ساي بابا"، التي تنقل النفط الروسي، في الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والمتمردين الحوثيين في البحر الأحمر، وبحسب البنتاغون، اُستهدفت السفينة بطائرة مسيّرة نُسبت إلى المتمردين اليمنيين، ولم ترد أنباء عن سقوط ضحايا.

وقدمت جماعة أنصار الله، الجناح السياسي لجماعة الحوثيين، رواية متناقضة، مشيرة إلى أن الحادث هو محاولة أميركية لإسقاط طائرة استطلاع مسيرة يمنية، ما أدى إلى انفجار أحد صواريخها بالقرب من الناقلة. وأفادت القيادة المركزية للجيش الأميركي بأن الناقلة "ساي بابا" كانت إحدى السفن التي هاجمها الحوثيون في منطقة مضيق باب المندب بالبحر الأحمر في 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وذكرت القيادة المركزية أن سفينتين أبلغتا عن هجمات في نحو الساعة 8 مساءً، وواجهت السفينة "بلامانين" طائرة مسيرة مقاتلة تابعة للحوثيين دون الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار، في حين تعرضت "ساي بابا" لهجوم بطائرة مسيرة دون وقوع إصابات.

وكانت السفينة "ساي بابا"، التي ترفع علم الغابون، في طريقها من ميناء أوست لوغا على بحر البلطيق إلى ميناء هندي، ومن المحتمل أن تحمل ما يصل إلى 158 ألف طن من النفط (نحو 1.1 مليون برميل)، وعلى الرغم من الهجوم، واصلت السفينة رحلتها سالمة.

في المقابل، قدّم المتحدث باسم جماعة أنصار الله كبير مفاوضي حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية، محمد عبدالسلام، رواية مختلفة.

وزعم أن طائرة استطلاع تابعة للجيش اليمني كانت تقوم بعمليات في البحر الأحمر عندما استهدفتها فرقاطة أميركية.

واتهم عبدالسلام الولايات المتحدة وحلفاءها بتصعيد التوتر في المنطقة، محذرًا من أن البحر الأحمر قد يصبح "منطقة مشتعلة"، وحث الدول المجاورة على الاعتراف بالتهديد الذي يقوّض أمنها القومي.

وكان هذا الحادث في البحر الأحمر جزءًا من نمط أكبر من الاضطرابات البحرية في المنطقة، وبنهاية الأسبوع نفسه، تعرّضت ناقلة أخرى لهجوم بطائرة مسيرة في المحيط الهندي.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، كان المشهد البحري في الشرق الأوسط أمام حدث مهم، فقد استهدفت غارة بطائرة مسيرة ناقلة نفط في المحيط الهندي.

ولم تُثِر هذه الحادثة أي رد فعل كبير من السوق، إذ تستمر سلاسل التوريد الرئيسة، وتحديدًا تلك التي تشمل الموارد الروسية والشرق أوسطية، في عبورها عبر البحر الأحمر.

ووقعت ناقلة المواد الكيميائية "كيم بلوتو" ضحية لهجوم بطائرة دون طيار في نهاية الأسبوع، وأشارت تقارير من الجيش الأميركي إلى أن هذا الهجوم وقع في المحيط الهندي.

وفي ذلك الوقت، كانت السفينة تبحر في طريق من المملكة العربية السعودية إلى الهند، على بُعد نحو 200 ميل (321.86 كيلومترًا) من ولاية غوجارات في الهند، وأدى القصف إلى نشوب حريق على متن السفينة، وتم إخماده فيما بعد.

وأشارت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" إلى أن الطائرة المسيرة انطلقت على الأرجح من الأراضي الإيرانية، وأكدت شركة "أمبري" للأمن البحري أن السفينة مرتبطة بإسرائيل.

وكان المتمردون الحوثيون قد توعّدوا في وقت سابق باستهداف السفن التي تحمل مثل هذه الانتماءات، ويمثّل هذا الحادث الذي وقع في المحيط الهندي أول هجوم يُحتمل أن يكون مرتبطًا بالأنشطة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

تجدر الإشارة إلى أن للحوثيين تاريخًا في شن ضربات صاروخية وبطائرات مسيرة في محيط مضيق باب المندب في البحر الأحمر.

ناقلة النفط الروسية بيور بوينت ترسو في ميناء كراتشي بباكستان – الصورة من رويترز
ناقلة النفط الروسية بيور بوينت ترسو في ميناء كراتشي بباكستان - الصورة من رويترز

أهمية البحر الأحمر

في الوقت الحالي، استأنفت شركات الشحن الكبرى ميرسك، وسي إم إيه سي جي إم، وكوسكو عمليات النقل جزئيًا عبر البحر الأحمر في الاتجاهيْن الشرقي والغربي، وذلك بسبب بدء عملية حارس الرخاء (OPG). وتمثّل هذه العملية جهدًا أمنيًا متعدد الجنسيات مصممًا لمواجهة الهجمات التي يقودها الحوثيون على الشحن في منطقة البحر الأحمر.

بدءًا من الساعة 10 صباحًا بالتوقيت الشرقي يوم الثلاثاء 26 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أشارت البيانات الواردة من نظام التعريف التلقائي (AIS)، التي أكدتها شركة ألفالاينر Alphaliner، إلى أن ما يقرب من 15 سفينة إما واصلت رحلتها وإما عكست مسارها نحو البحر الأحمر/ مضيق باب المندب.

وترفع هذه السفن مجموعة متنوعة من الأعلام من دول، بما في ذلك الدنمارك (7 سفن)، وسنغافورة (4)، ومالطا (2)، وهونغ كونغ (1)، والولايات المتحدة (1).

واستمرت طرق الإمداد الرئيسة، خصوصًا تلك التي تنقل موارد روسية وشرق أوسطية، عبر البحر الأحمر. وبدءًا من 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، كانت نحو 50 ناقلة تمر عبر منطقة 500 ميل (804.67 كيلومترًا) من البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، مع 26 ناقلة متجهة إلى البحر الأحمر فالمحيط الهندي، و22 في الاتجاه المعاكس.

جدير بالذكر أن 6 من هذه الناقلات كانت تنقل النفط من المواني الروسية في البحر الأسود وبحر البلطيق إلى وجهات مثل الهند والصين وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة، مع عودة 5 ناقلات أخرى من عمليات التسليم.

وسط تصاعد التوترات في مضيق باب المندب، يسعى تحالف عسكري غربي تم تشكيله على عجل إلى إعادة الاستقرار في هذا المضيق البحري الحيوي.

وحتى الآن، يبدو أن هذا الاضطراب له تأثير ضئيل في شحنات النفط والغاز الروسية.

وتبحر قافلة من الناقلات المحملة بالنفط الروسي من مواني البلطيق والبحر الأسود عبر البحر الأحمر باتجاه آسيا، وفقًا لبيانات من أنظمة الملاحة الآلية للسفن التي ترصدها خدمات التتبع المتخصصة.

واقتربت هذه السفن من مدخل مضيق باب المندب، خلال الأسبوع الماضي، وهي المنطقة التي شهدت نشاط الحوثيين فيها مؤخرًا.

على الرغم من ذلك حافظت أطقم الناقلات الروسية، المطلعة على الظروف الإقليمية، على مسارها الأصلي، كما تشير البيانات الملاحية.

ومن اللافت للنظر أن أسطولًا إضافيًا يضم نحو 15 ناقلة نفط كان يستعد للقيام برحلة مماثلة. وبعد أن غادرت موانيها وتمركزت حاليًا في المياه الأوروبية، كانت هذه السفن، وفقًا لإحداثياتها الملاحية، متجهة إلى قناة السويس.

بالإضافة إلى ذلك، مرّ أسطول كبير من ناقلات الغاز التي تنقل المواد الخام من بريمورسك، وفيسوتسك، وأوست لوغا إلى آسيا دون عراقيل.

ومن المتوقع أن تبحر هذه السفن، التي تعبر حاليًا البحر الأبيض المتوسط، عبر قناة السويس، ثم تدخل بعد ذلك إلى البحر الأحمر والمضيق المحفوف بالمخاطر.

وكشف تحليل بيانات الشحن المتاحة عن أن الأسطول الجماعي العامل في البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر كان ينقل أكثر من 13 مليون برميل من النفط الروسي بقيمة 900 مليون دولار تقريبًا.

ويبلغ إجمالي حجم الغاز المسال الذي يجري نقله عدة ملايين من الأطنان، وهو ما يمثّل مئات الملايين من الدولارات.

ومن المهم ملاحظة أن بعض ناقلات الغاز القادمة من قطر التي تحمل شحنات الغاز المسال المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي لم تغيّر مساراتها خوفًا من هجمات الحوثيين، وهذا يشير إلى أن المسلحين بارعون في استهدافهم لعبوات وسفن محددة.

وبالتالي، يبدو أن أزمة الشحن الحالية، التي يغذّيها ما يمكن وصفه بأعمال القراصنة "الأيديولوجيين" المعاصرين، قد سهّلت دون قصد مرور المواد الخام والبضائع الروسية دون عوائق.

ويتناقض هذا الوضع بصورة صارخة مع المنافسين الغربيين، الذين يضطرون الآن إلى التنقل عبر طرق عبور أطول، ما يؤدي إلى زيادة بنسبة 40% في تكلفة منتجاتهم.

في الوقت الحاضر، توجد 4 طرق رئيسة لخروج البضائع من المحيط الأطلسي، يواجه كل منها تحدياته الخاصة:

  1. قناة بنما: يواجه هذا الممر حاليًا حركة مرور مقيدة، ما يحد من قدرته على تسهيل الشحن العالمي.
  2. قناة السويس: على غرار قناة بنما، فإن حركة المرور هنا مقيدة، ما يشكل تحديات أمام الحركة السلسة للتجارة البحرية الدولية.
  3. الالتفاف حول جنوب أفريقيا: المواني الواقعة على طول هذا الطريق البديل مكتظة حاليًا، ما يخلق اختناقات وتأخيرات لخطوط الشحن.
  4. الممر الشمالي: يواجه هذا الطريق تحديًا فريدًا، فقد تعرّضت سفينة الشحن وكاسحة الجليد الروسية الوحيدة التي تعمل بالطاقة النووية، سيفموربوت، مؤخرًا، إلى حريق في ميناء مورمانسك الشمالي.

وذكرت وزارة الطوارئ الروسية أنه تم إخماد الحريق بسرعة، الذي اندلع في وقت متأخر من يوم الأحد 24 ديسمبر/كانون الأول في إحدى الكبائن وامتد إلى نحو 30 مترًا مربعًا.

ولم تقع إصابات، ولم يُكشف عن مدى قرب الحريق من مفاعل السفينة. وتُعد سيفموربوت، التي يبلغ طولها 260 مترًا، سفينة الشحن النووية العاملة الوحيدة في العالم.

ويوضح الجدول التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكثر طرق الشحن البحرية العالمية ازدحامًا:

أكثر طرق الشحن البحرية العالمية ازدحامًا

توقعات صناعة النفط الروسية في عام 2024

يواجه مستقبل صناعة النفط الروسية -وهي عنصر حاسم في اقتصادها- توقعات صعبة لعام 2024.

وقد تكافح روسيا لزيادة إنتاج النفط وصادراته، وسط القيود المزدوجة المتمثلة في قيود اتفاق تحالف أوبك+ وتصاعد التكاليف اللوجستية بسبب العقوبات.

وتختلف توقعات إنتاج النفط الروسي لعام 2024، إذ تتراوح التقديرات بين 515 مليونًا و530-538 مليون طن، وتوقعات التصدير بين 238 و260 مليون طن.

وتأتي هذه الزيادة المتوقعة مدفوعة بالتحول نحو الأسواق الآسيوية وارتفاع الطلب العالمي.

في المقابل، أجبرت الحرب المستمرة في أوكرانيا والعقوبات الغربية اللاحقة، إلى جانب حدود إنتاج وتصدير تحالف أوبك+، روسيا على خفض إنتاجها النفطي في عام 2023 إلى 527 مليون طن، بانخفاض من نحو 535 مليون طن في العام السابق.

وجرى الحفاظ على مستويات التصدير بالمثل عند مستوى 250 مليون طن، وتتوقف التوقعات المستقبلية لقطاع النفط الروسي على ديناميكيات الطلب العالمي والتحديات الجديدة المحتملة المرتبطة بالعقوبات.

قد لا نرى تغييرات كبيرة في مستويات الإنتاج الروسي بسبب الزيادات المحتملة في الطلب العالمي التي تقابلها زيادة الإنتاج في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفنزويلا وإيران، واستقرار حصص تحالف أوبك+. وتتوقع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ارتفاع الطلب العالمي العام المقبل بمقدار 2.3 مليون برميل يوميًا إلى 104.4 مليون برميل، في حين تتبنى وكالة الطاقة الدولية توقعات أكثر تحفظًا، إذ تتوقع زيادة إلى 102.8 مليون برميل يوميًا.

وسيعتمد إنتاج روسيا إلى حد كبير على حصص واتفاقات أوبك+، وينبغي أن تستند التوقعات المحافظة لعام 2024 إلى أحجام الإنتاج المعلنة لعام 2023.

وحال أكدت دقة توقعات نمو الطلب الصادرة عن منظمة أوبك، فمن المحتمل أن يرتفع إنتاج روسيا من النفط ومكثفات الغاز إلى 535 مليون طن.

وتتوقع أوبك أن يحافظ إنتاج النفط الروسي على مستواه الحالي العام المقبل، عند نحو 10.62 مليون برميل يوميًا، انخفاضًا من 11.03 مليونًا في 2022.

من ناحيتها، تتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع الإنتاج الروسي إلى 10.84 مليون برميل يوميًا من 10.95 في 2023 و11.09 مليونا في عام 2022.

ومن المهم ملاحظة أن أوبك ووكالة الطاقة الدولية قد تستعملان نسبًا مختلفة للبرميل في حساباتهما، ما يؤثر في هذه التوقعات.

خاتمة

يشكل التصعيد المستمر للأعمال العدائية في البحر الأحمر، خصوصًا حول مضيق باب المندب، مخاطر كبيرة على التجارة البحرية العالمية.

وقد أدت الهجمات التي قادها الحوثيون في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية إلى رد فعل متعدد الجنسيات، بما في ذلك إنشاء عملية "حارس الازدهار".

وعلى الرغم من هذه التوترات، يبدو أن شحنات النفط والغاز الروسية مستمرة دون توقف، إذ تبحر الناقلات بجرأة عبر هذه المياه المضطربة.

على صعيد آخر، يزداد الوضع تعقيدًا بسبب تقييد حركة المرور في الطرق البحرية البديلة مثل قناتي بنما والسويس، فضلًا عن التحديات في الممر الشمالي وحول جنوب أفريقيا والأرجنتين.

وقد أدى التقاء هذه العوامل إلى ارتفاع حالة التأهب في الصناعة البحرية، مع مخاوف بشأن الاضطرابات المحتملة في سلاسل التوريد العالمية، وزيادة تكاليف التأمين، والأمن العام لممرات الشحن الحيوية.

وتسلط الأزمة الضوء على هشاشة وترابط الخدمات اللوجستية البحرية العالمية، وتؤكد الحاجة إلى تعاون دولي قوي لضمان سلامة واستمرارية التجارة البحرية وسط الصراعات الجيوسياسية.

* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق