طاقة نوويةتقارير الطاقة النوويةرئيسية

الطاقة النووية في شرق أفريقيا.. طريق جاذب محفوف بالمخاطر

أسماء السعداوي

تلقى الطاقة النووية في شرق أفريقيا بريقًا في عيون 4 بلدان، تجاهد لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وسط نمو اقتصادي قوي يتطلب مزيدًا من الإمدادات المستقرة والموثوقة.

ومن أجل ذلك، أعلنت أوغندا خططًا لبناء محطة طاقة نووية بقدرة 2000 ميغاواط، شمال العاصمة كامبالا، على أن تدخل الوحدة الأولى بقدرة 1000 ميغاواط حيز الخدمة بحلول عام (2031).

وأبرمت رواندا اتفاقًا لبناء مفاعل نووي، وفي كينيا ستنطلق عمليات بناء أولى المحطات النووية في 2027، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

أمّا تنزانيا، فقد فاجأت الجميع خلال القمة الأفريقية الروسية الثانية بقرارها الاستعانة بالمفاعلات النووية في توليد الكهرباء.

ويرى حكام تلك الدول أن الطاقة النووية في شرق أفريقيا ستكون طريقًا مهمًا للحدّ من انبعاثات الكربون، كما توفر إمدادات كهرباء نظيفة وموثوقة ومستمرة، على عكس الطاقة المتجددة.

في المقابل، يرى أستاذ الفيزياء بجامعة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، هارتموت فينكلر، أن الطاقة النووية "فكرة سيئة" ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة لتلك البلدان السمراء، بسبب ارتفاع تكاليف البناء والتشغيل والصيانة، وتجاوز المواعيد المقررة للدخول في الخدمة، وهو ما يستنزف الموارد المالية عبر الاقتراض بفوائد عالية.

وفي مقال له نشرته مجلة "ذا كونفرسيشن" (theconversation)، قال فينكلر، إنه يتعين على تلك الدول البحث عن سبيل آخر لتحقيق تلك الغايات، ويراه متجسدًا في الطاقة المتجددة التي تزخر بها أفريقيا، كما أنها خالية من المخاطر المرتبطة بالسلامة والتكاليف والجداول الزمنية، كما في الطاقة النووية.

جاذبية الطاقة النووية في شرق أفريقيا

الأستاذ بجامعة جوهانسبرغ هارتموت فينكلر
الأستاذ بجامعة جوهانسبرغ هارتموت فينكلر- الصورة من موقع الجامعة

تشهد شرق أفريقيا نموًا متزايدًا للطلب على الكهرباء، فهي من أسرع المناطق نموّا من حيث تعداد السكان بالقارة، وخلال المدة بين عامي 2013 و2017، فاق معدل النمو المتوسط الأفريقية بمقدار مرتين.

كما تشهد المنطقة نموًا اقتصاديًا قويًا، وقفز إجمالي الناتج المحلي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 14% في عام 2000 إلى 21% في 2022 المنصرم.

ذلك النمو في التعداد والاقتصاد بحاجة للمزيد من توليد الكهرباء، وكان من بين المقترحات إنشاء مفاعلات الطاقة النووية في شرق أفريقيا.

وما يجعل المفاعلات أكثر جاذبية من المصادر الأخرى -بحسب الكاتب- هو أن بناء مفاعل واحد كبير قادر على مضاعفة قدرات توليد الكهرباء.

كما أنه من الناحية النظرية، فالتقنية قادرة على توليد كهرباء مستمرة، بغضّ النظر عن حالة الطقس، أو الموسم، أو التوقيت.

وإلى جانب كل ذلك، فهناك النظرة التاريخية للطاقة النووية بوصفها دليلًا على المكانة التقنية العالية، ودليلًا على الاحترام الوطني.

يأتي ذلك في وقت تخلّت فيه دول قوية اقتصاديًا، مثل إيطاليا وألمانيا (صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي)، عن مفاعلاتها النووية مؤخرًا.

وفي منتصف أبريل/نيسان المنصرم (2023)، أعلنت برلين إغلاق آخر 3 مفاعلات نووية (إيسار 2) و(إيمسلاند) و(نيكارفيستهايم 2)، من أجل قصر مصادر الإنتاج على الطاقة المتجددة بحلول 2035.

وكان من بين أبرز أسباب القرار الألماني، هو كارثة فوكوشيما النووية في اليابان خلال عام 2011، وما سبقها من حوادث جزيرة الـ3 أميال في الولايات المتحدة عام 1979، والتسرب النووي في محطة تشيرنوبل الأوكرانية عام 1986.

تحديات ومخاطر

يقول الأستاذ بجامعة جوهانسبرغ، هارتموت فينكلر، إن اختيار الطاقة النووية في شرق أفريقيا سبيلًا لتوليد الكهرباء سيكون محفوفًا بالمخاطر، وأكبرها هي تلك المتعلقة بالتمويل.

ويضيف بأن تكاليف إنشاء وصيانة ثم وقف تشغيل المفاعلات النووية بعد ذلك، يجعلها أحد أكثر أشكال توليد الكهرباء تكلفة، كما أن التكلفة الفعلية تفوق بكثير المقررة مسبقًا.

وأوضح فينكلر أن تكلفة إنشاء محطة نووية تبلغ نحو 5 مليارات دولار للوحدة بقدرة 1000 ميغاواط، ولذلك فإن تكلفة بناء المحطة الأوغندية المقرر إنشاؤها ستعادل حجم الإيرادات الضريبية الإجمالية السنوية للبلاد، ولذلك، سيعتمد المشروع على القروض الضخمة، وهي ما ستأتي متبوعة بفوائد كبيرة.

وللالتفاف على التكاليف الباهظة، عرض مطوّرو الطاقة النووية الروسية تمويلًا تنافسيًا بأسعار فائدة منخفضة، مع السداد بعد عدّة سنوات من بدء الإنشاءات، ويستمر لعدّة عقود تالية.

لكن المشكلة هنا هو أن هذا الأسلوب ينمّي اعتمادًا قويًا وطويل الأمد على روسيا لتلبية أحد أهم احتياجاتها الأساسية، وهي الكهرباء.

محطة طاقة نووية
محطة طاقة نووية- الصورة من "wired"

وعادةً تستغرق عملية البناء سنوات عديدة، مما أُعلِنَ في بداية الأمر، كما لا يمكن غضّ الطرف عن مسائل السلامة والأمان عن التعامل مع الطاقة النووية، وهي مخاوف أكدتها الحوادث العالمية السابقة، كما في فوكوشيما.

كما أشار الخبير الأكاديمي إلى خطر الاعتماد السياسي والاقتصادي على الدولة الراعية لبناء المفاعلات.

وعلى نحو خاص، لفت إلى روسيا بوصفها الدولة الأكثر عدوانية في الترويج لقدراتها على تطوير مفاعلات نووية دوليًا، وفي عام 2019 وحده، أبرمت روسيا 19 اتفاقية مع 18 دولة أفريقية.

وما يزيد الأمر خطورة في حالة روسيا، هو حالة عدم اليقين الناجمة عن الحرب مع أوكرانيا، فمن المحتمل أن ينتج عنها انهيار وإصلاح شامل للدولة الروسية، وهو ما سيؤدي إلى إرباك وتوقّف كامل للمشروعات قيد التطوير، مع تكبّد الدول المعتمدة عليها نوويًا لخسائر الموارد والتمويل.

الطاقة المتجددة بديلًا

يدعو كاتب المقال هارتموت فينكلر إلى إعادة النظر بتبنّي الطاقة النووية في شرق أفريقيا، بوصفها وسيلة مقترحة لتوليد الكهرباء في ضوء المخاطر المالية وارتفاع التكلفة، لأن التجربة العالمية أثبتت أن إنشاء محطة نووية جديدة (منذ الحصول على الموافقة حتى إنتاج الكهرباء) يستغرق 10 سنوات.

كما يؤكد أن الاستثمار في بناء محطة نووية "لا يستحق العناء"، وخاصة في ظل الأطر الزمنية غير المؤكدة للتشغيل، وتجاوز التكاليف "الباهظة أصلًا" للحدود الموضوعة.

في المقابل، يرى أن الطاقة المتجددة قادرة على زيادة قدرات توليد الكهرباء خلال الـ10 سنوات المقبلة، كما أنها رخيصة الثمن، وتستغرق مددًا زمنية للبناء أقلّ بكثير من النووية.

فالطاقة الشمسية -على سبيل المثال- واحدة من أرخص مصادر الكهرباء، كما تزخر معظم بلدان المنطقة بموارد وفيرة بدعم من المساحات الشاسعة، وذلك رغم أن الطاقة الشمسية لها وجود ضئيل على ساحة الطاقة هناك.

توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في أفريقيا
توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في أفريقيا- الصورة من "weforum"

وفيما يتعلق بطاقة الرياح، يمكن التفكير في إنشاء مزارع جديدة، وخاصة أن منها ما هو قيد التشغيل بالفعل، مثل الموجودة في بحيرة توركانا في كينيا، وهي أكبر مزرعة رياح في أفريقيا.

وبالإضافة لطاقة الشمس والرياح، يمكن استغلال الوادي المتصدع الكبير ونشاطه البركاني، لتحويل الحرارة إلى كهرباء، وهو أسلوب رائد في كينيا، ويمكن تعميمه في بلدان مماثلة.

ومنذ عقود مضت، كانت الطاقة الكهرومائية الناتجة عن تدفّق المياه الجارية أحد أهم مصادر سبل توليد الكهرباء في شرق أفريقيا، لكن بناء السدود يستغرق وقتًا طويلًا، ويثير الجدل في بعض الأحيان.

ورغم ذلك، ثمة مشروعات ضخمة تستعمل تلك التقنية حاليًا، مثل محطة يوليوس نيريري، بقدرة ألفين و115 ميغاواط في تنزانيا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق