الطاقة المتجددة في أوروبا.. كيف غيرت الحرب الأوكرانية مسارها؟ (دراسة)
محمد عبد السند
- الحرب الأوكرانية غيّرت صناعة الطاقة المتجددة في أوروبا رأسًا على عقب.
- التوترات الجيوسياسية ألزمت الدول الأوروبية بتعزيز أمن الطاقة.
- توقّعت الدراسة حدوث أزمات وشيكة في المستقبل.
- مصادر الوقود الأحفوري، على الجانب الآخر، تمثّل خطرًا جيوسياسيًا.
- يجب أن تعيد كل الأحزاب السياسية بألمانيا النظر في موقفها تجاه تحول الطاقة.
شهدت صناعة الطاقة المتجددة في أوروبا تحولًا جذريًا منذ الشرارة الأولى للحرب الروسية الأوكرانية التي اقترنت بتحولات جيوسياسية عميقة فرضت على دول القارة العجوز حتمية استقلالية الطاقة عبر تقليص واردات الطاقة الروسية، والاتجاه نحو المصادر النظيفة الأكثر موثوقية.
كما أعادت التوترات الجيوسياسية الناشئة عن هذا الصراع الذي لا تلوح له نهاية في الأفق القريب، تشكيل النقاش السياسي العام حول تحول الطاقة، مع اكتساب مفهوم أمن الطاقة أهمية قصوى على أجندة الحكومات بهدف التحصن ضد الصدمات الخارجية المحتملة، وفق تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وفي ضوء تلك الخلفية خلصت نتائج دراسة بحثية حديثة إلى أن الصعود غير العادي في الطلب على الكهرباء المتجددة، والذي أشعلته الحرب الروسية الأوكرانية، والزيادة في سعة الإنتاج العالمية للطاقة النظيفة ربما مثّلت مرحلة فريدة في تاريخ الطاقة المتجددة في أوروبا، والخطاب السياسي ذي الصلة بقضايا الطاقة في دول القارة.
وحللت الدراسة المنشورة في دورية إنرجي ريسرش أند سوشال ساينس (Energy Research & Social Science) التي أجراها مجموعة من الباحثين من جامعة فرايبورغ وجامعة مونستر في ألمانيا، تداعيات الحرب على قطاع الطاقة المتجددة في أوروبا، وانعكاساتها على النقاش العام في البلد صاحب الاقتصاد الأكبر في عموم أوروبا.
لحظة تاريخية
قال مؤلف الدراسة ثيلو فيرتز: "هذه لحظة تاريخية خاصة، ولا أرى سببًا في استمرار هذه الديناميكية، أو أن تصبح حتى دورة منتظمة"، في تصريحات أدلى بها إلى موقع مجلة بي في ماغازين (pv magazine) المتخصص، وتابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح فيرتز: "ما يبدو واضحًا بالنسبة لي هو أن ألمانيا لن تعود إلى عصر الغاز الطبيعي الرخيص؛ فألمانيا تبني سعات كبيرة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وهذا يساعد على بقاء الأسعار مستقرة بدرجة معقولة".
يوضّح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز محطات الطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي:
وأقر ثيلو فيرتز بأن هناك مزيدًا من الأزمات العالمية ربما يحدث في المستقبل، غير أنه لا يرى سببًا وجيهًا في افتراض نمط منتظم في هذا الصدد.
ويعتقد أن الغاز الطبيعي المسال سيظل أكثر تكلفة من واردات الغاز الروسية السابقة عبر خطوط الأنابيب.
وأضاف فيرتز: "في الوقت ذاته ستظل تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة منخفضة، ولا سيما على الصعيد العالمي".
رفع الوعي
أشار مؤلف الدراسة ثيلو فيرتز إلى أن تجربة الحرب الأوكرانية قد رفعت الوعي السياسي والوعي العام بنقاط الضعف الناتجة عن الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري كثيفة الانبعاثات الكربونية.
وأكد فيرتز أن نقاط الضعف تلك ليست جديدة، غير أنها لم تكن موجودة في الحديث عن الطاقة في ألمانيا خلال العقود الماضية، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وقال فيرتز: "قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، وما تلاها من أزمة طاقة في أوروبا، كان يُنظر إلى مصادر الطاقة المتجددة على أنها مرتفعة التكلفة وغير موثوقة".
وواصل: "في المقابل، كان يُنظر إلى مصادر الوقود الأحفوري على أنها حساسة جدًا ليس بيئيًا فحسب، وإنما اقتصاديًا كذلك".
وتابع: "لكن تغيرت تلك الصورة تدريجيًا رأسًا على عقب؛ يُنظر إلى الطاقة المتجددة في أوروبا -حاليًا- على أنها وسيلة لتنويع الواردات، وخفض الاعتماد على مصادر الوقود التقليدية، وتعزيز أمن الطاقة".
ويبرز توجه قوي نحو استعمال مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا، واستبدالها بنظائرها التقليدية لتعزيز إمدادات الكهرباء النظيفة، في إطار خطة أوسع لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، اتساقًا مع اتفاقية باريس للمناخ 2015.
انخفاض تكاليف الإنتاج
تأتي تلك الرؤية كذلك مدعومة بانخفاض تكاليف الإنتاج للطاقة المتجددة في أوروبا، ولا سيما الألواح الشمسية، إلى جانب الرؤى الطموحة للتعزيز السريع للاقتصاد العالمي القائم على الهيدروجين.
وأردف فيرتز: "ربما ندخل عصرًا لا يُنظر فيه إلى الطاقة المتجددة على أنها صديقة للبيئة فقط، ولكن أكثر موثوقية اقتصاديًا وسياسيًا كذلك".
وقال: "مصادر الوقود الأحفوري، على الجانب الآخر، تمثل خطرًا جيوسياسيًا، وعبئًا على الماضي".
ألمانيا.. نموذج للتحول
في الدراسة التي تحمل اسم "التحول إلى الجيوسياسية: التحولات في خطاب تحول الطاقة الألماني في ضوء حرب روسيا ضد أوكرانيا"، حلل فيرتز وفريق البحث التابع له مقالات صحفية، وتغريدات وبرامج حوارية متلفزة "توك شوز"، إلى جانب خطابات برلمانية نُشرت مباشرةً بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، ووجدوا أن الخطاب السياسي قد مثّل تحولًا جيوساسيًا بتحول الطاقة في ألمانيا.
وحدد الباحثون، على وجه خاص، 4 تحولات خطابية في المناقشات السياسية الدائرة في ألمانيا، مشيرين إلى أن التحول الأول يرتبط بسؤال حول إذا كانت واردات الغاز من روسيا ستعطل أو تدعم عملية التحول، في حين يتمحور التحول الثاني حول "ضرورة أخلاقية جديدة" لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
أما التحول الثالث فيتعلق بإمكان استعمال مصادر الطاقة التقليدية بوصفها تقنيات لسد الفجوات الحاصلة في توليد الكهرباء، أما التحول الرابع فيتعلق بتحول الطاقة من حيث الأمن والحرية والسيادة.
وفي هذا السياق قال مؤلف الدراسة ثيلو فيرتز: "التحولات الخطابية التي حددناها حاسمة لفهم المستقبل السياسي لتحول الطاقة، وسياسة الطاقة في ألمانيا على نطاق أوسع".
وتوقع الباحثون أن تعيد كل الأحزاب السياسية في ألمانيا النظر في موقفها تجاه تحول الطاقة، مؤكدين أن الخطابات ربما تتغير بسرعة حال تغيرت الظروف.
وأضافوا: "بينما يركز تحليل الخطابات غالبًا على كيفية هيمنة وجهات نظر معينة بمرور الوقت؛ فإنه في سياق الأزمات يمكن أن يساعد هذا على تحديد التحولات في مرحلة مبكرة".
موضوعات متعلقة..
- هل استثمارات الطاقة المتجددة في أوروبا مربحة؟
- تحديات الطاقة المتجددة في أوروبا.. نقص المهارات في المقدمة (تقرير)
- شركات الطاقة المتجددة في أوروبا.. قائمة الـ10 الكبار (صور)
اقرأ أيضًا..
- خطة بايدن لتحول الطاقة تواجه عراقيل "بالجملة" بعد مرور عام على إقرارها (تقرير)
- طرح أول مزاد للهيدروجين الأخضر في الاتحاد الأوروبي
- بناء أكبر خزانات أمونيا في العالم لمشروع نيوم للهيدروجين الأخضر
- وكالة الطاقة الدولية تحذر شركات النفط والغاز من "وهم" احتجاز الكربون وتخزينه