ماذا لو أُغلقت حقول الغاز الإسرائيلية؟.. مصر والأردن وأوروبا في خطر (تحليل)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- تطورات الحرب قد تصل إلى حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين.
- التصدير من حقل تمار لا يتجاوز 8% وأغلب إنتاجه للاستهلاك المحلي.
- إذا أُغلِق حقار تمار ستضطر إسرائيل لاستعمال إمدادات ليفياثان.
- مصر والأردن سيتأثران إذا أُغلِق حقل ليفياثان لمدة قصيرة أو طويلة.
- إمدادات الغاز المسال إلى أوروبا قد تتأثر بالحرب في غزة.
- استثمارات خط أنابيب شرق المتوسط قد تتعرّض للخطر.
تتزايد مخاطر تأثر حقول الغاز الإسرائيلية بتصاعد الحرب في قطاع غزة، وسط مخاوف من تعرضها للإغلاق القصير أو الطويل مع التطورات الميدانية للهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين.
وتوقّع تقرير تحليلي حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- تعرُّض سوق الغاز الطبيعي الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط لتهديدات مباشرة من استمرار الهجمات الإسرائيلية على حركة حماس وقطاع غزة.
كما رجّح التقرير الصادر عن شركة أبحاث الطاقة النرويجية "ريستاد إنرجي" تأثر إمدادات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا خلال فصل الشتاء المقبل بصورة غير مباشرة، إذا استمرت التوترات وامتدت إلى إغلاق حقول الغاز الإسرائيلية.
ورغم امتلاك إسرائيل فائضًا من إنتاج الغاز تُصَدِّره إلى مصر والأردن؛ فإن الحرب المتصاعدة في غزة ستكون لها آثار سلبية واسعة النطاق في الحقول الإسرائيلية وخطط إنتاجها وتطويرها.
ويتعلّق مصير أكبر 3 مشروعات لتطوير حقول الغاز الإسرائيلية -تمار وليفياثان وكاريش- بتطورات الحرب في قطاع غزة، ومدى استمرارها وتوسع نطاقها بدخول أطراف إقليمية أخرى؛ ما سيؤثر في السوق الإقليمية للغاز بصورة كبيرة، بحسب التقرير.
خريطة حقول الغاز الإسرائيلية
تتوقّع ريستاد إنرجي أن يؤدي تفاقم الحرب في قطاع غزة إلى عرقلة تقدم مسار تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وتل أبيب؛ ما سيهدد استثمارات الاستكشاف والإنتاج، ويفسد أهداف التصدير الإقليمية الطموحة.
ويمثل حقل ليفياثان 44% من إنتاج الغاز الحالي في إسرائيل، يليه حقلا تمار وكاريش بنسبة 38% و18% على التوالي، بحسب بيانات تفصيلية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من التقرير.
ويوفّر حقل تمار أكثر من 70% من الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل، وغالبًا ما تذهب هذه الإمدادات إلى محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي بصورة أساسية.
وتتراوح كميات التصدير من إنتاج حقل تمار بين 5% و8% فقط ، يذهب جزء صغير منها إلى مصر، التي تحصل على أغلب وارداتها من الغاز الإسرائيلي عبر حقل ليفياثان، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
كيف ستتأثر مصر؟
تستورد مصر نحو 7 مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سنويًا من حقلي تمار وليفياثان، تستعملها في تلبية الطلب المحلي ومحطات الإسالة التي تستقبل الغاز عبر خطوط الأنابيب وتصدره إلى أوروبا في صورة غاز مسال.
وصدرت مصر 3.7 مليون طن (177.7 مليار قدم مكعبة) من الغاز الطبيعي المسال خلال الأشهر الـ4 الممتدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2022 ويناير/كانون الثاني 2023.
وكانت أعلى كمية صدّرتها مصر من الغاز المسال خلال ديسمبر/كانون الأول 2022 في حدود مليون طن (48.02 مليار قدم مكعبة) أو أقل قليلًا؛ ما يعادل توقف إنتاج حقل تمار لمدة 33 يومًا بالمعدلات الحالية؛ ما يشير إلى مخاطر استمرار الحرب وتداعياتها على إنتاج حقول الغاز الإسرائيلية.
يوضّح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- زيادة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي بصورة قياسية خلال النصف الأول من 2023، مقارنة بالأعوام من 2020 إلى 2022:
ويلبي الغاز الإسرائيلي -حاليًا- 10% من استهلاك مصر للغاز أو أقل قليلًا، وفي الأشهر الـ9 الأولى من عام 2023، انخفضت صادرات الغاز المسال المصرية بنسبة 50% مقارنة بالمدة نفسها من 2022، مع زيادة استهلاك الغاز في توليد الكهرباء خلال فصل الصيف شديد الحرارة.
وتتزايد المخاوف بشأن قدرة مصر على الاستمرار في تصدير الغاز المسال إلى أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء، في ظل المعطيات الحالية والتطورات المتسارعة للحرب في غزة، واحتمالات تعرض حقول الغاز الإسرائيلية للإغلاق القصير أو الطويل.
هل ترتفع أسعار الغاز؟
رغم التوقعات القاتمة للشتاء المقبل المتحسبة لتداعيات ظاهرة النينو المناخية؛ فإن تطورات الوضع الحالي ما زالت تمثل عاملًا لدفع أسعار الغاز إلى أعلى بدرجات متفاوتة على المدى القريب والمتوسط.
وتجاوزت مستويات تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي -حاليًا- أكثر من 97% من السعة التخزينية، كما لا يزال الاستهلاك أقل من مستوياته المسجلة في عام الحرب الروسية الأوكرانية الأول (2022).
علاوة على ذلك، ثمة احتمالات ممكنة بزيادة صادرات الغاز المسال الأميركية إلى أوروبا، خلال الأشهر المقبلة؛ ما يرجّح تداعيات محدودة للصراع في الشرق الأوسط على أسعار الغاز في المدى القريب، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
ورغم ذلك؛ فإن الزيادة المتوقعة في أسعار الغاز تعكس ما يعرف بـ"علاوة المخاطر الجيوسياسية على الأسعار"، التي تظهر بالفعل على أسعار النفط الحالية، بحسب ما ترصده وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويكمن الخطر الأكبر على أسعار الغاز الطبيعي إقليميًا وعالميًا، في حالة استمرار توسع الحرب في الشرق الأوسط وانضمام أطراف أخرى، مثل إيران بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وفي هذه الحالة، يمكن أن تتسبّب تطورات الأوضاع في زيادة قصيرة المدى لأسعار الطاقة، قد تؤدي بدورها إلى تسارع التضخم ومزيد من إجراءات تشديد أسعار الفائدة؛ ما يعني أن السوق قد تشهد مراجعة للتوقعات إذا ساءت الظروف الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة، بحسب رئيس وحدة أبحاث الاستكشاف والإنتاج في الشرق الأوسط أديتيا ساراسوات.
ماذا لو أُغلق حقل تمار؟
شهد حقل تمار الإسرائيلي تطورات متسارعة خلال السنوات الـ4 الماضية، في إطار رد الفعل على وقف إمدادات الغاز الطبيعي من مصر إلى إسرائيل؛ حيث كانت القاهرة تُصدِّر الغاز المصري إلى تل أبيب منذ عام 2009، إلا أنها توقفت عن ذلك عام 2012، ودخلت في نزاع تحكيم دولي مع إسرائيل فازت به الأخيرة وجرى تسويته عام 2019.
وأدى تطور إنتاج حقل تمار دورًا مهمًا في تعزيز استقلال إسرائيل في مجال الطاقة، وتلبية 70% من احتياجاتها في توليد الكهرباء وخفض الاعتماد على الفحم والنفط؛ إذ يدير الحقل 6 آبار يتراوح إنتاجها اليومي بين 7.1 مليونًا و8.5 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز.
وفي حالة إغلاق حقل غاز تمار لمدة قصيرة بسبب تطورات الحرب؛ فستضطر إسرائيل إلى زيادة استعمال أنواع أخرى من الوقود لتوليد الكهرباء مثل الفحم وزيت الوقود.
ورغم إمكان توفير بدائل توليد الكهرباء في حالة إغلاق الحقل لمدة قصيرة؛ فإن الإغلاق الطويل لأحد أو كل حقول الغاز الإسرائيلية، سيكون لها تأثير أكبر، ولا يمكن تعويضه إلا بحفر آبار إضافية عادة ما تستغرق شهورًا حتى يظهر إنتاجها.
ماذا لو أُغلق حقل ليفياثان؟
قد تضطر إسرائيل -في حالة إغلاق حقل تمار- إلى استعمال الغاز من حقل ليفياثان لتلبية احتياجاتها المحلية بدلًا من بيعه إلى دول مجاورة مثل الأردن ومصر؛ ما سيهدد خطط التصدير لمدة أشهر على الأقل، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
ويحصل الأردن على معظم وارداته من الغاز من حقل ليفياثان الواقع بالقرب من حقل تمار، كما يعد هذا الحقل المصدر الرئيس لصادرات الغاز إلى مصر.
وإذا تفاقم الصراع، وتعرض حقل ليفياثان للإغلاق، ستكون انتكاسة كبيرة لدول المنطقة، وخاصة مصر التي زادت وارداتها في المدة الأخيرة إلى ضعف الكميات المتعاقد عليها مع إسرائيل.
وصدر حقل ليفياثان 4.9 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر في عام 2022، بينما بلغت صادراته 3.1 مليار متر مكعب في النصف الأول عام 2023 فقط، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
ويتزامن تكثيف مصر وارداتها من الغاز الإسرائيلي مع انخفاض الإنتاج المحلي بصورة ملحوظة منذ مطلع عام 2023 حتى الآن، بحسب بيانات دورية ترصدتها وحدة أبحاث الطاقة من مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي).
وانخفض الإنتاج أغسطس/آب الماضي بنسبة 11% على أساس سنوي إلى 4.999 مليار متر مكعب، مقارنة بـ5.603 مليار متر مكعب خلال الشهر نفسه من عام 2022.
يوضّح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- انخفاض إنتاج مصر من الغاز في أول 8 أشهر من 2023، مقارنة بعامي 2021 و2022:
استثمارات حقول الغاز الإسرائيلية مهددة
ثمة مخاطر أخرى قد تتعرّض لها استثمارات حقول الغاز الإسرائيلية، إذا استمر الصراع واتسع نطاقه على مستوى الإقليم؛ ما قد يهدّد بفقدان 4 مليارات دولار من الاستثمارات الرأسمالية في قطاع المنبع بالمنطقة (الاستكشاف والإنتاج) خلال السنوات الـ3 المقبلة.
ويحتمل أن يكون مشروع توسعة حقل تمار بحلول 2025، الأكثر تضررًا من بين جميع حقول الغاز الإسرائيلية، لاستحواذه على 1.2 مليار دولار أو ما يعادل 75% من إجمالي الاستثمارات المتوقع ضخها في مشروعات تطوير الحقول الإسرائيلية وقدرها 1.6 مليار دولار بحسب تقرير ريستاد إنرجي.
ويمتد التأثير الاستثماري المحتمل إلى المرحلة "بي1 - 1B" من تطوير حقل ليفياثان بحلول عام 2026؛ ما يُعرِّض استثمارات بقيمة 435 مليون دولار للخطر إذا اتسعت رقعة الصراع أو طال أمده.
وتهدف هذه المرحلة من تطوير الحقل إلى إنشاء محطة تخزين وتسييل عائمة للغاز بسعة 4 إلى 5 ملايين طن متري سنويًا، للاستفادة من فرص تصدير الغاز المسال إلى السوق الأوروبية بعد عام 2026.
ويمكن لخطط التطوير هذه أن ترفع إنتاج حقل ليفياثان إلى 2.1 مليار قدم مكعبة يوميًا (60 مليون متر مكعب يوميًا)، إذ يمكن زيادة إنتاجه بمقدار 700 مليون قدم مكعبة يوميًا (19 مليون متر مكعب يوميًا)، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
خط غاز المتوسط في خطر
تمتد التأثيرات المحتملة من حقول الغاز الإسرائيلية إلى مشروع بناء خط أنابيب شرق المتوسط الذي تنخرط فيه إسرائيل ومصر وقبرص لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر اليونان، بتكلفة تقديرية تصل إلى 6.5 مليار دولار.
ويمكن لهذا المشروع أن يكون مربحًا لأطرافه؛ لانخفاض التكلفة ووفرة إمدادات الغاز بدول المنطقة؛ ما قد يمكنها من زيادة طاقته من 10 مليارات إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا، والاستفادة من عوائد تصدير مجزية.
ورغم إمكانات وفرص المشروع الهائلة؛ فإنه يواجه تحديات نزاعات ترسيم الحدود البحرية بين دول المنطقة، ولا سيما مع تركيا واليونان وليبيا ومصر.
كما يمكن للصراع المحتدم حاليًا أن يهبط عزيمة المستثمرين عن الاستمرار فيه مع ارتفاع تكلفته وتفاقم الصراعات من حوله، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: الغاز الإسرائيلي في ورطة.. وهذا موقف مصر
- إسرائيل تخفّض صادرات الغاز إلى مصر والأردن.. والأسعار العالمية تقفز (تحديث)
- 3 منشآت طاقة في إسرائيل تتكبد خسائر مع تصاعد اشتباكات غزة
اقرأ أيضًا..
- في ذكرى المقاطعة النفطية.. هذه أكاذيب أميركا بعد 50 عامًا من الحرب (تقرير)
- نتائج صادمة لاكتشاف الغاز في لبنان
- تركيا تستورد شحنة فحم "ملغمة" بالكوكايين
لله الأمر من قبل ومن بعد
وإلى الله ترجع الأمور