تقارير التغير المناخيالتغير المناخيرئيسية

فيضانات ليبيا.. 3 شروط لعدم تكرار المأساة الناجمة عن تغير المناخ (تقرير)

أسماء السعدواي

جاءت فيضانات ليبيا محمّلة بالخراب على سكان البلد الواقع في شمال أفريقيا، إذ تسببت في سقوط أكثر من 11 ألف قتيل، وما زال نحو 10 آلاف آخرين في عداد المفقودين.

ورغم ضخامة الرقم، فإن الأمم المتحدة تقول، إنها حصيلة مبدئية فقط؛ إذ ما زالت جثث الضحايا تطفو على سطح مياه البحر الأبيض المتوسط، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وبالإضافة للقتلى والمصابين، جرفت الفيضانات كل ما واجهته في طريقها من مبانٍ وطرق وسدود وجسور، وأجبرت الآلاف على النزوح.

وكان الإعصار دانيال قد ضرب يوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023 السواحل الشمالية الشرقية وأجزاء من غرب ليبيا، قادمًا من اليونان.

ويقول معهد الدراسات الأمنية الأفريقي (issafrica)، إن الدمار الذي سبّبته فيضانات ليبيا، وخاصة في درنة، يلقي الضوء على التقاء مخاطر المناخ والتنمية والأمن في نقطة واحدة.

وعلى نحو خاص، سلّط تحليل أعدّه المعهد الضوء على التأثير القاتل لتغير المناخ بليبيا في ضوء الكارثة الإنسانية هناك، مقدمًا توصيات مهمة للحيلولة دون تكرار المأساة فيما بعد.

أسباب فيضانات ليبيا المدمرة

سجّلت درجات حرارة مياه البحر المتوسط أعلى مستوى لها في على الإطلاق في نهاية يوليو/تموز 2023، بوصولها إلى أكثر من 28.71 درجة مئوية، حسب تقرير نشرته منصة "يورو نيوز" (euronews) وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وقالت وكالة رصد موجات الحرارة في البحر المتوسط، إن تأثير ارتفاع حرارة المحيطات جاء نتيجة لتغير المناخ، كما سيكون هذا التأثير ملموسًا خلال فصلي الخريف والشتاء، عندما يُطلق البحر المتوسط الحرارة التي يحتفظ بها حاليًا، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث عواصف.

وأضافت أن درجات الحرارة غير المسبوقة التي سيطلقها البحر ستتسبّب في سقوط أمطار كثيفة، ليس فقط على جنوب أوروبا، بل على أنحاء القارة كافة.

وضربت موجة حرارة غير مسبوقة جنوب أوروبا وشمال أفريقيا خلال فصل الصيف 2023، وبلغت في إيطاليا 46 درجة مئوية، كما تسببت في وفاة العشرات واندلاع حرائق وفيضانات.

يقول المعهد الأفريقي، إن ارتفاع حرارة الماء حفّز العاصفة وأدّى إلى ظهور الإعصار دانيال في البحر المتوسط.

وبلغ معدل سقوط الأمطار ذروته في 10 سبتمبر/أيلول 2023 حينما وصلت مستوى قياسيًا عند 414.1 ملليمتر، بارتفاع مهول عن المتوسط الشهري الذي هو أقلّ من ملليمترين اثنين.

وبالنظر إلى أن ليبيا ليس بها أنهار، فقد حولت الوديان مسار مياه الأمطار باتجاه منطقة الجبل الأخضر المرتفعة، ثم إلى مدينة درنة، وبلغت شدة السيول مداها؛ إذ اخترقت سدّين لم يخضعا للصيانة منذ سنوات؛ وهو ما تسبّب في النهاية باكتساح السيول المدينة التي فقدت ملامحها.

الدمار في مدينة درنة الليبية جراء الإعصار دانيال
الدمار في مدينة درنة الليبية جراء الإعصار دانيال - الصورة من "أ ف ب"

حلول وتحديات

حلّل معهد الدراسات الأمنية الأفريقي كارثة فيضانات ليبيا؛ قائلًا، إن لها أبعادًا مختلفة، ولكن السبب الأبرز لها كان تغير المناخ، وخاصة في بلد نامٍ يفتقر للبنية الأساسية والآليات اللازمة لمواجهة الظاهرة العالمية الخطيرة.

ولذلك، قدّم 3 حلول من شأنها مساعدة ليبيا في الحيلولة دون تكرار الكارثة مستقبلًا، وهي كالتالي:

إنشاء نظام تحذير مبكر: لا تمتلك ليبيا مثل هذا النظام، ولكن إذا أخذته السلطات في الحسبان، فإنه سيمكنها من اتخاذ الإجراءات الصحيحة لتقليل الوفيات وحجم الأضرار.

وفي هذا الصدد، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي (2022) مبادرة الإنذار المبكر للجميع خلال مؤتمر تغير المناخ كوب 27 في مصر.

وقال غوتيريش، إن الأشخاص الذين أسهموا -بالكاد- في أزمة تغير المناخ هم الأكثر عرضة للخطر والأقلّ حماية، مضيفًا: "تتعرض المجتمعات الضعيفة في النقاط المناخية الساخنة للصدمة بسبب الكوارث المناخية المتتالية دون أيّ وسيلة إنذار مسبق".

وأضاف: "إن الناس في أفريقيا وجنوب آسيا وأميركا الجنوبية والوسطى وسكان الدول الجزرية الصغيرة هم أكثر عرضة 15 مرة للوفاة من الكوارث المناخية، تؤدي هذه الكوارث إلى نزوح بنسبة 3 أضعاف عدد الأشخاص الذين تشرّدهم الحروب، والوضع يزداد سوءًا".

إرساء قواعد بنية أساسية قوية: كان الهدف من بناء السدّين في مدينة درنة هو التحكم بمياه الفيضان وتوفير المياه لغرض الري، لكنهما انهارا نتيجة لفيضانات ليبيا بسبب التصميم غير الملائم والذي يعود لسبعينيات القرن الماضي، وعدم خضوعهما للصيانة، وذلك رغم التحذيرات المتكررة.

الحكم: بعد مرور أكثر من 12 عامًا على اندلاع الحرب في ليبيا ظهرت حكومتان متنافستان داخل البلاد، الأولى حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من قِبل الأمم المتحدة، ومقرّها العاصمة طرابلس، والثانية في بنغازي بقيادة أسامة حماد.

وأدى هذا الانقسام إلى جعل وصول المساعدات الدولية للمتضررين من فيضانات ليبيا أمرًا صعبًا.

وكان حماد مترددًا في قبول مساعدات حكومة طرابلس، وهو ما أدى إلى التأخير وأثّر في إجراءات مواجهة الكارثة وعمليات الإنقاذ.

درنة بعد الدمار
درنة بعد الدمار - الصورة من رويترز

أزمة الهجرة المناخية

دعا المعهد إلى حل أزمة المهاجرين داخل ليبيا، والذي زادت الفيضانات من حدّتها، كما يعدّ البلد نقطة انطلاق للراغبين في الهجرة إلى أوروبا.

وتقول منظمة الهجرة الدولية، إن الإعصار دانيال تسبَّب في نزوح ما لا يقلّ عن 30 ألفًا في مدينة درنة الأكثر تضررًا من الكارثة.

كما كان نحو 705 آلاف مهاجر من 41 دولة أخرى موجودين داخل ليبيا في أبريل/نيسان 2023، وثلثهم تقريبًا كانوا في درنة.

وجاءت فيضانات ليبيا لتضيف إلى تفاقم الوضع بالنسبة للأجانب الذين هاجر أكثر من ثلثهم (36%) بسبب العوامل المناخية التي أفقدتهم الماشية والمحاصيل في بلدانهم الأصلية، مثل الجفاف والفيضانات في السودان والنيجر.

ويقول المعهد، إن المهاجرين هم الأكثر تضررًا من الصدمات المناخية؛ لأنهم يفتقرون لأساسيات المعيشة والدعم المجتمعي الذي يمنحهم المرونة في التعامل مع الكوارث.

كما تتزايد احتمالات تعرّضهم للكراهية داخل المجتمعات التي يهاجرون إليها حتى إتمام إعمار ليبيا، وسيكون من الصعب التعرف على هوياتهم وإعادة رفاتهم لدفنها في بلدانهم.

وتتفق مع ذلك مفوضية الأمم لشؤون اللاجئين التي تقول، إن اللاجئين والنازحين داخليًا وعديمي الجنسية يأتون في مقدمة المتأثرين بطوارئ المناخ؛ فالكثيرون منهم يعيشون في "بؤر مناخية، ويفتقرون عادةً للموارد التي تسمح لهم بالتكيّف مع بيئة تزداد قسوة، كما تطال الآثار المتلاحقة لأزمات تغير المناخ المجتمعات المُعدمة أصلًا، ولا تفسح لها مجالًا للتعافي".

التعاون بين الدول النامية والمتقدمة

دعا التقرير الدول المتقدمة إلى تقديم يد العون للدول النامية، وخاصة ليبيا حاليًا؛ قائلًا، إن الدول الكبرى هي المصدر الأول للانبعاثات المسبّبة للاحتباس الحراري.

وتأتي كارثة فيضانات ليبيا بعد أقلّ من شهر على انعقاد أولى قمم المناخ الأفريقية برعاية الاتحاد الأفريقي في العاصمة الكينية نيروبي.

وطالب الزعماء المشاركون الدولَ المتقدمة بمساعدة القارة في معالجة تغير المناخ، إذ إن أفريقيا لم تتسبب فيها بالأساس، رغم أنها من يدفع الثمن.

وذكّر الأفارقة الدولَ المتقدمة بالوفاء بتعهدها السابق بتوفير 100 مليار دولار سنويًا لمواجهة تغير المناخ في الدول الأكثر فقرًا بحلول عام 2020.

من جانبه، قال وزير شؤون البيئة في نيجيريا الدكتور إسحاق سالاكو، إن أفريقيا تتحمّل عبء أزمة تغير المناخ، وهي التي سبّبتها دول العالم المتقدم بالأساس.

كما طالب الوزير بتقديم يد المساعدة، قائلًا: "الأمر لا يتعلق بتقديم الصدقات أو المساعدات، بل يتجاوز ذلك إلى الدفع -سواء كان أكثر أو أقلّ نظير ما تسبّبوا فيه- لتمويل التحول الأخضر وتوفير فرص عمل بالطاقة النظيفة والتحول إلى الطاقة المستدامة بصورة عامة في أفريقيا".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق