تكاليف تغير المناخ قد تصل إلى 178 تريليون دولار بحلول عام 2070 (تقرير)
نوار صبح
- موجات الحر غير المسبوقة تثقل كاهل المجتمعات والنظم البيئية والاقتصاد
- يوليو 2023 أصبح أكثر الشهور سخونة خلال الـ120 ألف عام الماضية بهامش كبير
- شهدت الصين موجات حر عالية غير مسبوقة بلغت 52.2 درجة مئوية
- تغير المناخ جعل موجات الحرارة أكثر سخونة بمقدار 2.5 درجة مئوية في أوروبا
- موجات الحر غير المسبوقة أضرت بالأصول المادية وبالإنتاج الزراعي
- يمكن إنتاج ثلث الكهرباء العالمية عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحدهما
شهد شهر يوليو/تموز 2023 موجات حر غير مسبوقة في بلدان عديدة في جميع أنحاء العالم، ما يشير إلى أن أسوأ ما في تغير المناخ لم يأتِ بعد، وأن تكاليف مواجهته قد تتجاوز 178 تريليون دولار بحلول عام 2070.
وتثقل موجات الحَر غير المسبوقة كاهل المجتمعات والنظم البيئية والاقتصاد، ناهيك بالأضرار الصحية الكبيرة التي تصيب الأشخاص وسُبُل عيشهم، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم التحذيرات المتكررة التي يطلقها العلماء والباحثون، فإن من واجب قادة العالم الإسراع في اتخاذ التدابير الكفيلة بتفادي تداعيات تغير المناخ.
وأصبح يوليو/تموز 2023 أكثر الشهور سخونة خلال الـ120 ألف عام الماضية بهامش كبير، وفقًا لعلماء من خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، حسبما نشره موقع إنرجي تراكر آسيا (energytracker.asia) في 14 أغسطس/آب الجاري.
ويشير الباحث العلمي لدى جامعة لايبزيغ، الدكتور كارستن هاوستين، إلى أن درجة حرارة العالم كانت 1.5 درجة مئوية أعلى من المتوسط في يوليو/تموز قبل عصر التصنيع.
الاحتباس الحراري
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن حقبة "الاحتباس الحراري" قد انتهت، وبدلًا من ذلك أعلن وصول عصر "الغليان العالمي".
في المقابل، وجدت أبحاث مجموعة وورلد ويذر أتربيوشن (دبليو دبليو إيه)، المعنية بدراسة العلاقة بين الطقس المتطرف وتغير المناخ، أنه في يوليو/ تموز شهدت أجزاء من الولايات المتحدة والمكسيك والصين في جنوب أوروبا موجات حر شديدة مع درجات حرارة أعلى من 45 درجة مئوية.
وفي شرق ولاية كاليفورنيا الأميركية، وصلت درجات الحرارة إلى 53.3 درجة مئوية، إذ شهدت الصين موجات حر عالية غير مسبوقة بلغت 52.2 درجة مئوية.
وحُطمت الأرقام القياسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا والجزائر وتونس وفرنسا واليابان وفيتنام والفلبين وغيرها.
وبالنظر إلى أن شهر يونيو/حزيران حطم الأرقام القياسية، فإن صيف عام 2023 يتهيّأ لأن يكون الأكثر سخونة في تاريخ البشرية، ويحذر علماء مجموعة وورلد ويذر أتربيوشن من أن تغير المناخ قد أدى إلى زيادة طول موجات الحَرّ وتكرارها.
وفي الصين، من المرجح الآن وقوع أحداث مماثلة 50 مرة على الأقل، وقد تظهر هذه الأحداث مرة كل 15 عامًا في الولايات المتحدة والمكسيك، وفي جنوب أوروبا والصين ينخفض التكرار إلى مرة كل عقد ومرة كل 5 سنوات، على التوالي.
بالإضافة إلى ذلك، خلص البحث إلى أن تغير المناخ جعل موجات الحرارة أكثر سخونة بمقدار 2.5 درجة مئوية في أوروبا، ودرجتين مئويتين في أميركا الشمالية، ودرجة مئوية واحدة في الصين.
ووفقًا لمؤسسة كلايمت سنترال، المعنية بتحليلات وتقارير ظواهر المناخ، عانى 6.5 مليار شخص، أو 81% من السكان، الحرارة الناجمة عن تغير المناخ في يوليو/تموز.
أسباب موجات الحر
قال أحد مؤلفي دراسة مجموعة وورلد ويذر أتربيوشن (دبليو دبليو إيه)، الدكتور فريدريك أوتو، إن "النتائج لم تكن مفاجئة، إذ لم يتوقف العالم عن حرق الوقود الأحفوري، وما يزال المناخ دافئًا، وتستمر موجات الحر في التفاقم".
وبالمثل، يشير تحليل مؤسسة كلايمت سنترال إلى أن "الإجهاد الحراري سيصبح أكثر تواترًا وشدة ما دمنا مستمرين في حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي".
تجدر الإشارة إلى أن صناعة الوقود الأحفوري، أكبر مساهم في تغير المناخ، التي يُقال إنها كانت على علم به منذ السبعينيات، تواصل تجاهل التحذيرات. وفي عام 2022، حققت 5 من عمالقة النفط والغاز أرباحًا قياسية بلغت نحو 200 مليار دولار أميركي، حسبما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
في الوقت نفسه، تم توجيه ما بين 1% و8.6% فقط من النفقات الرأسمالية للصناعة نحو أنشطة إزالة الكربون. وبدلاً من ذلك، أعطت الشركات الأولوية للاستثمار في مشروعات الوقود الأحفوري الجديدة، ودفع أرباح الأسهم وإجراء عمليات إعادة شرائها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصناعة لديها تاريخ موثق جيدًا لأنشطة الغسل الأخضر، وحتى الآن، تنفق شركات النفط العملاقة مئات الملايين على العلاقات العامة الخضراء، في حين تتراجع في الوقت نفسه عن تنفيذ أهدافها لخفض الانبعاثات.
تأثير موجات الحر على الاقتصاد
لقد أضرت موجات الحر غير المسبوقة بالأصول المادية وبالإنتاج الزراعي، إذ زادت من الضغط على أنظمة الرعاية الصحية، وزادت تكاليف الطاقة في الشركات، وأربكت إنتاجية العمل وقللت من الناتج الاقتصادي.
وفي العديد من البلدان، امتدت موجة الحر في يوليو/تموز حتى أغسطس/آب، وعلى سبيل المثال، قررت إغلاق الدولة بأكملها لمدة يومين، حسبما نشره موقع إنرجي تراكر آسيا (energytracker.asia) في 14 أغسطس/آب الجاري.
ومنذ التسعينيات، كلّف تغير المناخ الاقتصاد العالمي نحو 16 تريليون دولار أميركي، وتتحمل الدول النامية والمناطق المنخفضة جزءًا كبيرًا من هذا العبء.
وفي الولايات المتحدة وحدها، من المرجح أن تتجاوز فاتورة تغير المناخ تريليوني دولار أميركي سنويًا، وفي جميع أنحاء العالم، سيكلف ما بين 4% و18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستتكبد آسيا أكبر الخسائر.
من ناحيتها، يمكن للصين، على سبيل المثال، أن تخسر ما يصل إلى 24% من ناتجها الاقتصادي دون اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ.
ووجدت مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس، المعنية بالتحليلات الاقتصادية العالمية، أنه حتى مع ارتفاع درجة حرارة 2.2 درجة مئوية بحلول عام 2050 يمكن أن يقلل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 20%، في حين تقدر شركة ديلويت أن تكاليف تغير المناخ قد تصل إلى 178 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2070.
الأعباء البيئية والمجتمعية
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن يسبب الإجهاد الحراري الشديد الجفاف الشديد، والإصابات الوعائية الدماغية الحادة، وضربة الشمس، وتفشي الأمراض والوفاة.
علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة كبيرة في معدلات الاعتلال والوفيات المرتبطة بالصحة العقلية.
وتشير التقديرات إلى أن موجات الحر عام 2022 في أوروبا أودت بحياة أكثر من 61 ألف شخص، وفي عام 2023، أبلغت دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيطاليا واليابان والمكسيك، عن قفزات حادة في دخول المستشفيات والوفيات بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ووفقًا للدكتور فريدريك أوتو من مجموعة وورلد ويذر أتربيوشن، فإنه دون اتخاذ إجراء فوري، سيظل عشرات الآلاف من الأشخاص يموتون نتيجة لأسباب مرتبطة بالحرارة سنويًا.
ويمكن أن تتسبب موجات الحر أيضًا في ظهور المهاجرين بسبب المناخ، كما حصل في بنغلاديش، بالإضافة إلى ذلك، فإن تأثيرات موجات الحرارة ملموسة في النظم البيئية الأخرى.
وأظهرت دراسة برنامج كوبرنيكوس الأوروبي المعني بدراسة ورصد معلومات كوكب الأرض، أن درجات حرارة سطح المحيطات العالمية لشهر يونيو/حزيران وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في ذلك الوقت من العام.
ووصلت مستويات الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، محطمة الرقم القياسي العام الماضي. لاحظ العلماء -أيضًا- أحداثًا مماثلة في غرينلاند، إذ تذوب الصفائح الجليدية "بوتيرة قياسية".
في هذا السياق، حذرت المزيد من الأبحاث المنشورة في يوليو/تموز من أنه بسبب أزمة المناخ، يمكن أن ينهار نظام حيوي من التيارات المحيطة في وقت مبكر من عام 2025، ما يتسبب في عواقب وخيمة على نظام المناخ العالمي.
طريقة تفادي موجات الحر
يحذّر العلماء من أنه ما لم تنفّذ كل دولة موقعة تعهداتها الحالية بخفض الانبعاثات بسرعة، فإن ارتفاع درجة الحرارة سيصل إلى درجتين مئويتين في غضون 30 عامًا تقريبًا. نتيجة لذلك، ستبدأ أحداث مثل موجة الحر الحالية في الحدوث كل سنتين إلى 5 سنوات اتفاقية باريس للمناخ.
وقال أحد مؤلفي دراسة مجموعة وورلد ويذر أتربيوشن (دبليو دبليو إيه)، الدكتور فريدريك أوتو: "ما يزال لدينا الوقت لتأمين مستقبل آمن ومناسب للعيش. للقيام بذلك، يحتاج العالم إلى التوقف عن حرق الوقود الأحفوري وتحسين التأهب للكوارث لدى المجتمعات الأكثر ضعفًا وتضررًا".
وتتمثّل الأولوية الأساسية للقادة العالميين وصانعي السياسات في عدم الرضوخ لضغط لوبي الوقود الأحفوري، وإبرام اتفاق بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في مؤتمر قمة المناخ كوب 28 هذا العام.
ويجب على دول مجموعة الـ20، التي تمثل مجتمعة 80% من الانبعاثات العالمية، أن تأخذ زمام المبادرة. ويجب على دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقديم خطط للتخلص من الفحم بحلول عام 2030. وينبغي على بقية العالم أن يفعل الشيء نفسه في موعد لا يتجاوز عام 2040.
وفقًا لتوصيات وكالة الطاقة الدولية، فإن تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 لا يتطلب بنية تحتية جديدة للوقود الأحفوري. وبدلًا من ذلك، يجب على الحكومات التوقف عن التخطيط لقدرات جديدة، في حين يتعين على المؤسسات المالية ألا تمول مشروعات الفحم والنفط والغاز.
زيادة الطاقة المتجددة
وفقًا لمسؤولة المناخ في الأمم المتحدة بين عامي 2010-2016، كريستيانا فيغيريس، يمكن إنتاج ثلث الكهرباء العالمية عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحدهما.
وأضافت أنه "يجب أن تمكِّن السياسات الوطنية المستهدفة هذا التحول. وإلا فإننا سوف نحرق ونقلي كل شيء".
وأشارت إلى وجوب أن يكون التركيز فقط على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأنواع الوقود الأخرى عديمة الانبعاثات، إذ ينبغي ألا تكون مخططات الحرق المشترك للأمونيا أو الهيدروجين غير الأخضر أو تقنيات الانبعاثات المنخفضة هي محور السياسات الوطنية.
وبينما الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة آخذة في الارتفاع حاليًا، ينبغي زيادة الوتيرة.
وتتمثل الأداة الأكثر فاعلية لذلك في جعل السياسات الوطنية أكثر ترحيبًا بمقدمي رأس المال الأخضر من القطاع الخاص. يمكن تلبية احتياجات تمويل الطاقة النظيفة بصورة مناسبة من خلال الإصلاحات التنظيمية وأنواع مختلفة من الحوافز وآليات الاستثمار المبتكرة.
الاستثمار في التكيف
يجب أن تضمن بنوك التنمية متعددة الأطراف والحكومات والمجتمع المدني والشركات بصفة جماعية حماية الفئات الأكثر ضعفًا من أسوأ تأثيرات تغير المناخ. ويجب أن تحصل الدول التي تواجه هذه التداعيات على تمويل كافٍ، الذي ظل حتى الآن وعدًا فارغًا.
لذلك، تبرز الحاجة إلى استثمارات في كل من التأهب للكوارث والتعافي منها. على سبيل المثال، تقترح الأمم المتحدة أن كل شخص على وجه الأرض مشمول بنظام إنذار مبكر في موعد أقصاه عام 2027.
ويُعدّ تطوير خطط التكيف مع الحرارة المحلية والإقليمية أمر بالغ الأهمية أيضًا. وتشمل التدابير الضرورية الأخرى تأهيل المدن لضمان قدرتها على استضافة اللاجئين بصورة مناسبة، وتحسين أنظمة الصحة العامة، وتوفير إمدادات مياه الشرب النظيفة، وبناء المزيد من المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، وتركيب آليات السيطرة على الفيضانات والمزيد.
وتشمل المصادر المحتملة لاحتياجات التمويل للخسائر والأضرار آليات تسعير الكربون والضرائب غير المتوقعة على شركات النفط والغاز.
تكرار موجات الحر
للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية على قيد الحياة، يجب أن تبلغ انبعاثات غازات الدفيئة ذروتها قبل عام 2025 وتنخفض بنسبة 43% بحلول عام 2030.
ووفقًا للعلماء، "إذا لم نتوقف عن حرق الوقود الأحفوري على الفور، فإن الصيف الذي نشهده سيُعد باردًا في المستقبل".
وتأخذ السياسات الحكومية الحالية متوسط درجات الحرارة في مسار يرتفع بمقدار 2.8 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول نهاية القرن.
وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن هذا من شأنه أن يدمر العديد من النظم الرئيسية ويؤدي إلى حدوث كوارث متتالية ومتفاعلة. في حين أن الحل بسيط، فإن السؤال هو: هل سيختاره قادة العالم؟
ومع ذلك، ما يزال هناك متسع من الوقت لإنقاذ هذا الوضع. وتمثل قمة المناخ في أفريقيا، وقمة مجموعة الـ20، وقمة الأمم المتحدة للطموح المناخي، ومؤتمر الأطراف 28 فرصًا لإعلان نهاية الوقود الأحفوري. المستقبل في أيدي قادة العالم.
اقرأ أيضًا..
- انتعاشة إنتاج النفط في مصر.. هل تعوض أزمة انخفاض الغاز؟
- أنبوب الغاز الجزائري النيجيري.. هل يتبخر الحلم بعد انقلاب النيجر؟
- التعاون النووي بين المغرب وروسيا ضروري لثلاثية "الغذاء والماء والطاقة" (مقال)