التقاريرالتغير المناخيتقارير التغير المناخيسلايدر الرئيسية

مكافحة تغير المناخ "للأغنياء فقط".. والسلوك الفردي نقطة البداية (دراسة)

الرغبة والقناعة البيئية لدى شرائح الدخل المختلفة ضرورة

هبة مصطفى

تعدّ خطط مكافحة تغير المناخ مسار متعدد الأطراف، فالأمر ليس قاصرًا على سياسات الحكومات وصُنّاع القرار فقط، بل يمثّل المستهلك والفرد العادي طرفًا رئيسًا بإدارته حجم الطلب على المنتجات المستدامة، وبالتبعية خفض تكلفتها.

ويشكّل سلوك المستهلك عنصرًا مهمًا لا ينبغي تجاهله خلال رحلة الدول نحو تحقيق الأهداف المناخية وخفض الانبعاثات، إذ إن الاستدامة ما هي إلّا سلوك ينبع من الفرد لينتشر في المجتمع، ليتحول إلى مسار تنتهجه الحكومات.

ومما يشكّل عبئًا إضافيًا أن شريحة المستهلكين لا تضم طبقة واحدة، فهي مقسّمة وفقًا لمعدل الدخل، ويتباين سلوك كل طبقة تجاه المنتجات المستدامة، إمّا لأسباب تتعلق بالوعي أو الدافع أو التكلفة، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

ومن بين الدراسات والأبحاث التي ركّزت على العوائد الاقتصادية والبيئية والسياسية لتحقيق الأهداف المناخية، توصلت دراسة لشركة ديلويت (Deloitte) -نُشرت نتائجها التفصيلية في الموقع الإلكتروني لها- إلى أن المستوى المادي للأفراد والتصنيف الاجتماعي لهم يشكّل عائقًا جديدًا أمام السلوكيات المستدامة، خاصة لشريحة ذوي الدخل المنخفض.

الاستدامة سلوك.. ولكن

لا يختلف اثنان على أن مكافحة تغير المناخ ضرورة حيوية، لكن المعضلة الأبرز لم تكن غياب السياسات أو تراخي الحكومات بقدر ما كانت تتعلق بالأشخاص، وقدرتهم على تحويل الاستدامة إلى سلوك شخصي ومهني ومجتمعي ضمن الحياة اليومية.

وقالت رائدة الاستدامة العالمية والممارسات المناخية لدى شركة "ديلويت غلوبال"، جينيفر شتاينمان، إن قادة العالم المهتمين بالأهداف البيئية يتعين عليهم إدراك الأسباب الحقيقية وراء تباين قدرة الأشخاص على ترجمة دعم المناخ إلى سلوكات ومواقف.

أحد الأفراد يعاني ارتفاع درجات الحرارة وتداعيات تغير المناخ خلال ممارسة عمله
أحد الأفراد يعاني ارتفاع درجات الحرارة وتداعيات تغير المناخ خلال ممارسة عمله - الصورة من Phys.org

وأضافت أنه من الضروري معرفة أسباب عدم تناسب رغبة الأشخاص الداعمين للأهداف المناخية مع الخطوات الفعلية والمواقف، مشيرة إلى 3 دوائر جرى التعامل معها خلال الدراسة لإظهار نقاط التباين، وتشمل: (التعامل والسلوكات الشخصية الفردية، التعامل في نطاق العمل، السلوك المجتمعي).

وأوضحت شتاينمان أنه لا يمكن إغفال تأثير سلوك الفرد تجاه الحياة المستدامة ومكافحة تغير المناخ في نشاط الشركات والحكومات، إذ يمكن أن يعدّل اتجاهات الشراء، حسب تصريحها في البيان الرسمي لإطلاق الدراسة.

دور مستوى الدخل في العمل المناخي

1) السلوك الفردي:

اعتمد تصنيف الدراسة لتعاطي الأفراد مع إجراءات مكافحة تغير المناخ على مسارين رئيسين: (الرغبة والقناعة، والقدرة المالية)، إذ برهنت نتائج الدراسة على أن دخول الأفراد قد تعوق نشاطهم البيئي حال توافر الرغبة.

وفيما يتعلق بالدخل، كشفت نتائج دراسة -أكبر شركات الخدمات المهنية في العالم، ومقرّها لندن- "ديلويت"، أن ذوي الدخل المرتفع هم أكثر الفئات المجتمعية قدرة على التعامل مع مكافحة تغير المناخ.

ويشمل ذلك قدرتهم على انتقاء وشراء السلع المستدامة، أو اختيار الوظيفة طبقًا لمدى قناعة صاحب العمل بمبادئ الاستدامة، بالإضافة إلى دورهم المجتمعي للضغط على المسؤولين الحكوميين لاتخاذ إجراء مناخي ما.

وانحاز 59% من أصحاب الدخول المرتفعة المشاركين في استطلاع "ديلويت" إلى المنتجات المستدامة خلال عمليات الشراء بصورة دائمة أو في غالبية الأحيان، مؤكدين في الوقت ذاته أن تكاليف شراء المنتجات المستدامة قد تشكّل عائقًا.

واختلفت نسبة الإقبال على شراء المنتجات المستدامة لدى أصحاب الدخول غير المرتفعة، إذ أقرّ أقلّ من نصف عينة الاستطلاع فقط بإقبالهم على شراء واختيار المنتجات المستدامة، بنسبة 44% لأصحاب الدخول المتوسطة، و42% لأصحاب الدخول المنخفضة.

2) السلوك المهني:

ما زال دخل الأفراد يؤثّر في سلوكهم الفردي ومعدل انحيازهم للمنتجات المستدامة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتدت الاعتبارات المالية إلى الوظيفة والدور المجتمعي -أيضًا- حيال مكافحة تغير المناخ.

وأوردت الدراسة أن ما يقارب نصف المشاركين في عينة الاستطلاع من ذوي الدخل المرتفع (46%) درسوا إمكان التخلّي عن وظائفهم والبحث عن فرص عمل في مؤسسات وشركات تنحاز للاستدامة بصورة أكبر.

واختلفت هذه النسبة بالنسبة لشرائح الدخل المتوسط والمنخفض، إذ لم تراود فكرة تغيير الوظيفة للعمل بمؤسسة أكثر استدامة سوى ما نسبته 20% من المشاركين في الاستطلاع لهاتين الطبقتين.

ولم يتنافَ ضعف القدرة المالية والاضطرار للحفاظ على مصدر الدخل مع الرغبة الداخلية لذوي الدخل المنخفض في الانحياز لمكافحة تغير المناخ أو تعزيز الاهتمام بالبيئة، إذ وجّه 77% من المشاركين في الاستطلاع من هذه الشريحة اتهامات لأصحاب الشركات والوظائف بالتقصير وعدم دعم المناخ بالقدر الكافي.

3) السلوك المجتمعي:

على الجانب الآخر، وامتدادًا لتأثير مستوى دخل المهتمين بالنشاط البيئي في: (سلوكات الأفراد تجاه شراء المنتجات المستدامة، واختيارهم وظائف العمل)، كان لمستوى الدخل بالغ الأثر في قدرة الأفراد على أداء دور مجتمعي مرتبط بالمناخ والبيئة.

ويشمل الدور المجتمعي المناخي: دعم الأفراد للمنظمات البيئية بالتبرع المالي، وممارسة ضغوط على المسؤولين، والتحكم في اتجاهات التصويت الانتخابي للمرشحين المؤيدين للأهداف النظيفة.

احتجاجات للحث على مكافحة تغير المناخ
احتجاجات للحثّ على مكافحة تغير المناخ - الصورة من Friends of the Earth Australia

ورصدت الدراسة أن نسبة قدرها 24% من عينة استطلاع ذوي الدخل المرتفع دعموا منظمات بيئية بالتبرع خلال العام الماضي (2022)، وفي المقابل اقتصر الدعم المالي للمنظمات البيئية لشريحتي الدخل المتوسط والمنخفض على فرد واحد فقط ضمن كل 10 مشاركين.

وأبدى مسؤول الصناعة الاستهلاكية العالمية لدى "ديلويت غلوبال"، ليون بيترز، قلقه من تأثير مستوى الدخل في السلوك المجتمعي للأفراد.

وأشار بيترز إلى أن أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض قد يترددون في التواصل مع المسؤولين أو المشاركة في الفعاليات المناخية أو الاحتجاجات، مستشهدًا بتأكيد الدراسة أن 65% من أصحاب الدخل المنخفض المشاركين في عينة الاستطلاع لم يقوموا بهذه الممارسات من قبل.

حواجز اقتصادية أم قناعة داخلية؟

لا يُنكر أحد تحكُّم مستوى الدخل في السلوك المناخي، سواء فيما يتعلق بشراء المنتجات المستدامة والسلوك الفردي والمهني والمجتمعي، لكنّ هناك عاملًا آخر يجب أن يؤخذ في الحسبان، إذ تعدّ رغبة وقناعة الأفراد ركنًا أصيلًا من سبل مكافحة تغير المناخ، جنبًا إلى جنب مع مستوى الدخل والعوائق الاقتصادية.

وخلُصت الدارسة إلى أنه رغم توافر الموارد المالية اللازمة لتغيير السلوكيات "عالية الانبعاثات" لذوي الدخل المتوسط والمرتفع، فإن الرغبة والقناعة لديهم أقلّ من ذوي الدخل المنخفض، من عينة المشاركين في استطلاع "ديلويت".

واستبعدت إقبال ذوي الدخل المتوسط والمرتفع على اختيار وسائل سفر "منخفضة الانبعاثات" بدلًا من الرحلات الجوية بالوقود التقليدي على سبيل المثال، أو الاعتماد على الدراجات في التنقل.

وشددت الدراسة -التي أُجريت على مدار عامين من سبتمبر/أيلول عام 2021 حتى مارس/آذار 2023، وشملت مشاركة ما متوسطه 20 ألف شخص يمثّلون ما يزيد عن 20 دولة بالعالم- على أن الظروف المالية للأفراد يجب أن تكون مواتية للرغبة والقناعة بضرورة مراعاة سبل مكافحة تغير المناخ.

سلوك الفرد هو البداية

طالبت الدراسة المهتمين بالعمل المناخي الممثلين لشرائح الدخل كافة بالتغلب على المعوقات، عبر إيجاد بدائل أقلّ ثمنًا، أو البحث عن وسائل داعمة في عمليات الشراء المستدامة مثل الأقساط وغيرها، بخلاف دور الشركات والحكومات في دعم أصحاب شرائح الدخول الأقلّ.

وقالت، إن دخل الأسر المقبلة على شراء السيارات الكهربائية في أميركا عام 2020 كان يتجاوز 100 ألف دولار، غير أنّ تغيُّر القناعات بضرورة تحقيق انتشار أوسع أسهم في تراجع أسعار البطاريات مع مرور الوقت.

ويُلخّص الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- المسارات الأفضل خلال رحلة مكافحة تغير المناخ، وكيفية تنفيذها:

تغير المناخ

وخلُصت إلى أن التركيز على دور الأفراد في رحلة مكافحة تغير المناخ يعدّ ضرورة لا بديل عنها، إذ يمكن للحكومات تبنّي أهداف بيئية متفائلة في ظل توافر إمكانات مالية داعمة، لكن دون تغير سلوك الفرد لن تنجح هذه المسارات.

وفسّرت ذلك بأن سلوك الفرد المستدام يُغيّر من اتجاهات التصنيع والاستهلاك للدول، إذ إن طبيعة الطلب على المنتجات والتطبيقات تُوجّه المورّدين إلى المسار التجاري الأكثر ربحًا، كما أنه يشكّل ضغطًا على إستراتيجيات الحكومات.

انتقال مناخي "عادل"

أوصت الدراسة بضرورة العمل على "شمول" إجراءات مكافحة نغير المناخ لشرائح المجتمع كافة، وعدم قصرها على شريحة المستهلكين "الأغنياء" فقط، أو ذوي الدخل المرتفع.

وأرجعت ذلك إلى أن تداعيات التراخي في إنقاذ البيئة قد تعمّ فئات المجتمع كافة، إذ قدّرت حجم الوظائف المعرّضة للتداعيات المناخية بنحو 800 مليون وظيفة عالميًا.

وأوضحت نتائجها أن التكامل بين سلوك الأفراد وأصحاب الأعمال والشركات والحكومات أمر حيوي لتحقيق الانتقال العادل، والواقعي في الوقت ذاته.

ولفتت الدراسة إلى تغيير نسب الإقبال على ممارسة العمل المناخي بين ذوي شرائح الدخل الـ3 (المرتفع، المتوسط، المنخفض) مع تباين معدلات الأسعار، إذ تراجع عدد لا بأس به عن الشراء المستدام مقابل أولوية استقرار العمل والدخل.

وانعكس معدل الإقبال على التطبيقات المستدامة على مدى انتشار الطاقة المتجددة، إذ كشفت عينات الاستطلاع أن فردًا ضمن كل 4 أشخاص مشاركين في الاستطلاع من شريحة أصحاب الدخل المرتفع، يعتمد على الطاقة المتجددة لتزويد منزله بالكهرباء النظيفة بصوره دائمة.

ويشكّل هذا المعدل -رغم انخفاضه- ضعف نسبة اعتماد ذوي الدخل المتوسط والمنخفض من المشاركين على الطاقة المتجددة، رغم انخفاض تكلفتها مؤخرًا.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق