ظاهرة "النينو" تهدد توليد الطاقة الكهرومائية في أميركا الجنوبية (تقرير)

يمثل استقرار قطاع الطاقة الكهرومائية في أميركا الجنوبية ضرورة مُلحّة لدول القارة المعتمدة كثيرًا على هذا المصدر النظيف؛ ما يجعلها تتأثر بشدة بظاهرة "النينو"، التي تصاحبها موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، أكثر من مناطق العالم الأخرى.

وتستعد دول أميركا اللاتينية لاستقبال موجة جديدة من موجات ظاهرة النينو المناخية خلال الصيف المقبل (2023-2024)؛ ما قد يؤثر في زيادة الطلب على الكهرباء وارتفاع أسعارها خلال العام المقبل، وفقًا لتقرير حديث صادر عن شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي".

وتعني ظاهرة النينو المناخية ارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيطات؛ ما يؤدي إلى دفع كميات كبيرة من الحرارة إلى الغلاف الجوي، وهي ظاهرة يتأثر بها قطاع الطاقة الكهرومائية في أميركا الجنوبية نتيجة تغير أنماط هطول الأمطار، وفقًا لما ترصده وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية.

ورجّح تقرير ريستاد إنرجي مرور القارة اللاتينية بتحديات كبيرة، خلال الصيف المقبل، استنادًا إلى احتمالات قوية -مؤكدة بنسبة 90%- بظهور تأثيرات ظاهرة النينو المرصودة في المحيط الهادئ -حاليًا- خلال 2024.

ورسم التقرير خريطة توقعات تراجع توليد الطاقة الكهرومائية في أميركا الجنوبية وآثارها في استهلاك المصادر البديلة (الفحم والغاز الطبيعي)، وارتفاع أسعار الكهرباء حسب حالة القطاع بكل دولة.

ورجّحت ريستاد إنرجي تأثُّر كل من كولومبيا والبرازيل وتشيلي وبيرو، بأي نقص محتمل في توليد الطاقة الكهرومائية بسبب ظاهرة النينو المناحية؛ نظرًا إلى نسبة المساهمة الكبيرة لهذا المصدر بمزيج الكهرباء الوطني في البلدان الـ4.

توقعات مشهد الطاقة في كولومبيا

استحوذت الطاقة الكهرومائية على 80% من توليد الكهرباء في كولومبيا، خلال النصف الأول من عام 2023، وسط توقعات بأن تكون أكثر المتضررين من موجة الجفاف المقبلة خلال صيف 2024، مع انتشار تأثيرات ظاهرة النينو المناخية.

وانخفض تدفق المياه إلى المحطات الكهرومائية بنسبة 14% عن متوسطها المعتاد خلال آخر حدث معتدل من ظاهرة النينو في عام 2019، وسط توقعات بتسجيل مستويات قريبة من هذا الانخفاض خلال عام 2024؛ ما سيؤثر في سوق الكهرباء ويرفع أسعارها في كولومبيا بصورة شبه مؤكدة، وفقًا لتقديرات ريستاد إنرجي.

ويمكن لتوليد الطاقة الكهرومائية في كولومبيا أن ينخفض بمقدار 2.8 تيراواط/ساعة، خلال النصف الأول من عام 2024، حال تراجع كميات المياه المتدفقة إلى المحطات الكهرومائية أقل من المتوسط المعتاد بـ10% فقط حتى يونيو/حزيران 2024.

ويُمثِّل هذا الانخفاض المحتمل بقدرة التوليد الكهرومائي في كولومبيا قرابة 10% من الإنتاج المتوقع للقطاع؛ ما سيؤثر في مشهد الطلب على الكهرباء ومن ثم الأسعار، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وارتفعت أسعار الكهرباء في كولومبيا أكثر من 90%، خلال النصف الأول من عام 2023، من 50 دولارًا لكل ميغاواط/ساعة إلى 96 دولارًا لكل ميغاواط/ساعة.

وقد يستمر هذا الاتجاه التصاعدي مع الانخفاض المستمر في معدلات هطول الأمطار ومستويات المياه؛ ما قد يتسبب في تجاوز أسعار الكهرباء 100 دولار لكل ميغاواط/ساعة، على حسب شدة ظاهرة النينو ومدتها، وفقًا لتوقعات ريستاد إنرجي.

وتبدو أسعار الغاز الطبيعي في كولومبيا مرتفعة بالفعل؛ ما يعني أن استمرارها في تعويض النقص في التوليد الكهرومائي عبر حرق مزيد من الغاز لن يزيد الأمر إلا تكلفة باهظة في دولة تعاني أزمات اقتصادية وتحديات مالية كبيرة.

توقعات المشهد في البرازيل

يتفاوت تأثير ظاهرة النينو في البرازيل بسبب مساحة البلاد الشاسعة التي تتجاوز 8.5 مليون كيلومتر مربع، ومزيج الطاقة الكهرومائية، الذي يواجه ظروفًا مناخية مختلفة في مناطق البلاد.

ورغم توقع ارتفاع درجات الحرارة العامة في البرازيل بصورة أعلى، خلال العام المقبل؛ فإن المنطقة الجنوبية من البلاد ستشهد مزيدًا من الأمطار، بينما ستتعرض المناطق الشمالية الشرقية للجفاف.

وتسبّبت ظاهرة النينو، خلال عام 2019، في انخفاض تدفقات المياه بالمناطق الشمالية الشرقية إلى 43%، إلا أن مستويات الخزانات المائية البرازيلية حاليًا نجحت في الوصول لمستوى 80%.

ومن المتوقع ارتفاع الأسعار الفورية للكهرباء شمال شرق البرازيل فوق 20 دولارًا لكل ميغاواط/ساعة، خلال العام المقبل، إذا لم تستطِع الخزانات المائية الوصول إلى مستويات كاملة من التخزين خلال موسم الأمطار المقبل.

ومع ذلك، يمكن لمشروعات الطاقة المتجددة -خاصة الطاقة الشمسية الموزعة على الأسطح- أن تُسهِم في توازن العرض وتخفف من تقلبات أسعار الكهرباء خلال الصيف المقبل، وفقًا لتقديرات ريستاد إنرجي.

توقعات تشيلي وبيرو

تمتد توقعات الطاقة الكهرومائية في أميركا الجنوبية إلى تشيلي، التي يُتوقَّع تحسن قدرتها على التوليد بسبب ارتفاع هطول الأمطار من الشمال إلى المنطقة الوسطى خلال فصل الشتاء المقبل الممتد من يونيو/حزيران حتى أغسطس/آب 2024.

وتشير هذه التوقعات إلى قدرة تشيلي على ملء الخزانات وتعزيز قدرة التوليد من الطاقة الكهرومائية خلال الربع الأخير من عام 2024، إلا أن ظروف الشتاء قد تدفع إلى زيادة استهلاك الكهرباء في المنطقة الوسطى التي تتركز فيها أغلب الأحمال الكهربائية؛ ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار الفورية للكهرباء طوال فصل الشتاء المقبل.

وأدت ظاهرة النينو عام 2019 إلى ارتفاع ذروة الطلب على الكهرباء في تشيلي بنسبة 2.1%؛ ما يرجّح معدلات أكبر إذا جاءت موجة النينو المقبلة أعلى من سابقتها.

وتصل توقعات نقص الطاقة الكهرومائية في أميركا الجنوبية إلى دولة بيرو ذات الـ34 مليون نسمة، التي تعتمد على التوليد المائي بنسبة 50% لتلبية احتياجاتها الوطنية من الكهرباء.

ومن المتوقع هطول أمطار غزيرة بالمنطقة الشمالية في بيرو، خلال الصيف المقبل الذي يتزامن مع موسم الأمطار في البلاد.

وتسبّبت ظاهرة النينو، عام 2019، في انخفاض تدفقات المياه إلى المحطات الكهرومائية أقل من المتوسط المعتاد بنسبة 10%، لكن توقعات الأمطار الغزيرة، خلال الصيف المقبل، ربما تُجنِّب بيرو مصير الموجة المناخية السابقة.

ورغم ذلك يمكن للعواصف الشديدة أن تلحق الضرر بالبنية التحتية لنقل الكهرباء؛ ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في المنطقة الشمالية، لكن ذلك سيتوقف على حدة الموجة المقبلة من ظاهرة النينو ومدتها، وفقًا لتقديرات ريستاد إنرجي.

موضوعات متعلقة..

• تخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ يشهد طفرة عالمية بقيادة الصين (تقرير)
• سعة الطاقة الكهرومائية العالمية ترتفع 34 غيغاواط في عام 2022 (تقرير)
• سعة الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.. مصر والمغرب بقائمة الـ10 الكبار (إنفوغرافيك)

اقرأ أيضًا..

• استثمارات التنقيب عن النفط والغاز قد تتجاوز 22 مليار دولار سنويًا حتى 2027 (تقرير)
• بطاريات تدفق الأكسدة تشهد تطورًا جديدًا يُعزز قدراتها التخزينية
• أدنوك الإماراتية توقع صفقة بـ500 مليون دولار لتزويد اليابان بالغاز المسال