اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا حبر على ورق.. هل يتبدد الحلم؟
محمد عبد السند
- البيروقراطية تهدد بنسف اتفافية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا
- تعتمد جنوب أفريقيا على الفحم في توليد أكثر من 80% من احتياجاتها من الكهرباء
- لم تتمكن كارباورشيب من إنجاز مهمتها في جنوب أفريقيا بسبب المعارضة الشديدة من قبل أنصار البيئة
- تعهّدت جنوب أفريقيا بتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول منتصف 2050
- تستطيع كارباورشيب تخزين 125 ألف متر مكعب (4.4 مليون قدم مكعبة) من الغاز الطبيعي المسال
أضحت اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا في مهب الريح، لعدم حصولها بعد على الموافقات البيئية، وعدم توقيع الاتفاقيات ذات الصلة مع مرافق الكهرباء والمواني الوطنية، ما يُفاقم أزمة الكهرباء الكارثية في الاقتصاد الأكثر تصنيعًا بقارة أفريقيا.
وتعتمد جنوب أفريقيا على الفحم في توليد ما يزيد على 80% من احتياجاتها من الكهرباء، وهي تحل في المركز الثالث عشر عالميًا في إطلاق الانبعاثات الكربونية المسببة للتغيرات المناخية.
ورغم التقدم الظاهري في اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا التي تستهدف رسو 3 سفن تركية والبدء في إنتاج كهرباء سعة 1200 ميغاواط، تواجه شركة كارباورشيب Karpowership التركية، أكبر مورّد في العالم لمحطات الكهرباء العائمة التي تعمل بالغاز، عددًا من القضايا المحلية الملحة التي تُعطّل التنفيذ على الأرض، من بينها التصورات السلبية من الرأي العام، والمشكلات ذات الصلة بسياسة التمكين الاقتصادي الأسود في جنوب أفريقيا، حسبما أوردت صحيفة "بيزنس تيك" BUSINESS TECH.
ويشير مصطلح التمكين الاقتصادي الأسود إلى سياسة تنتهجها حكومة جنوب أفريقيا، وتهدف إلى تسهيل المشاركة الأوسع في الاقتصاد من قبل السود.
حُلم قد يتبدد
تواجه اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا رياحًا معاكسة عاتية، في ظل الصعوبات التي تواجهها كارباورشيب منذ دخولها جنوب أفريقيا، وفق ما صرّحت به الشركة إلى صحيفة سيتي برس City Pres المحلية.
وكانت كارباورشيب، في البداية، تنتظر رسو 3 من سفن الكهرباء العائمة التابعة لها على امتداد الساحل الجنوب أفريقي، والبقاء هناك لمدة 20 سنة، من أجل المساعدة على تخفيف أزمة الكهرباء المتفاقمة في البلاد، في أعقاب فوزها بعطاء في شهر مارس/آذار (2021).
ومع ذلك لم تتمكن كارباورشيب من إنجاز مهمتها الموكلة إليها، نتيجة المعارضة الشديدة من قبل أنصار البيئة وأصحاب المصلحة الآخرين للمشروع برمته.
وتتنامى المخاوف إزاء الآثار الناجمة عن السفن على الساحل المحلي والبيئة البحرية، إلى جانب علامات الاستفهام التي تثيرها مسألة رسو السفن لمدة 20 سنة على أساس طارئ.
وبينما تشتد الحاجة في جنوب أفريقيا إلى توليد سعة كهرباء إضافية في الوقت الراهن، من المفترض أن تشهد البلاد نهاية لأزمتها خلال 20 سنة حال أصبحت الخطط الحكومة بشأن اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا واقعًا ملموسًا.
تحديات قائمة
تظل مدة السنوات العشرين باهظة التكلفة، وهو ما لا تستطيعه جنوب أفريقيا ماديًا، في ظل أوضاعها الاقتصادية المتردية.
كما تبرز قضية التزام كيب تاون بالانبعاثات الكربونية التي يجب أخذها في الحسبان، نظرًا إلى أن استعمال سفن الكهرباء العائمة للغاز من الممكن أن يرفع تلك الانبعاثات إلى مستويات أعلى من الحدود المخطط لها.
وينظر القضاء الجنوب أفريقي في جميع تلك القضايا، وهو ما يضيف عمليات قانونية مطولة إلى المشروع المتعطل في الأصل.
وقال مدير الأعمال في كارباورشيب محمد كاتمر، إنه ومنذ وصلت شركته إلى الأراضي الجنوب أفريقية، فإنها تتعرض لانتقادات غبر مبررة، في ظل عدم فهم غالبية الأشخاص لبنود العقود أو آلية تنفيذها.
وأضاف كاتمر، أن توليد الكهرباء من الغاز ليس عملاً "قذرًا" كما تصفه مجموعات الضغط أو تروج له، نافيًا في الوقت ذاته أن يكون هذا بديلًا أكثر كُلفة لتوليد الكهرباء.
وأوضح أن انبعاثات الغاز أنظف بنسبة 50% من نظيرتها الصادرة عن الفحم، كما أنها أنظف بنسبة 25% من وقود الديزل، مشيرًا إلى أن هذين الوقودين (الفحم والديزل) يُستعملان الآن من قبل مرفق الكهرباء الرئيس في جنوب أفريقيا "إسكوم" Eskom.
عقد ملياري
أشار كاتمر إلى أن العقد البالغة مدته 20 عامًا سيكلّف الحكومة الجنوب أفريقية 20 مليار راند جنوب أفريقي سنويًا (مليار و44 مليون دولار أميركي)، أو ما يعادل قيمته 400 مليار راند خلال المدة كاملة، وهو أرخص مما تنفقه إسكوم.
(الراند الجنوب أفريقي = 0.052 دولارًا أميركيًا)
وعلى صعيد متصل، قال مدير الأعمال في كارباورشيب محمد كاتمر، إن شركته ترغب في التفاوض على بنود العقد، رغم أنها أكدت أن السلطات الجنوب أفريقية لم تتواصل معها رسميًا في هذا الخصوص.
وكانت تقارير صادرة أوائل الأسبوع الحالي قد لفتت إلى أن الأطراف المعنية تدرس إبرام عقد جديد مدته 5 أعوام.
وقدّر الأكاديميون أن عقدًا جديدًا أقصر زمنًا سيكلف جمهورية جنوب أفريقيا ما إجمالي قيمته 15 مليار راند سنويًا، وهو ما سيبدو مواتيًا أكثر من البنود الحالية، بالنظر إلى تصريحات شركة كارباورشيب.
ووضعت تقديرات سابقة قيمة عقد اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا عند 230 مليار راند، أو ما يزيد على 11 مليار راند سنويًا.
لكن على أي حال، يبقى السغر قضية مثيرة للجدل، وهو ما يُنذر بظهور مشكلة أخرى تفاقم أزمة الكهرباء العميقة في جنوب أفريقيا.
سياسة التمكين الاقتصادي للسود
هناك قضايا أخرى تلوح في الأفق، تتعلق بسياسة التمكين الاقتصادي للسود، وفق ما أوردته صحيفة صنداي تايمز Sunday Times البريطانية.
وتندلع معركة بسبب شراكة التمكين الاقتصادي للسود في اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا، والتي من الممكن أن تدر مليارات الراندات على الشركاء من هذه المبادرة.
ومن المقرر أن يحصل شركاء مبادرة التمكين الاقتصادي للسود في شركة كارباورشيب في جنوب أفريقيا على نصف قيمة العقد، أي ما يُقدر بـ200 مليار راند على مدار 20 عامًا.
ولا يمكن الاستغناء عن هؤلاء الشركاء في عملية تنفيذ اتفاقية سفن الكهرباء العائمة في جنوب أفريقيا.
ومع ذلك، فرغم أن المجموعة تمتلك شركاء محليين، فإنها تتطلع إلى أطراف ثالثة بسبب التأخيرات المحلية، وعدم قدرة الشركاء الحاليين على تجاوزها.
غير أن الشركاء المحليين يعارضون بقوة استغلال شراكة التمكين الاقتصادي للسود، من قبل طرف ثالث.
وتتألف المرافق التي تديرها "كارباورشيب" من وحدة التخزين والتغويز العائمة، وهي سفينة تُعرف باسم "إف إس آر يو" FSRU ، تُخزّن الغاز الطبيعي المسال عند 160 درجة مئوية، إلى جانب سفينة كهرباء عائمة تقع على بعد عدة مئات من الأمتار، وتستعمل الغاز في توليد 450 ميغاواط من الكهرباء.
وبمقدور السفينة الموجودة في كيب تاون تخزين 125 ألف متر مكعب (4.4 مليون قدم مكعبة) من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يكفي لتشغيل سفينة كهرباء عائمة سعة 450 ميغاواط تعمل 18 ساعة في اليوم لمدة 40 يومًا.
وعادة ما تستعمل روسيا، خاصة شركة الغاز الحكومية "غازبروم"، وحدات القياس غيغاواط وتيراواط في تعاملاتها الأوروبية (غيغاواط/ساعة = 3.2 مليون قدم مكعبة غاز) و(تيراواط/ساعة = 3.2 مليار قدم مكعبة غاز).
.
* مليون طن متري من الغاز المسال يعادل 1.38 مليار متر مكعب.
أزمة كهرباء طاحنة
ما تزال شبكة الكهرباء في جنوب أفريقيا تعاني سلسلة من الأزمات التي تبدو مزمنة، أبرزها الديون المتراكمة، وإمكاناتها المالية المتواضعة، ما يجعلها عاجزة عن تغطية تكاليف التشغيل، إلى جانب المرافق المتهالكة التي اقتربت من تجاوز عمرها الافتراضي، والأعطال المتكررة في ظل عدم وجود عمليات صيانة وعمال ذوي خبرات.
وتبرز المنازل والمشروعات في أكبر اقتصاد صناعي في أفريقيا الفئتين الأكثر عرضة لانقطاعات مجدولة للكهرباء، تدوم حتى 10 ساعات يوميًا.
وأثرت أزمة انقطاع الكهرباء في الاقتصاد الجنوب أفريقي، إذ أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى تراجع إجمالي الناتج المحلي بنحو 5% في العام الماضي (2022)، وفق تصريحات شركة الكهرباء الوطنية إسكوم.
يأتي هذا فيما تعهدت جنوب أفريقيا بتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول أواسط القرن الجاري (2050)، غير أن الوفاء بهذا الالتزام ربما يكون بعيد المنال في ظل اعتماد البلاد على الفحم، الوقود الأحفوري الحساس بيئيًا، لتأمين 80% من الكهرباء، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
الفحم باقٍ في مزيج الكهرباء
بينما كانت إسكوم تستعد لإغلاق محطات الكهرباء العاملة بالفحم خلال المدة بين عامي 2031 و2034، أكد الرئيس سيريل رامافوزا في يناير/كانون الثاني 2023، أن بلاده لن تفطم نفسها عن استعمال الفحم من أجل تحول الطاقة.
وبناءً عليه، فإنه من المتوقع أن تتسع الفجوة بين العرض والطلب على الكهرباء في جنوب أفريقيا خلال فصل الشتاء المقبل، وهو ما سيزيد الضغوط على الشبكة المرهقة بالفعل.
موضوعات متعلقة..
- اتهام مسؤول كبير بتخريب محطات الكهرباء في جنوب أفريقيا
- الكهرباء في جنوب أفريقيا ضحية الارتفاع العالمي لأسعار الطاقة
- الكهرباء في جنوب أفريقيا.. أزمة إسكوم تتفاقم بسبب نقص عمال الصيانة
- شركة كهرباء جنوب أفريقيا تتجه إلى إجراء يهدد حياة المئات
اقرأ أيضًا..
- لماذا تهرب الخفافيش من محطات الطاقة الشمسية؟ عداء أزلي يحير العلماء
- أكبر محطة طاقة شمسية في الأردن.. مشروع ضخم بتقنية مميزة (صور)
- صفقات النفط والغاز العالمية تسجل 57 مليار دولار في الربع الثاني من 2023 (تقرير)